المنشور

التغيير الوزاري.. لماذا وكيف؟!

هل نحن امام استحقاق تعديل وزاري وشيك؟ وهل نحن بالفعل أمام تحولات نوعية بالنسبة لطبيعة الأداء الحكومي؟ وهل الاعفاءات الأخيرة لبعض المستشارين والوكلاء والوكلاء المساعدين وبعض المدراء واستبدالهم بقيادات شابة، مغمورة نسبيا..هي إحدى مؤشرات المرحلة القادمة؟!
تلك الأسئلة وغيرها يتم الحديث حولها الآن في السر والعلن، وتخلق لأجلها السيناريوهات التي في العادة لا يصدق أغلبها، لكن وعلى الرغم من ذلك فإنها تبقى مؤشرات على مكنونات ومزاج الشارع بشكل عام حيال طبيعة ونوعية الأداء الحكومي، على الرغم من ان هناك الكثير نجاحات لا يمكننا اغفالها تحرياً للدقة والمصداقية، والتي ربما كان آخرها النجاح والاستعداد المتميز للبحرين بالنسبة لملف جائحة كورونا، وهو أهم وأخطر ملف لازلنا في مواجهته حتى اللحظة ومعنا الكثير من دول العالم.
إلا أن ذلك لن يعفينا من القول إننا يجب أولاً أن نعترف أننا في البحرين أمام استحقاقات جدية وجديدية قادمة إلينا بقوة وعلى أكثر من صعيد، فها هو الوضع الاقتصادي يرمي بثقله على كاهلنا جميعاً، بكل ما يحمله من عجوزات مزمنة في الميزانية العامة للدولة، وها هو الدين العام ينحو باستمرار باتجاه تصاعدي وحيلتنا أمام وقف هذا التصاعد دونها العديد من العقبات، وقد ازدادت أوضاعنا الاقتصادية سوءاً على مدار العام نتيجة ما فرضته جائحة كورونا من تحديات غير مسبوقة، حيث جرى حتى الآن استنزاف الميزانيات وجزء مهم من احتياطياتنا، عبر صندوقي التعطل واحتياطي الأجيال لتسهيل مهمة التعاطي مع تداعيات الجائحة.
وبالمثل تستمر معاناتنا مع ملفي البطالة والإسكان والتعليم وبض الخدمات الأساسية بشكل أكثر حدّة في ظل تعطل الكثير من المؤسسات والقطاعات الإنتاجية وعدم وجود منهجية واضحة لكيفية التعاطي معها، وتخفيف حدّتها اقتصاديا واجتماعيا، وعلى الجهة الأخرى استمرار الرقعة الجغرافية المتاحة أمام المشاريع الإسكانية في التقلص، علاوة على الميزانيات الشحيحة التي لم تعد كافية للتعاطي مع زيادة الطلبات الاسكانية عاماً بعد آخر نتيجة الزيادة في عدد السكان.
أمام هذا المشهد وتعقيداته لن يكون كافياً أو حتى مقنعاً مجرد الحديث عن تغيير وزاري مأمول يأخذ من تغيير بعض الوجوه القديمة بوجوه أخرى جديدة وسيلة طالما ألفناها حد السأم لسنوات، بل يبقى السؤال رهناً بطبيعىة ونوعية التغيير الوزاري القادم – إن حصل – فعلامات التذمر من أداء بعض الوزارات الخدمية ووزراءها لم يعد خافياً على أحد، وأصبح الجميع منتظراً قدوم التغيير الوزاري لإعفاء بعض الوزراء الذين يكفيهم أنهم أُعطوا الفرصة كاملة من قبل الحكومة والناس ولم يقدموا ما يشفع لهم فعلاً الاستمرار، ولم يقدموا لنا إلا التراجعات والتخبطات على المستويين الإداري والمالي.
هناك من سيقول أن الوزير أياّ كان فهو ينفذ سياسات مرسومة له سلفاً، وبحسب ما يُطلب منه، الا ان ذلك المنطق لا يستقيم بالفعل مع ممارسة العمل الوزاري، ولذلك فنحن أمام نجاحات لدى بعض الوزارات بطواقمها المحترفة والمهنية، وفي مقابل فشل ذريع للعديد من الوزارات الأخرى بطواقمها غير المهنية وغير النمسجمة أصلاً مع توجهات الحكومة، يشهد على ذلك تكرار اخفاقاتها، وفساد بعض مسؤوليها وبشكل مستمر، كما تسجل ذلك تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية سنويا، دون أن نجد أدنى محاولة لإصلاح الأوضاع من أولئك الوزراء في وزاراتهم، مكتفين بتبريراتهم المعتادة حفظا لماء الوجه ليس إلا!
ما يدعونا للحديث عن ضرورة التغيير الوزاري وأهميته، ليس فقط الإستغناء عن تلك الوجوه الوزارية العاجزة، بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو ضرورة الحرص على أن يأتي التغيير الوزاري القادم والذي نرجو أن لا يتأخر- كما يشاع حالياً – إلى ما قبل الانتخابات البرلمانية نهاية العام القادم، بتغييرات جوهرية ونوعية في الكفاءات والطواقم والنهج والمتابعة اللصيقة لممارسة جميع الوزراء ووزاراتهم، فالمهمة الكامنة امام السلطة التنفيذية الحالية بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء هي مهمة ذات أبعاد وتحديات غير مسبوقة، ولا سبيل أمام الجميع للتعاطي معها إلا بتوافر الصدق والمصارحة والتفكير في كيفية النجاح.. والنجاح وحده، حتى نعبر معاً ما ينتظرنا من مهمات بنجاحات، فلقد تغير عالمنا بدرجات كبيرة، ولم يعد ممكنا القبول بمجاملة وزير او مسؤول على حساب الوطن، وطالما قبلنا بحقيقة أن البحرين ولّادة، فلن يعيينا البحث عن تلك الكفاءات الوطنية التي لم تنل بعد فرصتها في خدمة وطنها، وحسناً فعل سمو رئيس مجلس الوزراء عندما أقدم على خطوته الأخيرة بإعفاء العديد من الوجوه التي يكفيها أنها أعطيت الفرصة لسنوات، وصار لزاماً ان يعين مكانها وجوه شابة ومتنوعة يحضر فيها العنصر النسائي بشكل أفضل ومختلف هذه المرة، مما يزيدنا تفاؤلاً بأننا على موعد مع تحولات نوعية أخرى قادمة نرجو ان تعطي دفقاً جديداً لعطاء نوعي، وعبر منهجية خلاقة وبرامج عمل عصرية تؤسس لتعاطٍ مختلف مع ما ينتظرنا من تحديات ومصاعب، وهو أمر ليس مستحيلاً بمقاييس الشعوب الطامحة للتغيير والنجاح والتفوق.