المنشور

قراءة في التعديلات ببعض أحكام القانون بشأن الجمعيات السياسية

 

 

 

 


قراءة في القانون  رقم (34) لسنة 2014
 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (26) لسنة 2005
 بشأن الجمعيات السياسية
 


 المحامي / حسن علي إسماعيل
ندوة المنبر التقدمي 31 أغسطس 2014


 
تقديم :

في الوقت الذي يتطلع فيه شعب البحرين إلى حل يخرج البحرين من أزمتها السياسية والدستورية ، وإلى تحول ديمقراطي حقيقي تسود فيه الحريات وحقوق الإنسان وتسود  فيه حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بوجود نظام انتخابي عادل ونزيه ، وفي الوقت الذي تعجز فيه السلطة التشريعية عن إقرار تشريعات مر على وجودها زمن طويل كقانون الصحافة وقانون العنف الأسري ، وقانون حق أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي، وغيرها من القوانين ذات الصلة بالحريات العامة ، في كل هذا الوقت تقر هذه  السلطة على عجل تعديلا ت على بعض القوانين التي هي في الأصل ناقصة ومقيدة للحريات ، وابرز هذه القوانين التي تم تعديلها قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001 إذ نص هذا التعديل على تشكيل مجلس أمانة عامة في محافظة العاصمة  بدلا من المجلس البلدي المنتخب فنال من حق المشاركة في الشئون العامة الذي كفله الدستور ، ومن بين هذه القوانين التي تم تعديلها أيضا القانون رقم (26) لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية لتزيد هذه التعديلات فوق القيود التي نص عليها قيود جديدة على العمل السياسي إذ سبق للمنبر التقدمي وسائر قوى المعارضة أن بينوا القيود التي أشتمل عليها قانون الجمعيات السياسية ، ويمكنكم الرجوع لورقة التقدمي التي تقدم بها في مؤتمر الحوار الوطني الأول الذي عقد بتاريخ 26 يناير 2006  بعنوان  ما مدى حُرية التنظيم السياسي في قانون الجمعيات السياسية ، منشورة على موقع التقدمي الالكتروني.  




أهم التعديلات الجديدة  ومدى توافقها مع حرية العمل السياسي

 
لبيان أهم التعديلات الجديدة الصادرة بموجب القانون رقم (34) بتعديل بعض أحكام قانون الجمعيات السياسية على قانون الجمعيات السياسية ومدى توافقها مع حرية العمل السياسي نشير للمحاور التالية :
 
أولاً : استخدام مفاهيم ومصطلحات عامة تفتقر إلى التعريف القاطع

ما يلفت النظر في قانون الجمعيات السياسية قبل التعديل لجوء المشرع إلى استخدام مفاهيم ومصطلحات عامة جدا تفتقر إلى التعريف القاطع، بل وتنطوي على نوع من الغموض. وهو الأمر الذي  من شأنه، أن يعطي جهة الرقابة على العمل السياسي  هامشا واسعا للعمل والحركة طبقا لرؤاها واعتباراتها السياسية، ويمكنها من إسقاط معاييرها وقيمها الخاصة على تفسيرها لتلك المفاهيم والمصطلحات بهدف تقييد نشاط وعمل الجمعيات السياسية ، منها على سبيل المثال ما نصت عليه المادة (3)( تسهم الجمعيات السياسية التي تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمملكة. وتعمل باعتبارها تنظيمات وطنية شعبية ديمقراطية على تنظيم المواطنين وتمثيلهم وتعميم الثقافة والممارسة السياسية في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والديمقراطية وذلك كله على الوجه المبين بالدستور وميثاق العمل الوطني.)
 
 ، فمفهوم “التقدم السياسي والاجتماعي” المفترض أن تساهم في تحقيقه الجمعيات السياسية ينتابه الغموض، ولا يعرف كيف يقاس أو كيف يحكم على مساهمة هذه الجمعيات بأنها تحقق أو لا تحقق هذا التقدم. ثم ما هي مقومات “الوحدة الوطنية”؟ ومن هي الجهة التي تحدد هذه المقومات؟
 
وقد سارت التعديلات الجديدة على قانون الجمعيات السياسية على ذات النهج حين أضافت إلى المادة ( 4 ) من القانون المتعلقة بشروط تأسيس الجمعية أو استمرارها بند جديد تحت رقم ( 10 ) نص على ( ألا تستخدم الجمعية المنبر الديني للترويج لمبادئها أو أهدافها أو برامجها أو كمرجعية لها ) ، أو حين عدلت البند (و) من الفقرة (4) من  المادة ( 6 ) والتي تتعلق بما يجب أن يشتمل النظام الأساسي للجمعية من قواعد فنصت على (عدم استخدام مؤسسات الدولة والمؤسسات العامة ودورالعبادة والشعائر الدينية والمؤسسات التعليمية بممارسة نشاطها ) بإضافة الشعائر الدينية ، أو حين أضافت لذات المادة من ذات الفقرة فقرة جديدة برقم (ز):
( عدم توجيه أنشطة أو برامج الجمعية لخدمة أغراض طائفية أو للإضرار بالاقتصاد الوطني أو المصالح العامة للدولة ).
 
فهذه المفاهيم والمصطلحات التي نصت عليها التعديلات الجديدة جاءت عامة تفتقر للتعريف القاطع ، يمكن للجهة الرقابية من تفسيرها كيفما تشاء حين تريد تقييد عمل الجمعيات السياسية تصل إلى حد إيقاف نشاط الجمعية ، أو حلها وتصفية أموالها.
 
ثانياً : الخلط بين الجمعية كشخصية اعتبارية وبين أعضائها بصفاﺗﻬم الشخصية

قد نتفهم أو نقبل أن تضيف أو تعدل التعديلات الجديدة في شروط تأسيس الجمعية بعدم استخدام المنبر الديني ، أو في القواعد التي يحب أن يشتمل عليها النظام الأساسي بعدم استخدام الشعائر الدينية أو عدم توجيه أنشطة أو برامج الجمعية لخدمة أغراض طائفية أو للإضرار بالاقتصاد الوطني أو المصالح العامة للدولة ). رغم أنها جاءت عامة دون تعريف قاطع لها.
 
غير أن الذي لا يمكن أن نتفهمه أو القبول به ما نصت عليه المادة (16) من القانون سواء كانت في الأصل أو فيما أجرته التعديلات الجديدة على هذه المادة.
 
إذ نصت في أصل القانون على أنه (تعتبر أموال الجمعية في حكم المال العام في تطبيق أحكام قانون العقوبات، ويعتبر القائمون على شئون الجمعية والعاملون بها في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام القانون المشار إليه).
 
وأضافت التعديلات الجديدة لهذه المادة ، (وتسري أحكام القانون رقم (32) لسنة 2010 بشأن الكشف عن الذمة المالية على قيادات الجمعية، الذين يتم اختيارهم بالانتخاب طبقاً لأحكام المادة (12) من هذا القانون )
 
ولمناقشة هذه المادة في الأصل وفي التعديل ولبيان أوجه الاعتراض على ما نصت عليه من أحكام نبين  ما يلي :
 
أ- أموال الجمعية السياسية لا تعد من الأموال العامة
 
إذا كانت المادة (2) من قانون الجمعيات السياسية ، نصت على أن الجمعية السياسية ( تعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين. ) فأنها بالقطع واليقين لا يمكن اعتبار أموال هذه الجمعية في حكم المال ، فهي ليست عقارا أو منقولا مملوكا للدولة ، وهي ليست من الأشخاص الاعتبارية العامة التي تملك هذه الأموال وتكون مخصصة للنفع العام بدلالة نص المادة مـــادة ( 26 أ ) الأموال العامة هي العقارات والمنقولات التي تملكها الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة وتكون مخصصة للنفع العام بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص.
 
وهذا يعني أن المال العام هو كل شيء تملكه الدولة من عقار ومنقول أو أي شخص اعتباري عام يكون مخصصا للنفع العام بالفعل أو بمقتضى القانون.  
إذن يشترط في المال العام شرطان : الأول أن يكون مملوكا للدولة أو أي شخص اعتباري عام مثل المؤسسات والهيئات الإدارية والثاني  أن يكون هذا المال مخصصا للمنفعة العامة وليس مال الجمعية السياسية من هذا القبيل ، ومن ثم يكون قانون الجمعيات على خطأ وقع فيه حين أعتبر مال الجمعية السياسية في حكم المال العام كونه يتعارض مع ما أستقر عليه الفقه والقضاء والمادة 26 / أ من القانون المدني في تعريف ونطاق المال العام على النحو السالف بيانه . 
 


ب- 


قيادات الجمعية السياسية ليست من الفئات الخاضعة لقانون الذمة المالية  :
 
كما أسلفنا أن التعديلات الجديدة أضافت للمادة ( 16 ) من قانون الجمعيات السياسية حكم قضى بسريان أحكام القانون رقم (32) لسنة 2010 بشأن الكشف عن الذمة المالية على قيادات الجمعية، الذين يتم اختيارهم بالانتخاب طبقاً لأحكام المادة (12) من هذا القانون
 
وهذه يعني أن كل أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء لجنة الإشراف المالي ولجنة الرقابة التنظيمية  اللذين يتم انتخابهم من قبل المؤتمر العام  يخضعون للكشف عن ذممهم المالية ، وان تطبيق قانون الذمة المالية على قيادات الجمعية السياسية معناه أن يقدم كل قيادي إقرارا عن ذمته المالية وليس هو فحسب بل عن ذمة زوجه وأولاده القصر وتشمل ما يملكه وزوجه وأولاده القصر من أموال عقارية ومنقولة، في الداخل والخارج، وتشمل الذمة المالية ما يكون لقيادي الجمعية وزوجه وأولاده القصر من حقوق في ذمة الغير وما عليهم من ديون، وما يملكون من أنصبة أو أسهم في الشركات. ويقدم هذا الإقرار لهيئة فحص إقرارات الذمة المالية التابعة للمجلس الأعلى للقضاء وذلك خلال ستين يوما من تاريخ تزويده بالنماذج والاستمارات الخاصة بالمعلومات المطلوبة لهذه الغاية وبصفة دورية خلال شهر يناير التالي لانقضاء ثلاث سنوات على تقديم الإقرار السابق
وتقوم هذه الهيئة بإعداد تقرير عن كل ملزم يعجز عن أقامة الدليل على أن الزيادة في ذمته المالية أو في ذمة زوجه وأولاده القصر نتجت عن كسب مشروع، وفي الحالات التي يتبين من الفحص وجود دلائل قوية على كسب غير مشروع تولي رئيس الهيئة إحالة هذا التقرير إلى النيابة العامة.
ويعد كسبا غير مشروع كل مال حصل عليه احد الخاضعين لإحكام هذا القانون لنفسه أو لغيره بسبب استغلال الوظيفة أو الصفة أو نتيجة سلوك مخالف لأحكام القانون.
وتعتبر ناتجة بسبب استغلال الوظيفة أو الصفة أو السلوك المخالف للقانون كل زيادة في ثروة الملزم وزوجه وأولاده القصر، تطرأ بعد تولي الملزم الوظيفة أو اكتسابه الصفة إذا كانت لا تتناسب مع موارده وعجز عن أثبات مصدر مشروع لها .

 غير أنه بالرجوع لقانون الكشف عن الذمة المالية نجد انه حصر في مادته الأولى الفئات التي تخضع لإحكام هذا القانون وهي :

أ- رئيس وأعضاء كل من مجلس الشورى ومجلس النواب.
ب- نواب رئيس مجلس الوزراء.
ج- الوزراء ومن في حكمهم.
د- وكلاء الوزارة والوكلاء المساعدون والمدراء العامون في القطاع المدني وقطاع الأمن العام ومن في حكمهم من موظفي الحكومة والأجهزة الملحقة بها والهيئات والمؤسسات العامة، ومجلسي الشورى والنواب، والبلديات.
هـ- المحافظون ونوابهم.
و- رؤساء البعثات الدبلوماسية ومن في حكمهم.
ز- القضاء وأعضاء النيابة العامة.
ح- رؤساء وأعضاء المجالس البلدية.
ط- رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة من ممثلي الحكومة في الهيئات والمؤسسات العامة والشركات التي تمتلكها الدولة أو تمتلك حصة في رأسمالها.
ي- مدراء الإدارات في القطاع المدني وقطاع الأمن العام والموظفون الفنيون في ديوان الرقابة المالية.
ك- رئيس ونائب رئيس وأعضاء مجلس المناقصات وموظفو الجهاز الفني والإداري التابع للمجلس ممن يشغلون وظائف لا تقل عن وظيفة مدير إدارة.
 
ويتضح من استعراض ما تقدم من أحكام نص عليها قانون الذمة المالية ما يلي :
 
أن قيادات الجمعيات السياسية ليست من هذه الفئات التي ينطبق عليها قانون الذمة المالية ، ومن ثم يكون النص المعدل بخضوع هذه القيادات لقانون الذمة المالية قد خالف هذا القانون أي قانون الذمة المالية  .
أن الهدف من أحكام قانون الذمة المالية هو حماية المال العام و تعزيز الثقة بأجهزة الدولة وموظفيها وصون كرامة الوظيفة العامة و مكافحة الكسب غير المشروع والحد من العبث بقيم وأخلاقيات الوظيفة العامة. وواقع الحال يشير أن مال الجمعية السياسية ليس مالا عاما ، وهي ليست جهازا من أجهزة الدولة ، وقيادات الجمعية السياسية ليسوا من موظفي الدولة ولا يشغلون وظيفة عامة ، ولا يتصور وهم في قيادة الجمعية السياسية أن يكون لديهم كسبا مشروعا أو غير مشروع .
أن سريان قانون الذمة المالية على قيادات الجمعية ، فيه خلط بين الجمعية كشخصية اعتبارية وبين أعضائها بصفاﺗﻬم الشخصية ، فمن المعروف أنه بمجرد تأسيس الجمعية السياسية تتكسب الشخصية الاعتبارية طبقا لنص المادة (11) من قانون الجمعيات السياسية التي نصت على انه ( تتمتع الجمعية السياسية بالشخصية الاعتبارية وتمارس نشاطها السياسي بالشخصية الاعتبارية وتمارس نشاطها السياسي اعتباراً من اليوم التالي لنشر إعلان وزير العدل بالموافقة على تأسيسها أو في اليوم العاشر من تاريخ هذا الإعلان إذا لم يتم النشر، أو من تاريخ صدور حكم المحكمة الكبرى بإلغاء القرار الصادر من الوزير بالاعتراض على تأسيس الجمعية ) وبالتالي تكتسب  الجمعية طبقا لهذا النص صفة قانونية مستقلة عن الصفات الشخصية  للأعضاء بمن فيهم القيادة  ، وبالتالي تكون الذمة المالية الشخصية للأعضاء والقيادة منفصلة عن ذمة الجمعية المالية وما تحاسب عليه الجمعية هو فقط ما يصدر منها من تقارير مالية طبقا لنص المادة (15) من قانون الجمعيات والتي شملتها التعديلات الجديدة في الفقرة الثانية إذ نصت بصيغتها المعدلة على ( ويجب على الجمعية إبلاغ وزير العدل بنسخة من موازنتها السنوية وحسابها الختامي خلال الربع الأول من السنة، وبيان الموارد المالية ومصادر التمويل والوضع المالي للجمعية، كما يجب عليها أن تنشر الميزانية السنوية لها وحسابها الختامي في الجريدة الرسمية.
فضلا عن ذلك فأن نص المادة المذكور أعطى ديوان الرقابة المالية بصفة دورية، أو بناء على طلب وزير العدل، مراجعة دفاتر ومستندات حسابات إيرادات ومصروفات الجمعية وغير ذلك من شئونها المالية وذلك للتحقق من سلامة موارد الجمعية ومشروعية أوجه صرف أموالها، وعلى الجمعية أن تمكن الديوان من ذلك. وعلى الديوان المشار إليها إعداد تقرير سنوي عن كافة الأوضاع والشئون المالية لذلك وإخطار وزير العدل بنسخة منه.

ثالثاً:حق فئة الشباب في الانضمام للجمعية السياسية

كانت المادة (5 البند 2) من قانون الجمعيات السياسية، تشترط في العضو المؤسس، أو العضو الذي ينضم إلى الجمعية بعد إعلان تأسيسها أن يكون قد بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة ، فعدلت التعديلات الجديدة هذا الشرط على نحو يفرق بين وقت التقدم بطلب التأسيس أو وقت توليه أحد المناصب القيادية فيها، فجعلته 21 سنة ميلادية كاملة ، وبين يوم الانضمام للجمعية بعد تأسيسها. فجعلته 20 سنه ميلادية .
حسنا فلنقل أن في هذا التعديل إيجابية ولكنها إيجابية ناقصة ، إذ مازال المشرع يتجاهل أن فئة الشباب الذين يبلغون من العمر ما بين 18 إلى 20 عاما هم أكثر فئات المجتمع نشاطا وحيوية ، وهو العمر المناسب ، للانخراط في العمل السياسي ، ففي الوقت الذي يجيز قانون المرور لمن يبلغ الثامنة عشر قيادة السيارة على ما فيه من مخاطر في حوادث المرور ، وفي الوقت الذي يجيز قانون أحكام الأسرة زواج الصغيرة  التي يقل عمرها عن 16 سنة بموافقة المحكمة مع ما يترتب على ذلك من أثار سلبية على الزواج  يظل قانون الجمعيات السياسية رغم هذا التعديل يحرم من يبلغ الثامنة عشر والتاسعة عشر من الانخراط في العمل السياسي ، علما بأن الوظيفة الأساسية للتنظيم السياسي هي تربية وتوعية المواطنين سياسيا ، وتدريب كوادر قادرة على قيادة العمل الوطني من خلال برامج اجتماعية واقتصادية وقيادة الجماهير لتنفيذها .
 
رابعاً :صحافة الجمعيات السياسية

رغم مطالبة القوى السياسية عند مناقشة مشروع قانون الجمعيات السياسية قبل صدوره ، بضرورة النص فيه على حق التنظيم السياسي في إصدار الصحف والمجلات والمطبوعات وغيرها دون التقيد بالحصول على ترخيص وهو الذي أشتمل عليه مقترح كتلة النواب الديمقراطيين تحت مسمى(التنظيمات السياسية ) ، إلا أن قانون الجمعيات السياسية صدر دون أن ينص على هذا الحق ، حتى أصبح هذا الحق تحت ما عرف بإصدار النشرات الصحفية للجمعيات السياسية خاضعا لإحكام قرار وزارة الإعلام رقم 2 لسنة 2006 بشأن نظام التراخيص بإصدار وتداول النشرات الصحفية والتي نصت عليها المواد 3، 12 ، 17 ، و90 من المرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر ، إذ لا يجيز هذا القرار للشخص الاعتباري ومنه بالطبع الجمعية السياسية إصدار أو تداول أية نشرة صحفية للترويج لأغراضه في المملكة دون الحصول على إذن كتابي مسبق من إدارة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام .
 
وقد استخدمت هيئة شئون الإعلام أحكام هذا القرار وقانون الصحافة والطباعة والنشر في سحب تراخيص نشرات الجمعيات السياسية ، الديمقراطي ، الوفاق ، أمل ، والتقدمي منذ سبتمبر 2010 ، أي منذ أربع سنوات تقريبا وحرمت وما زالت الجمعيات السياسية من إصدار هذه النشرات تحت ذريعة عدم التزام هذه الجمعيات بالشروط التي تمت عليها الموافقة في إصدار هذه النشرات، وأنها لم تلتزم بنطاق التوزيع، حيث يتم توزيعها خارج نطاق الجمعية وبأعداد كبيرة وإتاحتها في الأماكن العامة، بل وتوزيعها أحيانا على البيوت وفي الأحياء السكنية والمجمعات التجارية، كما تم تضمين هذه النشرات أعمدة رأي ومواضيع وتحقيقات عامة وإصدار ملفات صحفية متفرقة، مما يخالف ذلك نشاط النشرة الخاصة بأخبار وأنشطة الجمعية.ولم تنجح محاولات وعد و لا التقدمي القضائية في إلغاء قرار سحب الترخيص .
 
وهذه الخلفية التاريخية لوضع نشرات الجمعيات السياسية تجعلنا أن لا نتفائل كثيرا بما أضافته التعديلات على قانون الجمعيات السياسية من فقرة جديدة لنص المادة ( 11) ، والتي جرى نصها ( للجمعية إصدار نشرات دورية للتعبير عن مبادئها وأهدافها وبرامجها، وذلك بترخيص يصدره الوزير المختص بشئون الإعلام، كما يصدر الوزير بالتنسيق مع وزير العدل لائحة يبين فيها الشروط الواجب توافرها لمنح الترخيص، وبيان مسئولية رئيس تحرير النشرة وشروط تداولها، وتخضع هذه النشرات لحدود حرية الرأي والتعبير في القانون المنظم للصحافة. )
 فهذا النص رغم أنه أقر بحق الجمعيات في إصدار النشرات الدورية للتعبير عن مبادئ وأهداف وبرامج الجمعية السياسية ، لكنه يحمل في طياته سيفا سيكون مسلطا على رقبة هذه النشرات وعلى رئيس التحرير ، إذ ستظل مقيدة بالشروط التي سيصدرها الوزير المختص والواجب توافرها في الترخيص وعند التداول حسب النص آنف البيان .


وحتى صدور لائحة الشروط يمكن القول :

أن أي شرط تنص عليه هذه اللائحة يمنع تداول النشرة بين الناس كل الناس أو يقيد هذا التداول بحيث يعيق وصولها للناس سيكون مخالفا ومتعارضا مع ما جاء في نص المادة ( 2 ، 3 ) من قانون الجمعيات السياسية بأن الجمعية السياسية  تقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمملكة البحرين..تسهم في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمملكة.وتعمل باعتبارها تنظيمات وطنية شعبية ديمقراطية على تنظيم المواطنين وتمثيلهم وتعميم الثقافة والممارسة السياسية في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والديمقراطية .
إذ كيف يمكن للجمعيات السياسية أن تكون تنظيمات وطنية شعبية ديمقراطية تعمل على تنظيم المواطنين وتمثيلهم وتعميم الثقافة والممارسة السياسية دون أن يكون لها إعلاما حرا وصحافة حرة تصل إلي المواطنين من أجل هذه الغاية .
إذا كان النص المضاف الذي أقر بحق الجمعيات السياسية في إصدار النشرات قد  نص على خضوع هذه النشراتلحدود حرية الرأي والتعبير في القانون المنظم للصحافة. وكان قانون المنظم للصحافة حتى تاريخه هو القانون رقم (47) لعام ‏2002‏‏ بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر ، وكانت «المادة (3) من تُعرّف في فقرتها العاشرة الصحيفة على أنها «كل جريدة أو مجلة أو أي مطبوع آخر يصدر باسم واحد وبصفة دورية في مواعيد منتظمة أو غير منتظمة، بما في ذلك الصحف الإلكترونية التي تصدر أو تبث بالوسائل الإلكترونية». ، فأن نشرات الجمعيات السياسية وفقا لهذا التعريف هي صحيفة ، لا يجوز حسب نص المادة (28) من قانون الصحافة مصادرة أو تعطيل او إلغاء ترخيص هذه النشرات إلا بحكم من القضاء». ، وبناء عليه فأنه إذا اشتملت لائحة الشروط على حق جهة الإدارة ( شئون الإعلام ) على مصادرة أو تعطيل أو إلغاء ترخيص هذه النشرات سيكون بالضرورة مخالفا لما نص عليه القانون المنظم للصحافة .
 
خامساً: النيل من النظم الأساسية للجمعيات السياسية وتتجاوز قرارات مؤتمراتها العامة.  

أجازت المادة (23 مكررا) المضافة “لكل عضو من أعضاء الجمعية أن يطعن أمام المحكمة الكبرى المدنية ببطلان انعقاد المؤتمر للجمعية، أو ببطلان أي قرار يصدر عنه أو الجمعية بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو النظام الأساسي للجمعية، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ انعقاد المؤتمر”.
كما أجازت لكل ذي شأن تقدم بطلب للانضمام لعضوية الجمعية ورفض طلبه أن يطعن على قرار رفض طلبه أمام تلك المحكمة، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علمه بالقرار .
والأسئلة التي تثار في ظل حكم هذه المادة الجديدة هي ما قيمة النظام الأساسي الذي يحكم الشئون الداخلية للجمعيات السياسية والذي يتم إقراره أو أي تعديل يطرأ عليه تحت رقابة وزارة العدل؟
من الذي يحدد صحة أو بطلان انعقاد مؤتمرات الجمعيات السياسية ،  أو ببطلان أي قرار يصدر عن هذه المؤتمرات أو الجمعية ؟! هل يحدده العضو بمفرده أم يحدده المؤتمر العام ؟
للإجابة على هذه الأسئلة يتعين الرجوع إلى النظم الأساسية للجمعيات السياسية ، إذ تنص دائما واستدل على ذلك بالمادة ( 10 ) من النظام الأساسي لمنبرنا التقدمي على “أن المؤتمر العام هو أعلى سلطة تنظيمية وتشريعية في المنبر وينعقد بشكل دوري كل ثلاث سنوات، وتنتخب اللجنة المركزية ولجنة الإشراف المالي ولجنة الرقابة التنظيمية من خلاله. ويتكون المؤتمر العام من جميع أعضاء المنبر الذين سددوا كامل اشتراكاتهم. وينعقد المؤتمر العام العادي بحضور الأغلبية المطلقة، وإذا لم تتوفر الأغلبية المنصوص عليها وجب توجيه الدعوة لاجتماع ثان يعقد خلال الخمسة عشر يوماً التالية للاجتماع الأول، وينعقد الاجتماع الثاني بحضور الأغلبية المطلقة، إذا لم يكتمل النصاب للاجتماع الثاني وجب توجيه الدعوة لاجتماع ثالث يعقد خلال الخمسة عشر يوماً التالية للاجتماع الثاني، ويكون الاجتماع الثالث صحيحاً بمن حضر، وفي جميع الأحوال تتخذ القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين”.
إذن، أن من يحدد هنا صحة أو بطلان انعقاد المؤتمر هو المؤتمر العام، هم الأعضاء اللذين يتكون منهم هذا المؤتمر وهم الرقيب على أعماله وعلى القرارات التي تصدر عنه ، ويحق للعضو أن يعترض على صحة انعقاد المؤتمر وعلى أي قرار لدي مكتب المؤتمر ، ويخضع هذا الاعتراض للتصويت وعلى المعترض أن يحترم قرار الأغلبية لا أن يلجأ إلى القضاء كما جاء في التعديلات الجديدة المضافة في المادة  سالفة البيان .
ويدخل في هذا الإطار ولذات الأسباب ما أجازته المادة الجديدة ( 23 مكرر ) من الجمعيات السياسية المضافة في فقرتها الثانية لكل ذي شأن تقدم بطلب للانضمام لعضوية الجمعية ورفض طلبه أن يطعن على قرار رفض طلبه أمام تلك المحكمة.
فهذا النص اقل ما يقال عنه انه يفتح باب العضوية لمن هب ودب ، فقبول الأعضاء هو حق خالص للجمعية يخضع للأوضاع والأحكام التي يحددها النظام الأساسي واستدل على ذلك بالمادة( 6 ) من النظام الأساسي للمنبر التقدمي إذ تنص على انه يجري قبول الأعضاء في المنبر بشكل فردي عن طريق المكتب السياسي. وتبحث لجنة المحافظة الطلب وتتخذ قراراً بشأنه على أن تعتمد العضوية من قبل المكتب السياسي خلال شهر على الأكثر.
 غير انه لا يكفي أن تتوافر في من يتقدم بطلب العضوية شروط العضوية إذ لابد أن يكون مقتنعا  وملتزما ببرنامج المنبر التقدمي وخطه العام ونهجه ، وان من يحدد ذلك هما لجنة المحافظة والمكتب السياسي ، ويتعين أن لا يكون للقضاء شأن فيه .
وفي إطار تجاوز  النظم  الأساسية للجمعيات السياسية وتتجاوز قرارات مؤتمراتها العامة تستمر التعديلات في الإمعان في التدخل في الشأن الداخلي لهذه الجمعيات وتتعامل معها وكأن أعضاء هذه الجمعيات مازالوا أطفالا في سن الحضانة ، فنصت التعديلات الجديدة على إضافة فقرة ثانية  للمادة (18) من القانون ، فبعد أن كانت هذه المادة تقتصر على وجوب قيام الجمعية بإخطار وزير العدل بكتاب يودع في ديوان الوزارة مقابل إشعار بالتسلم بأي قرار تصدره الجمعية بتغيير رئيسها أو أي من قياداتها أو بحل الجمعية أو اندماجها أو بأي تعديل في نظامها الأساسي، وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ صدور القرار. أضافت التعديلات فقرة ثانية لهذه المادة نصت على ( كما يجب على الجمعية إخطار وزير العدل بموعد اجتماع المؤتمر العام للجمعية قبل انعقاده بخمسة عشر يوماً على الأقل، وللوزير أن يطلب من الجمعية موافاته بعدد الأعضاء الذين حضروا الاجتماع، والقرارات التي اتخذت فيه، وكيفية التصويت على تلك القرارات، وأية معلومة أخرى بشأن الاجتماع أو بشأن نشاط الجمعية، وعلى الجمعية تقديم البيانات أو المعلومات المطلوبة والمستندات المؤيدة لها خلال عشرة أيام من تاريخ إبلاغها.)

وإذا كان التعديلات على قانون الجمعيات السياسية قد اهتمت بالنظام الأساسي أمعانا في التدخل في شئون الجمعيات السياسية وفي الرقابة الصارمة على نشاطها بأن :

1- أضافت على المادة (17) وهي المتعلقة بوجوب أن تحتفظ الجمعية في مقرها الرئيسي بسجلات وبيانات النظام الأساسي للجمعية.البرنامج السياسي للجمعية. أسماء أعضاء الجمعية والأعضاء المؤسسين وقيادات الجمعية وعناوينهم ومحال إقامتهم.سجل قرارات مجلس إدارة الجمعية ولجانها سجل واردات الجمعية ومصروفاتها بصورة مفصلة ، بنداً جديداً برقم (3) بأن تحتفظ  الجمعية في مقرها الرئيسي  اللوائح الداخلية للجمعية .
2- عدلت المادة ( 9 ) وهي المتعلقة بمدد أعلان التأسيس بأن أضافت إليها وتسري الأحكام السابقة الخاصة بالتأسيس على كل تعديل يطرأ على النظام الأساسي للجمعية، وينشر في الجريدة الرسمية ، بمعني أن أي تعديل يطرأ على النظام الأساسي سيكون خاضعا للإعلان من قبل وزير العدل مثل الإعلان عن تأسيس الجمعية خلال المدد المنصوص عليها ، وينشر هذا الإعلان في الجريدة الرسمية. ، وإذا امتنع الوزير عن الإعلان عن تعديل النظام الإساسي خلال المدد المنصوص عليها ، وجب عليه أن يخطر الجمعية بخطاب مسجل برفض تعديل النظام الإساسي وأسباب الرفض ويعتبر فوات المواعيد المنصوص عليها دون إعلان تعديل النظام أو إخطار الجمعية بالرفض بمثابة قرار بالاعتراض على هذا التعديل .
3- عدلت التعديلات المادة ( 22/ الفقرة الأولى ) وهي التي تجيز لوزير العدل أن يقيم دعوى أمام المحكمة الكبرى في مواجهة الجمعية إذا خالفت أحكام الدستور أو هذا القانون أو قانون آخر بطلب، الحكم بإيقاف نشاط الجمعية لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر تقوم خلالها بإزالة أسباب المخالفة.  فأضافت التعديلات إلى جانب  مخالفة أحكام الدستور أو هذا القانون أو قانون آخر مخالفة النظام الأساسي  .

نقول إذا كانت التعديلات على القانون قد اهتمت بالنظام الأساسي للجمعية السياسية على النحو الذي أشرنا إليه في المواد سالفة البيان ، فأن عليها من باب أولى أن تحترم أحكام النظام الأساسي بما نص عليه من كيفية لانعقاد المؤتمر وعدد أعضاءه ، ونصاب تحقق انعقاده واتخاذ القرارات الصادرة عنه ، وبما نص عليه من طريقة لقبول الأعضاء في الجمعية كل ذلك يتم حسب النظام السياسي تحت رقابة وبصر أعضاء المؤتمر العام بصفته أعلى سلطة تنظيمية وتشريعية  .

تلك هي ابرز تعديلات قانون الجمعيات السياسية ، وبقى أن نشير إلى أن هناك تعديلات على المادتين ( 8 ) “لوزير العدل أن يطلب من المؤسسين تقديم أية إيضاحات أو وثائق أو بيانات لازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون، وذلك بكتاب مسجل يصدره خلال خمسة وأربعين يوماً من تاريخ طلب بتأسيس الجمعية. فتم تعديل المدة إلى ثلاثين يوما بدلا من خمسة وأربعين يوما .

المادة (23الفقرة الأولى ) يجوز لوزير العدل أن يطلب من المحكمة الكبرى الحكم بحل الجمعية وتصفية أموالها وتحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال، وذلك إذا ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو هذا القانون أو أي قانون آخر من قوانينها أو إذا لم تقم الجمعية خلال الفترة المحددة في الحكم الصادر بإيقاف نشاطها وفقاً للمادة السابقة بإزالة أسباب المخالفة التي صدر الحكم استناداً إليها ، أضيف إليها ، بناءً على دعوى يقيمها.

وأضافت التعديلات مادة أخيرة نصت (على الجمعيات السياسية القائمة وقت صدور هذا القانون أن توفق أوضاعها طبقاً لأحكامه خلال فترة لا تتجاوز عاماً من تاريخ العمل به. )


 إنتهـــــــــى