المنشور

الصورة النمطية للمرأة في “ألف ليلة وليلة”

الصورة النمطية أو القالب النمطي، تعني الحكم الصادر لوجود فكرة مسبقة عن فئة معينة، فيقوم المدعي بإلباسها صفة العمومية، أو فكرة مسبقة تلقي صفات معينة على كل أفراد طبقة أو مجموعة. واشتق منهما فعل فقيل التنميط والقولبة.

يؤكد المفكر السوري الراحل، بو علي ياسين، في دراسته القيّمة  لمجتمعات ألف ليلة وليلة، وجود صورة نمطية للمرأة قوامها الخصائص التالية: الشهوانية، ناقصة عقل ودين، انفعالية وتغضب لأتفه الأسباب، ثرثارة، لا تؤتمن على سر، الخداع والكيد.

الخاصية الأولى للمرأة في “ألف ليلة وليلة” هي الشهوانية. يتحدد ذلك من خلال المقارنة مع الرجل. “نقرأ في حكاية قمر الزمان ابن الملك شهرمان: لأن شهوة النساء أقوى من شهوة الرجل، لذلك فإن المرأة فتنة الرجل المؤمن. ونجد مصداق ذلك أيضا في حكاية مدينة النحاس”.

  1. فصاحب الدين والعقل يبتعد عن المرأة، لأن الله يمتحن الرجال بها.

وهنا يتوصل بو علي ياسين إلى استنتاج هام، بأن “المرأة هي موضوع الجنس، ليست ذاتا في ممارسته. وهذا لا يتأتى بالضرورة عن الشهوانية، لأن الشهوانية قد تكون نظرياً فاعلة أو منفعلة. غير أن “ألف ليلة وليلة” ترى في المرأة خاصية السلبية، لا سيما السلبية الجنسية، مثلها في ذلك مثل النظرة السلفية أو الشعبية السائدة للآن، التي تتمثلها عموما المرأة الحالية وتمارسها فعلا”.

  1. ومن خصائص المرأة أيضا، أنها ناقصة عقل ودين. وهذه النظرة ما زالت سائدة في الأوساط العامة، ومن ذلك قولهم (المرأة بربع عقل). يقول “الملك قمر الزمان: لعن الله النساء الخائنات الناقصات عقلا ودينا”.

  2. وللمقارنة نذكر قول الإمام علي بن أبي طالب في إحدى خطبه: “معاشر الناس، إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ نواقص العقول”.

 يعلق السيد محمد حسين فضل الله في كتابه “دنيا المرأة” (ص42) – على هذا القول: “أما الحديث بأن النساء نواقص العقول والحظوظ والدين، لو فرضنا ثبوته، فلا بد من أن يكون المراد به غير ظاهره، منطلقاً من خلال طبيعة الجانب التعبيري، فبعض الأشياء في ذلك الوقت تمثل حالة نقصان مثلا، أو يعبر عنها على هذا النحو بشكل عام… “.

  1. يترتب على (نقص عقل المرأة) – كما هو في مجتمعات “ألف ليلة وليلة”، وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية المعاصرة- عدم مشورتها أو العمل برأيها.

ومن خصائص المرأة التي نستشفها من حكايات شهرزاد، أنها انفعالية، تغضب لأتفه الأسباب، وتُعاقِب إن تسلطت على الهفوات عقاباً صارماً. لذلك يجب ألا تسود، وأن تبقى السيادة للرجل. مثلا في حكاية “الحمال مع البنات”، تأمر البنات بضرب أعناق الحمال والصعاليك الثلاثة والخليفة ومرافقيه، لأنهم لم يتقيدوا بشرط أن لا يتكلموا فيما لا يعنيهم فيسمعوا ما لا يرضيهم”.

  1. ومن خصائص المرأة أنها فضولية، ثرثارة، لا تؤتمن على سر. هذه الخاصية مرتبطة بنقص عقلها وشهوانيتها وغدرها. “ففي حكاية الحمار والثور مع صاحب الزرع”، يضحك صاحب الزرع عند سماعه حديث الحمار والثور، فتظن الزوجة أنه يضحك عليها، وتصر على معرفة سبب ضحكه، وإن كان ثمن هذه المعرفة موت زوجها”.

  2. 6. يستنتج بو علي ياسين، أنه “ليس للمرأة في حكايات شهرزاد علاقة مع غيرها من النساء، وعلاقتها بالرجال جنسية دائماً، ما لم تكن أماً أو أختاً أو ابنة. على أن الحكايات لا تتعدى بهذا التصوير على المرأة، بل تعرض الواقع الذي ما نزال نلمسه إلى الآن. وكل منا لو راقب النساء من حوله، لوجد شبه انعدام لعلاقات الصداقة بين النساء. ولو وجدت مثل هذه العلاقات أيام العزوبية، فهي سرعان ما تنقطع بعد الزواج، لتنشأ صداقات جديدة مع زوجات أصدقاء ومعارف الزوج”.

  3. 7. يتوصل بو علي ياسين إلى خلاصة هامة مما سبق كله، حيث يمكن القول، إن “التناقض في صورة المرأة في حكايات شهرزاد يعود بصورة عامة إلى كون النساء واحدات في طبيعتهن مختلفات في سلوكهن، وتبعا للسلوك تكون المرأة صالحة أو شريرة. وفي حالات قليلة قد يكون التناقض لوجود تأثيرات متريركية، أو لوجود استثناءات نادرة ضمن الطبقة العليا أو بين الجواري والمتعبدات. ويزداد صلاح المرأة مع تديَنها (وهذا المعيار الديني)، ومع خضوعها للرجل (وهذا هو المعيار البطريركي)، وضمن حدود مع اقترابها من صفات الرجل (وهذا هو المعيار الرجولي المحدود في صلاحيته)”.

  4. 8. إذن تبدو المرأة في حكايات شهرزاد على أنها: شهوانية، لاعقلانية، سلبية، استبدادية عند المقدرة، فضولية انفلاشية، خاضعة للرجل تابعة له، لا تعرف الصداقة. أليس هذه الصورة النمطية المتخلفة للمرأة في مجتمعات “ألف ليلة وليلة”، متقاربة، وأحيانا متطابقة، مع صورة المرآة في المجتمعات العربية الحديثة والمعاصرة؟!

1- بو علي ياسين، خير الزاد من حكايات شهرزاد ص77، دار حوران-الطبعة الثانية2003.

2- المصدر السابق ص78

3- المصدر السابق ص80

4- المصدر السابق ص85

5- المصدر السابق ص85

6- المصدر السابق ص85

7- المصدر السابق ص86

8- المصدر السابق ص88

نشرة التقدمي – يونيو – العدد 127