المنشور

عبدعلي الخباز منارة للأجيال


إبن المنامة البار وذو القامة الشامخة والسنديانة الحمراء.. وهو من مواليد المنامة ولد في عام 1948م، درس في مدارس البحرين، ولأنه مشغول باستحصال رزقه لم تتسنى له الظروف أن يدرس في الخارج. عمل أول ما عمل في قهوة أبيه. ثم في مصنع للثلج الذي يملكه حبيب عواجي. انخرط في النضال الوطني منذ نعومة أظافره وتمسك بنظرية الماركسية اللينينية التي تنتصر إلى حقوق العمال والفلاحين والكسبة. وقارع السلطات والمستغلين بكل ما أوتي من قوة وإرادة فولادية بأدوات نضالية تعرف عليها بنفسه في خضم الصراع السياسي الاجتماعي. وتعلم الكثير من الرفاق من صفاته النضالية.

آمن الرفيق الخباز أن السياسة هي فن الممكن والإبداع في آن واحد، لهذا سطر ملاحم تسجل في خانة الأبطال. وضع من نفسه مشروع شهادة في أي لحظة.  ولكي يمسك بدفة السفينة عليه أن يتعلم كيف يمسك بها. على هذا الاساس تعلم في سنوات عمره القصيره أن يمسك بدفة الثبات على المبادئ، وهي سمة اساسية من سمات المناضلين الأشداء. ولكي يحافظ على موقعه أيضا عليه أن يتسلح بالمعرفة وبالقدرة على الإقناع. وهذا الدور هو من أصعب الأدوار التي يحتاج لها المناضل الجسور لأنه يعتمد على الجرأة والشجاعة في الطرح وإبداء الرأي وألا يخاف لومة لائم. ومن أهم الاساليب النضالية هي القدرة على التفكيك والربط. يحتاج هذا الدور إلى إلمام بمعرفة علم المجتمع كما يسميه ماركس والإلمام بمفاصل التاريخ.

ولكي نعطي رفيقنا أبا أنس حقه علينا أن نذكر أن الثقافة والعلم والحفظ هي من المواهب التي حظي بها. وهي مواهب نادرة لا يمتلكها الكثيرون.  له علاقة حميمة بالكتاب. لهذا فهو يمتلك مكتبه تفوق في عدد كتبها أي واحد فينا ومنظمة على أحسن ما يرام. وهي أعز ما يمتلك في الحياة. إذا دخلت منزله ترى الكتب تستطع من بعيد. عدا عن ذلك فقد انكب على الكتب ينهل منها ما يشاء.

ونتيجة لنشاطه المفرط تعرض لجميع صنوف العذاب من اعتقال وتسفير وحرمان ومطاردات وسجون انفرادية وتحقيقات ومداهمات، لكنه أبدع في المواجهة. كان عبد علي هادئ الطباع إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تبصم بالقول بأنه رجل مثقف ومناضل في آن واحد لشدة بساطته. حتى تستطيع أن تصف بساطته كأنه تراب الأرض لكنك إذا حدقت في عينيه وجلست تخاطبه تتفاجأ من منطقه وتتمنى أن لو تكون في مستواه.  وتبصم على أنه رجل مثقف من الطراز الأول ومع كل هذه المواصفات فرفيقنا بحسن الطباع والسجايا الجميلة والعفية التي تغلبه في بعض الاحيان. رغم هذه الصفات فهو رجل لا يحب الظهور. تعود على العمل في الخفاء والسرية. لكنك إذا سألته عن أي واقعة سياسية يسرد لك بسخاء وكأنه يسرد عليك محاضرة شيقة.
 
 انغمس عبد علي في حزب الكادحين إلى أخمص قدميه. عايش لذة النضال كما عايش مرها. لدرجة أنه صار سورا لهذا الحزب. أما إذا جالسته فسوف تراه واضحا كالحقيقة. لهذا فهو في حرب شعواء على الانتهازية والانتهازيين. ويكره التباهي بعمله.

امتاز عبد علي بالصبر وكتمان الاسرار. لكن مع ذلك لم يسلم من المطاردات وهذا الأمر طبيعي لشخص يهوى النضال والتغيير وكسب الوقت لضمان حقوق الطبقة العاملة وتسجيل مواقف مشرفة لهم. تكررت مرات اعتقاله ونفيه لعدة مرات من عام 1968م إلى أعوام 1976م، 1986م. أي ما مجموعه حوالي 5 سنوات سجن. بالإضافة إلى محكوميته التي بلغت سنة ونصف في المنفى.

يقول عنه أصدقاؤه بأنه صلب كالفولاذ لا ينحني أمام الجلاد. ولا يستطيع المحقق معه أن ينتزع منه أي اعتراف. وهذا راجع إلى أن قضية الكادحين والعمال تنتصب أمام عينيه في كل دقيقة. وتمنحه قوة في الصمود. بالإضافة إلى أنه يقبل بالكفاف وتنعدم لديه الطموحات والتطلعات الشخصية التي هي أكثر الأسباب لانحناء الإنسان للسلطة. بمعنى أن المناضل إذا توصل إلى نكران الذات يصل إلى هذه المرتبة العالية.

كل ما في الأمر أن بساطة الحياة والقناعة هما ما يؤهلان المناضل لأي مواجهة تفاجأه. فمستوى التحمل والصمود لديه مرتفعه، فالتجرد من الأنا ونكران الذات وحب الإيثار هي عوامل قوية لحماية المناضل من الابتزاز والرشوة.

في المراحل الأخيرة من حياته أصيب بمرض السرطان. لكن أبو أنس تحمل هذا المرض بسعة صدر أكثر من أربع سنوات إلى أن وافاه الأجل في شهر جون سنة 2010. وبوفاته انطوت صفحة من صفحات نضال جبهة التحرير الوطني البحرانية حيث أصبح رمزا خالدا ومنارة للأجيال.

سيبقى عبدعلي نجما ساطعا في سماء البحرين وتاريخ التقدميين.
 


الكاتب: نجاة الموسوي
من نشرة التقدمي
 العدد 92
يونيو 2015