المنشور

المعارضة البحرينية وخطابها السياسي

إذا اتفقنا أن مجال السياسة هو مجال المقاربات العقلانية، فعلينا أن نتفق أنه مرتبط بالواقع بالضرورة. والواقع تحدده الظروف الموضوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمرحلة التاريخية. لذلك فإن الخطط والأساليب والتوازنات السياسية متغيرة دائما. فمن لا يُقرن عمله السياسي بالواقع ومعطياتهِ يجنح نحو العشوائية والمثالية.

بعد أحداث فبراير 2011 ومخاضاتها المؤلمة راجعت أطراف المعارضة البحرينية جميعها عملها السياسي، فمنها من تعلم الكثير من الدروس في طبيعة مواقفهِ وأساليب نشاطهِ ولغة خطابهِ ومستوى أجنداتهِ وأهدافه. وآخرون لم تتغير مواقفهم ووسائلهم ومفردات خطابهم نحو الجماهير والسلطة.

أكثر من عقد من الزمان انصرم وأطراف في المعارضة البحرينية خطابها السياسي يراوح مكانه، بل أصبح أعنف في لغتهِ ومفرداتهِ، وأكثر مثاليةً وأبعد عن الواقع. فمنهم من لا يزال يرفع ذات الشعارات العاطفية التي رفعها قبل عشر سنوات، وكأن هذه الشعارات لم تُثبت هشاشتها وخوائها.

أطراف أخرى تُصرّ على ربط المعارضة البحرينية بما يُعرف بمحور المقاومة والتحرك في مسارهِ والتقاطع مع قواه ودوله. ما علاقة الحراك السياسي المعارض في البحرين بهذا المحور وأجندتهِ؟ وأي مصلحة لشعبنا ووطننا بادخالهما في هذه الصراعات الكبيرة على المستويين الإقليمي والدولي؟ أليس هذا ضرب من الجنون والتفكير السياسي البائس؟

تحدث الكوارث على مستوى العمل السياسي المعارض عندما يكون التباين واسعاً بين الإمكانيات والطموحات، فمن غير المعقول أن تفكر أو تتبنى قوى معارضة بحرينية ذات الطرق والأساليب لأحزاب سياسية ثورية كما هي في بعض البلدان العربية. أو أن يعود بها الحنين لأدبيات وذكريات الحركات الثورية والتحرر الوطني التي كانت سائدة منذ أربعينيات القرن الماضي.

ما نحتاجه في هذه المرحلة الحرجة والمثقلة بمشكلات وقضايا معقدة تمس وطننا وشعبنا، هو خطاب سياسي متعقل، يُدرك حقيقة الواقع وتفاصيلهِ جيداً، لا أن يُلغي الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية من عقلهِ السياسي، فيسبح في بحر من الأحلام ويكون مصيره الغرق في بحر الواقع.

المنطق السياسي المتزن لا المنطق الايديولوجي المتشدد، وحده من يقودنا إلى تحجيم الفجوة وتقريب المسافات مع سلطة الدولة نحو تبريد الساحة وإدخال الفرحة على قلوب مئات الأسر بالإفراج عن أحبتهم من السجون أو عودتهم من المنافي إلى وطنهم. فليس من مصلحة أحد الاستمرار في إنتاج خطاب سياسي متشنج ومغلق، لا يفتح أُفقاً نحو الحلول السياسية الوسطية.