المنشور

حاضنتا الإرهاب

في مقالة
نُشرت على هذه الصفحة من الصحيفة بتاريخ 7 يونيو/حزيران 2014 بترتيب مع
موقع “بروجكت سنديكيت”، لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق
(1997-2007)، قارب بلير جوهر معضلة “الثورة الإرهابية العالمية”- إن جاز
التعبير- في بقاع مختلفة من العالم، وإن عمد بصورة مكشوفة لاستغلال هذه
المعضلة العالمية الجديدة، للترويج لمؤسسته ولمشاريعها في عدد من البلدان
الإفريقية، لاسيما أن المقال كرس على ما هو واضح للتعليق على جرائم بوكو
حرام في نيجيريا ومنها خطف أكثر من مئتي تلميذة من مدارسهن، وذلك برسم
تصدير المقال بعنوانه اللافت “إيديولوجية الخاطفين النيجيريين” .
ومع
ذلك فإن بلير قد أصاب كبد الحقيقة بملامسته الخاطفة للخلفية الإيديولوجية
ولمصدر نبتة الإرهاب، لولا أنه، كما هو حال الزعامات الغربية التي تقارب
موضوع الإرهاب بمواقف لفظية وفعلية في غاية اللبس والإثارة الاستفهامية،
لولا أنه كان رقيقاً – أو احتيالياً إن شئتم- في تعاطيه الوصفي والتوصيفي
للإرهاب الهمجي .
يقول بلير “يلعب الفقر وانعدام التنمية دورين كبيرين
في إيجاد الظروف التي تحتضن التطرف، ولكن الفقر وحده لا يفسر المشكلة” .
وفي مكان آخر من المقال يقول: “تستند هذه الإيديولوجية – يقصد إيديولوجية
الإرهاب – إلى نظرة مشوهة وزائفة للدين . وإن هذه النظرة يتم تدريسها داخل
أسوار المدارس الرسمية وغير الرسمية في مختلف أنحاء العالم” .
ويتابع في
مكان ثالث “في كل عام ينفق الغرب مليارات الدولارات على الأغراض الدفاعية
في مكافحة الإرهاب، بيد أن الشيء الذي نحاربه يجد رخصة للنمو في الأنظمة
التعليمية في العديد من البلدان التي نتعاون معها وحتى في بلداننا” .
في
تقديرنا، فإن توني بلير ربما يكون قد وضع يده على مكمن خلية تخليق
الإيديولوجية الإرهابية أو “التربة التي تمد فيها هذه النبتة السامة
جذورها”، بحسب تعبيره، وهي ذلكم النوع من التعليم الذي يُدار داخل أسوار
المدارس الرسمية وغير الرسمية في عديد البلدان . هذا صحيح، هنا تُزرع بذرة
غسل العقول بتغذيتها يومياً بأمصال كراهية الآخر المختلف وتكفيره واستحلال
دمه وماله وعرضه . وهذا ما يجعل التعليم، أو على الأقل هذا النوع “الخاص”
من التعليم، اليوم، قضية أمنية عالمية تستأهل، بل تستوجب، على ما يقترح
بلير، وضعها على أجندة اجتماع قمة مجموعة العشرين في دورته القادمة، من أجل
الخروج بما يلزم كافة دول العالم بتحمل مسؤولياتها في اعتماد التعليم
الحاض على التسامح الديني والإخاء والمساواة، وإلغاء المواد التعليمية
الحاضة على ذم الآخر وكراهيته من مقرراتها .
ولأن الشيء بالشيء يذكر،
فلعلنا نضيف إلى ملاحظة بلير الوجيهة حول الدور المحوري الذي تلعبه
الإيديولوجية الإقصائية المتجذرة في تلك المناهج التعليمية في إنتاج
الإرهاب – نضيف ملاحظة ثانية جديرة بالإثارة والتنويه، لا تقل أهمية عن
الدور التعبوي التحشيدي لايديولوجية إنكار الآخر وإهدار حقه في الحياة
توطئةً لإهدار دمه واستباحته همجياً، وتتمثل في أن قليلاً من التفرُّس
والتمعن في البيئات الأولى الحاضنة لهذه الإيديولوجية الإرهابية، سنجد أنها
متوطِّنة في البيئات القبلية والعشائرية بوجهيها البدوي والآخر البدوي
المدجن (ظرفياً . . تطورياً) .
ينطبق هذا على كافة الأصقاع والمعاقل
التي نشأ فيها هذا الفكر وترعرع وصولاً إلى مرحلته المليشياتية العسكرية
الحالية . . . في اليمن، كما في الصومال، كما في العراق، كما في أفغانستان،
كما في باكستان، كما في سيناء، كما في ليبيا، كما في الجزائر، كما في
النيجر، كما في مالي، كما في تشاد، كما في نيجيريا، وكما في الأمكنة الأخرى
. . سيجد المتفرس والمتمعن في هذه الظاهرة الإرهابية أن مرتعها الأساس هو
هذه البيئات الجاذبة .
الفقر والبؤس الذي يلف هذه المناطق، ليس هو
المغناطيس الوحيد الذي تتوافر عليه بوفرة بائنة، وإنما العصبية والعشائرية
المشدودة إلى تربتها القاسية بكل ما لازالت تختزنه من مكونات ثقافية تليدة
عصية على مصادقة الجديد والحديث والتآلف معه حتى ولو كان بحجم وثقل وضراوة
المستوى المتعولم لعلاقات الإنتاج لعالم القرن الحادي والعشرين .
بهذا
المعنى فإن مكافحة الإرهاب على جبهته الفكرية ربما كانت أكثر تعقيداً من
محاربته أمنياً . إذ تغدو مهمة تفكيك البنى الثقافية والوشائج القبلية
والعشائرية التي يحيط نفسه بها في غاية التعقيد في ضوء اجتماع عنصري
التعليم الديني المؤدلج والبيئة القبلية والعشائرية على توفير الحاضنة التي
يطلبها، ما لم يكن ذلك مؤسساً على قرار دولي حاسم مشمول برعاية ودعم
دوليين وذي هدف محدد على نحو الهدف الأسمى الخاص بخفض معدل الفقر في العالم
وما شاكله . – See more at:
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/542aa0f3-4070-48f5-8ceb-317a88c7baec#sthash.rFRtBcZU.dpuf