المنشور

الفقراء هم الضحايا

“الناس يولدون من بطون أمهاتهم أحراراً متساوين في الحقوق، ولكن عندما يخوضون معترك الحياة لا يعودون متساوين في الحقوق، فمنهم من تسلب حريته ومنهم من يعاني الفقر أو المرض أو الجوع “.
فكتور هوغو

“الشعب مصدر السلطات جميعاً”، مادة دستورية لكي تتحقق على الواقع الملموس يجب القيام بالعديد من الإجراءات والإصلاحات، أولها مجلس النواب بأن تتطور صلاحياته لكي يقوم بواجباته الرقابية والتشريعية بالشكل الصحيح، ولكي يتحقق هذا التعديل الدستوري ويصبح مجلس النواب ذا صلاحيات واسعة، لابد من إعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية الحالي، الذي سبق للقوى السياسية قبل أحداث فبراير / مارس 2011 في البلاد، أن تقدمت بالعديد من الرؤى والأفكار بشأن العملية الانتخابية من خلال تنظيم ورش عمل وندوات حول (الدائرة الواحدة/ الدوائر الانتخابية الخمس/ التمثيل النسبي).

من شأن ذلك أن يحقق العدالة في الاختيار بين المرشحين، ولكي يتمثل في مجلس النواب أكثر فئات وأطياف المجتمع وألا تكون هناك غلبة لطرف أو فئة على حساب أخرى، أو تُقصى كفاءات وطنية مشهود لها بالنزاهة والأمانة من الوصول إلى قبة البرلمان، لهذا يتعين وضع نظام انتخابي عادل يأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات والآراء، ويبعد البلاد عن التجاذبات الحادة التي يمكن أن ينتج عنها تراجع كبير في مسار التحولات الديمقراطية في البلاد مثلما حدث بعد أحداث فبراير/ مارس 2011، حيث تعمقت الأزمة مابين مؤسسة الحكم والمعارضة.

وهذا يتطلب من جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية قراءة مغايرة للواقع السياسي الحالي لكي تستطيع السير بالبلاد إلى بر الأمان وتبحث عن إيجاد القواسم المشتركة، لتؤسِّس لبداية جديدة تساعد باتجاه فتح طريق نحو آفاق أرحب للحوار السياسي يهدف لتطوير العمل السياسي في البلاد من خلال العودة لمسار التحولات الديمقراطية التي بدأت مع مرحلة الانفراج السياسي في فبراير من عام 2001، بدلاً من أخذها نحو التشدد والانغلاق والغلو والتحول إلى الدولة الأمنية بديلاً عن الدولة المدنية المنشودة، والدفع بها إلى الامام بإرساء مقومات ذلك على الأصعدة السياسية والنقابية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

هذه الدولة المدنية المنشودة تقوم على مبادئ التسامح والتنوع والتعدد، وتحترم حقوق الإنسان، وتترسخ فيها أسس الديمقراطية بمضامينها السياسية والاجتماعية، وتسود فيها الحريات العامة وتنشط فيها الأحزاب السياسية والنقابات العمالية ومنظمات وهيئات المجتمع المدني، وتتصدى للفساد والفاسدين وسارقي المال العام وتقدّم من يثبت عليه الجرم للعدالة والمساءلة القانونية، إعمالاً لما نصّ عليه الدستور في المادة “18” القائلة: (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوي المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة).

بدأنا مقالنا بموضوع توسيع صلاحيات مجلس النواب في البحرين من أجل أن تكون السلطة التشريعية قوية وقادرة على التصدي للقضايا المخالفة للدستور أو التي تتعارض مع مواده، ولكي لا يكون هناك عذراً لأعضاء مجلس النواب بأن ليس لديهم صلاحيات تجبر السلطة التنفيذية على التراجع والالتزام بمواد الدستور .

منذ الثالث عشر من يوليو الماضي 2020، بالرغم من جائحة كورونا وآثارها السلبية على جميع مناحي الحياة وبالأخص منها الاقتصادية والمالية والمعيشية، ومعاناة الناس اليومية من جراء ذلك، كان حديث المواطنين في البيوت والعمل وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وأينما وجدوا عن التأمينات الاجتماعية والقرارات الجديدة التي شعروا بأنها تمسّ حاضرهم وتعرض مستقبلهم للخطر في ظل ما آلت إليه أوضاع التأمينات الاجتماعية التي تسوء من سيِّئٍ إلى أسوأ، وكأن لسان حالهم يقول “اِرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.

منذ سنوات يدور الحديث عن العجز الإكتواري في التأمينات الاجتماعية، وبالتأكيد تتعدد الأسباب، لكن لا يتحمل المسؤولية المواطنون من المشاركين والمتقاعدين، الفقراء ومتوسطي الدخل، فهم غير مسؤولين عن ذلك، والمسؤولية إنما تقع على الحكومة وأعضاء مجلس الإدارة الذين لم يوفقوا في المحافظة على أموال المواطنين وتطوير الاستثمار، ويتداول بأنه قد تم إيداع مبلغ كبير في البنوك الوطنية يقدر بملياري دينار بحريني، وفي بنك واحد فقط أودع حوالي 800 مليون دينار بحريني منذ سنوات، وهكذا نجد أن المستفيد من اموال التقاعد البنوك والمساهمين فيها، ولا يعرف مقدار الفوائد ما إذا كان 3% أو 4%، وأن كانت لا تشكل شيئاً مقارنة بالمبالغ الكبيرة المودعة.

وتمَّ دفع قرض لأحد البنوك في البحرين بمبلغ قدره 100 مليون دينار وتعرض لخسائر في مشروعه العقاري ولم يرجع المبلغ، فهل، يا ترى، سوف يُسجل ديناً معدوماً مثلما حدث مع بنوك وطنية أخرى، فالشفافية غائبة، ويكلف استئجار مبنى جديد للتأمينات الاجتماعية إيجاراً سنوياً بملايين الدنانير، فيما لا تجري الاستفادة من المبنى القديم.

وفي السنوات الماضية تمَّ توزيع مكأفآت مالية بآلاف الدنانير على أعضاء مجلس الإدارة، كما تمَّ ترتيب وضعهم التقاعدي من أموال المتقاعدين والمشاركين في التأمينات الاجتماعية، يعني بكلمات سوء إدارة وفساد ينخر في جسد التأمينات الاجتماعية ولا توجد شفافية أو مكاشفة لمعرفة كم يوجد من أموال لدى الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، هل هي 2 مليار دينار مثلما صرح رئيس مجلس الإدارة للصحافة المحلية في 15 يوليو الماضي؟

التساؤل هنا لماذا لم يقدم مجلس الإدارة استقالته بعد هذا الإخفاق والفشل في الإدارة والتصرف وعدم المحافظة على أموال المشاركين والمتقاعدين في التأمينات الاجتماعية ، بدلاً من أن تُصدر القرارات والتعديلات وتوافق عليها الحكومة دون طرحها على مجلس النواب، والتضييق على المواطنين وبالأخص ذوي الدخل المحدود الذين يستلمون رواتب تقاعدية بالكاد تغطي بعض المصاريف المالية والعديد منهم يكدحون ويعملون في وظائف إضافية بالرغم من التقاعد من سنوات ولكن بسبب الأعباء المعشية الصعبة في ظل ارتفاع الأسعار ليس سنوياً فقط، بعض الاحيان شهرياً وبالأخص في المواد الغذائية، لهذا يضطرُّ المتقاعدون للعمل من أجل لقمة العيش.