المنشور

حان وقت الأسئلة الأصعب..!


ليس لأي وزير، او مسؤول، او جهة لوم المواطن اذا ما توجس، او شعر بقلق لعدم القدرة على الاستمرار في عادة الاتكال على الشعارات الطنانة التي تطمئنه وتبشره بان «مكتسباته» لن تمس، وبان المواطن لن يتأثر، وبأن هناك «التزام من الحكومة بالعمل على ألا يتأثر المواطن بأي من الاجراءات بشكل مباشر»، وذلك بعد ان أسقط وزير المالية الغموض حول الآثار المترتبة على ارتفاع الدَّين العام والخطوات التي ستتخذ والتي قد تنجب وابلاً من المفاجآت على خلفية واقع المديونية المرير.. ووجدنا من يجزم..!!

يكفي التوقف ملياً عند ما أعلنه وزير المالية بوعي استثنائي، طالما نحن في مرحلة كل ما فيها استثنائي وشائك وتفرض التفكير والبحث في الخيارات الأسلم والأجدى، والرشيدة والمسؤولة والمدروسة في آنٍ واحد، حتى نخفف قدر الإمكان من وطأة اي اجراءات تقشفية مرتقبة على المواطن، هذا المواطن الذي لم يمنح يوماً في إبداء اي رأي في الخيارات والبرامج والسياسات والمخارج التي تمسه من قريب او بعيد، وهو يدرك بان ما يحصل الآن هو ان الأمور تأتيه كأمر واقع، كما يدرك بأن السلطة التشريعية أعطت الضوء لرفع سقف الدَّين العام من 7 الى 10 مليارات دينار بعد حالة من الشد والجذب والمداخلات السريعة «الساخنة» التي أثارها بعض النواب ازاء تعقيدات تفاقم الدَّين العام، والتي خلاصتها بالنهاية ليس كأنها لم تكن، بل عبَّرت أيضا عن مواقف ضعيفة ومتذبذبة عمقت قناعة الكثيرين بان نوابنا لا يراهن عليهم في بلوغ مخارج بناءة، وبجانب ذلك يدرك المواطن بان زعم بعض من يصنفون بانهم اقتصاديون ومحللون بان البحرين في وضع قادر على تحمل تبعات اضطرابات الأسواق العالمية الاقتصادية والسياسية، هو كلام غير منطقي، بل هو كلام «مجاملات» من النوع الذي ألفناه وسئمناه في كل مجال وميدان، وبات من المصلحة تجاوزه وعدم التشجيع على استمراره..!!

نعود الى كلام وزير المالية، والأرقام المطروحة من وزارة المالية، والتي لا بد من التوقف عندها ملياً لكونها في أبسط تحليل مثيرة للقلق، فحين يبرر لنا الاقتراض من زاوية «ان الوضع المالي الراهن يتطلب اتخاذ اجراءات سريعة للتعامل مع انخفاض اسعار النفط بخلاف ما كان متوقعاً عند إعداد الموازنة العامة للدولة 2015 – 2016 بواقع 60 دولاراً للبرميل، حيث انخفض الى ما دون ذلك، مما يزيد العبء وحجم العجز المقدر في الموازنة، الأمر الذي لم يعد معه خيار آخر، إلا الاقتراض..».
وفي إشارة لافتة تنبئ بما لا يخفي على ذوي الألباب، تقول وزارة المالية: «إنه في حال صدور الدَّين العام والذي بموجبه تم تحديد الدَّين العام بواقع 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي فان على الحكومة ان تضبط مصروفاتها في حدود هذه النسبة، وقد يترتب على ذلك اتخاذ اجراءات سريعة لعدم تجاوز الاقتراض للحد المسموح به مما يضر بالوضع الاقتصادي، وان لدى الحكومة الخطط والبرامج للتعامل مع الوضع المالي الحالي يتطلب خلق صدمة للاقتصاد..»..!!

مسألة الصدمة يصعب تجاوزها، ولم يعلمنا لا وزير المالية ولا غيره ماهي طبيعة هذه الصدمة تحديداً­، وكيف نكون مهئيين ومستعدين لمواجهتها، وما هي الحلول المعينة التي يمكن تحملها، وما هي السياسات الإستباقية لمواجهة هذه الصدمة، أو اي صدمات اخرى مقبلة، سياسات مدروسة وجديرة بالثقة، كما ان وزير المالية بشرنا بـ«موجات» متتالية من الاجراءات التقشفية، الهدف منها زيادة الإيرادات وتقليل المصروفات للوصول الى نقطة التوازن والمحافظة على المستويات المقبولة للبطالة وزيادة الناتج الإجمالي، والمحافظة على متوسط زيادة الرواتب، وتطبيق مبدأ استرداد التكلفة الفعلية للخدمات وتوجيه الدعم للمستحقين وتعزيز دور القطاع الخاص وتسهيل اجراءات الاستثمار…

ذلك هو المعلوم والمعلن حتى الآن من قرارات وتوجهات، وهي تفرض تساؤلات، بل التساؤلات الأصعب المقرونة بكثير من الهواجس المقلقة، لعل في المقدمة منها، كيف يمكن ان تتخذ تلك الاجراءات، وتفرض رسوم على الخدمات، وعلى قطاع الاعمال دون ان يتأثر المواطن..؟ ثم هل هناك ما يضمن سلامة الهدف والممارسة وكفاءة الادارة المالية والاقتصادية خاصة في ظل ان الميزانية وضعت على أساس 60 دولاراً لبرميل النفط بينما الاسعار نزلت في الوقت الحالي الى ما دون 40 درلاراً، وان ليس في الأفق ما يشير الى انكماش الدَّين العام، بل توقع صعوده المستمر..؟ كما ان النمو الاقتصادي المتوقع الذي قيل بانه لن يقل عن 3 بالمئة، سيكون امام تحدي امكانية القدرة على توفير إيرادات تغطي الحاجة لسداد أقساط وفوائد الدَّين المتفاقمة، والباعث على تفاقم القلق ان القروض لا تذهب لإنفاق رأسمالي يوفر ايراداً للخزينة العامة، فهي إما لسداد ديون مع ما يترتب على ذلك من التزامات، او لسداد عجز في الموازنة العامة ناتج عن إنفاق جارٍ غير منتج، ثم ما هي استراتيجية وزارة المالية في مواجهة ارتفاع الدين العام الذي تضاعف خمس مرات، وسؤال عن القطاع الخاص الذي يعّول عليه كأحد أهم روافد تنويع مصادرالدخل، هل التربة صالحة لغرس نبتة قطاع خاص مبادر وجريئ ويتمتع ببيئة حقيقية حاضنة للإستثمار، قطاع لا يشكو من بيوقراطية وفساد وما يفرض عليه من فوق وتحت الطاولة وكل ما هو طارد للإستثمار، ثم الى اي مدى هي واقيعة هذه التصريحات التي تؤكد لنا بأن اقتصادنا قوي، وبأن مصالح المواطنين لم تمس..!

الكل سيمس ان عاجلاً أم آجلا.. اليس هذه الحقيقة المرة والمغيبة.

من بين ما هو سيئ، ان ليس هناك خطة معلنة واضحة الأهداف والمنطلقات والآليات لسداد الدَّين العام، بحيث يتوفر جدول زمني يستدل به البحرينيون على موعد بدء انخفاض نسب الدَّين العام وقيمه المطلقة، وماهية الخطوات التي يمكن القيام بها لمعالجة الآثار المترتبة على الوضع الاقتصادي الراهن وكيفية تلافي اي تأثير مستقبلي على الاقتصاد والمواطن وعلى سعر الدينار البحرين..!!

 أمام المعنيين بالسياسات المالية والاقتصادية مهام عاجلة، المهم ان تكون حصيفة ومدروسة تجعل المواطن لا يتأثر بحق.. هذا هو التحدي وهذا هو الرهان..


 
22  ديسمبر 2015