حتى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كان مثلث الشعر الفلسطيني المقاوم الذي يمثله أضلاعه الثلاثة الشعراء الشيوعيون الفلسطينيون توفيق زياد، ومحمود درويش ، وسميح القاسم ، والذين تمسكوا بالبقاء على تراب وطنهم المعروفة بأراضي ١٩٤٨يُجرمون ويخونون من قِبل ليس من أخوتهم العرب من قوى سياسية وشعراء وأدباء فقط ، بل ومن أشقائهم الفلسطينيين من مثقفين وفصائل فلسطينية في المنفى ..
واليوم بعد مضي أزيد من أربعين عاماً من ذلك التخوين والتجريم ،وبرحيل الضلع الثالث ، لهذا الثلاثي المقاوم ، ألا هو سميح القاسم ، وإذ يقف العرب بكل سياسييهم و بكل مثقفيهم ونخبهم الشعرية انحناءً لما لعبه هؤلاء الثلاثة في ابقاء جذوة المقاومة مشتعلة ليس في داخل أراضي ٤٨فحسب ، بل وعلى أمتداد كل الاراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر، لا أحد يتذكر للأسف أو يشير من قريب أو بعيد من قِبل أولئك الفلسطينيين والعرب إلى الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي داخل أراضي 48 في احتضان مواهبهم وابرازهم في صحافته وإعلامه، في وقت كانوا فيه معزولين كلياً محاصرين عن محيطهم العربي والفلسطيني خارج أراضي عرب 48. لكن هذا الحزب لم يسهم فقط في احتضان مواهبهم وقريحاتهم الابداعية الشعرية في صحافته، وبخاصة “الأتحاد” ” الفكر الجديد” ، بل قيّض له موضوعياً بأن يكون هو صاحب الدور التاريخي الاستثنائي داخل الاراضي التي اُقيمت عليها الدولة العبرية في الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية لعرب ٤٨ وصيانة تراثهم اللغوي في قلب محيط استيطاني جديد ذي أغلبية يهودية عبرية ساحقة معادية لكل ما يُمت بصلة للغتهم وتراثهم اللغوي والقُطري والقومي . ومع أنه كل شعب مقاوم يبدع ويبتكر وسائله النضالية الخاصة للدفاع عن هويته وخصوصيته الوطنية المستهدفة من عدوه، إلا أنه من الصعوبة بمكان تخيل مآلات ثقافة وتراث الأقلية الفلسطينية لعرب ٤٨ وسط بحر من الأغلبية اليهودية بدون وجود ذلك الحزب الذي كان قدره النضالي ليس في النضال الطبقي بالدفاع سياسيا عن حقوق الطبقتين العاملة والفلاحية وعموم الكادحين فحسب ، بل والدفاع عن حقوق شعبهم العربي الفلسطيني الثقافية واحياء تراثهم اللغوي والقومي وصيانته من الضياع والذوبان في مخطاطات الأسرألة والتهويد .