المنشور

حلم جيل ونكبته



أكتب هذا المقال متأثرا بخبر
فوز الأسبانية من أصل مصري (نجوى جويلي) بعضوية البرلمان الأسباني بعدما ظفرت
بأعلى الأصوات في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً في أسبانيا؛ لتصبح جويلي
البالغة من العمر 24 عاماً أصغر عضوة في البرلمان وأصغر أسبانية من أصل مصري تفوز
بمقعد في البرلمان الإسباني؛ ووفقاً للأعراف البرلمانية الأسبانية ترأست جويلي أول
جلسة تشريعية للبرلمان
بعيد صدور نتائج الانتخابات.



للوهلة الأولى يبدو الخبر – على أهميته – خبراً روتينياً كسائر الأخبار
التي تنشر عن تميز المهاجرين بأجيالهم المتعاقبة في الغرب المتقدم، إلا أن المتتبع
لتفاصيل السيرة الذاتية لحياة “عضوة البرلمان” يتوقف عند بعض النقاط
اللافتة والمهمة.



أولها أن والد جويلي قد سافر أول مرة إلى إسبانيا في العام ( 1990) ليكمل
دراسته الجامعية، بعد أن قضى كامل حياته قبل ذلك في مصر.



وهنا تكمن الأهمية الأولى، حيث لا تشبه حالة جويلي غيرها من حالات تميز
أبناء المهاجرين العرب الذين هاجروا إلى الغرب قبل عقود، والذين تنتشر أخبار
تميزهم وتوليهم لمراكز متقدمة في دولهم الجديدة؛ إذ يعد والد جويلي مهاجراً حديثاً
نسبة لذاكرة أبناء جيلي الذين ولدوا في النصف الثاني من السبعينيات والنصف الأول
من ثمانينيات القرن الماضي، و استطاعوا بالرغم من يفاعتهم تكوين ذاكرة عن سمات
بيئتهم في ذلك الوقت التي أكثر ما كان راسخاً منها في الذاكرة، غزو العراق للكويت
عام 1990، والذي شكل إنكساراً عربياً جديداً، كان له تبعاته المهلكة التي توجت
بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ثم ما تلا ذلك من تمزق اجتماعي وصلت ارتدادات تصدعاته
لأغلب البلدان العربية.



كما تكمن الأهمية الثانية للخبر في  أن نجوى جويلي بدأت نشاطها السياسي في العام (
2011) متأثرة بثورة يناير المصرية، واستطاعت بعد 4 أعوام من – إشتغالها الأول
بالسياسة – أن تصبح عضوة في البرلمان الأسباني، في بلد يتبع نظام الملكية الدستورية،
وتشكل حكومته الأغلبية البرلمانية.



في مقابل ذلك بدأ الكثير من أبناء جيلي عملهم السياسي في العام 2001،
متأثرين ببيئة الإصلاح السياسي التي تبعت ميثاق العمل الوطني وساروا في أحلامهم
نحو مملكة دستورية تضاهي المملكات الدستورية العريقة، وناضلوا في سبيل ذلك وهم
يشهدون تراجعات تتلو بعضها في مسيرة الإصلاح السياسي، حتى جاءت لحظة الذروة في
العام 2011، لكن اللحظة التاريخية لم تستثمر، وانتهت بكارثة مأساوية تجرع مرارتها
سائر أبناء المجتمع البحريني، وما زلنا نعيش تداعياتها حتى يومنا هذا، في ظل غياب
المؤسسات التشريعية والرقابية الفاعلة، والتمثيل الشعبي العادل الذي يراعي مشاركة
كافة مكونات المجتمع، وفي ظل غياب المحاسبة لسارقي المال العام، وفي المحصلة غياب
العدالة والمساواة، وتنامي ثقافة الغنيمة على المستوى الاجتماعي، والتشفي، وتمكين
الأقرب لا الأصلح.



وفقاً لذلك يشكل العام 2011 نكبة جيل ليس في البحرين فحسب بل تكاد تكون في
سائر بلدان “الحراك” العربي، في مقابل انتصار مشروع هناك في أسبانيا،
حيث تترأس نجوى البرلمان في بلدان العالم المتقدم، التي تؤمن بالتمثيل الشعبي
وتداول السلطة، ومحاسبة الفاسدين.



هناك نشهد تحقيق حلم جيل جديد، وهنا نشهد نكبته.