المنشور

مستقبل التيار الديمقراطي في العراق


 
 
مستقبل التيار الديمقراطي في العراق
الرهانات – الآفاق


بقلم علي الحداد
الحلقة الثامنة  – الجزء الأول
 
 
 
 
يعرج بنا الكاتب جاسم الحلفي في كتابه التيار  الديمقراطي في العراق –الواقع والآفاق البعث للحماس في أسلوبه الشيق والمثير للجدل في آفاقه البعيدة المدى والقابلة للتطبيق متى ما تم العمـــل بها , حيث يوضح التحديات الفكرية والتشريعية  التي تواجه  التيار  الديمقراطي وتعيقه في تأدية دوره على صعيد المجتمع العراقي .
جزء من  التحديات الفكرية مرتبطة بالماضي كإرث الديكتاتورية وجزء منها مرتبط بالتشريعية مشكلاعقبة في التحول الديمقراطي والبعض الآخر  تحديات بنيوية وتنظيمية.
لذا  يتوجب على  التيار الديمقراطي التصدي لهذه التحديات حسب الأولوية والترتيب، فالمشاكل التي تواجه التيار الديمقراطي لا يمكن حلها بضربة عصا سحرية، حتى لو جاء الديمقراطيون إلى السلطة   وسنتطرق إلى هذه التحديات بشيء من التفصيل.



أولأ: تحديات فكرية :

 
أربعون عاما من نظام الديكتاتورية خلقت إرثا أثقلت  كاهلنا، فمن الصعب التخلص من هذه الأرث بعصا سحرية، وبالتالي بناء دولة القانون والمؤسسات والدولة المدنية، هي الجوهر الأساسي الذي يشغل بال التيار الديمقراطي والانتقال من إرث الماضي إلى المستقبل وتحويل الافاق السياسية والاجتماعية إلى واقع عملي.
وهذا مرتبط بطبيعة المهمات التي يتم الاتفاق عليها وقدرة التيار على تجميع القوى الاجتماعية التي سنحولها الى مهمات  ملموسة وقابلة للانجاز.
كما يتطلب من هذه القوى المساهمة في نشر الديمقراطية في المجتمع العراقي او تحويلها الى سلوك وممارسة من أجل تفادي أية انتكاسات لهذه المهمات المرسومة الى حكم المؤسسات وضمان آليات تنفيذها مما توفر الضمان الحقيقي لإاستمرار الديمقراطية وإستقرارها  في البلاد.


وأهم هذه القضايا الفكرية والسياسية :
 
أ:- أنوع المشاركة السياسية والتحول الديمقرطي:-

مشروع دمقرطة المجتمع يجب فصلها عن التجاذب السياسي أي الكل يريد دمقرطة المجتمع بالكيفية التي تتناسب معه بينما  في الواقع هي من الشعب وإلى الشعب فلا بد من استغلاليتها وانبثاقها من القوى الراغبة في التغيير الحقيقي وليس الشكلي البعيد عن الجوهر. فالديمقراطية هي إرادة سياسية مستقلة, وهي تحمي الممارسة والشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية لهذه الممارسة , و الترويج إلى الممارسة والمشاركة من قبل المواطن فتضعها في إطار مفتوح بعيد عن المؤهلات والطبقة واللون والدين والعرق والجنس فهي تمثل الصالح العام نفسه .
 
ب:- التباس مفهوم الديمقراطية:-

ارتبط مفهوم الديمقراطية لدى البعض بأنها ورقة انتخابات تنتهي بمجرد الغاء الورقة في صندوق الاقتراع , هكذا أصبح المفهوم بشكل فوضوي لدى البعض, بينما  صندوق الانتخابات هي أحد الآليات السياسية للديمقراطية والتي هي منظومة فكرية سياسية واجتماعية، لها بعد اجتماعي إلى جانب البعد السياسي,  فا الديمقراطية لها وجهين: سياسي واجتماعي أي هناك ديمقراطية سياسية وديمقراطية اجتماعية.
فاالمتنفذون من أجل مصالح اقتصادية يركزون على الديمقراطية السياسية ويتجاهلون الديمقراطية الاجتماعية بينما الديمقراطية الاجتماعية هي بالدرجة الأولى بناء مجتمع تراعى فيه الاعتبارات الإنسانية لأعضائه , وجوهر الديمقراطية الاجتماعية المساواة والعدالة التي تتطلب تهيئة  الظروف والامكانيات أمام جميع المواطنين ليمارسوا حقوقهم وحرياتهم بالتساوي , وبالأخص  المساواة في الفرص.
 
ت)الدولة المدنية الديمقراطية:-

يتطلع التيار الديمقراطي في برنامجه إلى عراق تعددي وموحد وعصري يتم فيها تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية وتبني مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية تكون فيه الكفاءة كمعيار أساسي بعيداً عن المحاصصة الطائفية والأثنية, ويسعى التيار الديمقراطي في تثبيت مبدأ الدولة المدنية , كمضمون مرتبط بالتداول السلمي للسلطة على أساس التعددية السياسية والإنتخابات ,  وتثبيت حق المواطن في الضمانات الاجتماعية والعلاج  والتعليم المجاني وتوفير السكن وتحقيق مبدأ المساواة مابين المواطنين.
 
ث) مكافحة الفساد ومناهضة الارهاب:-

الوجه الآخرالمعيق  لبناء الدولة ومؤسساتها الديمقراطية  هما الفساد ومناهضة الارهاب وكلاهما يتفاعلان ويؤثران في  بعضهما البعض  وأنتشارهما في كل شرايين الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية من بيروقراطية وفساد اداري ورشاوي دليل على ضعف الدولة,
ومؤسساتها الامنية والرقابية والقضائية.
فأسباب الرشاوي هو الفقر والعوز ومع ارتفاع معدلات البطالة تزداد هذه الظواهر وتزداد تفشي البيروقراطية سواء في القطاع الخاص أو العام. ويسهم العنف بكل انواعه بخلق بيئة فساد تزداد بشكل كبير  في ظل الضعف  الحكومي.
لذلك التيار الديمقراطي يطالب بالشفافية والرقابة المالية وكشف الفساد ومحاربته وانقاذ المال العام والمصالح المشتركة للشعب وشجب الارهاب بكل اشكاله والعمل لوضع دراسات تناقش الاسباب الحقيقية للفساد والارهاب ووضع الحلول لها, مع الاستناد الى تجارب الدول  الاخرى في محاربة الفساد ومناهضة الارهاب.
 
ج)تجريم الطائفية:-

استمرار النهج الطائفي في العراق  حتماً سيؤدي الى تمزيق النسيج الاجتماعي ويهدد      الوحدة الوطنية لذا يحــذر  التيار الديمقراطي من الاستمرار في هذا النهج ويطالب اعادة بناء العراق بعيدا عن المحاصصة الطائفية واستخذام آلياتها والسعي لتعزيز الهوية الوطنية والوقوف بقوة ضد الطائفية السياسية وتقسيم الشعب على اساسها ويطالب بوضع نص قانوني  يعاقب فيه كل من يمارس السلوك الطائفي.
 
ح) الخدمات مهمات عاجلة

المجتمع الذي يرتكزعلى أساس طائفي يواجه صعوبات في حل المشاكل الإقتصادية والمعيشية وترتفع فيه مستوى البطالة ويكون فيها  التعيين عبر بطاقة طائفية بعيدا عن مبدأ الكفاءة والتخصص التي تقود الخريجين إلى بطالة والخريجات إلى أسيرات في البيوت ولذا يرى التيار الديمقراطي بأن الخدمات العامة هي خدمات عاجلة ومهمة وإصلاحها ضروري لا يحتمل التأجيل لأنها تمس حياة المواطن المعيشية بشكل مباشر  ودعى إلى معالجة القضايا المعيشية للجماهير والدفاع وتبني مصالحها وإعادة هيكلة وتطوير مؤسسات الدولة على أسس عصرية وعلمية , وساهم التيار الديقراطي في المظاهرة التي أقيمت في 25 شباط في ساحة التحرير المطالبة بإصلاحات معيشية .
 
 خ) التدخلات الإقليمية والأجنبية:

من ضمن التحديات التي تقف عائق أمام مستقبل التيار الديمقراطي هي التدخلات الأجنبية سواء على المستوى الدولي أو الأقليمي والتي تعكس النزاعات ما بين الأطراف السياسية مما تسبب التوتر المستمر, وعدم الإستقرار السياسي, مما يوحي بأن هذه التدخلات لا تريد إنجاح التجربة الديمقراطية في العراق واللاعب الرئيسي هي الولايات المتحدة الإمريكية وصراع الحزبين الجمهوري والديمقراطي ولا سيما آبان الإنتخابات الرئاسية هناك , تنعكس آثارها بشكل مباشر أو غير مباشر مع بعض التيارات التي تسير في فلك الولايات المتحدة وفلك اللاعبون الثانويون من الدول الإقليمية  الداعمة للتوتر ودعم الإرهاب .
 
تحديات تشريعية :

تتفق كل القوى الوطنية في العراق بأن ظواهر التدهور في جميع مناحي الحياة , لا يمكن إنهاؤها بدون وجود ديمقراطية حقيقية قادرة على إنهاء إرث الماضي من ديكتاتورية الفرد وحكم الدولة الأمنية . أما الديمقراطية المنشودة التي تستند على إقرار الحقوق ومساواة المواطن وتوفير كافة أشكال الرعايا من صحة وتعليم وإسكان وغذاء , وبدون هذه الحقوق فالديمقراطية الموجودة عبارة عن قشورالديقراطية  بعيدة عن جوهرها الأساسي وهو اللب الذي يطالب به المجتمع العراقي بكل تياراته   .
 
أ) الإنتخابات :

من ضمن التحديات التي تواجه التيار الديمقراطي عدم قدرة النظام السياسي العراقي على توفير فرص مشاركة المواطن بالشأن العام من خلال قانون  إنتخابي عادل يؤمن أوسع مشاركة فقانون الإنتخابات كانت تعطي كفة الأغلبية بالإستيلاء على أصوات الأقلية مما يحرمها من مشاركة التمثيل في مجالس المحافظات والبرلمان , فبادر التيار الديمقراطي برفع قضية في المحاكم تطالب بتعديل في قانون الإنتخابات , فلما تمت بعض التعديلات حصد التيار الديمقراطي لعشرة مقاعد في مجالس المحافظات وخمس مقاعد في برلمان 2014 .                              
 
 
ب) تنظيم الحياة الحزبية :

تعمل الأحزاب الحالية في العراق وفق الأمر  (97) لسنة 2004 الصادر من سلطة الإئتلاف المؤقتة وأورد الدستور العراقي 2005 بأن يقوم مجلس النواب العراقي في دورته 16 أذار 2005  لغاية 15 أذار 2010 بإصدار قانون جديد للأحزاب إلا أن مسودة القانون بقيت في الأدراج , وبهذا لا يمكن ترسيخ البناء الديمقراطي يدون قانون ينظم الأحزاب وغيابه يعطي مؤشرا سلبيا على العملية السياسية .
 
ت ) المجتمع المدني ودوره في تكريس الديمقراطية في العراق   :

حرية المجتمع المدني مرتبط بالديمقراطية , فلاتوجد ديمقراطية لا تعطي الحق لمؤسسات المجتمع المدني لتأخذ دورها الأساسي في بناء المجتمع والعمل على تطوير بنيته التحتية . وبالرغم من وجود تشريع حول قانون منظمات المجتمع المدني , فلا زالت هناك قوانين لم تشرع بعد. ففي المادة “22” من الدستور ” تكفل الدولة حق تأسيس النقابات , والإتحادات المهنية , أو الإنضمام إليها , مرتبط ذلك بقانون ” . بينما في الواقع لا يوجد قانون خاص يساهم في نهوض الحركة النقابية , وينظم شؤونها و طرق تمويلها , ويعطي الحق للعمال بتأسيس نقاباتهم . وغياب قانون يكفل تكوين مؤسسات المجتمع المدني من شباب ونساء وعمال وأحزاب سياسية لهو مؤشر لإنتقاص الديقراطية,  وقابليتها  للإنتكاسة .
 
ث) العلاقة بين الحكومة الإتحادية وإقليم كردستان ومجالس المحافظات :

بالرغم من إقرار الدستور بالفيدرالية كشكل يناسب الدولة العراقية لكونها متعددة القوميات والديانات ولكن هذه الفيدرالية مبتورة لأنها تفتقر إلى التطبيق المرتبط بقانون ينظم أسلوب تطبيقها والتدريب عليها . فالديمقراطية والفيدرالية وجهان مكملان لبعضهما البعض , فقد نصت المادة الأولى من الدستور العراقي على ” إن العراق يعتمد نظاما جمهوريا نيابيا (برلمانيا ) ديمقراطيا إتحاديا , وعلى هذا التعريف رسم شكل الدولة العراقية , وعلى ضؤها تم تقسيم السلطة وفقا للصلاحيات الدستورية للحكومة الإتحادية وحكومة الأقاليم , وحددوا أيضا اللامركزية في المادة (116)  التي نصت ” يتكون النظام العراقي الإتحادي في جمهورية العراق من العاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية ” أما النظام الفيدرالي يؤمن توزيع السلطة والثروة بين المركز من جانب وإقليم كردستان ومجالس المحافظات من جانـب  آخر  .
 
يتبع……..