المنشور

سلمان زيمان عنوان زمن جميل

ما الذي فعلته بنا يا (ابوالفعايل) عندما غادرتنا إلى غير رجعة، وتركتنا أرواحاً مجروحة ممزقة ترثيك حتى اللحظة.
الخميس 23 يوليو. ربما كان الوقت ضحى حين هاتفتني اختي قائلة: سلمان زيمان توفى! ماذا تقولين؟! أسقط في يدي.
ما كنت أعلم انني سأرثيه يوماً، أو أكتب شيئاً يختص بوفاته. نعم لم يخطر ببالي هذا الأمر إطلاقاً. اما ردة فعلي الأولى وبشكل عفوي، وبالرغم من الحزن العميق الذي اجتاحني لحظتها هي أني وجدتني اردد أغنياته واحدة تلو الأخرى، واستمرّ معي هذا الأمر لعدة أيام.
(ولي في ربوع الشمال غرام)، (أصبتني الذكر الأوائل)، (أنت مرادي يا فاتني) (يا بو الفعايل ياولد)، (نار النشامى)، (أقبل العيد) وغيرها مما اتذكره لحظتها، طوال يوم فقدك كنت اردد الأغنيات التي تردني تباعا عفو الخاطر. تلك الأغنيات التي لم ازل احفظها عن ظهر قلب منذ أربعة عقود. كأنما شيئا ما اقتطع منك. شيئاً ماكنت تدرك أنه بهذا العمق.
ثمة زمن جميل ولى بكل ذكرياته الجميلة، ولى بكل طقوسه، بكل القيم والمبادئ النبيلة. وأنت تعيش اليوم في زمن مختلف، فكأنك تعيش الماضي والحاضر والمستقبل معاً. لا. لم تمت تلك القيم بل حفرت فينا كالدم. ليس الأغنية، ليس الصوت، إنها الحقبة بأكملها. تلك التي كنت تحسب أنها غابت وانمحت واندثرت. ثم بهذا الغياب الصارخ تكتشف أنها باقية متجددة حية. لا لم تمت.
حقبة السبعينيات والثمانيات والتسعينات من القرن الماضي التي كانت مفعمة بالقيم والمبادئ السامية، حيث الحلم والأمل والتوق للوطن الأجمل. رحت اتصفح مجموعات التواصل الاجتماعي لأجد خبر رحيلك يملأ كل الفضاء الافتراضي. المكان والزمان كل الأصدقاء بل البحرين قاطبة رثتك ونعتك.
الكثير من الأصدقاء والمعارف عبروا عن ألمهم وحزنهم، إما بالكلمات وإما بإعادة نشر أغنياتك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحينها عرفت مدى حجم الحب الذي سكن قلوب الناس تجاه سلمان الانسان والفنان. ووجدت الحزن والأسى الذي عبرّ عنه كل محبيك ومعارفك. مازلت حتى اللحظة غير مستوعبة نبأ رحيلك، وكأن عزائي الوحيد هو أن أردد أغنياتك واحدة تلو الأخرى، وامتد الأمر معي لعدة أيام ومازال كلما لاح لي ذكرك.
هل التغني بتلك الأغنيات الجميلة وإعادة سماعها يعوضنا عن فقدك؟. ما يزيد الطين بلة هو أننا في ظل جائحة كرونا لا نستطيع ان نعزي بعضنا بعضاً وجها لوجه، أو بالشكل الطبيعي المتعارف عليه، ولا نستطيع أن نكون مع أهله لنعزيهم عن قرب.
(أقبل العيد حبيبي)، بعد رحيلك بأسبوع، أقبل العيد لكنك لم تقبل يا أبا سلام. غبت وغيبّك الموت. “ولي في ربوع الشمال غرام”، “كل أمر سهل من دون الوداع كيف أنا بودعك”، وها نحن نودعك وهو ليس بالأمر السهل علينا. “أصبتني الذكر الأوائل”، “يا بو الفعايل يا ولد/ سوي الذي ما يستوي/ راوني العجب/ راوني العجب”.
اخذتني الذاكرة بعيداً أول ما استمعت لأغنيات سلمان ذات اللون اليمني، في بداية حياته الفنية: “أنت مرادي”، “أقبل العيد حبيبي”، “الزمن غدار”، “بعدما قد شاع لك حبي وذاع/ والحشا مستودعك”. بعدما شاع حب الناس لك وألفوا محبتك غادرتهم. لمست فيضا من الألم عبرّ عنه الأصدقاء بصدق وهم يرثوك جميعاً بحزن كبير.
لم يطلب أحد من الناس أن يعبروا عن حبهم لك، لكنهم عبروا عنه بشكل عفوي وصادق وجميل. كل هذا الحب، كل تلك المشاعر تليق بسلمان الإنسان والفنان .
“أصبتني الذكر الأوائل/ لهواك يا أم الجدائل”. يندر أن تجد إنساناً يمتلك كل هذه المحبة في قلوب الناس.
عرفت سلمان من خلال معرفتي بأخواته اللواتي كن زميلات لي خلال الدراسة الجامعية، ومن ثم امتدت معرفتي به إلى العائلة بأكملها، من خلال حضوري للحفلات التي أحيتها فرقة “أجراس”، أو الحفلات الخاصة بسلمان زيمان. عرفت سلمان الإنسان البشوش الخلوق، الذي لا تراه إلا وهو باسم. آخر مرة سمعت فيها صوته حين هاتفته لأعزيه في وفاة والده، فكان، كعادته، بشوشاً لطيفاً.
أن تغيب، أن يرتحل صوتك بعيداً، يعني أنك حاضر وباق في كل القلوب التي أحبتك. لروحك السلام والرحمة أبا سلام.