المنشور

رئيسان في مأزق اللحظة التاريخية

الرئيس
الفرنسي فرانسوا هولاند ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، مصدومان .
الأول للهزيمة النكراء التي لحقت بحزبه الاشتراكي الحاكم في الانتخابات
البلدية التي جرت في الثلاثين من مارس/آذار ،2014 والثاني للفوز المؤزر
لحزبه الحاكم حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية التي جرت أيضاً،
وللمفارقة بصورة متزامنة مع نظيرتها التركية (في 30 مارس/آذار 2014) .


قبيل
الانتخابات تملَّكت رئيس الوزراء التركي حالة من الهياج العاطفي الناجم عن
مكر السياسة وأحابيلها، عبّرت عنها قراراته الانفعالية القلقة بحجب مواقع
التواصل الاجتماعي “تويتر”، و”فيس بوك”، و”يو تيوب”، على إثر مساهمتها في
فضح بعض عمليات الفساد التي غرقت فيها بطانته من الوزراء ورجال الأمن
والقضاء، والكشف عن أحد جوانب مخطط حكومته للتورط في مستنقع الأزمة السورية


وما أن أُعلنت نتائج الانتخابات البلدية التركية عن فوز حزب العدالة
والتنمية بنسبة 46% حتى اندفع أردوغان وسط الحشود الموالية بأوداج منتفخة
يهدد ويتوعد خصومه بالثأر وتصفية الحساب معهم!


أما الرئيس الفرنسي
فرانسوا هولاند، وقد صعقته النتائج المخيبة التي حصدها حزبه الاشتراكي في
الانتخابات البلدية، فإنه اختار الظهور أمام قيادات وقواعد الحزب وعموم
الرأي العام الفرنسي بتقمص شخصية القيادي القوي الذي لم تفقده الصعقة
توازنه . فلقد سارع لمخاطبة الفرنسيين على طريقة الرئيس التونسي المعزول
زين العابدين بن علي “الآن فهمتكم” ، بالقول “لقد تلقيت رسالتكم وها أنذا
أقيل رئيس وزرائي جان مارك ايرولت وأٌعين مكانه وزير الداخلية الشاب مانويل
فالس رئيسا جديدا لحكومة أُريدها أن تكون مقاتلة من أجلكم” .


ولكن يبدو
أن وقع الصدمة كان شديداً عليه وعلى الحلقة الضيقة من مستشاريه ورجاله
المقربين، إذ دفعته الإهانة الشخصية والحزبية التي تلقاها من الفرنسيين
جزاء عشوائية وتخبط أدائه القيادي، للاستدارة البائسة نحو مواقع اليمين
النيوليبرالي، وهو الذي عُدَّ على أنه يمثل سدنة اليسار الفرنسي بنسخته
الفرنسية المخملية، كعربون أوّلي لمحاولة مغازلة وكسب ود أوساط ومراكز قوى
اليمين الفرنسي .


كلاهما مخطئ، على ما نزعم . الأول، رجب طيب أردوغان،
سيتسبب بنزقه السياسي واندفاعه المتحفز بنشوة الفوز، لتوسيع رقعة خصومه
وأعدائه، في إعادة إنتاج عجيبة للنسخة المصرية من تجربة صعود الإخوان إلى
السلطة، حيث ركبهم الغرور ولم يعودوا يرون سوى أنفسهم، فكان أن أغضبوا
الجموع، خصوصا جموع العامة البسطاء الذين صدقوا وعودهم، فهبوا سريعا لتصحيح
خطئهم والتخلص منهم . فالإخوان بارعون، كما هو معروف، في شراء ولاءات
الناس البسطاء بإغداق العطايا والمكرمات عليهم (من “جيب” الدولة في الحالة
التركية) حتى ولو اقترن هذا النوع من “البزنس” السياسي بعمليات فساد وإفساد
واستغلال مناصب ومواقع نفوذ .


أما الثاني، الرئيس الفرنس فرانسوا
هولاند، فإن استعانته ب “مانويل فالس” الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في
حكومته المستقيلة، والذي أكسبه الأداء الجيد في قيادتها، شعبية بين
الفرنسيين، ليقود الحكومة الجديدة “المقاتلة من أجل الشعب” ، فإن ميوله
اليمينية سوف تحفزه وتدفعه، منطقياً، لاتباع سياسات اقتصادية غير شعبية، إن
هي جاءت على هوى أصحاب رؤوس الأموال، بفرضية “التنقيط من أعلى”، أي تأمين
شروط ازدهار الشركات بما يقود إلى إنعاش الطلب على قوة العمل وتسخين محركات
النمو .


وإذا كان النمو المتراكم للثروة الذي يُسجل إنجازه لحزب
العدالة والتنمية منذ عام ،2002 ربما يشفع لرئيس الوزراء التركي أردوغان،
تبجحاته وتنفيذ تهديداته ضد خصومه، وصولاً إلى الانتخابات التشريعية في
العام المقبل، فإن وضع الرئيس الفرنسي، بعد الهزيمة في الانتخابات البلدية
الأخيرة، لا يحسد عليه .


منتهى القول إنّ الرجلين الكاسب منهما
(أردوغان) والخاسر (هولاند)، هما اليوم، وبعد الماراثون الانتخابي البلدي
الذي اجتازاه، ليسا في أفضل حالاتهما اللياقية السياسية، رغم فارق النقاط
المسجل لصالح أردوغان .


ولعلنا بذلك نحسب أن الأيام ستكون حبلى بالوقائع
والحوادث التي ستصنعها الحالة النفسية والمعنوية لشخصيتيهما ما بعد
الانتخابات البلدية .



د . محمد الصياد