المنشور

الحاجة إلى الوحدة الوطنية

تتزايد
الدعوات إلى الوحدة الوطنية بهدف معالجة تداعيات الأزمات التي يواجهها المجتمع،
لكن هذه الدعوات تبدو للعديد من فئات المجتمع دعوات مبهمة في ظل عدم تصحيح الأوضاع
المؤدية للازمات، ومن هنا يبرز السؤال ماذا نعني بالوحدة الوطنية؟

يتكون التعريف اللغوي للوحدة الوطنية
من مفردتين هما (وحد) أي إتحد الشيء والشيئان أو الأشياء وصارت واحدة.









 

والوطن
ويقال (أيطن) وطناً أي أقام به؛ والوطن مكان إقامة الإنسان وإليه انتمائه.

من خلال التفسير اللغوي
للمفردات المكونة للوحدة الوطنية يمكن القول إن الوحدة الوطنية تعني حالة التعايش
والقبول بين مختلف مكونات المجتمع الواحد، بما يكفل التساوي في الحقوق والواجبات،
وبما يضمن اقتناع أعضاء المجتمع، بشرعية النظام السياسي كجهاز له حق اتخاذ القرارات
وإلزام الأفراد باحترامها، واحترام النظام السياسي من جانب آخر لمكونات المجتمع
كقوة يستمد منها شرعيته، ويضمن لها القنوات العادلة والكفيلة للتعبير عن إرادتها.

إلا أن المجتمع البحريني الذي
يعرف بطابعه التعددي، يعاني من استغلال


بعض الأطراف



لهذه التعددية في تغذية
الصراعات السياسية وتحويلها من طابعها المدني إلى طابع عصبوي يبنى على أساسات
طائفية، وعرقية، يغذيها في ذلك قدر البحرين الجغرافي  الذي أوقعها وسط دول كبرى على ضفتي الخليج
تتبنى الإسلام السياسي الطائفي منهجاً لها.

هذا التصارع الإقليمي سرعان ما
يترجم في الداخل مرجعاً كل اختلاف سياسي إلى حاضنه الإقليمي، ومدخلاً مكونات
المجتمع البحريني في دوامة من الاتهامات المتعلقة بإخلاصها لوطنيتها وانتمائها.

هذا الصراع يبدو منهكاً
للمجتمع، ومؤثراً في استقراره ونمائه، وفارضاً حالة من غياب الثقة بين أطرافه، ومعطلاً
لجميع مشاريع الإصلاح السياسي والاقتصادي بحجة غياب الاستقرار.

هنا تبرز الحاجة للوحدة الوطنية
لتجاوز هذا الحائط المسدود الذي يعطل تقدم المجتمع، لكن دعوات الوحدة الوطنية يجب أن
تنبع من قناعة جميع الأطراف باستحالة استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وضرورة
التوصل إلى حل عادل لجميع الأطراف.

هذه القناعة لا تتأتى دون نزع
فتيل التعصب وإرساء سقف أدنى من التسامح، وهو ما يقتضي بيئة ينمو فيها ويترعرع
ويزدهر الاعتراف بالآخر، وحقه في العيش بسلام ومن دون خوف، وضمان حقوقه كاملة على
أساس المساواة والمشترك الإنسان، وإنصاف الأفراد والجماعات التي تعرضت حقوقها
للانتهاك، و

ا
لإقرار
بمعاناة جماعات تعرضت بسبب اللاتسامح وهضم الحقوق لمآس كبيرة.

إذا الإقرار بالمشكلة،
والاقتناع باستحالة المضي دون حلها تعد خطة أولى نحو حل كفيل بتحقيق الوحدة
الوطنية.

هذا يعني أن تحقيق الوحدة
الوطنية بحاجة إلى  مصالحة وطنية شاملة
تقوم على مبدأ العدالة الانتقالية تتمثل في لجنة وطنية يتوافق عليها شعبياً
ورسمياً، تتكفل بوضع خارطة طريق من أجل طي صفحة من الخلافات والصراعات داخل
المجتمع، على قاعدة الاعتراف بأخطاء الماضي، وجبر الضرر والتعويض، والإصلاح الشامل
في بنية النظام السياسي والاجتماعي، للانتقال إلى عهد جديد تسوده العدالة المبنية
على فهم مشترك بين مختلف مكونات المجتمع، مما يحقق الوحدة الوطنية.

دون ذلك ستبقى دعوات الوحدة
الوطنية دعوات رومانسية، يجدها كثيرون دعوات مهينة في ظل ما يعايشونه من معاناة مستمرة.