المنشور

ملفات كبرى في انتظارنا

مع اقتراب موعد افتتاح الدور التشريعي الثالث من الفصل التشريعي الخامس في منتصف شهر سبتمبر القادم، يبدو المشهد البحريني غائماً إلى حدٍ كبيرفي العديد من وجوهه، فمن ناحية لا زالت تداعيات أزمة جائحة كورونا تحظى بأولويات التعاطي معها لتهيئة وإعداد الظروف واللوجستيات والميزانيات المطلوبة لذلك، وفي قبالة ذلك أيضاً تبقى العديد من الملفات ذات الأهمية القصوى، إما في حالة انتظار لحلول لا يعرف الجميع تقريبا موعد البدء في التعاطي معها والبدء في حلحلتها، أو حتى أولوية تقديمها على سواها من الملفات، التي تحتاج هي الأخرى إلى تحضيرات واستعدادات وتهيئة، ولعل غالبية الجهات المعنية في السلطتين التنفيذية والتشريعية تحديداً، ليست في وارد الحديث عنها حالياً، ولذلك بالطبع أسباب وذرائع متعددة، بعضها يمكن التسليم به بكل تأكيد، إلا أن البعض الآخر لا يمكن القبول به، وبالتالي الاستمرار في تجاهل تلك الملفات من دون أسباب مقبولة.
الجميع تقريبا متحفز ومترقب لمآلات ملف أوضاع الصناديق التقاعدية وأوضاع الهية العامة للتأمينات الاجتماعية، خاصة بعد صدور المرسوم الملكي المتعلق ببعض التغييرات في هذا الملف والقانون المتعلق بها، وانتظار أكثر من ست تغييرات قادمة، يتوقع أن تكون محل نقاش مجتمعي ونيابي صاخب خلال الفترة القليلة القادمة.
ومن جهة اخرى هناك الملف المعيشي والملف الاقتصادي وتراجع اسعار النفط، وملف المديونية العامة للدولة، وملف الموازنة العامة للدولة وتراجع اسعار النفط، وملف البحرنة وتنظيم سوق العمل البحريني، وملفات التعليم والاسكان والصحة..وغيرها، هذا اذا استثنينا مؤقتا الملف السياسي، وهو ملف على درجة كبيرة من الأهمية بكل ما يحتويه من تعقيدات حقوقية وإنسانية ومطلبية ضاغطة على الدولة وعلى الناس أيضاً، وهي جميعها ملفات متشابكة ومتداخلة ومعقدة كما تلاحظون، وتحتاج بطبيعة الحال إلى أكثر من التطمينات أو السكوت حولها او حتى المعالجات العابرة كما يحدث في بعض الأحيان.
وامام هذا المشهد المحلي المتشابك والمتداخل إلى درجة كبيرة في الكثير من وجوهه مع بعض الملفات الاقليمية والدولية، لا يمكننا أن نقبل أبداً التعاطي معها، إما بالإهمال كما يحث احيانا، أو حتى بسياسة التسليم بالأمر الواقع، أو مسايرة الحلول والمعالجات القائمة بكل ما تحمله من أخطاء وتداخل لمصالح اطراف وتوجهات ليست بالضرورة متقاطعة على الدوام مع مصالحنا كوطن وشعب.
كما لا يمكننا أيضاً ترك تلك المهمات الجسام لظروف وتفاعلات المحيطين الإقليمي والدولي، خاصة وأن العالم من حولنا بات يتجه نحو مسارات تتسم بالمزيد من التصادم والمواجهات في أكثر من موقع ونقاط ساخنة حول العالم، لعل أكثرها احتمالاً مواقع وبؤر ساخنة قريبة منا. وجميع التقارير المعلنة حتى الآن تقول لنا بوضوح إن تلك المواجهات المرتقبة لن تتخذ هذه المرة بالضرورة صورا تقليدية لما حدث من مواجهات عالمية واقليمية سابقة، وعلينا أن نتذكر أن مرحلة تتسم بهذا الكمّ الهائل من التشابك والتعقيد والتحولات الضخمة القادمة، لا شك انها تحتاج إلى فكر مختلف وعقول مختلفة وطاقات لا تعرف اليأس من أجل اجتراح الحلول لما هو قادم من تحديات.
ووسط كل هذا الكم من القضايا المحلية والإقليمية المعقدة، أعتقد جازماً أن لا سبيل أمامنا جميعا، شئنا أم أبينا إلا مواجهة ما نستطيع مواجهته من مشاكل وقضايا والعمل على وضع الحلول الممكنة لها، قبل أن تستفحل ويصعب رتقها، خاصة ما يرتبط منها بالوضعين المحلي والاقتصادي والمعيشي، وأمامنا أمثلة عديدة قريبة وبعيدة عنا لما حدث من معالجات خاطئة لا تستطيع ان تخطؤها العين، وتحديدا في بلدين عربيين شقيقين هما العراق ولبنان، وكيف أدى السكوت على وجوه متعددة من الاهمال واستلاب القرار والإرتهان للأجندات الإقليمية والدولية، ومن مصادرة للحريات وتفشي الفساد ونهب منظم للثروات بصورة غير مسبوقة، وبالتالي اضاعة مستقبل وحلم شباب البلدين في بناء دولة كريمة ذات سيادة، ليتحول كل ذلك الكم من الإحباط والخراب إلى حالة منفلتة من عدم الاستقرار والاضطرابات والرفض والفوضى التي لا يتمناها أحد إلا الأعداء.
اقول ذلك وكلي أمل في أن تكون المرحلة القادمة من عملنا السياسي والبرلماني والمدني أيضاً، وعلى الرغم من كل ما يحيط بها من تحديات ومصاعب، موجهة بشكل جاد ومخلص وبأفق وطني نحو عمل بناء وحقيقي لا يقبل الانتظار والمراوحة لوضع المعالجات والحلول المطلوبة لكافة مشاكلنا على المستوى الوطني، ولنتذكر جيداً أن امامنا مسؤوليات جسام لم ولن يستطيع طرف لوحده انجازها بنجاح بعيداً عن تعاون واخلاص جميع الأطراف المعنية ببناء وطن يجب أن نقدمه مزدهراً نامياً موحداً ومتطوراً لأجيال القادمة.