المنشور

قاطِع كالسيف

قصة قصيرة

عَدا أيَّامٍ معدودة يعتمر فيها أو يزور قبر الرسول الكريم؛ أمضى حياته كالقارب المربوط للمرساة، كادِحا وعاملا، في سبيل تأمين لقمة العيش لأبنائه.
لكنَّه اليوم ورغم مرور إسبوعين كاملين على دخوله المستشفى، لم يُطلَّ عليه أحد من أبنائه، أو حتَّى يسأل عنه، اللهم إلاَّ عِبر اتصال سريع، أو رسالة واتساب مُملَّة.
وهذان الشَّابان، تلتقي عيناه بعينيهما، فيشاهد الشفقة والرحمة، كلَّما اختلس نظرة لأبيهما، زميله في الغرفة، يكاد زوُّاره لا ينقطعون صباحا ومساء.
دخلت ممرَّضة، ابتسمت له، وأعطته حبَّة الدواءَ، فتناولها بمرَارة مُضاعفة…
– متى يمكنني الرجوع للبيت يا ابنتي؟
ردَّت وهي تناوله كوب الماء:
– حتّى يأذن الطبيب.
قال بانزعاج:
– لكّنني مللت يا ابنتي.. مللت.
هزّت يدها في تسليم:
– ما باليد حيلة يا أبي.
وخرجت، فعاد واستلقى على سريره، ووضع ذراعه على وجهه، مُخفيا عينيه، مستنجدا بالنوم، محاولا الهرب تحت وطأة إحسَاسه بظلم أقرب الناس إليه.
وغفت عيناه، حين وصل سمعَه صوت مُحبَّب إليه، جعله يلتفت بلهفة، ليفاجأ برؤية ولديه وبناته الثلاث.
قال وقد ردَّت إليه روحه:
– أخيرا تلطَّفتم بزيارتي.
ابتسم أكبرهم وقال:
– مشاغِلُنا كثيرة ونلتمس منك العذر.
أحَاطوا به في مشهد أعاد له الثقة بنفسه والرغبة في الحياة، حين دخلت ممرِّضة أخرى، ابتسمت للجميع، وأمسكت براحة يده، وراحت تبحث عن مكان في ظهر كفِّه الذي تحوَّل لجلد قنفذ لكثرة ما غُرز فيه من إبر.
وغرزت الإبرة، فتأوَّه، وتلفَّت فزعا، وأدار عينيه في المكان، وسأل بصوت مرتعش:
– أين هم؟
ردَّت المُمرِضة:
– مَن هم؟
– أبنائي.. أين ذهبوا؟ كانوا هنا منذ لحظات!.
بان عليها الارتباك، فابتسمت مشجّعة، ومضت، فأحسَّ بكآبة لا تطاق، وسارع فتلحَّف بفِراشه، وأدار ظهره للشَّابين، خجلا من حزنه ودموعه.