المنشور

عوامل الحرب العالمية الثانية تتجدد

في
إطار دبلوماسية العلاقات العامة، التأم شمل الحلفاء في الحرب العالمية
الثانية في الذكرى السبعين لعملية الإنزال العسكري الكبرى التي نفذتها جيوش
الحلفاء في الحرب العالمية الثانية على شواطىء النورماندي، لتحرير شمال
فرنسا من الاحتلال النازي، حيث تم إنزال مئة وخمسين ألفاً من المظليين
الأمريكيين والبريطانيين والكنديين على تلك البقعة من أراضي الشمال الفرنسي
. وكان ذلك في السادس من يونيو/ حزيران من عام ،1944 وهي العملية التي
تكللت بعد 80 يوماً من القتال بتحرير شمال فرنسا والتقدم منه لتحرير بقية
أنحاء أوروبا من الاحتلال النازي بالتوازي مع الهجوم المضاد الذي شنه الجيش
السوفييتي بقيادة الجنرال جيورجي جوكوف لدحر النازيين الألمان عن أراضي
الاتحاد السوفييتي، والتقدم لتحرير بلدان أوروبا الشرقية، وصولاً إلى برلين
ومحاصرة الزعيم النازي أدولف هتلر وأركان حكمه في مقر قيادتهم ومطالبتهم
بالاستسلام، قبل أن يقرر هتلر الانتحار على تسليم نفسه لعدوه اللدود
الجنرال جوكوف .
كانت تلك بالفعل نقطة تحول فارقة في التاريخ الإنساني
سطر فيها الحلفاء في النورماندي وعلى جبهات القتال الأخرى ملاحم بطولية،
دفعت فيها الولايات المتحدة ثمناً كبيراً من أبنائها بلغ عددهم حتى انتهاء
الحرب 300 ألف جندي، في حين بلغت أعداد ضحايا الاتحاد السوفييتي أكثر من 22
مليوناً، مع الفارق في التوقيت بين انخراط الولايات المتحدة في الحرب (في 7
ديسمبر/ كانون الأول ،1941 بعد أن قام الطيران البحري الياباني بهجوم
مفاجئ على القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربر، وبين بداية الهجوم
الألماني المفاجئ على الاتحاد السوفييتي في 22 يونيو/ حزيران 1941 .
انتهت
الحرب في أوروبا بسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين والاستسلام غير
المشروط من قبل الألمان في 9 مايو/ أيار 1945 لقوات الحلفاء (الولايات
المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي)، الذين وضعوا خريطة جديدة للعالم
وأنشأوا منظمة الأمم المتحدة لإشاعة الأمن والسلم الدوليين، ومنع الصراعات
المفضية للحروب . وهذا ما حدث، فلم تندلع حرب عالمية جديدة منذ ذلك التاريخ
رغم الضجيج والغبار الكثيف الذي أثارته الحرب الباردة بين حلفاء الأمس،
المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد
السوفييتي قبل انهياره .
وفي الرابع من يوليو/ تموز من كل عام تحتفل
الولايات المتحدة بذكرى الجنود الأمريكيين الذي ضحوا بأرواحهم، بخطابات
رسمية عاطفية وطنية تؤكد أن “أمريكا مدينة لهؤلاء باستمرار تمتعها بالحرية
والعدالة والطريقة الأمريكية في الحياة” .
ولكن إذا ما وضعنا هذه الخطب
الرنانة على أرض الواقع فسنجد أن أمريكا المؤسسة الرسمية الحاكمة قد أحالت
هذا اليوم إلى يوم للاحتفال المبطن بالحرب، وإهدار قيم الحرية والعدالة
التي ناضل من أجلها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة . ومن استعراض سريع
لهذا النكوص سنكتشف أن الرئيس الأمريكي السادس عشر أبراهام لينكولن
(1861-1865) أصدر أمراً تنفيذياً لاعتقال جميع الصحفيين بمن فيهم رؤساء
التحرير لصحف الولايات الشمالية، لاسيما صحيفة “نيويورك وورلد جورنال”
العائدة للحزب الديمقراطي، وصحيفة “نيويوك جورنال أوف كوميرس” والصحف
الصادرة في مدينة نيويورك، وأغلق 300 صحيفة واعتقل 14000 سياسي لمجرد
دفاعهم عن الفيدرالية، وانتقادهم لسياسته الحربية ضد الجنوب الذائد عن
حقوقه في عوائد موانئ الجنوب الأمريكي التي كانت تشكل آنذاك 75% من إيرادات
البلاد . والرئيس الثامن والعشرون وودرو ويلسون (1913-1921) استغل الحرب
العالمية الأولى لقمع الحريات، أما الرئيس فرانكلين روزفلت فاستغل الحرب
العالمية الثانية وأودع السجن 120 ألف أمريكي من أصول يابانية بدوافع محض
عنصرية . أما الرئيس جورج دبليو بوش فيعتبر أكثر الرؤساء الذين استغلوا ما
تسمى بالحرب على الإرهاب للهجوم على الحريات المدنية . وما زاد الطين بلة
أن لوبي المجمع الصناعي العسكري إذ لم يشأ توريط بلاده في حرب عالمية
ثالثة، فإنه لم يترك فسحة زمنية من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى
يومنا هذا إلا وشغلها بحروب متصلة تبدأ من الحرب الكورية (1950-1953)،
مروراً بحروب فيتنام ولاوس وكمبوديا في ستينات وسبعينات القرن الماضي،
وصولاً إلى حروب الخليج الثلاث وحرب أفغانستان وليس انتهاءً بالحرب الجوية
القائمة حالياً، والتي تغطي مساحات واسعة من قارتي آسيا وإفريقيا، من
باكستان واليمن إلى الصومال في القرن الإفريقي والعراق حالياً .
يقول
الجنرال برتبة رائد في سلاح البحرية الأمريكي سميدلي بتلر (Smedley
Butler): “لقد خدمت في كل المهام التي أنيطت لي من رتبة ملازم ثاني إلى
رتبة جنرال . وخلال تلك الخدمة، أمضيت معظم وقتي في تسخير قوتي لخدمة
البيزنس الكبير، وأوساط حي وول ستريت المالي وكبار البنوك” . ومازالت نخب
“المؤسسة” تبشر الأمريكيين بأن حرب بلادهم على الإرهاب سوف تستمر لثلاثين
سنة أخرى مقبلة . وهذه النخب هي التي أبقت الولايات المتحدة ومعها وكيلتها
المحلية “إسرائيل” الدولتين الأيديولوجيتين الوحيدتين في العالم،
أيديولوجية المحافظة الجديدة (Neo-conservatism ideology) . في الولايات
المتحدة التي تتأسس عليها اتجاهات السياسة الخارجية، والأيديولوجية
الصهيونية (Zionism) في “إسرائيل”، وكلتا الإيديولوجيتين تقومان على مبدأ
التفوق (Superiority) . ولكي يتكرس هذا التفوق فإن واشنطن، بصرف النظر عمن
يسكن بيتها البيضاوي، تعمل بهدي من مبدئي زبغنيو بريجينسكي وبول وولفويتز
المتمثلين في تأمين الهيمنة على شعوب وبلدان منطقة أوراسيا، بما يشمل ذلك
العمل الاستراتيجي الحثيث على تفكيك روسيا إلى دويلات ترتبط بنظام فيدرالي
تكون دويلاته أقرب إلى الدول المستقلة منها إلى الائتلاف الفيدرالي .
والشيء نفسه يجب أن يُطبق على الصين بحسب رؤية بريجينسكي، وذلك للإبقاء على
التفوق الأمريكي العالمي في إطار استراتيجيته المسماة “إطار الأمن العابر
للقارات (Transcontinental Security Framework)” .
يقال إن الفرق بين
استراتيجية زبغنيو بريجينسكي واستراتيجية المحافظين الجدد تجاه روسيا
والصين، أن الأولى ترى امكانية احتوائهما ووضعهما تحت المظلة الإمبراطورية
الأمريكية باعتبارهما عنصرين مهمين يمكن الاستماع إلى أصواتهما دبلوماسياً،
في حين لا يرى المحافظون لهاتين الدولتين المنافستين أي مكان تحت شمس
إمبراطوريتهم، ولا مجال للتعامل معهما سوى باستخدام العصا العسكرية والضغط
المتواصل عبر الدعم المالي والسياسي لمنظمات المجتمع المدني النشطة على
أراضيهما، والاستعانة كذلك بالمنظمات الإرهابية للقيام بأعمال تخريب واشاعة
فوضى مدمرة داخلهما .



د . محمد الصياد – See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/81f684d3-b6cc-4a44-ba4d-698ba98b6d54#sthash.nVSV5vFf.dpuf