المنشور

لا للمساس بحقوق المتقاعدين

فى نفس اليوم الذى اطلقت فيه اللجنة الوطنية للمتقاعدين بالاتحاد العام لعمال البحرين حملة تغريدات على تويتر تحت العنوان المذكور، وهى الحملة التى عبرت عن أحد أوجه التوجس، والقلق فى أوساط المتقاعدين، والرفض لأي مساس بحقوقهم والامتيازات التى اكتسبوها طيلة سنوات طويلة، فى نفس اليوم تقرّ التعديلات ويصدر بها مرسوم يجعل هذه التعديلات أمراً واقعاً، ويظهر بعض المسؤولين فى نفس اليوم طبعاً ليبعثوا برسالة فهم الناس معناها “دوام الحال من المحال”!

المتقاعدون لم يكونوا بحاجة إلى مزيد من المخاوف على أوضاعهم، وجعل بواعث القلق على مستقبلهم تسرح وتمرح دون ضوابط، هؤلاء الذين تعرضوا إلى ما يغرق واقعهم بالعتمة، وكأن هناك من يريد ان يقذف بهم إلى ظروف أسوأ، وينسف آمالهم واحلامهم، فى الوقت الذى كانوا يتطلعون إلى ما يحقق لهم أسباب الراحة والطمأنينة، ويجنبهم القنوط واليأس، ويمنع عنهم السيناريوهات والسياسات المريرة، والحديث هنا تحديداً عن أصحاب الرواتب التقاعدية المتدنية، وهم الغالبية العظمى!

انطلاقاً من ذلك نقول، إذا كان الذين انهمكوا بغزل “الاصلاحات” التى رفعت للحكومة بصفة
عاجلة، وكأن العجلة والتعجيل لا يتم إلا فى العطلة البرلمانية، فعلوها فى شهر يونيو 2018، وها هم يفعلونها مجدداً بكل “محبة” فى العطلة البرلمانية الحالية، وكأن هذه العطل تزيد من شهيتهم لطرح وتمرير ما يشغل بال المواطنين ويربكهم ويقلقهم، خاصة فى هذا الزمن الكوروني، والمدهش، والمحزن، انه فى الوقت الذى يجتمع فيه ممثلون عن الحكومة والسلطة التشريعية للنظر فى تعديلات التقاعد الطارئة وما يمس حقوق وامتيازات للمتقاعدين، يصدر مرسوم يقضي بإقرار هذه التعديلات أو “الإصلاحات”، فى الوقت الذى توالت تصريحات لرئيسي مجلسي النواب والشورى وبعض المسؤولين تصب باتجاه التاكيد بأن إنقاذ الصناديق التقاعدية والتأمينية لايحتمل التأخير لتمكينها من الاستمرار ومواجهة التحديات، وأنه من دون إقرار الإصلاحات العشرة التى تقدمت بها الهيئة العامة للتأمين الاجتماعى، سيكون الوضع مأساوياً وقد يؤدى الى المحتوم، وهو إفلاس التأمينات!

لم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل فى سياق التهيئة ل “الاصلاحات” كشفت الرئيس التنفيذى للهيئة فى ندوة سريعة دعا لها مركز دراسات، حول مستقبل الصناديق التقاعدية ما اعتبرته احدى الصحف المحلية بالحقائق المفزعة عن وضع صناديق التقاعد والتى تتطلب اصلاحات جذرية، ويبدو أنه على الناس ان يستقبلوا المزيد من المفاجآت كون أن هناك أربع اصلاحات طارئة، من جملة اصلاحات عشرة لابد منها لتمكين الصناديق التقاعدية للإيفاء بالتزامات الهيئة تجاه 95 ألف مواطن، وهذا فى حد ذاته مبعث حيرة وقلق وتساؤلات واستنتاجات ثقيلة العيار، أبسطها يعنى أنه على المتقاعدين أن ينتظروا المزيد من “المفاجعات”!

وإذا كان لابد من التوقف إلى ما شكّل هبّة شعبية رافضة لأي مساس بحقوق وامتيازات المتقاعدين، عبر بيانات صدرت عن جمعيات سياسية واتحادات وتجمعات نقابية وندوات عبر الفضاء الاليكتروني، وكل ما أثير فى مجمله لايحتاج إلى شرح يطول، بل يمكن اختزاله تحت عنوان “رفض شعبى عارم للتعديلات”، فإنه لا بد أيضاً من التوقف حول مغزى دعوة كل من رئيسي مجلسي النواب والشورى خلل الاجتماع المشترك الذى عقد بين ممثلي الحكومة والسلطة التشريعية، إلى تضافر الجهود الوطنية فى هذه المرحلة من أجل الوصول إلى الغايات المرجوة” وهى الدعوة المقرونة بالتأكيد على الحاجة الماسة لتضافر هذه الجهود، ايضاً يمكن التوقف والاشارة الى تأكيد ممثلي الحكومة فى الاجتماع المذكور على أن الباب مفتوح للاستماع لمرئيات السلطة التشريعية يمكن ان تسهم فى ايجاد حلول لعجز صناديق التقاعد والنظر فى الحلول المطروحة.

نستعيد تلك الوقفات ونذْكر بها، فقط لان ما جرى لم يترجم منه شيئاً على أرض الواقع الملموس، وما اتخذ من خطوات شكّل خيبة أمل المتقاعدين وهزّ وجدانهم، وعظّم من هذه الخيبة النواب الذين أغدقوا على الناس الوعود بموقف ثابت ضد كل ما يمس حقوق وامتيازات المتقاعدين، بل المفارقة – تعودنا على مفارقات كثير من النواب – تغيّر موقف بعض النواب، والصمت المطبق من قبل آخرين، وكأنهم دخلوا فى سبات عميق، فيما موقف عدد قليل من النواب، وفى المقدمة منهم نواب كتلة “تقدّم” التى تقدمت بمرئيات معلنة أكدّت فيها بأن اصلاح أوضاع الصناديق التقاعدية بات ضرورة ملحة، لكن ذلك لا يجب أن يتم عبر التهديد بالانتقاص المستمر بمكاسب آلاف المشتركين والمتقاعدين، إنما عبر تطوير آليات عمل الهيئة واصلاح أوضاعها وأنظمتها عبر قرارات مهنية جريئة، بعيداً عن التخبط الإدارى والمالى المستمر.

تظل التساؤلات مثارة، حول نتائج اعمال لجنتي التحقيق البرلمانيتين، وحول عمل وإدارة وشفافية أعمال الهيئة وما تحتاجه من خطوات تصحيحية واصلاحية، وحول العجز الاكتواري، والمسببات الحقيقية لهذا العجز، ومدّ عمر الصناديق التقاعدية، ومدى حسن وكفاءة إدارة استثمارات الهيئة، وعوائدها وسبل تعظيمها، وحدود صلاحيات مجلس ادارة الهيئة، وتساؤلات حقيقية حول كل اللغط الذى يثار منذ سنوات حول تجاوزات ادارية وفساد وهدر مالي فى بعض مسارات عمل الهيئة وادارة استثماراتها، ومنها ما هو وارد فى تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، لسنا هنا فى وارد اجترار ما طرح وأثير حول كل ذلك، فهو كثير ومتعدد الأوجه، كما لسنا بصدد معاودة جرد التساؤلات المملة التى تنتظر أجوبة شافية، ممّلة هى من كثرة طرحها وتداولها، على مدى سنوات دون جدوى، وهذا برأينا إن دلّ على شئ فانما يدل عن عجز فى وضح النهار، ولا نريد ان نطلق عليه وصفاً آخر!

مفارقة لافتة تجلت فى ما قاله عضو بمجلس أمناء مركز دراسات فى الندوة المشار إليها، الذي أوضح:
“إن أي اصلاحات لصناديق التقاعد تتطلب من السياسيين التفكير فى حقوق الأجيال القادمة، وليس فى الانتخابات القادمة”.. والسؤال بعيداً عن المراوغة، هل الأمر هو حقاً كذلك ..؟!!، مفارقة أخرى لافتة، ان التعديلات أو الاصلاحات انصبت بالمجمل على المتقاعدين، ولم يأت من قبل أي مسؤول معني، أي ذكر لإصلاحات فى ادارة الهيئة، ولا أي اشارة حول مدى حسن ادارة استثمارات الشركات التابعة لها، وحجم العوائد التى تحققها، وهى من بين الأمور التى أخذت حيزاً من اللغط المثار، سابقاً وحالياً ..!

وإذا كنا على يقين بأن مواقف بعض النواب، بل كثير من النواب، ليس حيال ملف التأمين الاجتماعي فحسب بل حيال ملفات كثيرة، مواقف متبدلة، متحولة، ومراوغة، من الصعب الركون اليها، فانه لا يبقى أمامنا إلا تبنى دعوة الجمعيات السياسية فى بيانها المشترك والرافض المساس بحقوق المتقاعدين، مع دعوتها لحوار جدي واسع حول أوضاع هيئة التأمين الاجتماعي، بمشاركة أطراف الانتاج الثلاثة، فمثل هذا الحوار يمكن أن يكون خطوة تحقق تضافر الجهود الوطنية التى دعا لها رئيسا مجلسي النواب والشورى، لإصلاح منظومة التقاعد والتأمين الاجتماعى، وتلك الدعوة والحوار يمكن ان يصبان فى خدمة مشروع المنتدى الوطنى الموسع والشامل، الاقتصادى والاجتماعى، الذى دعا اليه نائب رئيس مجلس النواب عضو كتلة تقدّم عبدالنبي سلمان بهدف وضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج والتوجهات لصياغة معالم المرحلة المقبلة بالنسبة لعدد من الملفات الكبرى، وملف التأمين الاجتماعى فى الصدارة، ياترى، هل يمكن ان يتحقق ذلك بشكل جدي، لا بشكل يغلب عليه الطابع الكاريكاتوري، أي الطابع الذى يزدري ذكاء المواطن، وتتسم مخرجاته بالقحط والإحباط، وما أكثر هذه وتلك ..!!