المنشور

دول التعاون وآلية «آي إن دي سي» لخفض الانبعاثات


في مؤتمر الأطراف السابع عشر لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (COP-17) الذي عقد في مدينة ديربان بجنوب إفريقيا نهاية عام 2011، تم إنشاء لجنة محددة الاختصاص (Ad Hoc Working Group)، أُطلق عليها اسم «مجموعة منهاج ديربان للعمل المعزز» (Ad Hoc Working Group on the Durban Platform for Enhanced Action – ADP)، وكلفت بمهمة محددة وهي العمل على وضع مسودة اتفاق جديد، أو بالتحديد وضع بروتوكول تنفيذي جديد لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ ليحل محل بروتوكول كيوتو الذي انتهت مدة سريانه (2008-2012)، على أن تكون مسودة هذا الاتفاق جاهزة للعرض والإقرار في عام 2015 الجاري ليبدأ سريانه اعتباراً من عام 2020، وأن يكون ملزماً لجميع الدول الأعضاء. وقد تمخضت مناقشات هذه اللجنة عن اتخاذ مؤتمر الأطراف الذي عقد في وارسو نهاية 2013 القرار رقم 1/CP.19 الذي دعا جميع الدول لتكثيف استعداداتها الوطنية لتقديم ما أطلق عليه «المساهمة الوطنية المعتزمة والمقررة» (Intended Nationally Determined Contributions – INDCs) تحقيقاً لهدف المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، من دون الإضرار بالوضع القانوني للاتفاقية، في التوصل لإقرار بروتوكول كأداة قانونية أخرى (محل بروتوكول كيوتو)، أو أي مخرجات اتفاق تملك قوة قانونية مستندة للاتفاقية ومطبقة على جميع أطراف الاتفاقية.
 
كما اتخذ مؤتمر الأطراف العشرين الذي عقد في ليما عاصمة بيرو نهاية العام الماضي القرار رقم 1/CP.20 تم بموجبه تكرار الدعوة السابقة للأطراف لتقديم مساهماتها الوطنية في التخفيف (Mitigation) قبل انعقاد مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين في باريس نهاية العام الجاري (في الربع الأول من عام 2015 للأطراف القادرة على فعل ذلك). كما تضمن القرار الجديد إضافة لم تكن موجودة في القرار السابق، وتتمثل في الحث على أن تشمل «المساهمة الوطنية المعتمدة والمقررة في التخفيف»، خطط الدول/الأطراف في ما يتعلق بالتكيف (Adaptation) المعززة لإجراءات التخفيف (Mitigation) .
 
وقد خص القرار رقم 1/CP.20 بالنص مسائل الوضوح والشفافية والفهم (Clarity, Transparency and Understanding)، التي من أجل تحقيقها، فإن من الممكن أن تتضمن المعلومات المقدمة من جانب الدول/الأطراف، بجانب أشياء أخرى، معلومات كمية حول إجراءات التخفيف المعتزمة، تشمل كما هو مناسب سنة أساس (Base year)، وإطار زمني وفترة/فترات التنفيذ، نطاق وحجم التخفيف، عمليات التخطيط، الفرضيات والمقاربات المنهجية، بما فيها تلك المتعلقة بتقدير وحساب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن النشاط البشري، والإفادة أيضاً بقدر الإمكان بشأن طريقة التخلص منها، وكيف للدول/الأطراف أن تعتبر أن «مساهماتها الوطنية المعتزمة والمقررة» (في خفض الانبعاثات)، عادلة وطموحة في ضوء ظروفها المحلية، وكيف لهذه الجهود التي ستبذلها أن تسهم في تحقيق الهدف الوارد في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التي تنص على أن «الهدف النهائي لهذه الاتفاقية وأي أدوات قانونية ذات صلة تقرها مؤتمرات الأطراف، هو التوصل، وفقاً لنصوص الاتفاقية، إلى تثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الجو عند مستوى يمنع العبث الإنساني الخطير بنظام المناخ. ويجب التوصل إلى هذه النقطة التثبيتية خلال إطار زمني كاف للسماح للأنظمة الإيكولوجية (البيئية) للتكيف طبيعياً مع تغير المناخ، وضمان عدم تهديده للإنتاج الغذائي وتمكين التنمية الاقتصادية من التقدم بطريقة مستدامة”.

وفي واقع الحال لا يعتبر التاريخ المشار إليه آنفاً لتقديم الدول عروضها (في الربع الأول من عام 2015 الجاري)، قطعياً، فكثير من الدول لن تقدم عروضها قبل انعقاد مؤتمر باريس نهاية العام. كما أن العروض التي قُدمت حتى الآن لا تعدو أن تكون عبارة عن عروض أولية (Initial Offers)، سوف يعمل مقدموها على تقديم نسخ مطورة منها بناءً على ما ستسفر عنه جولات المفاوضات المقبلة على الصعد الأخرى، لاسيما التكيف والتمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات. ويفهم من مجمل المداولات ومن وثائق المفاوضات التي تصدر تباعاً عن الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر الأطراف، أن عدداً من الدول، لاسيما منها الدول الجزرية النامية الصغيرة (Small-Island States – SIS) والدول الأقل نمواً (Least Developed Countries – LDC)، لن تكون مطالبة في واقع الحال بتقديم عروضها نظراً لهشاشة وضعها الطبيعي (المناخي) والاقتصادي الناتج عن تغير المناخ. بل إن البند رقم (11) من القرار 1/CP.20 الصادر عن مؤتمر الأطراف ال (20) الذي عقد في ليما العام الماضي، يؤكد على نحو صريح وواضح أن الأطراف «توافق أيضاً على أن الدول الأقل نمواً والدول الجزرية الصغيرة النامية (Small Island Developing States)، يمكن أن تقدم معلومات حول استراتيجياتها وخططها وبرامجها التنفيذية المتعلقة بالتنمية منخفضة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي تعكس ظروفها الخاصة المتصلة بالمساهمة الوطنية المعتزَمة والمقررة».

وقبل ذلك كان البند الرابع في القرار المذكور «يحض الدول المتقدمة الأطراف في الاتفاقية على تقديم وحشد الدعم المالي المعزَّز للدول النامية الأطراف في الاتفاقية لمساعدتها على اتخاذ خطوات معتبرة في مجالي التخفيف (Mitigation) والتكيف (Adaptation)، لاسيما للدول الأطراف الأكثر هشاشة وانكشافاً إزاء الآثار السلبية لتغير المناخ، وأن تقر هذا الدعم المالي غير القابل للاسترداد دول الأطراف الأخرى». بما يعني أن قسماً كبيراً من مساهمات الدول النامية، وبضمنها دول مجلس التعاون المنكشفة أكثر من غيرها أمام ما تُسمى «تدابير الاستجابة» (Response Measures) التي تتخذها الدول المتقدمة للوفاء بالتزاماتها في ما يتعلق بالتخفيف، ومنها الحد من استهلاك الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط – مشروط، على ما هو بائن في العروض المقدمة حتى الآن، بحصولها على الدعم المالي والتكنولوجي والفني القدراتي الذي يجب أن تحصل عليه أولاً من الدول المتقدمة.

الآن وقد عُلِم بتقديم جنوب افريقيا عرضها، كما أن الهند قدمت عرضها بعد يوم واحد من انتهاء الموعد المقرر لتقديم العروض وهو الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2015، أي في يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2015 الذي صادف مولد زعيمها المهاتما غاندي باعتباره رائد التنمية المستدامة، إضافة إلى قرب تقديم البرازيل عرضها حسبما رشح من أخبار حتى الآن، معتمدة عام 2010 كسنة أساس، فإنه لم يبق أمام دول مجلس التعاون سوى اتخاذ موقف محدد من جانبها، الأصل فيه هو أن تؤجل تقديمها لمساهماتها إلى ما بعد مؤتمر الأطراف في باريس، ولكن وبعد أن قدمت أو على وشك أن تقدم مجموعة Basic Countries عروضها، وبما أن عدم التقديم سوف يتم استغلاله سلباً للنيل من سمعتها، لذا فإننا نقترح أن تقدم دول التعاون الحد الأدنى من المساهمات كعروض مبدئية قابلة للتطوير بحسب مسار المفاوضات اللاحق، وألا تلزم نفسها بما يضيف أكلافاً إنتاجية جديدة لبعض قطاعاتها الاقتصادية الحيوية وفي مقدمتها قطاع الطاقة، وأن تنسق فيما بينها عملية تقديم العروض لتكون متزامنة التوقيت ومتوافقة في مستوى الالتزام وفي سنة الأساس المعتمدة. 
 



حرر في 25/10/2015