المنشور

كورونا والفاقد في التعلم وكيف نعوضه ؟

هل عوٌض “التعلم عن بعد” تلك المساحة الواسعة والرحبة المغيبة في منظومة التعليم الاعتيادي والتقليدي القائم على وجود المدرسة والصفوف والمعلمين والزملاء واللعب والاختلاط والاندماج والالتزام والانضباط؟

ذلك سؤال طرحته على الاستشارية التربوية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة إي دي دي(EDD) للاستشارات التربوية الدكتورة صفية صادق البحارنة، وقبل أن نستطرد لنبدأ أولاً بتعريف المقصود بمصطلح “فاقد التعلم”، الذي يعني”ضياع أو فقدان المعرفة والمهارات التي اكتسبها الطالب أو تراجع تحصيله الاكاديمي بسبب انقطاعه او توقفه عن الدراسة لفترات ممتدة”.

وتستشهد البحارنة بعدد من الدراسات التي صدرت مؤخراً تتحدث فيها عن المفقود في التعلم منذ ظهور كوفيد 19 ولغاية اليوم، وأن التعلّم عن بعد والاستعاضة بالشاشة عوضا عن مجمل العملية التعليمية أوجد فاقداً كبيراً في التحصيل العلمي والمعرفي لدى الطلاب وهو أحد أسباب انخفاض النمو الاقتصادي العام، وتتساءل د صفية : “إذا كان السجال الدائر في الكونجرس الأمريكي حول حجم الضرر والتعويضات المالية المستحقة للمتضررين من كافة الشرائح في دولة عظمى كأمريكا، فكيف يكون الحال في الدول الصغيرة والفقيرة والمحدودة الإمكانيات؟”.

ولكن ألا يمكن تعويض هذا الفاقد في التعلم سألتها: فأجابت: “حتى لو تمّ فتح المدارس ورجعت العملية التعليمية إلى سابق عهدها، فسوف يبقى أثر هذا الفاقد مستمراً لعدة سنوات، والأمر يعتمد على إمكانيات كل دولة وجديتها في وضع السياسات لتعويض هذا الفاقد.

وتفصل البحارنة بالقول: إن الدراسات التي أجريت على ما يزيد عن خمسة ملايين طفل من المرحلتين الابتدائية والاعدادية أسفرت عن حدوث فاقد كبير في التعلّم وصل إلى 50% في بعض المواد “الرياضيات مثلا” فاقد في المهارات الإدراكية بشكل عام، وخصوصاً المرحلة الابتدائية وما قبلها، أي إلى سن ال12، حيث يبلغ منحنى التعلم أقصاه في هذه المرحلة، إذ أنه طوال فترة الحضانة والروضة يحقق الطفل نمواً مستمراً وتراكماً علمياً ومعرفياً متواصلاً ومتسلسلاً، والمؤكد أن الحرمان من المدرسة لم يعوضه بشكل كامل “التعلم عن بعد”، فقد يكون حصل ل على 50% او 30% فقط من مجمل العملية التعليمية، هذا في أفضل الأحوال، وضمن العائلات الميسورة والمقتدرة والحريصة على تعليم أبنائها والمهتمة بشؤونهم، أما لدى العائلات الفقيرة والمعوزة وكثيرة العدد وكذلك أطفال ذوي الصعوبات في التعلم والذين يحتاجون تعليما مركزا ومكثفا ومغايرا ،فالضرر عليهم كان أكبر، فكم عائلة فقيرة تعذّر عليها الحصول على “لاب توب”، أو إيجاد الوقت الكافي للجلوس مع الأبناء؟

إذن فالفاقد الذي أشرنا اليه كان الأكبر على الفقراء والاكثر احتياجا وحرمانا ،هؤلاء اكثر من قاسى من الانقطاع المدرسي، إذ خسر علمياً، واجتماعياً وعاطفياً وخسر العلاقة باللعب والأصدقاء والمعلمات، وخلق لدى الطفل إجمالاً ومن جميع الشرائح فراغاً ومشكلة اجتماعية مع نفسه ومع أسرته، فالاطفال في هذه المرحلة ينمون من خلال الاختلاط والإندماج وتكوين العلاقات والصداقات وممارسة العملية التعليمية الشاملة.

الأخطر من ذلك أن الانقطاع المدرسي والتعلم عن بعد وبشكل فردي قد أثرّ على مفهوم ومبدأ المساواة التي عمل العالم ومنظماته منذ عقود على إنجازه وتحقيقه كي يحظى الجميع فقراء وأغنياء،ذكوراً وإناثاً، بالقدر العادل من التعليم المتساوي، فقد انكسرت هذه الحلقة المهمة في مسار التعلم بسبب جائحة كوفيد، ووجدنا انفسنا في صفوف تضم نصف أو ربع الطلاب، ويوم دراسة ويوم غياب ،وايضا الفئة الفقيرة صاحبة الضرر الأكبر.

والسؤال هو كيف نعدَل هذا الوضع المختل، وخصوصاً إذا استمرّ كوفيد معنا لمدة طويلة وكيف تستعيد العلمية التعليمية عافيتها تربوياً واقتصادياً؟

حسب الدكتورة صفية فالمعالجة تبدأ، أولاً، بتحسين وتطوير التعلم عن بعد وبطريقة جادة وخارج المألوف ،فلا يقتصر الأمر على شاشة وزووم، إنما عبر إيجاد آليات جديدة لتقليل فاقد التعلم والنمو في المهارات التعليمية بشكل مستمر، وثانياً، بابتكار اساليب بناءة لاعادة فتح المدارس لجميع الأطفال عبر جعلها مدارس آمنة وخالية من كوفيد ومطمئنة للعائلات، وثالثا، بالعمل على تحويل المجتمع بأكمله إلى مؤسسات تعليمية، أي أن يجد التلميذ نفسه يتعلم ويتلقى المعرفة في كل مؤسسة يدخل إليها وليس المدرسة فحسب، وتختتم د. صفية بالقول إن تلك التوصيات إذا اشتغلنا عليها جميعاً، وبشكل جاد، فسوف تستعيد العملية التربوية عافيتها تربوياً وتعليمياً واقتصادياً شيئاً فشيئاً.