المنشور

أمورنا حين تكون مقلوبة..!!


 
أمور غريبة، معايير مقلوبة، وأشياء تسير معكوسة، وكأننا فى مسرح عبثي بامتياز، وعلى كل منا ان يصفق، حتى دون ان يفهم شيئاً، ومن الأفضل له الا يفهم، وان فهم فليتحمل التبعات، او أقلها ان يتجاهل، او يدعي عدم الفهم، وحتى فى هذه الحالة عليه ان يتحمل تبعات هذا التجاهل والادعاء بعدم الفهم، لا مفر..
 
هناك من يعد هذا الحال انخراطاً فى هذه التجارة الرائجة هذه الأيام، تجارة المهدئات والمسكنات، وحتى المراوغات المقرونة بكثير من التمويه والتضليل، كانه يراد لنا ان نعيش فى حالة شديدة التعقيد تهدر فيها الكثير من الجهد والوقت والمال والقيم..؟! تساؤلات لا تنتهي حيال هذا الذي يجري.. هذه الخلطات المضحكة من المراوحات والتقلبات والمراوغات والمنزلقات التى تجعلنا نتقوقع، نتوتر، نتعامى، نبحث عن الضد، وليس عن الشريك، نغرق فى حالة من التيه، نعجز عن فعل إيجابي يخفف علينا وطأة هذا الذي يجري ويجعل الأمور تمضي مقلوبة، وإن فعلنا ماهو إيجابي تظل الكثير من أمور حياتنا تمضي فى اتجاه مقلوب شئنا ام أبينا، عمداً او سهواً، بطيبة خاطر او بالإكراه، ونحن بذلك لا نكتفي باهدار فرص تلو فرص، وكأننا فى مباراة للفرص الضائعة، بل الأسوأ ان يظهر الأمر وكأن ثمة من يريد للبحرينيين ان يعيشوا حالة «تيئيس» وان يلغوا من اذهانهم احتمالات المستقبل..!!
 
لا اظن اننا فى حاجة للاكثار من البراهين لكي نكتشف ان الامور تسير حقاً مقلوبة. وان صحائف واقعنا لا تدع مجالاً للشك فى ان ثمة مثابرة على الخطأ، بل وفي حالات كثيرة نعظم الخطأ، لانولي الأهمية والاهتمام المطلوبين لأي تشخيص او رغبة في معالجة لهذا البعد في المسافة بين الكلام والفعل، بين الفكر والواقع، بين الخطط والتطبيق، بين الوعود والأوهام، لذا تبقى أحوالنا مستعصية تنتظر الفرج وتتشوق للحظة التي توضع فيها الأمور في نصابها الصحيح.
 
لا بأس من إشارات، إشارات عابرة او سريعة ربما تمهد لتفصيل إضافي لما نحن فيه من حال.. اشارات من هذا الواقع الراهن بمختلف عناصره، السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وان كنت احسب انه سيكون من العسير فصل الخيوط المتشابكة فيما بينها، ولكن لا بأس من الإمساك بشيء مما يزخر به المشهد، هل نبدأ بهؤلاء الذين نجدهم يدعون الى صوت الوحدة الوطنية ويدعون الى التمسك بها ويبدون حماساً لها بينما هم يضربونها فى الصميم ويقوضون كل أساس لها، ويعبثون بكل مقوماتها، ويعيقون استدعاء المشتركات فى الضمير العام، ام نتحدث عن هؤلاء الذين ما انفكوا يدعون الى تطبيق القانون بمناسبة ومن دون مناسبة، وعندما يطرق القانون بابهم يبكون ويتباكون ويعترضون، هل نقف عند هؤلاء الوزراء والمسؤولين الذين يذكروننا بين الفينة والأخرى بانهم يمارسون سياسة الأبواب المفتوحة، وأنهم يخصصون وقتاً للناس والخروج بمظهر المتواضع الذي يصغي ويستجيب، يعني، أول ما يعني ان اداء جهازه الذى يتولى قيادته يعاني الخلل والقصور والضعف، وإلا لما اضطر الناس لمراجعته للنظر فى ما يفترض الا يحدث من الأساس، هل نقف عند ملف الكفاءة فهو زاخر بما يمكن الحديث فيه، الكفاءة التى جعلناها محوراً لتصريحات واجتماعات ومؤتمرات نؤكد فيها تمسكنا بها فى كل أمر وشأن وعمل، فيما نمارس هدماً حقيقياً لمعنى الكفاءة، ونحدث إحباطاً يعاني منه أصحاب الكفاءة الحقيقيون حين نتجاهلهم، ونمارس سياسة الترضيات التى لا تعرف للكفاءة قيمة واعتبارا.
 
والأدهى حين نجد بان أشد ما يجزع منه البعض فى كثير من مواقع العمل والمسؤولية هو «الكفاءات» ويمارسون بحقها حالة من الكر والفر وما بينهما معبرة بحق عن «فوبيا الكفاءات». هل نتطرق الى موضوع الاستثمار، ونذكر بأننا ألفنا المسؤولين يرحبون بشكل دائم بالمستثمرين، وبخلق البيئة الجاذبة للاستثمار وتقديم كل التسهيلات لتعزيز تنافسيتنا فى هذا المجال فى الوقت الذي نقرأ ونسمع ان مستثمرين يئنون من عراقيل وضغوط وبيروقراطية لا تنقصها البراءة، وها قد التقطنا مؤخراً – مثالا ليس إلا – مشهد الإعلان الغريب لمجلس بلدي المحرق أراد أن يغلق مجمع تجاري فى يوم افتتاحه.. والذريعة عدم توفر مواقف كافية للسيارات، وكأن ليس هناك من خطط ورسم ونفذ ورخص..!!
 
هل نتحدث عن مجلس الشورى الذي أبى إلا أن يفاجئنا ثلاث مرات دفعة واحدة بما لم يكن فى الحسبان، مرة حين ناقش التعديلات على قانون العمل وأصر على رفض إعطاء الأولوية للمواطن على غير المواطن حتى وإن تساويا فى الكفاءة، ومرة حين أظهر مجدداً وفى هذا التوقيت مقترح رفع مزايا التقاعد للشوريين والنواب والبلديين، والمرة الثالثة حين طالب بالحبس والغرامة لمن ينشر اي جلسات سرية للشورى والنواب، او نشر بغير امانة وسوء قصد – وهذه كلمات حمالة أوجه – ما نشر فى الجلسات العلنية لأي من المجلسين، ونسي او تناسى المجلس فى الحالة الأولى ان من بديهيات الأمور فى اي دولة ان تكون اولوية التوظيف للمواطن فى وطنه، وان ما من دولة مهما كان تصنيفها متقدمة او نامية او متخلفة تساوي بين المواطن وغير المواطن فى حصوله على حق العمل فى بلده، دستورياً واجتماعياً وحقوقياً وسياسياً ووطنياً، وأعضاء الشورى كأنهم بذلك يدفعون المواطنين الذين لهم حق العمل والمواطنة الى مجرد فئة من السكان عليهم ان يتنافسوا مع الوافدين على فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية، كما انهم بذلك ينسون او يتناسون اهداف خطة اصلاح سوق العمل المعلنة قبل سنوات، والتى تدور اهدافها حول جعل البحريني خيارا استراتيجيا للقطاع الخاص، هل تذكرون..؟!
 
وبالنسبة للحالة الثانية فانه يكفى ان نسأل: هل الطرح بزيادة مزايا التقاعد الذي يتطلب تكلفة مالية باهظة يعكس فهماً لفقه الأولويات من جانب الداعين الى هذه الزيادة.؟!، يكفي هذا السؤال، وبالنسبة للحالة الثالثة، فاننا نجد ان مسعى الشوريين يأتي في الوقت الذي نطالب فيه بالشفافية وبهوامش أوسع للحريات، وعدم تكبيل الكلمة وتقييدها، والذين طالبوا منهم بالحبس والغرامة لأي صحفي يجتهد فى البحث عن معلومات عن اي جلسة سرية وينشر عنها، فإن هناك من سيتوعده بالويل والثبور، أقلها اتهامه بإتهامات من نوع انعدام الأمانة وسوء القصد، وهذه كلمات قلنا بانها حمالة أوجه، نسوا او تناسوا مرة أخرى انهم ممن يفترض ان يكونوا فى صدارة من يحملون لواء الشفافية والمطالبة بتوسيع قاعدتها، لا ان ينضمون الى قاعدة أعدائها والمتربصين بها. هل نتحدث عن تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، التى تظهر للعيان منذ اكثر من عشر سنوات واكثر وجود أخطاء وتجاوزات وتعديات ومخالفات فى ادارة المال العام، فى الوقت الذي لم نسمع فيه فى يوم من اﻻيام عن اي نوع من المحاسبة، او عن إعادة هذه الأموال، حتى الإقالة او الاستقالة ثقافة لا أثر ولا اعتبار لها، وهذا فى حد ذاته أمر جدير بالدراسة والتحري والمراجعة، ..!!
 
تلك أمثلة ليس إلا، حيث هناك الكثير مما يمكن قوله، كلام من النوع الذي يعمق الشعور بالدهشة والصدمة فى آن واحد، وهو بالنهاية كلام يجرنا الى خلاصة: آن الأوان لمواجهة معضلة السير بالأمور مقلوبة او معكوسة، ومن الضروري والمصلحة الا يصبح أمر هذه المواجهة وهماً..!!، وأمر هذه المواجهة واجب الآن، والآن تعني الآن..!! 
 



3 مارس 2015