المنشور

الفلسفة وفن بساطة الحياة

الصورة النمطية للفلسفة أنها صعبة ومعقدة. أو أنها أفكار مجردة عقيمة لا تنفعُ كثيراً في الحياة. فما علاقة البساطة بالفلسفة في الحياة ؟ وما هي الحياة البسيطة؟ وهل بإمكان الفلسفة أن تُساهم في علاج مشكلاتنا النفسية والحياتية المختلفة؟

يعتقد البعض أن من أيسر الأمور أن تعيش حياة بسيطة! هذا اعتقاد خاطئ. لأن تحقيق ذلك يحتاج إلى جهد مُضني في مواجهة النفس، وفي الترفع عن الكثير من الملذات والشهوات، وفي مقاومة الرغبات الغير أساسية في الحياة.

وبالعودة إلى الأسئلة الثلاثة التي طرحناها، إذا ما بحثنا في تاريخ الفلسفة الطويل، نجد فلسفات ساهمت في تعقيد حياة الناس نظرياً وعملياً، وفلسفات أخرى تميزت باليسر والمرونة في مواجهة المشكلات والتغلب عليها.

ما الحياة البسيطة؟ يقول نيتشه “إن نمط الحياة البسيطة هدف بعيد للغاية بالنسبة لي، وسأنتظر حتى يأتي أُناس أكثر حكمة مني ليعثروا لنا عليه”. بينما يلخص باحث الفلسفة المغربي سعيد ناشيد، مواصفات الحياة البسيطة على خمسة مقومات، استناداً إلى ما قاله فلاسفة فن العيش من أمثال: أفلاطون، أبيقور، جلال الدين الرومي، شوبنهاور، نيتشه… وهي كالتالي:

– حياة أعيشها بأقل ما يمكن من الشقاء والألم والأوهام، وبما يعنيه ذلك من مراعاة لكل ما يتعلق بأنظمة الحياة اليومية، بدءًا من النظام العذائي والصحي، وانتهاء بالنظام المعرفي والتواصلي والأخلاقي.
– حياة أتصالح فيها مع قدري الخاص.
– حياة أكون فيها كما أنا لا كما يريدني الآخرون أن أكون.
– حياة أبسط فيها سلطاني على نفسي، بحيث تكون انفعالاتي ومشاعري صادقة في التعبير عن القيم التي أعبر عنها وأدعو إليها.
– حياة أصنع فيها المتعة بأقل الأشياء، وأبدع السعادة والفرح بأبسط السبل.

ليست البساطة في الحياة أن نلبس ما هو زهيد الثمن ونأكل القليل من الطعام وحسب، بل وننظر للحياة بإيجابية وننفتح على مختلف الثقافات، وأن تغمرنا المحبة والسلام الداخليين اتجاه أنفسنا واتجاه البشر جميعاً. وأرفع أنواع البساطة عندما نملك القوة في المال أو المنصب أو المكانة الاجتماعية ونعيش باعتدال، لكن هذا النوع هو الأصعب، لأنه يحتاج إلى التخلي عن الطمع في تحصيل الأشياء غير الضرورية للعيش. ويحتاج إلى قيم رفيعة تجاه الطبيعة والبشر، وتجاه النفس.

في كتابهِ “التداوي بالفلسفة”، يطرح سعيد ناشيد السؤال التالي: هل تساعدنا الفلسفة على مواجهة صعوبات الحياة اليومية؟ الجواب هو نعم. لأن الفلسفة تساعدنا على إعادة التفكير في نمط تفكيرنا. وبالتالي تساعدنا على تحسين قدرتنا على العيش. فعندما يقوم التفكير النقدي بنزع السحر عن الأشياء فإنه يحمينا من خيبة الأمل، سواء تعلق الأمر بالتاريخ أو الحب أو الثورة أو السعادة أو الألم أو الموت، وبالتالي نكتسب القدرة على العيش بأقل ما يمكن من الآمال والأوهام.

لابد من الإشارة إلى أن دراسة الفلسفة حديثاً لم تعد توفر لدارسيها ذات القيم الأساسية المتمثلة في الحكمة والتأمل والتفلسف، وذلك يعود إلى الطابع التقني والنظري لتدريس الفلسفة. فالكثير من خريجي الفلسفة لا يمتلكون أكثر من التباهي بمعرفة الفلاسفة ونظرياتهم.

علينا أن نؤمن بأن الفلسفة مرشدنا إلى إعمال الفكر وإلى الفهم العميق للنفس الإنسانية، ومن خلالها نستطيع تنمية القدرة على التفكير، لا سيما التفكير النقدي. فليس دور الفلسفة أن تمنحنا القدرة على قراءة النصوص وحسب، بل دورها بالأساس أن تجعلنا قادرين على الحياة بصورة أرفع وأفضل.