المنشور

الأمور المرتجاة


في أحد نصوصه يقول شكسبير على لسان إحدى شخصياته: «إذا ما الكدح أعياني هربت إلى سريري، تجد فيه أعضائي المنهكة بترحالها راحتها العزيزة، ولكن الرحلة تبدأ، عندها، داخل رأسي تشغل الذهن بعد أن قضى الجسم شغله».
والحق أن في ذهن كل منا تشتعل مثل هذه الشواغل عندما نأوي إلى أسرتنا في المساء أو ننفرد بذواتنا، للدرجة التي ينتابنا فيها ذلك الإحساس بالرغبة «في الخروج من حياتنا كما نخرج من بيوتنا للسير في الشوارع» بتعبير أحد الكتاب.
والشواغل التي تشتعل في الذهن هي أشد وطأة من تلك الأعباء التي ينوء بها الجسد، لأن استغراقك في نوم عميق قد يعوض لجسمك ما كان فقده من طاقة أو ما يعانيه من إرهاق، ولكن شواغل الذهن ليست من النوع الذي يتبدد بسرعة، إنها سريعة في تسربها إلى الذهن واستيطانه، وشديدة البطء في مغادرته.

لو تأملنا في عدد الآمال والأحلام المرتجاة في حياتنا لوجدناها كثيرة، ولوجدنا أنها تطال تفاصيل كثيرة تخصنا. ولو تأملنا أكثر لوجدنا أن أغلبية هذه الأحلام مؤجلة، وفي الغالب يأتي هذا التأجيل لأننا لسنا وحدنا من يقرر تحقيق المرتجى من هذه الأحلام. وهذا المرتجى هو على ما يبدو تلك الشواغل التي يضج بها الذهن في لحظة انفرادنا بأنفسنا، في اللحظة التي نأوي فيها إلى أسرتنا لننام، أو في اللحظة التي يتعين علينا فيها مواجهة الذات.

تأتي فكرة التأجيل على الأرجح من وعينا بتلك المسافة الشاسعة التي تفصل بين الرغبات – الأحلام وبين الممكن – المتاح، لذا يسكننا ذلك الشعور الغامض بأن أعمق الرغبات مكبلة وعصية على التحقيق، كأن كل نجاحاتنا الصغيرة والكبيرة في الحياة ما زالت أعجز من أن تجلب لنا السعادة المشتهاة، ونبدو عاجزين عن التصالح مع أشياء كثيرة محيطة بنا. السعادة تأتي فقط حين يتصالح المرء مع ذاته، ولكن من دون هذه المصالحة، ثمة عوائق وحواجز وصعاب.

علينا أن نقول، على الرغم من ذلك، إنه يجب أن يكون لدينا دائماً ما هو مرتجى ومؤجل، لأننا لا نستطيع الإمساك بالأمور كلها دفعة واحدة، ولأن ذلك وحده يجعل للحياة هدفاً ومغزى وغاية متجددة إليها نسعى. ربما لأن التأجيل الذي يأتي بمحض اختيارنا الحر هو تأجيل واعٍ، بخلاف ذلك التأجيل المفروض علينا حين يُصادر منا عزيز الأماني.
 


حرر في: 23/08/2015