المنشور

مطر صيف

كلمات الأغنية العراقية الجميلة، “حجيك مطر صيف” للراحل الكبير فؤاد سالم ولمؤلفها الشاعر ناظم السماوي، تحمل في مضامينها معاني الحضور والغياب في آن، حضور المطر وغياب تأثيره بسبب حرارة شمس العراق الساطعة.
وكذلك، صار الحديث عن تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية لا يعدو كونه “مطر صيف”، حيث تصدر التقارير وتُحال للجان وزارية لدراستها، ويتم انتقاء بعض ما جاء فيها وإعادة توجيهها للنيابة العامة، وفيما بعض الملاحظات فإنها تذهب إلى لجان الجزاء الإدارية.
وقد رفضت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى في العام 2018 إلزام ديوان الرقابة المالية والإدارية بإحالة ما يراه من مخالفات ترقى لمستوى الجناية للنيابة العامة، وأصرّت اللجنة الشورية على “جوازية” الديوان لرفع المخالفات للنيابة العامة دون “وجوبيتها”.
وبررت اللجنة ذلك بأن “إلزام ديوان الرقابة المالية والإدارية إحالة المخالفات التي تنطوي على شبهة جنائية يعني إحداث خلل جوهري في عمل الديوان، إذ من شأن ذلك تحويله من جهة رقابة وتدقيق إلى جهة تحقيق، وهذا أمر تختص به النيابة العامة ويختلف عن دور الديوان المتمثل في الرقابة والتدقيق”.
لمعالجة ما ذهبت إليه اللجنة الشورية، هناك تجربتان خليجيتان سعودية وكويتية، ففي الدولتين الشقيقتين استحدثت جهة مستقلة محايدة مهمتهما “حماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري”، و”درء مخاطره وآثاره وملاحقة مرتكبيه وحجز واسترداد الأموال والعائدات الناتجة عن ممارسته وفقا للقانون”.
ولعلّ هذا ما نحتاج نحن إليه تحديداً، جهة مستقلة ومحايدة يكون تأسيسها من الجهات ذات الاختصاص قضائياَ، والمعنيين من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني العاملة في ذات المجال، تكون مهمتها دراسة تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، ولكونها جهة ذات استقلالية فإن ذلك سيضمن سرعة النظر في تلك التقارير واتخاذ اللازم بديناميكية. كما يمكن أن يُعهد لها مهمة استلام بلاغات شبهات الفساد أياً كان مصدره، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع حالياً لتضارب المصالح وتداخل الاختصاصات بين مختلف الجهات المعنية بالرقابة وتتبع بلاغات الفساد.
إيجاد جهة مستقلة تعنى بالنزاهة بحرينياً أسوة بنظيرتيها في السعودية والكويت، وفق أسس الحياد المهنية وبما يضمن المساءلة للجاني وحفظ هوية وحقوق الكاشف عن تلكم الممارسات التي امتلأت بها صفحات تقارير ديوان الرقابة المالية، قد يسهم في إعادة ثقة الرأي العام في أهمية وجود ديوان الرقابة والمالية والإدارية بصفته حامي المال العام وحصانته.