المنشور

ماذا عن الفكر؟


جيد، ولا شك، لا بل ومبهج هذا الإقبال من قبل المهتمين من الشباب على قراءة الروايات، التي باتت أكثر أجناس الكتب جاذبية في معارض الكتب وفي المكتبات. وجيد ومبهج أيضاً أن نرى أندية وحلقات القراءة التي يشكلها الشباب من الجنسين في العديد من البلدان العربية، وبينها البلدان الخليجية، ممن يتحلقون حول قراءة روايات معينة ثم يناقشونها من أوجهها المختلفة.
 
أنا شخصياً من الميالين لقراءة الروايات أيضاً، وأجد فيها ما يثري البصيرة ويبهج الروح ويوسع الأفق، فالبانوراما الواسعة التي توفرها الروايات، هذا إذا كانت جيدة بالطبع، تبسط أمامنا التاريخ والحاضر وتأخذنا إلى مكنونات النفس الإنسانية بما يعتمل داخلها من أشواق وعواطف وانكسارات، فيعرف المرء نفسه بصورة أفضل، لا بل ويحسن التعبير عنها أفضل مما يفعل من ليس لديه هذا الشغف.

أذكر أن محمود درويش وهو الشاعر الذي تعمق في قراءة الشعر الإنساني، كما الشعر العربي، خاصة القديم منه، واستلهم الكثير من هذه القراءة في نصوصه، تحدث في أحد الحوارات معه عن تفضيله قراءة الروايات، التي كان يجد فيها المتعة والفائدة.

هذا كله لا يمنعنا من الخشية من أمر مهم يتعين الوقوف عليه، هو أن يؤدي هذا الولع بقراءة الروايات إلى إغفال أن الأدب، والثقافة عامة، ليسا الرواية وحدها.

هناك المخزون الشعري العظيم، العربي وغير العربي، وهناك شعراء كبار لا يليق بأي مهتم بالقراءة أن يغفل عن الاطلاع على نصوصهم، ثم هناك القصة القصيرة، ولها من التجارب الشيء العظيم عربياً وإنسانياً.

يجب ألا نغفل، ولو لوهلة، عن أسماء مثل أنطون تشيخوف الذي كان قاصاً ومسرحياً، وليس روائياً، ويجب ألا ننسى أسماء عربية أيضاً لامعة في هذا الفن، وحسبنا اسم يوسف إدريس.

ويمكن أن نستطرد فنقول إن إرنست همنغواي وغابرييل ماركيز وألبرتو مورافيا ونجيب محفوظ، كتبوا قصصاً قصيرة رائعة إلى جانب رواياتهم الرائعة.
ما يقلق أكثر من هذا كله هو أن يغفل الشباب عن قراءة الأعمال الفكرية والفلسفية التي تصوغ لنا الرؤى والتصورات حول العالم والكون وتطور المجتمعات.

ومن واجبنا نحن المخضرمين ممن لحقوا زمناً آخر، كانت فيه المعارك والسجالات الفكرية على أشدها، وكانت هناك منابر ودوريات وتجمعات تنشر وتترجم وتجادل في جديد الفكر الإنساني، أن ننبه الجيل الشغوف بالمعرفة الناشىء اليوم إلى أن الأدب مهم جداً، لكن الأدب دون الفكر لا يصنع مثقفاً.


21/12/2015