المنشور

تعديلات التقاعد بعد توجيهات جلالة الملك – رؤية قانونية #ارفعوا_أيديكم_عن_التأمينات

تابع المواطنون على اختلاف مستوياتهم البسيطة من عمال وموظفين ومثقفين ومتخصصين في الاقتصاد والتشريع التعديلات التي أجرتها الحكومة على احكام القانون رقم 3 لسنة 2008 بشان الهيئة العامة للتامين الاجتماعي لنظرة بصفة عاجلة من قبل مجلسي النواب والشورى، الذي رفضه مجلس النواب ووافق عليه مجلس الشورى، وكنا نتوقع أمام اختلاف المجلسين أن يعرض الأمر على المجلس الوطني للتصويت عليه خلال خمسة عشر يوما، وكنا نخشى ألا يبت المجلس الوطني فيه خلال هذه المدة، حينها يجوز إصداره بمرسوم له قوة القانون حتى جاءت توجيهات جلالة الملك وازالت ما كنا نخشاه بإعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد إلى الحكومة، وهو الموقف السليم والصحيح والسليم الذي يتفق وينسجم مع الواقع ويستجيب لكل المرئيات والملاحظات التي ابداها الجميع من المجلسين أو من المواطنين.

ونستخلص من كل ما جرى منذ إحالة مشروعي القانونين من الحكومة إلى مجلس النواب ثم  لمجلس الشورى، وإعادتهما إلى الحكومة الآتي:

أولاً: إن توجيهات جلالة الملك بإعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد بالتعاون والتنسيق مع السلطة التشريعية يعني زوال الآثار القانونية التي ترتبت عليهما في المجلسين سواء بالرفض أو بالموافقة، وانه لابد من عرض جديد على المجلسين بصيغة مختلفة، ولأن إعادة البحث تتطلب التأني وعدم الاستعجال كما جاء في توجيهات جلالة الملك، ولأن الفصل التشريعي قد انتهى فإنه يتعين عرضه في الفصل التشريعي القادم .

ثانياً: إن المساس أو النيل من الحقوق التي تتعلق بالحياة المعيشية للمواطنين كالحق في التأمين الاجتماعي الذي لا يشمل فقط المشتركين والمتقاعدين بل يشمل اسرة كل متقاعد، ويتعلق بحق الأجيال القادمة، لا يمكن قبوله، وهو ما يفسر أهمية الالتفاف الشعبي الواسع الرفض لهذه التعديلات. وأنه من الممكن حين يمس الحق لقمة عيش المواطن ويلتف حوله الشعب بكل مكوناته وطوائفه مستخدما الوسائل السلمية المتاحة أن يكون له اثر على القرار السياسي.

ثالثاً: أن رأي لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الشورى بأن لا شبهة دستورية في هذه التعديلات هو رأي لا ينسجم على الإطلاق مع احكام الدستور ويكفي أن نشير إلى أن تنظيم الحقوق المنصوص عليها في الدستور أو تحديدها لا يكون إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق حسب نص المادة (31 ) من الدستور. والحقيقة هي أن تنظيم الحقوق المتعلقة بالحق بالتأمين الاجتماعي بموجب التعديل الجديد قد مسَّ جوهر هذا الحق، فالحق في التأمين الاجتماعي يدور وجوده وحمايته بتحديد نسبة اشتراكات التقاعد، وتقرير منح زيادة سنوية على المعاش أو وقفها، وتحديد المدة المؤهلة لاستحقاق المعاش، وتقرير السماح بضم مدد افتراضية من عدمه، هي حقوق مكتسبة لا يجوز لقرار إداري أن ينتقص منها  لا بأثر رجعي ولا بأثر فوري.

رابعاً: إن ما أجرته لجنة الخدمات بمجلس الشورى من تعديل على مشروع القانون بحيث يمنع التعديل الانتقاص من المزايا التقاعدية أو زيادة اشتراكات التقاعد إلا بموافقة مجلس الوزراء، يظل خاضعاً لقرار إداري ومن ثم ينتقص ويسلب حق السلطة التشريعية من حماية المزايا من الانتقاص، ويكشف عن مدى العوار الدستوري الذي جاء في أصل التعديلات.

خامساً: علينا أن نتفهم وجود العجز الاكتواري المستقبلي في أصول الصناديق التأمينية، وانه من المتوقع نفاد هذه الاصول عام 2034 حسب تقرير لجنة تحقيق مجلس النواب، وتؤكد تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية هذا العجز إذ جاء فيها ( ارتفاع قيمة العجز الاكتواري في صندوق القطاع العام المدني وصندوق القطاع الخاص بشكل متسارع، إن استمرار الأوضاع الحالية للصناديق وبقاء التشريعات والأنظمة المنظمة للتأمين الاجتماعي على حالها سيؤدي إلى استمرار اتساع الفجوة بين مصروفات الصناديق وإيراداتها) .

سادساً: إن معالجة العجز وإعادة التقييم تقتضي إعادة النظر ليس في مشروعي القانون محل التعديلات بل في كل القوانين التي تنظم أو تلك المتعلقة بالتأمين الاجتماعي، وقد أشار جلالة الملك في توجيهاته ( بأن تكون إعادة التقييم محققة للتوافق الوطني بين جميع سلطات الدولة ومؤسساتها المعنية في إدخال الإصلاحات اللازمة على القوانين المعمول بها وتتطلب بيان الأسباب الحقيقة له وبشفافية عالية تكون معروضة على الكافة. و يتعين أن تكون معالجة العجز على نحو لا ينتقص من الحقوق المكتسبة للمنتفعين من التأمين الاجتماعي ولا ينال من حق السلطة التشريعية من الرقابة أو تقرير الحقوق المتعلقة بهذا الحق.

سابعاً: إذا كانت العلة، كما تؤكد التقارير في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي وفي سوء إدارتها لأموال الصناديق، فإن من الخطأ منحها مزيداً من الصلاحيات على حساب السلطة التشريعية، وإن إعادة التقييم والبحث في مشروعي القانونيين محل التعديلات يتطلب النظر في طريقة تشكيل هذه الهيئة وفي اختصاصاتها بحيث تتمتع بالاستقلال، وأن تكون نسبة تمثيل ممثلي القطاعين العام والخاص نسبة معقولة تزيد عن نسبة اللذين يمثلون الحكومة أو اصحاب العمل .

ثامناً: إن إعادة البحث والتقييم يتعين ألا تتجاهل مسؤولية الدولة التي نصّ عليها الدستور في المادة (5 فقرة ج): “تكفل الدولة وتؤمن للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل خدمات التأمين الاجتماعي”، والواقع يكشف أن التشريعات الناظمة للتأمين الاجتماعي في القطاعين العام والخاص ليس فيها ما ينص على تحمل أو ما  يلزم الدولة بالمساهمة في موارد الصناديق التأمينية في القطاعين أو ضمان تمويلها عند عجز.

تاسعاً: إن تشكيل اللجنة المشتركة من الحكومة وممثلين عن مجلسي الشورى والنواب للوصول إلى رؤية توافقية بشأن قانوني التقاعد بدون ممثلين من المنتفعين من الـتأمين الاجتماعي ونقصد بهم العمال وموظفي الدولة هو تشكيل ناقص لا يعزز من المسئولية المشتركة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، ومع ذلك  نأمل أن تتوصل هذه اللجنة إلى رؤية تحقق الغاية من توجيهات جلالة الملك و أن لا يصدر بموجبها مرسوم له قوة القانون في ظل غياب المجلسين، بل يتعين عرضها على السلطة التشريعية في الفصل التشريعي المقبل.

نشرة التقدمي لشهر يوليو 2018.