المنشور

الى مشروع ديمقراطي عربي مقاوم

ورغم
الألم، رغم  براءة الأطفال التي تتراقص بدمائها، رغم الحديد والنار،
والتراب يدفن الشهداء دون مراسم، رغم كل ذلك وما يطرحه علينا من أسئلة
تجاور الإتهام، لا بد من رؤية هلال العيد يبزغ  مع فجر غزة وفلسطين  يوحد
المختلفين على رؤية الهلال في مناطق بعيدة نسبياً. هو العيد يبزغ من غزة
كما هلال  بنت جبيل غطى تموز وآب الـ 2006 حاملاًًً بشائر النصر.


هدف واحد حققه العدو، اكثر من  الف ومئتي شهيد، اكثر من نصفهم من الأطفال والباقي من الشيوخ والنساء وقلائل هم ابطال المقاومة….


الأنفاق
تفرخ نفسها وتتوالد ملحقة الرعب الرعب في جنوده وضباطه، الصواريخ تتساقط
محررة اجواء فلسطين بانتظار برها، وملحقة جرحاً جديداً فيما تبقى من نظرية
أمن اسرائيل.


 في المقابل حققت المقاومة عدة اهداف:


أولها
ان استهدافات العدو في نزع سلاحها وفي السيطرة على الشاطىء واستمرار
الحصار تدحرجت نزولاً حتى اصبحت مكتفية بالأنفاق وتكاد تصل الى مطالبة
الراعي الأميركي والأصدقاء العرب بالضغط من اجل الوصول الى وقف لاطلاق
النار. “وأصدقاؤها” العرب بل مموليها جاهزون لهذا الهدف،  تماماً كما نجحوا
جزئياً بمحاصرة انتصار المقاومة اللبنانية عبر اتفاقية انقاذ العدو 1701
…..


ثانيها
ما هو اهم من ناحية المضمون، وهو استمرار تعميق السؤال المصيري  لدى سكان
فلسطين المحتلة من غير العرب، حول وظيفة الكيان الصهيوني، هذه الوظيفة التي
تبلورت مع اكتشاف النفط أوائل القرن الماضي ووجدت إطارها باتفاق سايكس-
بيكو الأول، هي اليوم موضوعاً قابلاً للبحث يكاد يتم اختصاره بكونه تجمعاً
ليهود الشتات يستلزم الحماية ولا يستطيع لعب دور رأس الحربة. حتى المشروع
الأميركي- الصهيو- عربي، في (سايكس- بيكو) الثاني يكاد لا يجد دوراً لهذه
“الدولة”، بعد ان اسند هذا الدور للدول الدينية المتطرفة،  وأولها النموذج
الداعشي في العراق وما يمكن ان يستتبعه.


أما
الهدف الثالث الذي تحقق، فهو تأكيد مقولة أن المقاومة توحد ما فرقه
أوسلو… وبالتالي فإن شهداء غزة وجماهير الانتفاضة في الضفة والغاضبون في
كل ارض فلسطين، يضغطون اليوم  على فصائل المقاومة بالعودة  الى منطق منظمة
التحرير والمقاومة بشكل جديد، يحمل مشروعاً متكاملاً يدافع عن حق الشعب
بدولته وعاصمتها القدس كما حق ابنائه بالعودة وبالتالي يثبت حقه بالمقاومة
بكافة اشكالها…


أما
الهدف الرابع الذي لا بد من استكماله، فله علاقة بالموقف من الدول العربية
وجامعتها المسخ… وفي هذا الإطار فإن منطق المقاومة يفرض على الجماهير
العربية في كل الدول، المتواطئة بمحوريها،  والعاجزة بحكم مشاكلها، إعادة
تكوين أولويات انتفاضاتها وبشكل خاص، جماهير مصر مدعوة للضغط من اجل
استعادة قضية فلسطين الى واجهة انتفاضتها،  والقناعة بأن هذه القضية ليست
ولن تكون بديلة عن العدالة الإجتماعية، التي تبقى وهماً وهي معزولة عن هم
مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وراعية الأميركي وكذلك الحرية والديمقراطية لا
يمكن تحقيقها بفعل النكاية، يحاصر أطفال غزة وفلسطين وليس حماس فقط…


وهذا
الأمر يطال العراق ايضاً، فإن سياسة المراهنة على الصديق الأميركي وسياسة
ضرب الدولة والتمييز المذهبي، ساهمت بتغذية المشروع الأميركي- السعودي
بتأسيس دولة داعش، والحل لا يكون باستمرار سياسة التفرقة المذهبية وبمشروع
مذهبي آخر بل بمشروع يستعيد العراق الديمقراطي الموحد بتنوعه المتفاعل لا
المتنابذ…


كما
أن الأمر يطال سوريا، ظهير المقاومة، ونكتفي هنا بالتأكيد  على ضرورة
استعادة المبادرة الى حوار سوري داخلي، يحاصر القوى الإرهابية المسلحة
ويوحد الشعب والجيش بمواجهتها . إن التصريحات الأخيرة لبعض المعارضة تدفع
للقول بأن هذا الحوار بين الدولة والمعارضة المتفلتة من القرار الأميركي-
التركي- الخليجي اصبح ممكناً بل واجباً…


ولبنان
توأم المقاومة ليس خارج هذه التأثيرات، وهنا ومرة جديدة، فإن الأزمة فيه
أصبحت تتخطى لعبة التمسك بالنظام  الطائفي تحت حجة وشعار الشراكة والمشاركة
والصيغة واصبح الأمر يستدعي من القوى الحريصة الدعوة غير الملتبسة لتأسيس
جديد، خارج إطار النظام الطائفي المنظم للتبعية بالمفرق للخارج ( حتى انه
لا يمكنه رؤية هلال واحد لرمضان أو للعيد) والحامي لمنطق الخيانة الوطنية،
 والمبرر للحروب الأهلية. نعم سقط الطائف  ويجب أن لا يعاد إحياء النظام
الطائفي بشعارات جديدة وهذا التأسيس لا بد ان ينطلق من اساس واحد هو
الإنتماء الوطني الموحد ومدخله الأساسي اليوم هو رفض التمديد للأزمة عبر
التمديد للمجلس النيابي بل بانتخابات على قاعدة الدائرة والواحدة  وقانون
نسبي وخارج القيد الطائفي يشكل برلماناً تأسيسياً لإعادة صياغة دستور جديد
وإلا فإن على القوى الشعبية والنقابية والسياسية الديمقراطية أن تعمد هي، 
لرسم مسار تأسيسي شعبي يشكل قاعدة لبناء وطن جديد.  وهذا المسار يستدعي دعم
قاعدته الإجتماعية الممثلة بفقراء الوطن وعماله وموظفيه وفي هذا الإطار
تأخذ قضية السلسلة بعدها الوطني  وتتخطى إطارها المطلبي المحق والضروري
بذاته…


أما
دول الخليج، فإن معركة غزة اليوم وكما لبنان عام 2006 واجتياحه عام 1982،
فكلها تثبت بأن هذه السلطات هي سلطات  عميلة تشكل جزءاً من المشروع
الأميركي- الصهيوني وأحد عوامل تمويله وقوته، ولا حل لها، فهي إطار سرطاني
اصبح ضرورياً  استئصاله بملوكه وأمرائه وانظمتها التوتاليتارية (رغم رياء
وكذب بعض السياسيين والمفكرين اللبنانيين الذين يتحدثون عن الدكتاتوريات
العربية  ويدعمون السعودية؟؟؟)


الهدف الآخر وليس الأخير،  الذي طرحته ملحمة غزة البطولية، وهي مفهوم المقاومة وتكوينها في العالم العربي…


اثبتت
هذه المعركة، كما معركة المقاومة في لبنان منذ 82 حتى عام 2006، بأن  احدى
نقاط  ضعف المقاومة العربية هي في الإطار الحاضن لها… فهو إطار مؤقت،
موسمي وموضعي… لم يرتق ليشكل إطاراً موحداً يجمعه مشروع واحد، لمقاومة
شاملة تواجه مشروعاً شاملاً هو المشروع الأميركي… ولا بد من المساهمة ولو
أولياً في طرح السبب في هذه الإعاقة وهنا لا بد من  التأكيد على نجاح
العدو وحلفائه  في التركيز على الطبيعة المذهبية للمقاومة سواء في لبنان أو
فلسطين، مما يجتزىء الاحتضان الشعبي لها وتجربة حماس اليوم وتجربة انحسار
احتضان حزب الله في العالم العربي تؤكد هذه الفرضية…


حان
الوقت، للحسم في أن اسرائيل ليست ضد حزب الله الشيعي، أو حماس السنية، بل
هي ضد الوظيفة المقاومة لحزب الله ولحماس وليس ضد بنيتها، فالبنى المذهبية
هي الى حد كبير مبررة ليهودية دولة اسرائيل إذا ما فرغت من المقاومة.
والمثل الصارخ هو الدولة الداعشية المدعومة من اميركا واسرائيل والسعودية،
لأنها تبرر الأصولية اليهودية ولأنها معزولة عن منطق المقاومة…


والسؤال
البارز هنا ألم يحن الوقت، وفي ذلك احترام  لشهدائنا في غزة وفلسطين كما
في لبنان، لطرح مهمة مشروع عربي ديمقراطي مقاوم، يستوعب إطاره التنوع
الإيديولوجي والفكري والسياسي لمختلف قواه المقاومة.  اليس بمثل هذا الإطار
تعويض ولو جزئي للتضحيات الكبرى… نطرح هذه المهمة الآن ونحن الأضعف في
ميزان القوى ولكننا كنا قد مارسناها وطرحناها ونحن في موقع آخر . إنها
الوسيلة الوحيدة للتحرير والتغيير في العالم العربي


.








مقال د. خالد حدادة


الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني


جريدة السفير الخميس 31 تموز 2014