المنشور

توضيح الواضحات

تقرير الرقابة ومأزق نظام “التصريح المرن”

فلاح هاشم
ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير 2019/2020 بخصوص تصريح العمل المرن وسياسات هيئة تنظيم سوق العمل يتوافق مع ما سبق وتوصلت إليه لجنة التحقيق البرلمانية في تقريرها المقر من مجلس النواب في جلسته السابعة عشر من الدور الثاني بتاريخ 4 فبراير 2020 خاصة في ما خلص إليه تقرير اللجنة النيابية في:
 مخالفة الهيئة للقانون الناظم لعملها في الفقرة (أ) من المادة (4) والتي تنص على وضع وتنفيذ خطة وطنية بشأن سوق العمل تحدد التوجهات الاستراتيجية والسياسات العامة لتشغيل العمالة الوطنية والاجنبية كل سنتين والتي تم تجاهل تنفيذها منذ يونيو 2012.
 مخالفة الهيئة للقانون بعدم تفعيل آلية الحوار الاجتماعي، والذي ينصّ عليه القانون في الفقرة (ب) من المادة الخامسة، التي تنص على أنه (في حالة عزم الهيئة إصدار أية أنظمة أو لوائح أو قرارات أو اتخاذ أية تدابير ذات تأثير ملموس على سوق العمل، فإنه يجب عليها أن تعقد مشاورات مع الجمهور والجهات المعنية لاستطلاع آرائهم قبل إصدار أي من تلك الأنظمة أو اللوائح أو القرارات أو اتخاذ تلك التدابير).

هذا بالاضافة الى ما اشار اليه التقرير الى العديد من المخالفات الاخرى منها: غياب الدراسات والمسوحات عن العمالة التي يحتاجها سوق العمل ولا تتعارض مع المهن المستهدفة، وعدم تقيد الهيئة بهذه الفئات، وما بيّنه التقرير من عدم تطابق الاشتراطات على حوالي 22 ألف تصريح عمل مرن حتى نهاية أغسطس 2019، ومخالفة صريحة للاشتراطات المنصوص عليها، تم منح تصاريح عمل مرن لأفراد أسر مقيمين في المملكة دون إقامة سارية، هذا عدا عن عدم متابعة إجراءات تجديد التصاريح وتحصيل مستحقات الهيئة من الرسوم التي تصل إلى حوالي 1.2 مليون دينار.
مما سبق يتضح جلياً المأزق الذي مرّ به نظام التصريح المرن الذي لا يقتصر على المخالفات التي سبقت إصداره أو ترافقت مع تنفيذه، وإنما هي، في رأينا، نتيجة لنهج السياسات التشغيلية وما نتج عنها من اختلالات جوهرية منذ عقود، خاصة في ما يعنى بالعمالة الوافدة وبالذات الرخيصة وبظروف عملها التي تنعدم فيها إمكانية حصولها على أرض الواقع على العديد من الحقوق بما تشمل الحد الادنى للأجور والذي يعتبر حجر الزاوية في تنظيم علاقات عمل لائقة وما يتبعها من الحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية والحماية الاجتماعية، وما أنتجته هذه السياسات من تحدّيات وتبعات على العديد من الصعد، بدءاً من انعكاساتها على فرص العمل للعمالة الوطنية وتأثيرها على مستوى الأجور، وكذلك المستوى المعيشي للعمالة الوطنية والوافدة بصورة عامة وتبعاتها المجتمعية والتركيبة الديمغرافية للبلد.
لقد أدت هذه السياسات في التشغيل وإغراق البلد بالأيدي العاملة الوافدة الرخيصة لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين بدون أية ضوابط وما رافقها من الكثير من الممارسات، وعدا عن أنها غير قانونية فإنها تتعارض مع العديد من الأخلاقيات والمبادئ الانسانية بحيث أصبحت المتاجرة برخص العمل، والتي تعتبر إحدى اوجه المتاجرة بالبشر، مصدر إثراء للعديد ممن امتهنها لعقود طويلة أمام مراى ومسمع الجهات المعنية، مما يتطلب معالجة هذه الاختلالات بدراسة مسبباتها والظروف التي أدت الى نموها بحيث أصبحت تشكل مخاطر على المجتمع هذا بالاضافة لما له من تبعات تحتمها التزامات المملكة بحكم انضمامها إلى مؤسسات ذات شأن حقوقي وعمالي على المستوى الدولي.
لقد تمّ تشريع نظام التصريح المرن لمعالجة تبعات ونتائج هذه السياسات، من دون أن يعالج الأسباب الحقيقية لها، ولذلك لم يجن منه إلا الخيبات والفشل والذي تجلى في موقف جميع الشرائح المجتمعية الرافضة له، رغم كل الحملات الترويجية التي بذلت فيها الميزانيات الكبيرة. وفشل الهيئة في تحقيق ما أعلنت عنه عند بداية تطبيق هذا النظام، والذي حددته بـــتخفيض أعداد العمالة غير النظامية بـ 48 ألف عامل غير نظامي خلال عامين، حيث أكدّ التقرير أنها انخفضت بمقدار 18 ألف فقط خلال سنتين من تطبيق النظام، أي بمعدل أقل من 46% من العدد المنشود. بل أدى إلى تفاقم مشكلة العمالة غير النظامية بتحوّل أعداد كبيرة من منها إلى عمالة غير نظامية بدلاً من الحد منها.
آن الأوان لمغادرة هذه السياسات المدمّرة عبر حوار جاد مع جميع القوى المجتمعية المعنية بموضوع العمالة لوضع رؤية شاملة تأخذ في الحسبان مصالح البلد العليا وكافة شرائحه الاجتماعية وبالأخص قواه العاملة.