المنشور

الإستراتيجية الأمريكية …مابعد الانتخابات ؟

كانت الانتخابات الأمريكية في الثالث من نوفمبر 2020 الماضي الحدث الأكثر جدلاً، فقد تابعها الملايين من الناس عبر العالم، وانشغلت بها معظم القنوات الفضائية والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، فهي لم تكن انتخابات عادية كالتي تُجرى في هذه البلاد أو تلك، وكانت الآمال متناقضة حولها، فهناك دول ورؤساء وقادة وكتَّاب براهنون على فوز الرئيس ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري، وآخرون بالعكس يراهنون على فوز جون بايدن المرشح الديمقراطي.

ولكل فريق حساباته ومصالحه في فوز هذا المرشح أو ذاك، ففي حين يشكل فوز الرئيس ترامب تعزيزاً لنفوذ القوى اليمينية والشعبوية في أوروبا وبعض البلدان حول العالم، وإعطاء شحنة معنوية لها، وطموح العديد منها الوصول للسلطة وأخرى الاستمرار فيها لتنفيذ أجندتها ومآربها، وفي بعض البلدان العربية كان قادة ورؤساء ومن حولهم يمنّون النفس أيضاً بوصوله، وكذلك الكيان الصهيوني الرابح الأكبر في عهد إدارة ترامب التي حققت له الكثير من أطماعه وتطلعاته، كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف الدعم المالي لوكالة الغوث “الأونروا” التي تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، للضغط على القيادة الفلسطينية لكي توافق على المشاريع التآمرية بما في ذلك “صفقة القرن” التي رفضتها كل الفصائل الفلسطينية، اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان.

علماً بأن واشنطن لا يمكن أن تتخلى عن دعم إسرائيل، سواء وصل إلى البيت الأبيض جون بايدن أو بقي فيه ترامب، على حساب الشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة، وحتى إنْ طُرحت حلول أو تسويات، فلن تغير واقع الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة ولن تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فأولوية أي رئيس أمريكي هي عدم تمكين أي دولة من دول المنطقة من التفوق العسكري على الكيان الصهيوني.

أما في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية هناك تجربة ماعُرف (الربيع العربي) الذي تحوّل إلى (خريف عربي) في عهد إدارة باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، حيث تمَّ تدمير العديد من البلدان العربية ودعم قوى التطرف والغلو في المنطقة لتحقيق مآربها، فليس من مصلحة الإمبريالية الأمريكية ترسيخ الديمقراطية والحريات العامة في البلدان العربية، وبالأخص التي تصنفها ب (الصديقة) أو (الحليفة)، فالمهم بالنسبة لواشنطن ألا تتضرر مصالحها في المنطقة الحيوية في العالم والتي تحتوي أراضيها وبحارها على مخزون كبير من الطاقة يشكل أكثر من ثلثَي مخزون العالم.

واهم من يعتقد أن مجيء جون بايدن سوف يغير الوضع، هناك دوائر ومؤسسات تضع الإستيراتيجيات السياسية لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يخرج عنها، عليه تحقيق الأهداف والتخطيط الاستراتيجي الموضوع له سواء مع الحلفاء أو الأعداء .

ينسب للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، قوله إنهم ( اي الأمريكان) لا يذهبون إلى خارج الولايات المتحدة دفاعاً عن الديمقراطية أو الشرعية الدولية أو لمحاربة الدكتاتورية، بل “نذهب إلى هناك لأننا لن نسمح بأن تمس مصالحنا الحيوية”، وأهم المصالح الاستراتيجية للإمبريالية الأمريكية هي حماية آبار النفط، والحفاظ على الكيان الصهيوني.

وعلى صلة بهذا فإن (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) أصدر تقريراً عن الاستراتيجية الأمريكية عن الشرق الأوسط وضعته مجموعة من كلا الحزبين الأمريكيين – الجمهوري والديمقراطي – وتضم خمسة أشخاص من بينهم اثنين من مستشاري الأمن القومي السابقين، صمويل بيرغر وستيفن هادلي؛ والسفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا جيمس جيفري؛ ومسؤول سابق في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومبعوثاً للسلام في الشرق الأوسط لفترة طويلة دينيس روس؛ والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف.

يرى واضعو التقرير أن “الهيكلية الكاملة لنظام الدولة في الشرق الأوسط معرضة للخطر”، ويقدّمون عناصر لقيام استراتيجية جديدة لمواجهة “هذا التهديد العميق للمصالح الأمريكية، تنطلق كالعادة من التأكيد على أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل “مهمة للغاية بالنسبة لكل طرف وهي بمثابة دليل ريادي على الالتزام الأمريكي تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة، لدرجة أنه لا يجب السماح بتدهورها أكثر مما هي عليه الآن.

وتطرق التقرير للأوضاع في سوريا والعراق وبعض البلدان العربية، مشيراً إلى القوى التي على الولايات دعمها أو تمكينها من الوصول إلى السلطة وامتلاك النفوذ والقوة، مما يشير إلى أن استراتيجية وخطط وأهداف الإمبريالية الأمريكية في المنطقة واضحة، لن تتغير بمجيء الرئيس الجديد، فهناك قوى مالية وصناعية احتكارية من خلال معاهد ومؤسسات ترسم وتخطط وتأمر بالتنفيذ لتلك السياسات الخارجية والداخلية ولا يمكن لأي رئيس أمريكي الخروج عن مسارها .

وسيظل العرب خاسرين دائماً، خاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية، طالما بقيت هذه استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية، ما يحتم علىينا البحث عن شركاء وأصدقاء يدعمون القضايا العربية، وتعزيز المشاركة الشعبية في القرار السياسي بترسيخ الديمقراطية في المجتمع العربي والتوقف عن انتهاكات حقوق الإنسان وممارسات التمييز والكراهية ضد الآخر والتصدي للفساد واحترام حقوق الأقليات القومية والمرأة وغيرها من الحقوق المشروعة.