المنشور

حتى قبل ذلك كنا نفعل الأشياء نفسها كل يوم

– ماذا ستفعل اليوم ؟
– كالمعتاد.
– وأنا كذلك.
لم يخطر ببال أحد أننا سنفعل ذات الشيء الذي تفعله البشرية أجمع، وفي نفس الوقت: الجلوس بالبيت كل يوم حتى إشعار آخر. أهذه هي إذا العولمة؟ أن نجعل الشيء عالمي الانتشار؟
قرأت لكاتب من جمهورية موريشيوس، يدعى عيسى أصغر علي، بأنه لو قرأت الحكومة الاسرائيلية أشعارمحمود درويش، قد تتوقف الحرب ويشيع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ضحكت بصوتٍ عال فور قراءتي هذه الجملة، وذلك بسبب سذاجتها. استغربت تصوّر الكاتب. كيف لأحد أن يتصوّر بأن مشكلة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي هي محض عائق لغة؟!
يظنّ عيسى أصغر علي أنه استطاع البشر تجاوز الاختلافات، سيحلّ السلام في العالم أجمع، وان لم نستطع تجاوزها، فمصيرنا الحرب.
في الحقيقة، هنالك حروب عادلة يجب أن تخاض.
عندما كانت ألمانيا على وشك النيل من فرنسا، لم يستسلم الجنرال شارل ديغول، ودافع عن حق فرنسا في المقاومة. وبالمثل، لن يتجاوز الفلسطينيون اختلافهم مع الإسرائيليين بالاستسلام. ذلك غير ممكن.
ما يحدث في العالم، يتجاوز قدرة الحكومات على السيطرة. إن كانت الحرب العالمية الأولى نتجت عن خطأ في الحسابات، فالحرب العالمية الثانية أصبحت حرفة. حتى بعد الحرب، أصبح الانسان عجوزا، يعيش في عالم لم يعد يعرفه.
العالم هو ما تصنع أيدينا. الكل يريد أن يكون الانسان مسالمًا، إلا أن روسو لم يكن على حق عندما لوّح بأن الانسان خير بالطبيعية، و بأن الشر ليس من سماته. الانسان قادر على الشر مثلما هو قادر على الخير.
ما نحتاجه بالفعل، هو إعادة تعريف للثقافة. ايما بوڤاري لم تنتحر خوفاً من زوجها، بل انتحرت مللًا، أي الملل ذاته الذي أصاب أوروبا و جرّدها من إنسانيتها. ظلت ايما بوڤاري تحلم، الا أنه لم يكن لأحلامها مثيل على أرض الواقع. قد يهلع فلوبير عندما يرى بأن العالم لم يتغير كثيراً من حينها، فثقافة الملل سارية. يقول أرتور شوبنهاور: “إن الانسانية قد حكم عليها بشكل واضح أن تتأرجح إلى الأبد بين طرفين أحدهما الضيق وثانيهما الملل”.

ربما كنّا دائماً ضجرين، أو مملين، ولم نعِ ذلك. ماذا كان يحتل جدول فعاليات يومي قبل الإضطرار للجلوس في البيت ؟ العمل، الدراسة، التفكير في الغد ؟ في النهاية، سأعيد عمل ما فعلته بالأمس، وهكذا…
اذاً، الحياة يشوبها الملل والتكرار بشكل عام. لعلّ الجلوس في البيت يُغيّر المعادلة، فنضفي على يومنا بعض التغييرات، فقراءة كتاب، أو الاستماع إلى الموسيقى، إنجاز بعض الأعمال المنزلية، حتى نشعر بأننا لا نعيد ذات الشيء كل يوم، مثلما كنّا نشعر ونحن نعمل، لأن طريقة سير يومنا في أيدينا هذه المرة. ماذا تراكم فاعلون ؟