المنشور

عندما تذهب “كورونا”

“لين تخلص الكورونا” – من منكم لا يسمع هذه العبارة بين حين وآخر، إنها متداولة على نطاق واسع الآن بين الناس، وها هو عام 2020 الذي هو عام الجائحة بامتياز قد انتهى، ودخلنا عام 2021 فهل تراه سيكون أيضاً عاماً آخر ل “كورونا”، أم أننا سنغادرها وتغادرنا وتصبح ماضياً؟
ما أن أطلب من أحدهم شيئا حتى يأتي الجواب جاهزاً: “لين خلصت الكورونا”، وهذا مفهوم لأن كل منا عانى بشكل أو بآخر من تداعيات الجائحة، وعلى مدى عام كامل فقدت العديد من الأرواح على مستوى العالم، كما أن الكثير من الدول أغلقت مطاراتها، وتوقفت حركة السفر بشكل كبير، وحتى مع إعادة فتح المطارات مازالت حركة السفر محدودة.
كم هو مؤلم، أننا لم نستطع ان نعزي أصدقائنا وأحبائنا في فقدهم لأهلهم لأحبائهم الذين رحلوا دون مراسم العزاء الاعتيادية، ولم يسنح للآخرين تقديم التعازي بالشكل الاعتيادي. تقول إحدى الصديقات: هرعت دون تردد إلى المقبرة بعد سماعي وفاة أحد الأصدقاء الأعزاء، وفي المقبرة لم أتمالك نفسي واحتضنت ذويه. لكني كنت قلقة جداً حين عدت الى المنزل.
ورغم هول ما حدث ويحدث، فإن إرادة الحياة ستبقى أقوى. فالعديد من الزيجات تمت، حتى لو اقتصر الحضور على الأهل وقلة من الأصدقاء، ومع ذلك فإني أعرف أن بعض الأهالي أصيبوا بعد إقامة مراسم عقد القرآن لأبنائهم.
حملتنا ظروف الجائحة على ان ننتبه لأنفسنا أكثر، بقينا في منازلنا فترات أطول، أعدنا ترتيب بيوتنا، اكتشفنا متعا أخرى غير متعة السفر، لكننا افتقدنا الكثير، ولعل أكثر ما افتقدته هو اللقاءات الثقافية، ومع أنها أصبحت تتدفق بكثرة عبر برنامج”زووم” والكثير من وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ذلك لا يعوض عن اللقاء الطبيعي وجهاً لوجه.
على مستوى العائلة كان هناك تخوف كبير، فامتنعنا عن لقاءنا كل أسبوع منذ مارس الماضي، ومع أني كنت حذرة ولكني لم أبالغ في مخاوفي، فكنت أتسوّق بشكل طبيعي، وقمت ببعض الزيارات التي لم يتجاوز عدد الحضور فيها العدد ثلاثة أو أربعة، استمتعت في حدود المتاح، فالمبالغة في التهويل لها أثر سلبي.
(لين خلصت الكرونا) أمر لم يعد يعنيني. ما يعنيني هو استثمار الوقت على أحسن صورة، فحياة كل فرد فينا معدودة ومحدودة، فلماذا نضيعها في الانتظار دون جدوى؟ كل ما نحتاجه الآن هو التعايش والتقبل. بالرغم من أن حدة الخوف بدأت تقلّ، خاصة مع بدء التطعيم باللقاح، ما يجعلنا نأمل في أن الوباء سيخف تدريجياً، ولكننا ما زلنا في الحال التي لم نكن نتخيلها قبل عام، في أن نرى الناس تمشي وتؤدي أعمالها وهي مغطية وجوهها. فكلما مشينا في الشارع، أو ذهبنا لقضاء بعض الأمور تجد الناس ونحن ضمنهم، يضعون الكمامات.
لتداعيات جائحة “كورونا” دورس وعبر عظيمة للفرد وللمجتمع وللحكومات، حيث كشفت المستور، سواء كان هذا المستور على مستوى الفرد او الحكومة وعلى مستوى الناس والعلاقات، وانكشفت المعادن. ونحن الذين كنا ننبهر كثيراً بالدول الأوربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وجدنا أن دولنا أكثر احترازاً ووقاية في أنظمتها الصحية. ربما عرفنا أن علينا أن نقدر النعم التي حولنا وتحيط بنا ولم نكن نقدر قيمتها.
قالت لي احدى الصديقات بعد أن أعيد فتح المطاعم عندنا في البحرين، دعينا نخرج بعد حبس طويل، وافقتها وخرجنا. كان المطعم مملوءاً، كنا نرتدي الكمام، ولكننا ازلناه عند الأكل، وتبادلنا الأحاديث الشيقة.
بالرغم أنى أرى الآن أن الوضع أصبح أقلّ اخافة ربما عند البعض. وكان الناس فريقين خلال الجائحة، بعضهم لم يصدق ولم يهتم ومارس حياته بشكل طبيعي، فيما بعضهم الآخر لم يوقف ابداً تجمعاته العائلية. بعضهم التقى بحذر، فيما بعضهم الآخر امتنع تماماً.
ما أود قوله، خلاصة، أن تنتهي “كورونا” أو لا تنتهي أمر ليس في أيدينا، وليس تحت سيطرتنا. ولكن ما في أيدينا هو التكيّف مع الوضع الراهن، والاستفادة بقدر الإمكان منه. لا أن نبقي حياتنا معلقة، ونبقى اسرى الانتظار الذي لن ينتهي. علينا التعامل مع الظرف، مع اللحظة ولا أعتقد أن الحياة سوف تتوقف.
تستطيع أن تزور أهلك مع الاحتراز وترك مسافة آمنة، تستطيع التسوق بقدر وأنت محتاط، تستطيع التنزه على البحر، وممارسة رياضة المشي، تستطيع القراءة والبحث والاستماع إلى الموسيقى، الرسم والغناء. ثمة أمور كثيرة تستطيع أن تمارسها وأنت في بيتك. ربما اكتشفنا اننا نستطيع ممارسة العمل من البيت. ونستطيع عمل أشياء كثيرة. وأن المتع قد تكون موجودة لدينا بالداخل وليست بالضرورة الجري خلفها بالخارج. وأن المتع ليست مقتصرة على السفرات والرحلات فقط.
لذلك أقول بكل ثقة إن “كورونا” ليست كلها شر، فلا يوجد ربح مطلق ولا خسارة مطلقة. علينا ألا نجعل الوباء يشلّ تفكيرنا. ولا أنكر أنني افتقد التجمعات العائلية واللقاءات الثقافية، ولكن حتى تنفرج الأمور أستطيع أن أمارس حياتي بقدر المتاح. فالحياة مستمرة وعلينا أن نتلاءم مع ظروفها.