المنشور

المعرفة، الخوف، والحب!

قد يجد كل قارئ في أحيانٍ ما أحدهم يقول له: (اشغل نفسك بما هو أنفع). ويُقصد بالعمل النافع في فكرنا السائد الذي نمَّطته منظومة الإنتاج الرأسمالية: “كل عمل يجلب لك منفعة مادية”. كنت ممسكاً بكتابي ومر علي أحد الزملاء فسألني: ما الذي يدفعك نحو القراءة؟ أو لماذا تحب القراءة؟ فأجبته: لتحقيق كينونتي كإنسان.
يحكى أن عبدالله بن عباس سمع أحدهم يتلو: “وما خلقنا الجن والإنس إلا ليعبدون. فقال: لا والله، بل ليعرفون”. العبادة لا تتحقق من دون المعرفة أولاً، ولتعدد المعارف تتعدد طرق العبادة. كذلك سائر تداعيات الفعل الإنساني: الحب، الثورة، الولاء، العمل. لا يمكن لهذه الأفعال والمشاعر أن تسبق المعرفة، وإلا ستكون عبثاً. إنك لا يمكن أن تحقق كينونتك الإنسانية التي مُيِّزَتْ بالعقل من غير استخدامه لمعرفة الأشياء، واكتشاف حقائق العالم. والعقل مثل سائر أعضاء البدن إذا لم تستخدمه أصيب بالضعف، وسيستخدمه غيرك لتصييرك تبعا له. لا ينتقل الإنسان من المرحلة البهيمية إلى المرحلة الإنسانية من غير المعرفة. فصفة إنسان تبقى صفة اسمية لا تتعلق بكينونته.
في إحدى تفاسير قصة الخلق المتعارف عليها في الديانات السامية، يحكى أن الفاكهة المحرمة التي قطفها آدم كانت فاكهة المعرفة الكلية للأشياء، وأن تلك المعرفة لا يجب أن يشارك فيها أحد الرب، وبهذا حُكم على آدم وبنيه بالنزول من الحياة الباقية إلى الحياة الفانية ليعمل ويكد ويشقى، وحُكم عليه بأن يجهل أبدا ويخاف أبداً. فنجد أنه كلما حاول أن يعرف ويقوده فضوله نحو الشجرة تتم إخافته من قبل السلطة التي لا تريده أن يعرف، إما بالخوف من الله وغضبه، أو الخوف من العذاب الدنيوي -السلطة الدنيوية-. دائما ما كانت صورة الرب المخيف، قرينة بتفسير السلطات، سواء من كانوا يتولون سلطة دينية على الناس أو سُلطة دنيوية، وفي أسوأ الأحوال إذا اجتمعت السلطتين معاً عليهم؛ كما حدث في أوربا القرون الوسطى وغراراتها في تاريخ البشرية. فكان الخوف يستخدم كعدو للمعرفة رغبة في تصيير الإنسان شيئا بهيمياً، يتبع ولا يسأل، ويطيع بتسليم تام.
هناك حكاية رمزية تقول بأن حريقا أصاب إحدى الغابات، فتدافعت الحيوانات للنجاة بنفسها، إلا أن القدر شاء أن تموت الصيصان لأن الحريق كان أسرع من قدرتها على الركض، فلم يبقَ منها سوى ذكر وأنثى. لم تجد الأم تفسيرا للحريق الذي حدث، فأخبرت أبناءها الجدد أن الراعي كان غاضباً من أسلافهم لأنهم لم يكبروا بسرعة ليستخدمهم له. وعندما كبرت مجموعة وصارت دجاجات تسلطت على اخوتها تخيفهم من نوائب الدهر وشر الراعي، ولتتقي ذلك وتحفظ حياة الصيصان أمرت بتقديم قرابين من أملاكهم، وأحيانا من الصيصان أنفسهم. إلا أن الصيصان الفقيرة والمستضعفة قررت أن تثور، مرة على شكل نكران جذري لفكرة الراعي الذي استخدمته السلطات كوسيلة تجهيل وإخضاع، ومرة على شكل تغيير صورة الراعي من الغاضب المخيف إلى المحب والصديق.
إن الخوف لا يجتمع مع الحب أبداً. هكذا كانت مثلا ثورة التصوف على الأكليروس الديني. فلا يمكن أن تحب حتى والدك إذا كنت تخاف منه، سيكون خوفك منه هو الدافع وراء طاعته. هناك اتفاق في تاريخ الفلسفة على أن الأمر الأخلاقي الذي يقول لك: “افعل كذا ولا تفعل كذا” ينبع من داخل ذاتك بالذات، سواء من الفطرة حسب روسو، أو الضمير حسب دوركهايم، أو من العقل كما يؤكد كانط. فحسب توضيح كانط: الأمر الأخلاقي لا تبرره أي غاية أخرى (فهو يجب لأنه يجب. نقطة على السطر). فإذا كنتُ لا أسرق بمبرر أن المبلغ ليس مغريا، أو خوفاً من السجن، أو خوفاً من عقاب الله، فالامتثال هنا ليس أخلاقياً، لأنه لا يصدر عن العقل بل نتيجة انفعالات كـ: الخوف، الطمع، العجز، وغيرها. حين يقول كانط “استخدم عقلك” ذاك لأن العقل معطل فهو يحتاج إلى التهديد والوعيد والترغيب وإثارة الشهوة لكي يطيع، فهو لا يطيع حُباً إنما يطيع خوفا ورغبة.
إن ذلك منتشر في نمط تربيتنا للطفل الصغير: “إذا فعلت هذا الفعل الحسن سنشتري لك هدية، إذا فعلت هذا الفعل القبيح لن تذهب إلى الحديقة”. لكنه ما إن يبلغ النضج العقلي تجده يفعل أفعالا حسنة لأنه يراها حسنة في تقييمه الذاتي لها، ويترك الأفعال القبيحة حين يستنتج ذاتياً أنها قبيحة. ولا يعني هذا ان هناك سِناً محدداً للنضج، بل قد يحين الإنسان أجلُهُ وتبقى أفعاله مرتبطة بمتعلقات الرغبة والخوف.
تنبهتْ لذلك رابعة العدوية حين قالت: “أحبك لا أحبك للثوابِ ولكني أحبك للعقابِ / وكل مآربي قد نلتَ منها سوى ملذوذ وجدي بالعذابِ” إنها وصلت للمحبة الإلهية فاستوى عندها الثواب والعقاب، بل هي لا تكترث له وتفضل العقاب على الثواب إذا ما بدر من المحبوب، لأن كل ما هو منه جميل. وكان أبو يزيد البسطامي يقول: “جاءني سيل عشقه فأحرَقَ الماء دوني، فبقي الواحد حين لم يزل أحد”. أي أنه لم يعد يخاف النار ولم يراها محرقة، ولم يعد يرى أي أحد او يهاب شيئاً لأن الله حباه عِشقَه فبقي هو وحده أمام ناظريه. فكان يقول ابن خضرويه: “رأيت رب العزة في منامي فقال لي: يا أحمد، كل الناس يطلبون مني، إلا أبا يزيد فإنه يطلبني”. ولم يستسغ ملا صدرا فكرة العقاب الأبدي للإنسان نتيجة أفعال اقترفها في حياة مؤقته، فذلك لا يصدر من رب عادل رحيم. لكن آيات النار لا يمكن الإفلات من صراحتها في القرآن، خصوصا من رجل مثل ملا صدرا، فأخذ يفسر العقاب بكونه مؤقتاً ثم يصبح أهل النار من جنس النار فيكون نعيمهم بها وعذابهم في الخروج منها. وكما تقول إليف شافاك: إن الإنسان يرى الله على صورته، فإذا امتلأ القلب رحمة وشفقة على الناس رأى الله أشفق منه عليهم، وإذا امتلأ قلبه قسوة رأه جباراً عتيدا. أو كما اختصر الجنيد البغدادي الفكرة بقوله: “لون الماء لون إنائه”.
ما نستنتجه إذاً أن السعادة تتحقق أولاً في الإنسان من خلال استقلاله الفكري والمعرفي فلا يكون تابعاً لأحد، وأن يتحرر ثانياً من الخوف، وأن يملأ ذاته ثالثاً بالحب والرحمة اتجاه النفس والخلق.

اقرأ المزيد

الغرب والإسلاموفوبيا

الإسلاموفوبيا تشتد من جديد بعد جريمة قتل مسلم لأستاذ فرنسي أساء للنبي محمد(ص) وبعد التصريحات المهينة والمستفزة للمسلمين من قبل الرئيس الفرنسي ماكرون.

يقصد بالإسلاموفوبيا نزعة الكراهية للإسلام، والتخويف منه، انطلاقاً من تزييف حقائقه الكبرى وصورته الحضارية الأصيلة. وظاهرة الإسلاموفوبيا، هي ظاهرة غربية، عبرت عن موقف الغرب الأوروبي تجاه الشرق الإسلامي إبَّان سعيه الحثيث للهيمنة على الشرق ونهب ثرواته وتحويله إلى تابع للمركزية الحضارية الأوروبية. وعداء الغرب الاستعماري للشرق عامة، وللعرب خاصة يعود لزمن الإغريق والرومان في عداوتهم للفينيقيين في شمال إفريقيا وفي حربهم على تدمر الآرامية وملكتها زنوبيا. وقد اشتدَّ كره الغرب للعرب بعد قيام الدولة الإسلامية وهزيمة الرومان والصليبيين في معارك عديدة على يد المسلمين.

وفي واقعنا المعاصر، تحديداً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية، عاد الغرب السياسي ليتخذ من الإسلام عدواً، أحلَّه محل الخطر الشيوعي، وليبني على ذلك وضع استراتيجيات توسعية خبيثة لا زالت نتائجها الكارثية على الدول العربية والإسلامية شاهدة للعيان.

تعمل الأورومركزية على تثبيت كذبة مفادها أن الغربيين سادة التاريخ ومصدر العلوم والمعرفة والفلسفة، وغيرهم من الأمم والشعوب لم ينتجوا إلا العنف والتوحش والتخلف، خصوصاً عند الحديث عن تاريخ العرب والمسلمين. كحقيقة تاريخية ساهمت مختلف الشعوب والأمم في صناعة الحضارة البشرية بنسب متفاوتة، وأن مسألة العنف والتوحش وجدت بصورة أو بأخرى في تاريخ كل الحضارات الكبيرة عبر مراحل التاريخ المختلفة، وليس فقط عند المسلمين كما يدعي الأوروبيون المعاصرون.

لا أقصد من الفقرات السابقة أن أنفي وجود التعصب الديني، وانتشار الجماعات التكفيرية والإرهابية التي تقتل باسم الله والدين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فمن الواضح وجود خلل كبير في فهم الدين الإسلامي عند الكثير من المؤسسات والجماعات الإسلامية التي تمثل النقيض لتعاليمهِ الداعية للوسطية والاعتدال. ومن المؤسف أن خطاب التكفير والعنف الذي تنشره مثل هذه الحركات كالقاعدة وداعش يلقى تجاوباً عند بعض الفئات، لا سيما الشباب منهم، والذي يصبح أكثر خطورة عندما ترتبط هذه الجماعات بالاستخبارات الدولية فتمدها بالمال والسلاح وتدمر بها البلدان والأوطان.

إن الرسومات المسيئة لنبي الإسلام محمد(ص) عمل مرفوض ومدان، ومن حق المسلمين التعبير عن غضبهم ورفضهم لها، ولكن من غير المبرر استخدام العنف والقتل تجاه من رسمها وقطع رأسهِ، أو الاعتداء على الفرنسيين انتقاما منهم على إساءة فرنسي لشخص الرسول (ص). ومن الملاحظ أن تكرار الإساءة للمسلمين ولنبيهم من قبل سياسيين ورجال دين ومثقفين أوروبيين يؤكد وجود إشكالية كبيرة في الخطاب الرسمي والديني للدول الأوروبية تجاه الإسلام والمسلمين.

تجدر الإشارة إلى أن أغلب الأشخاص المسلمين الذين يقومون بعمليات إرهابية من طعن بالسكاكين أو إطلاق الرصاص أو التفجير للضحايا المسالمين والأبرياء في أوروبا هم من القاطنين والمستقرين فيها. تشير العديد من الدراسات إلى أن الكثير من المسلمين في فرنسا وغيرها من دول أوروبا هم من العاطلين عن العمل ويعيشون في أحياء سكنية فقيرة، الأمر الذي يسهل على جماعات الخطاب التكفيري والإرهابي بالتأثير عليهم واحتوائهم . لذلك على إدارات الدول الأوروبية تحمل المسؤولية في الابتعاد عن التمييز العنصري والديني لقطع الطريق على أصحاب الأفكار المتعصبة والمتخلفة.

أيَّدَ بعض المسلمين العمل الشنيع الذي قام به الشاب المسلم ذو الأصول الشيشانية في قتل الأستاذ الفرنسي وقطع رأسه، حيث يرى هؤلاء بأن الإساءة للنبي محمد (ص) يجب أن تقابل بالإرهاب والقتل من أجل الردع القوي لمن تسول له نفسه في التطاول على خاتم الرسل محمد بن عبد الله. لكن هل بالعنف تتوقف الإساءات؟ أليس القتل والإرهاب يُسيء لصورة نبي الرحمة محمد ولصورة الإسلام والمسلمين؟ ما أوذي نبي كما أوذيَ محمد (ص)، غير أنه بالخلق الرفيع والكلمة الحسنة وبالمحبة والتسامح أسرّ قلوب الناس من مختلف الشعوب والأمم.

علينا كعرب ومسلمين أن نؤسس لخطاب إسلامي معاصر تكون بنيته رفيعة على مستوى اللغة والأفكار والأهداف والمقاصد والوسائل. فمن أهم أهداف هذا الخطاب أن يقدم صورة حقيقية ومشرقة للإسلام وأخلاقه وتعاليمه، وأن تقف بالمرصاد المؤسسة الرسمية (الدولة) والمؤسسة الدينية لأي خطاب يدعو للتعصب والكراهية والعنف. خطاب ديني يحافظ على وحدة الأمة ويرسخ قيم المحبة والتسامح والانفتاح على الآخر المختلف في دائرة الإسلام وخارجه.

اقرأ المزيد

الموال في الأصل.. نحيب أرملة

كان عليّ أن أحتفظ بدموعي..
أن أدعها ترأف بكسرة حناني
بدلاً من إنفاق حزني
على الروايات الكئيبة
والمواويل المجرّحة..
كان عليّ أن أدرك سلفاً
أن لا أحد..
للقلب الدامي تحت القميص المعطر
لا أحد..
للصفحة المكرمشة تحت غلافها الجلدي؟
لا أحد..
للظل المنتحب تحت شجرته المقطوعة
ربما كان عليّ ‏
أن أعيش حياتي كلها
غارقة بالموسيقى وحدها
كأرجوحة تحت مطر ناعم
بعيدة عن كل شيء
أدور في نشوة بالغة
مثل عاصفة
تخترق الأشياء دون أن يمسها أحد..

****

لا تتحدث عن الليل
وفي فمك..
لم تجف بقايا الحلم القتيل
لم يهرب سرداقك الوحيد من الظلام
لن يمحو حمام الأسى درن القنوط
لن يتماهى بالحنين
كنفخة خالصة من موتٍ رحيم..

لا تتحدث عن الخوف
لم تصحو فزعاً
لتلمس موضع قلبك..
تخدشه أظافر القلق
يقلب بكفيه زئبق السكينة
وهو ينساب من روحك..

لا تتحدث عن الألم
الحبّ المُتعب في محطات الانتظار
لن تشفيه تلويحتك البعيدة
لن يغتسل بالكافور والندم..

****

الفقدان فكرة مرعبة
تخيّل..
أنت تخاف من أن يكسرك القلب الذي تخاف عليه من الكسر

****

قميصك يطرزه لون الحرب
الـ مزقت الكم الأيمن
ماثلٌ أمامي في صمتٍ مهيب..
أنظر إليه مبتوراً
فألمس ذراعك
وأنظر إلى الكم الأيسر
فتتلاشى ذراعي

****

الموال في الأصل نحيب أرملة؛
أكله الهواء وتَموَج صداه في حانة شعبية

****

بلى..‏أحب ثورة الريح
وهي تعانق جذع شجرة وحيدة
لم يأبه لصبر حفيفها أحد..

اقرأ المزيد

المديونية وتقرير ديوان الرقابة المالية

كشف تقرير ديوان الرقابة المالية أن رصيد الدين العام للدولة قد بلغ كما في 31 ديسمبر 2019 حوالي 13.6 مليار دينار، فيما بقيت فوائد القروض المدفوعة على نفس المستوى مقارنة بعام 2018 إذ بلغ اجمالي فوائد القروض المدفوعة في عام 2019 حوالي 644 مليون دينار، وقد بلغت نسبة رصيد الدين العام من الناتج المحلي 101.2% لعام 2019، وبلغت نسبة فوائد القروض المدفوعة في عام 2019 من اجمالي إيرادات الدولة حوالي 22%..
وكما هو معروف فإنه ومنذ عام 2014 عندما تدهورت أسعار النفط وانخفضت بشكل كبير من 130 دولار للبرميل الى ما دون 35 دولار، استمر الديّن العام لمملكة البحرين في الارتفاع، حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن الرصيد في سنة 2012 بلغ 3.9 مليار دينار (33.6% من الناتج المحلي الإجمالي)، ثم قفز إلى 5.1 مليار دينار في عام 2013 ( 41.8% من إجمالي الناتج المحلي) وارتفع إلى 5.4 مليار دينار عام 2014 ( 42.9% من إجمالي الناتج المحلي) ووصل إلى 7.1 مليار في عام 2015 ( 60% من إجمالي الناتج المحلي) وارتفع ليصل إلى 8.9 مليار دينار في 2016 (74.2% من إجمالي الناتج المحلي)، ثم قفز إلى 12.4 مليار دولار عام 2018 (94% من إجمالي الناتج المحلي)، واستمر في الارتفاع إلى أن وصل إلى رقمٍ قياسي تجاوز ال 13 مليار دينار حسب ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية.
وبناء على هذا الارتفاع المخيف طلبت الدولة من السلطة التشريعية أكثر من مرة الموافقة على رفع سقف الدين العام إلى ان وصل الى 13 مليار دينار.
إن هذا الارتفاع الهائل في المديونية العامة ومقارنة إلى حجم الاقتصاد البحريني وموارده المحدودة وبالمقاييس الاقتصادية تعتبر مرتفعة للغاية، فالبحرين هي الأفقر في الموارد النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتنتج نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً، ومواردها غير النفطية ضئيلة جداً لا تتجاوز 15% فقط من مجمل الإيرادات العامة.
إرتفاع المديونية بعد التحدي الأهم الذي يهدد الاستقرار الاقتصادي للمملكة، ولذلك اتخذت الدولة كافة الإجراءات لوقف نموه، ويأتي على رأس تلك الاجراءات سياسة مالية تقشفية صارمة انخفضت على أثرها المصروفات الحكومية وتوقف الدعم الحكومي على بعض السلع الاستراتيجية مثل البنزين.
وعلى الرغم من كل ذلك يفاجئنا تقرير ديوان الرقابة المالية لعام 2019 بوجود 1.54 مليار دينار ديوناً غير مدرجة في رصيد الدين العام، وذلك بعد قيام جهات حكومية بالاقتراض المباشر من الصناديق الخارجية، وهو ما يجعل مجموع الدين العام يصل إلى 14.54 مليار دينار، فيما تأكل فوائد القروض ما يقرب من 22% من الإيرادات الحكومية.
كما رصد تقرير ديوان الرقابة المالية أن وزارات وجهات حكومية تقوم بالاقتراض المباشر من المصارف المحلية بقيمة 1.8 مليار دينار دون إدراجها في رصيد الدين العام، تحت أي عنوان يدرج هذا الاقتراض؟ وكيف سمح لهذه الجهات بالإقتراض دون موافقة وزارة المالية والسلطة التشريعية؟
المؤكد أنه أكثر من تجاوزات. الاقتصاد الوطني لا يتحمل ما يسمى بالمخالفات أو التجاوزات غير الممنهجة التي تقوم بها بعض الوزارات والجهات الرسمية كما بينها تقرير ديوان الرقابة المالية.
ويكشف التقرير أيضا أن المساعدات الاجتماعية لا تتوقف بموت الفرد حيث تم صرف مبالغ المساعدات لأفراد متوفين نظراً لعدم تحديث بيانات وفاتهم في نظام الهيئة، حيث بلغ عدد الحالات التي تم صرف المساعدات لهم بعد تاريخ الوفاة حوالي 639 حالة للدعم المالي و 113 حالة للضمان الاجتماعي و 613 حالة للتعويض عن اللحوم و 69 حالة لمخصص الإعاقة.
ويطالعنا التقرير بأن وزارة التربية والتعليم صرفت علاوة سكن لبعض المدرسات غير البحرينيات رغم توفير سكن لهم، كما قامت هذه الوزارة بصرف علاوة انتقال لبعض الموظفين على الرغم من قيامها بتوفير وسائل النقل لهم. كل هذه التجاوزات تعتبر اهدار للمال العام، وللمال حرمة.

اقرأ المزيد

أهم الملاحظات على تقرير ديوان الرقابة

تقرير ديوان الرقابة
الدين العام يلتهم الناتج المحلي بـ 101.2% ووزارات اقترضت 1.8 مليار دينار دون إدراجها

أصدر ديوان الرقابة المالية والإدارية تقريره السابع عشر للسنة المهنية (2019-2020)، وضم التقرير كعادته جملة من الملاحظات والتوصيات على أداء عمل الجهات والمؤسسات الرسمية والشركات شبه الحكومية في البلد. وعلى الرغم من وصف بعض المتابعين بالتقرير الحالي بـ “الرشيق” مقارنة بالتقارير السابقة التي سبقته والتي كشفت مبالغ طائلة مهدرة من المال العام، واجراءات ادارية مريبة، دفعت مجلس الوزراء لإحالتها للنيابة العامة ليأخذ المسار القضائي المتسببين في تلك المخالفات لطريق المسائلة، إلا ان التقرير الحالي لم يخلو من مخالفات وملاحظات التي كشفت أيضاً عن هدر للمال العام وتجاوزات إدارية في عدة جهات رسمية، فيما يعد من أهم ما كشفه التقرير هو حجم الدين العام من الناتج المحلي الذي بلغ 101.2% للعام 2019.

الدين العام متصاعد
ذكر التقرير أن الدَّين العام بلغ حتى نهاية العام 2019 حوالي 13.6 مليار دينار، فيما بقيت فوائد القروض المدفوعة على المستوى نفسه بالمقارنة مع العام 2018، حيث بلغ إجمالي فوائد القروض المدفوعة في العام 2019 حوالي 644 مليون دينار. هذا وبلغت نسبة فوائد القروض المدفوعة في العام 2019 من إجمالي إيرادات الدولة حوالي 22%.
كما بيّن التقرير قيام بعض الوزارات والجهات الحكومية بالاقتراض المباشر من المصارف المحلية والصناديق الخارجية دون أن يتم إدراج ديونها ضمن رصيد الدَّين العام، وقد بلغت القروض المستحقة على تلك الجهات والتي لم تدرج ضمن رصيد الدَّين العام للعام 2019 حوالي 1.8 مليار دينار.
وأوضح التقرير بأن قيام وزارة المالية والاقتصاد الوطني وبعض الجهات والشركات الحكومية قامت بالاقتراض المباشر من الصناديق الخارجية دون أن يتم إدراج ديونها ضمن الرصيد العام المسجّل بالوازرة لا يعكس الصورة الحقيقية لحجم الدين العام والالتزامات المترتّبة على ذلك مستقبلًا.

127 مليون مستحقات للكهرباء
أظهر التقرير ان لهيئة الكهرباء والماء مبالغ مستحقة بلغت 127 مليون دينار، كما ان الهيئة لم تقم باتخاذ أية إجراءات تجاه بعض المشتركين المتخلفين عن سداد المبالغ المستحقة عليهم بالرغم من تراكمها لفترات تجاوزت في إحدى الحالات 12 سنة، مما يخالف دليل الإجراءات المالية، ولا يساعد على إلزام المشتركين بسداد المبالغ المستحقة عليهم. كشف تقرير أن حوالي 56% المتأخرات المستحقة للهيئة تجاوزت أعمارها السنة.

يستأجر بـ 7 ويدفع مليون
أشار التقرير إلى أن الشركة المستفيدة من المحجر الحكومي وقعت عقداً مع وزارة الاشغال والبلديات بقيمة 7.6 مليون دينار، إلا ان الشركة حوّلت مبلغ مليون دينار فقط من أصل المبلغ المتفق عليه أي ما نسبته 14% فقط من القيمة المقدرة بالعقد. فيما تخلفت الشركة المنتفعة بالمحجر الحكومي عن سداد 6.6 مليون دينار.

5 نواب فقراء
كشفت ملاحظات التقريرعن تلقي 5 من أعضاء مجلس النواب دعماً مالياً من وزارة التنمية الاجتماعية دون وجه حق. وبحسب التقرير فإن ضعف إجراءات التنسيق ما بين الوزارة والجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة، أدت لتلقي 11 عضواً بلدياً و500 من مدربي السياقة و123 من أصحاب مكاتب المحاماة، ذات الدعوم المالية.
وبيّن التقرير وجود حوالي 22 ألف مستفيد من المساعدات الاجتماعية مصنفين بحسب بيانات هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية كمتزوج أو مطلق أو أرمل، في حين لا توجد لهم أي سجلات في الجهة المعنية بتوثيق حالتهم الاجتماعية المتمثلة في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، بالإضافة إلى عدم تحديث الحالة الاجتماعية لبعض المستفيدين من المساعدات الاجتماعية في سجلات الهيئة وفقًا للتغيرات المسجلة في وزارة العدل، الأمر الذي لا يمكّن الوزارة من التحقق من صحة الحالة الاجتماعية لهؤلاء الأفراد، وقد يترتب عليه صرف المساعدات الاجتماعية لغير مستحقيها.

64 ألف عامل غير نظامي
أشار التقرير إلى وجود 64 ألف عامل غير نظامي في سوق العمل المحلي حتى 31 أكتوبر من العام الماضي. مشيراً إلى أن هيئة تنظيم سوق العمل لم تستجب لتوصية مجلس إدارتها بدراسة وتقييم نظام تصريح العمل المرن منذ بداية العمل به وإعداد تقرير بشأنه. وأكد التقرير على الحاجة إلى وضع وتنفيذ خطة وطنية لسوق العمل كل سنتين تتضمن الاستراتيجية والسياسة العامة بشأن تشغيل العمالة الوطنية والأجنبية، وذلك تماشياً مع أحكام الفقرة (أ) من المادة (4) من قانون تنظيم سوق العمل، ولضمان تماشي نظام التصريح المرن مع توجهات الدولة بشأن سوق العمل وأنه يأخذ في الاعتبار جميع الجوانب المتعلقة بتنفيذه والتي من شأنها زيادة فرص تحقيق أهدافه المنشودة. مشيراً إلى ان غياب دراسة وتقييم نظام تصريح العمل المرن، لا يمكن الهيئة من الوقوف على مدى تحقيق أهداف النظام وتحديد آلية اسباب تحول دون ذلك ومعالجتها.

الأدنى خليجياً
دعا التقرير إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي لمواجهة الأزمات التي قد تعيق استيراد المواد الغذائية والسلع الأساسية. وبين التقرير بأن نسبة الأمن الغذائي في البحرين بلغت حوالي 67% وهي بذلك تعتبر الأقل بالمقارنة بنظرائها في دول مجلس التعاون، والتي تتراوح نسبها بين 81% و68%، وفقا للمؤشر الدولي للأمن الغذائي لسنة 2019، كما تبين في هذا الخصوص أن نسبة الإنتاج المحلي من اللحوم والدواجن والبيض لا تغطي سوى نسبة 10% و48% و23% على التوالي من حجم الاستهلاك، الأمر الذي يشير إلى الحاجة إلى تعزيز مساهمة القطاع في الأمن الغذائي خلال السنوات القادمة.

90% قروض لبنك “التنمية” غير محصلة
أظهر التقرير أن القيمة الإجمالية للمتأخرات المستحقة لبنك البحرين للتنمية عن القروض بلغت حوالي 24 مليون دينار، 90% منها تخصّ قروضًا تخلف أصحابها عن السداد منذ فترة تجاوزت السنة. وأشار التقرير أن البنك لا يقوم بتقديم الشيكات المرتجعة لبعض المقترضين إلى مركز الشرطة، بالرغم من عدم استجابتهم ومرور فترات على توقفهم عن السداد وصلت في إحدى الحالات إلى قرابة 4 سنوات.
وذكر التقرير أن البنك لم يرفع دعاوى قضائية ضد أصحاب 553 قرضًا بلغت قيمة المتأخرات المستحقة عنها حوالي 13.5 مليون دينار كما في 29 فبراير 2020، تخلف أصحابها عن السداد لمدة تزيد على 90 يومًا، 96% من قيمتها مستحقة منذ أكثر من سنة.

اقرأ المزيد

غزال صغير في أزقة المحرّق

صبيحة يوم عيد مولده في الرّابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ردّ على بعض أصدقائه الذين اتصلوا به مهنئين، متمنين له طول العمر والصحة والعافية. كان صوته متعبا، لكنّه ردّ، وقد كتب أحدهم أنهما تحدثا عن مشاريع سفر، كما ورد في في صفحة طارق البحّار “هل سنسافر معا إلى مهرجان القاهرة والعين، أم سنؤجل بسبب كورونا؟”.
بالنسبة لمريض “سكلر” عاش حياته كلها جنبا إلى جنب مع المرض، لم يكن الخوف من الموت وارِدًا لديه، وإلاّ كان أجّل كل مشاريع حياته، ولم ينجز منها شيئا.. كل أمراضه مجتمعة لم تهزمه، ظلّ باسطا يديه وقلبه بالعطاءات السخية، إلى أن غادرنا في السادس من نوفمبر 2020 أي بعد يومين تماما من ذكرى مولده.
باكرا رحل هذا “الفريد” تاركا خلفه نتاجا ثريا، يحتار الأصحّاء كيف أنجزها ومتى، ومع هذا فقد أنجز الكثير في خلال حياته القصيرة هذه. كاتب وسيناريست ومنتج سينمائي، ورجل رقيق وشهم، وإنسان جدا، يا الله كم هو إنسان، ودعوني أبسّط لكم حجم خسارتنا التي لا تعوّض في فقيدنا النبيل، للذين لا يعرفون فريد عن قرب، أو الذين لم يسمعوا باسمه قبل اليوم. فبعض العظماء يولدون لحظة وفاتهم مولدا أبديا، وفريد منهم.
لكن هل يمكن تلخيص فاجعتنا؟ لقد جعلنا نعتقد على مدى سنوات أن الموت صديقه، فهو قريب منه، ولكنه لا يريد أذيّته. صدّقنا أنه قد يشارف على نهايته ويعود، وأنّه سيخرج من المستشفى بسيناريو جديد أو نص روائي، أو نصوص تحكي تجربته الخارقة وهو يقفز بين عتبات الموت مثل لاعب سيرك محترف. هذا الرجل الطيب بالوراثة، الخفيف الظلّ، الجميل الروح، غادرنا في “عام كورونا”، رحل مع كوكبة من العباقرة والشخصيات الأدبية، التي برعت في صنع المشهد الثقافي لأوطانها، وغادرت في صمت.
ربما ما يحدث اليوم بسبب فيروس كورونا، جعلنا نكره أن نحدّق في الموت، بل على العكس فنحن نحاول أن نتجنّبه، بهدف إخفائه، أو زواله وتنحيه جانبا. فقد فُرِض علينا أن نعيش حالة الحداد بشكل فردي وحميمي، بعيدا عن النظام الاجتماعي والجماعي الذي كان ساريَ المفعول، إلى أن كشّر كوفيد 19 عن أنيابه ووضعنا أمام حقيقة صادمة، إننا وحيدون في هذا العالم، مصائرنا الخطيرة نواجهها دائما بمفردنا، وأن كل تلك الجماعات والتجمعات التي ننتمي إليها وهم كبير. وها هو الموت يكشف كم نحن عُزّل من الدرع الجماعي الذي كنا نحتمي ونتباهى به في السابق.
في عزاء فريد رمضان الافتراضي، لفتت نظري “كتابة الحداد” التي رافقته، قرأت الكلمات التأبينية التي كتبها أصدقاؤه فيه، بعضهم ليسوا أكثر من أصدقاء فيسبوكيين لم يلتقوا به ولا مرة، ومع هذا أبدعوا في وداعه لغويا، بعواطف متأجّجة، وأساليب تعبيرية فاقت ربما أساليب من عايشوه. كتب كثر أنّه روائي البحرين الأول، بالتأكيد هو روائي كبير، ولكن هل قرأناه بالكمّ الذي يكفي؟ كتب أحدهم أيضا أن فريد رمضان سرقته السينما البحرينية، ولو أنّه أخلص للرواية أكثر، لما غطّته أسماء روائية أقلّ إبداعا منه، وهذا في نظري غير صحيح، فقد أخلص فريد لكل كلمة كتبها، سواء للسينما أو للسرديات. لكن مشكلة فريد أنّه لم يتخذ لا من الأدب ولا من السينما حصانا لبلوغ محطّة الأضواء. لقد كتب لأن الكتابة خلاصُه الوحيد مما كان يعيشه، إذ أنّ تجربته فريدة وموجعة مع المرض والإرهاق الجسدي المتكرر، لهذا كانت الكتابة صديقته، رفيقة عمره، وحبيبته، وإلاّ كيف اختارها في بلد عربي على أن تكون مورد رزقه؟ أي مغامرة مجنونة هذه التي خاضها؟ نندهش ونحن نسمعه يروي لنا حكايته مع الكتابة، ولعلّه رواها بعفوية كبيرة، بدون أي رغبة لإدهاش سامعيه، بدون أن يضيف ما قد يضفي عليها من صفات خارقة كالتي يعتمدها كُتّاب آخرون، إذ لم يخطر بباله أن رجلا يملك دماغا مبدعا وجسدا منهكا لا يمكن لأي مهنة أن تسعفه غير الكتابة. لقد كانت قدره الوحيد، مُنَزّلة إليه من السماء، فاستسلم لها وسلمها نفسه، لا خاضعا ولا راضخا، وإنّما مطمئنّاً.
في البحرين هو حبيبنا جميعا، هو المبدع المتّفق عليه كهمزة وصل لا جدال فيها بين أهل الثقافة والفن، حتى المتخاصمون يتفقون في محبته وإن أبقوا على خصوماتهم الشخصية. حصل على هذا الشّرف بدون أن يتملّق أحدا، وبدون أن يغيِّر في مواقفه لأجل فريق على حساب آخر، حتى أنّه لم يقف على الحياد، رفض أن يكون حياديا، مثل ظلال منتصف النهار موجودة وغير موجودة. كغصة في القلب ترمقني روايته «المحيط الإنكليزي» بحزن، فمنذ اقتنيتها وهي هنا، تنتظر دورها بين فوضاي التي تختلس مني أحيانا حرارة اللحظة ودفئها، أبرمجها، ثم أؤجلها بسبب مناسبات أدبية تفرض عليّ قراءات أخرى، وفي بالي أن فريد لا يلاحق أصدقاءه مُلِحّاً كي يقرأوه. لطالما سامح ببذخ لقد كان الأدب بالنسبة له مساحة طليقة، يمارس فيها الكاتب والقارئ معا حريتهما، وهذا ما يبني علاقة ود خفية بين الكاتب وقارئه. وهي من أجمل العلاقات التي تُولد من رحم الكتابة.
ما لفتني هو كل هذا الطلب على الرواية بعد غياب فريد، فقد وجدتني واحدة من بين عشرات المتلهفين لقراءتها، وتساءلت لماذا يولد بعض الكُتّاب بصيغة مختلفة لحظة موتهم؟ هل هي محاولة لاستعادتهم؟ أم إدراك متأخر بمدى أهميتهم؟ خلال تصفحي لتعليقات القراء المفجوعين في غيابه، كتب أحدهم: “أين كنتُ حين قرأ الجميع هذه الرواية؟”. وضعت له قلبا وأنا حزينة أكثر منه، وطرحت السؤال نفسه على نفسي.
في موضوع آخر كتب قارئ تعليقا عصف بي حتى شعرت بأني فقدت توازني: “هذا إعصار روائي! أكثر من أربعمئة صفحة بدون الشعور بالملل للحظة، حبكة رائعة، وشخصيات كثيرة تثير العجب والتفكير. موضوع الهوية والانتماءات المختلفة التي كونت الشعوب الخليجية كان لافتا جدا”.
ربما قلت لنفسي إنّها رواية السّاعة، وما أحوجنا إليها لنفهم تاريخنا الإنساني المتشابك، إذ لم يعد مقبولا أن نعيش مزيدا من الشتات ونحن ننتمي للجذور الإنسانية نفسها. صحيح أن الذين شيّعوا فريد رمضان إلى مثواه الأخير بكلماتهم التأبينية كشفوا أولا تقصيرهم تجاهه، فوضعوه في واجهة كانت محجوزة له طيلة السنوات الماضية، لكنها لم تمنح له تماماً، لكنهم أنصفوا أدبه بدون مبالغة في ذكر محاسنه.
ويبدو لي أن رواية “المحيط الإنكليزي” التي سكنت رفوف المكتبات منذ سنتين سيكون لها مصير آخر ما دامت قد خرجت للضوء بكل هذا الزخم التعبيري بشأنها.
لقد خاض فريد رمضان معاركه على الورق ضد الجهل الشرس الذي افترس العقول والضمائر. كان مراقبا رائعا لتاريخ البشر، وأدرك بنظرته الفلسفية العميقة كيف تتشكّل الجماعات، والقبائل، والأمم. وهذا ملخّص درسه الفلسفي ـ التاريخي الذي قدمه في أجمل أشكاله الإبداعية، متخذا الأدب والسينما سبيله النّاعمة لإيصال أفكاره العظيمة.
رحل ابن المحرق، ابن أجمل بقعة في البحرين، وقصيدتها النابضة عشقا، تاركا سحر عينيه المبتسمتين مطبوعا على أبوابه الخشبية الفائقة الجمال، وشوارعه الضيقة الشبيهة بشرايين القلب. يكاد الزائر للمكان يرى بصماته على كل شبر من حيطانه، يكاد يسمع وقع خطواته وهو عائد كل مساء، متفقدا أمكنته المفضلة.
يستحيل ألاّ يُرى الصبي الأسمر ذو العينين الضاحكتين وهو يركض خفيفا مثل غزال صغير خرج من أسطورة قديمة، وقد تخلّص أخيرا من كل أوجاعه التي جعلته يعبر إلى سنّ النضج منذ لحظة ولادته.

اقرأ المزيد

لا وعي المدينة

إِنْ كنا سنجد لا وعي الإنسان في أحلامهِ وفلتاتِ لسانهِ، والتّداعي الحُرّ لذكرياتهِ وتهويماتهِ أثناء الاسترخاء على أريكةِ المحلّل النفسي. فأين يمكنُ أن نجدَ لا وعي المدينة، الذي هو بطريقةٍ ما، يشكّلها ويدفعُ سلوكها رغم ندرة حضورهِ الظّاهر في الحياةِ اليوميّة؟.
إن الإنسانَ ليلجأ إلى جعل المكانِ مرآةً لما في نفسهِ من صراعاتٍ شديدةِ التجريد. لأنّه سيجدُ في الصِيغ المكانيّة مجازًا ووسيلةً للتعبير. فالبيتُ النموذجي كما حدّده “غاستون باشلار” يمكن أن نجدَ فيه القبو والعِليّة. حيثُ يصبحُ فيهِ القبو بالنسبةِ للإنسانِ في أحلامِ يقظتهِ بمثابة اللاوعي من حيث ارتباطهِ بالعالمِ السفليّ المُظلم بكائناتهِ الزّاحفةِ البطئيةِ الغامضة، وتكونُ العليّة فيهِ بمثابةِ الأنا الأعلى لارتباطها بالسقفِ والسماء. وقد استعارَ باشلار من المحلّل النفسي “كارل غوستاف يونغ” مثالاً عمّا يعنيه هروب الإنسان الحديثِ من عقده النفسيّة، أي هروبه من مواجهةِ لا وعيهِ: “مثلَ رجلٍ سمعَ صوتًا مريبًا في القبو فأسرعَ إلى العليّة، وحينَ لم يجد لصوصًا فيها قدّر أنّ ما سمعهُ مجرّد وهم. بينما في حقيقة الأمر، لم يجرؤ هذا الرجل على المجازفةِ بدخول القبو”. كي ما يوضّح فكرته عن اللاوعي، يستعمل “يونغ” هنا مجازًا مكانيًّا. فليس القبو الواقعيُّ سوى امتدادٍ لأحلامِ يقظتنا عنه، والتي هي لم تأتِ اعتباطًا، وإنما بتركيبٍ من تعامل الإنسانِ برغباتهِ ومخاوفه مع القبو الواقعي الذي يحملُ في حقيقتهِ ما يحفّز تلك المخاوف والرغبات.
ولو عُدنا إلى تجلياتِ هذا المفهوم في فيلم “الأم” في قراءةٍ أخرى، إذ يسرد الفيلم التاريخ الديني بطريقة رمزيّة وفق بيئة غربيّة معاصرة على طريقة رواية “أولاد حارتنا”، التي رمّزت التاريخ الديني ضمن البيئة المصريّة، بل من غير المعقول أن لا يكون مخرج الفيلم أو مؤلفه قد أطلع على تلك الرواية، لكنّ بينهما اختلافًا هامًا، فرواية نجيب محفوظ، محورها الرئيسي هو العدل والبحث عن الفردوس المفقود في عزبة الأب، بينما المحور الهام في الفيلم هو “العنف”.. قطرات الدم البسيطة كافية لأن تخترق أرضية الغرفة وصولاً إلى قبو البيت الذي يرمزإلى اللاوعي حيث عنف الطبيعة. هذا الدم غير قابل للتنظيف، وكل ما فعلته الممثلة “جينفر” التي ترمز للطبيعة الأم أن غطت بقعة الدّم بسجادة رقيقة. الفيلم يتخذ من “الأم” زاوية للنظر، بينما يمثل الشاعر، الممثل خافيير”الرب” الذي اتخذ من الغرفة العلويّة مقرًا لابداع نصوصه، تاركًا الجميع على هواه، فيما تقوم زوجته بكل الأعباء في تجديد البيت وتحمّل الضيوف المزعجين ـ أيْ البشرـ.
وإن كان اللاوعيُّ عند الإنسان يتشكّل من مكبوتاتهِ في الطفولة المبكّرة وغرائزه المقموعة، سيكونُ في المدينةِ أيضَا تجسيدٌ لكلّ هذا. وستعملُ المدينةُ الحديثةُ أيضَا، مثل ذلك الرجل في مثال “يونغ”، على الهربِ من لا وعيها بالذهابِ إلى العليّة. إذ ستقلّ فيها الأماكن المُظْلمة بفعل الإنارة، خصوصًا مع الانتقال من الإنارة بالمشاعل، إلى فوانيس الغاز، وصولاً إلى الكهرباء. الإنارةُ هنا تزدادُ حتّى تصلَ إلى كلّ الأماكن والأزقّة الضيقة.
وقد يبدو غريبًا أنْ أعتبرَ هذهِ الإنارة هروبًا. فبالطبعِ أدركُ ضرورتها العمليّة، بل وأثرها الاجتماعي الإيجابي، وأساس نشأتها الاقتصاديّة حيثُ أنّ أوّل ما تمّ إنارتهُ في مدينةِ باريس بفوانيس الغاز كانت الشوارعُ العريضةُ ذات المتاجر الكبيرة، وذلك لإطالةِ أمَد التسوّق. أدركُ هذا، ولكنّ هذهِ الإنارة تاتي ضمن سياقٍ أشمل في المدينة وهي تنمو مبتعدةً عن الطبيعة. فهل الليلُ الذي نعيشهُ الآن هو الليلُ الذي عاشهُ أجدادنا؟ إنّ ليلَ المدينةِ لا يثيرُ هواجس ميتافيزيقيّة كما كان يفعلُ ليلُ القرية القديمِ المليءِ بالألغاز والخرافات التي تتسلّل من الهدوءِ المُطبق عبر أصواتِ الحشرات، إلى مُخيّلة المعتكفِ في منزلهِ. وإن كان من شيءٍ سيثيرهُ ليلُ المدينة فهو الرّغباتُ التي تشعُّ من نيون يافطاتِ الإعلاناتِ على البنايات، أو المخاوف من غريبٍ مجهولٍ عندما نتمشي في ساعةٍ متأخرة في أماكن قليلة الروُّاد.
إنّ ارتباطَ فلسفة التنوير بباريس، وبعض المدن الأوروبيّة ترافقَ أيضًا مع الإنارةِ في الشوارع، في التباسٍ بينِ المعنيين. حين قَطعتْ تلكَ الفلسفة العلاقةَ بين ماضيها في القرون الوسطى، والتي تُسمّى مجازًا بالقرون المظلمة، هاربةً إلى “عليّة” العقل كي ما تُخضِع ضمن منطقها كلّ ما تعتبرهُ مُظلمًا وغامضّا وبدائيًّا. بدءًا من ماضي القرون الوسطى الذي سيتحوّل إلى مجرّد مادةٍ في المتحف حينَ تمّ إنشاؤه مع ولادة الدول الحديثة في الغرب، وليس انتهاءً باستعمار الشعوب في أسيا وأفريقا والأمريكيتين والتحكُّم بمقدراتها. تلكَ الشعوب التي تمثّل لا وعي المدينة الحديثة. ولذا سيكون من اللازمِ إخضاعُها ضمن المنطق الغربي.
أدركُ أنّ للأمرِ دوافعَ اقتصاديّة، ولكنّ الشّكل الذي كان يتّخذهُ تبريرُ الاستعمارِ هو ذريعةُ نشر قيمِ التحضّر. حيثُ لن يُسمحَ لتلكَ الشعوب إلا أن تكون مُقلّدة للمستعمر أو أن تعيش ضمن تراثٍ مُقلّم لهُ طقوسه الفلكوريّة التي تُدهش الغربيين، ولكن بعد نزعِ قيمتهِ الحقيقيّة. أليس هذا ما يحدثُ حين تحاول دولةٌ ناميّة، في الوقتِ الحاضرِ، أن تنشر موادَ إعلاميّة عن السياحةِ في بلدها. حيث ستقدّم لهم صورةَ الحداثة التي تقلّد الغرب، لكنّها ستقدّم التراثَ أيضَا بعد أن يتمّ تغطيتهُ بالشمعِ كي ما يصبحَ مادّة للفرجة يستطيعُ الآخر أن يتفاعل معها، أي بعد إضفاء الطابعِ الجماليّ عليه، ونزعِ أثرهِ الاجتماعي والنفسي والسياسي. هذا ما أعنيهِ بالهروب من قبو المدينة إلى عليّتها. فحين يذهبُ السّائحُ إلى مدينةٍ، لن يستطيعَ فهمها من خلال عروض الأزياء والرقصات، بقدر ما سيفهمها بذهابهِ إلى حيثُ لا زالتْ تلكَ الثقافة التي أنتجتها فاعلةً في بيئتها الحقيقيّة، والتي لن تكونَ مقدّمةً في بروشورات السياحة. إن رؤيةَ شجرة قد تعطينا تصورّا عن الغابة، لكنّها لن تمنحنا معنى العيش في غابة.
إن الابتعادّ عن الطبيعة، ذهنيًا وواقعيًّا، سيدفع الإنسانَ المتحضّر لاستدعائها أحيانًا إلى بيئته، ولكن في شكلٍ حديثُ مثل هندسة الحدائق. التي ستكونُ الغايةُ منها هي معايشةُ الطبيعة ولكن بعدَ نزع خاصيّتها الغامضة أو المثيرة للقلق لتكوّن مرتّبةً ومفهومة، خصوصًا حين يكونُ جُهد الإنسان واضحًا في هندستها.
كما أنّ طفولة المدينة، التي هي لا وعيها أيضَا، يمكنُ أن نراها في ريفها أو ضواحيها البائسة التي لم تلتحقَ كثيرًا بالتحديثِ، والتي قد تستبعدُ من الحضورِ الإعلامي في مدينةٍ نامية لتنتشر صور واجهاتِ المباني الفخمة. أو يتمُّ تأطيرهُ في السياحّة ليصبح غير حقيقيّ، تمامًا مثل دخولِ نفق الرعب في مدينة الملاهي. بما يمثّله من تجربةً زائفةً تهدف إلى الإثارة عبر استفزاز المخاوف، وليس عبر مواجهتها في الحقيقة. هكذا تصبحُ زيارةُ بعض الاماكن الشعبيّة المقترحةِ من وزاراتِ السياحة. أو الذهابِ في رحلةِ تخييمٍ في الصحراء، أو القيام بجولةِ لرؤية وحيد القرن في أفريقيّا.
إن أي زيارةٍ إلى مدينة، لن يكتمل فهمنا لها إن لم نذهب مناطقها الخلفيّة، أي إلى مكبوتاتها. كما أنّ غرائز المدينة سنجدها في الطبيعةِ التي شُيّدت فيها. أهي صحراءٌ أم غاباتٌ أم جبال. وقد تتمثّل المكبوتاتُ في الضواحي الفقيرة ذاتِ التوتراتِ الاجتماعيّة، والأزقّة الخلفيّة قليلةِ المارّة، والسجون، ومستشفياتِ المجانين.
فالحياةُ ما قبل المدنيّة، لم تكن تحدث فيها مثل التمايزات الحادّة بين العاقل والمجنون، الغني والفقير، الوجيه والشّقي. فجميعهم كانوا يعيشون ضمن فضاءٍ واحد. وكلّما تمّدن المجتمع، كلّما أقامَ مثل هذهِ التمايزاتِ الحادّة لفصل التفاعل الاجتماعي. حيث لن يروا بعضهم بعضًا إلا من التلصص من حلال زجاج التلفاز والهاتف.
ولذا سنجدُ أنّ نشوء أوّل “مستشفى للمجانين” في البحرين 1932م، كان قد سبقهُ بناء مؤسسات الدولة الحديثة. حيثُ كان تابعًا أول الأمر إلى بلديّة المنامة التي تمّ إنشاؤها في عام 1920م. فمنذ نشوء بلديّة المنامة سيتمُّ وضع عدّة تمايزات، من هو العاقل والمجنون، من هو البحريني وغير البحريني من خلال جوازات السفر بدءًا من عام 1937م. وسنجد في هذهِ الفترة، تحديدُ الأراضي، أماكن المنتزهات والحدائق، حتى تمّ انشاء حديثة للحيوان في منامة الخمسينات.
إن هذا التحديد من شروطِ المدنيّة، وأصل نشأتها، ولكنّ الثمن الذي يدفعهُ الإنسانُ ضريبةَ ذلك هو في ابتعادهِ عن اللاوعي، لكنّه سيتخذ أشكال جديدة من خلال الهروب.
فالإنسانُ البدائيُ أقربَ لأن يعيش حياة اللاوعي، كما وضّح فرويد وسمّاه طفولة العقل البشري، ولذلك يلجأ ذلك الإنسانُ إلى ابتكارِ الخرافاتِ والماورائيّات، عبادةِ الأسلاف، الطوطميّة وما إلى ذلك. وهنا لن يشكّ أي دارسٍ لعلم النفس بأن ذاتَ هذهِ العقليّة موجودة في المدن الحديثة، ولكنّها تبدو بمظاهر عقليّة. ولا أعني بذلك وجودها في هذا الفرد أو ذاك وحسب، وإنما هي موجودة في الأساطير التي ترويها المدن عن نفسها، وتنتج بها أشكالًا مختلفة من التعابيرِ الطقوسيّة. فحين اختفى عصر الرقص الجماعيّ الطقوسي، حلّت محلّها “حفلات الروك آند رول”، وما إلى ذلك مما يمكن تتبّعه. وفي حين كان البدائيُّ يعيشُ متناغمًا مع الطبيعة، حيث لا فصل بينه وبين الأشياءِ خارجه، والذي نسميّه نحن لا وعيًّا، ومبتكرًا لهُ رموزه التي تشكّل له لغةً في فهم العالم. لا زالت المجتمعاتُ الحديثةُ تعيشُ مطمئنّة بوهم عقلانيّتها. والتي سرعان ما تثبتُ هشاشتها حينَ يشتدُّ صراعُ الجماعات، أو في حينِ صعودِ نزعاتٍ فاشيّة.
كان البدائيُّ ينتجُ فنًّا يستطيعُ من خلالهِ أن يتطهّر نفسيًّا، وأن يشعر بوجودهِ يتحّقق من جديدٍ عبر تلك الطقوس فيما غدى الفنُّ الحديثُ يهدف إلى التسلية والإثارة. وهذا ما يعنيهِ الهروبُ إلى عليّة العقل. لأنّ الفصل بينَ ما هو وعي أو لا وعي، لم يكن ليوجد لولا تحقّق الوعي الذي هو أرفعُ من العقل الأداتي. ولذا سنجدُ أن المدنيّة الحديثة، كلما ابتعدتْ عن تحقيقِ الوعي، نحو العقل الأداتي. سترتدُ، أو ترتدُّ جموعٌ غفيرةٌ منها، نحو أفكار روحانيّة قديمة ترتدي لبوسًا حديثُا. أليس في هذا معنى انتشار كتبٍ شعبيّة مثل كتاب “السر” او انتشار الصوفيّة أو ألروحانيّة البوذية في المدن الغربيّة مع العولمة الرأسمالية، مثلما انتشر قبل ذلكَ التيّار الرومانسيّ مع الثورة الصناعيّة في القرن الثامن عشر.
ليس هذا دعوةٌ رومانسيّة للعودةِ إلى البدائيّة وإنما من أجل تكتشف المدينةُ لا وعيها من خلال فهمه ومواجهته، هو في دخول قبو المدينة (الرمزي)، وليس في هدمهِ أو اخضاعهِ أو وضعِ الإنارة الاصطناعيّة فيه حتى لتنتفي عنه صفة القبو. إن القبو الذي نلغي عنه صفة القبو، لن يختفي من وعينا تمامًا، وإنما ستبت بدلاً عنّه أقبيةٌ أخرى. أفلا تشكّل الحديقةُ الخلفيّة في منزلٍّ أمريكي خالٍ من القبو. ما يجعلها تشبهُ فكرة القبو؟. إن بحثنا المستمرّ عن تنوير الخارجِ ووضع الطبيعة تحت المجهر، لن يلغي الظلمةَ في النفس البشريّة، ولن يلغي المجهريات التي تعيش في ذواتنا. إنّه هروبُ للأمام.
ما لم تستطع المدينةُ أن تواجه خوفها المتجذّر من الموت، كما فعل جلجامش ببحثه عن زهرة الخلود، وكما تفعل المجتمعاتُ الحديثة بمسحِ أي أثر للشيخوخة عبر عملياتِ التجميل. حينَ لا تستطيع تقبّل فكرة الموت. فإن القبو سيظلّ موجودًا دائمًا. هذا الذي تحاولُ المدينة إبعادَه عن مجال وعيها. وهنا ستنتج المدينةُ أشياءَ عظيمة كي تمنحها صفة الخلود، لكنّ هذا الخلود سيُبْنى على الجماجم.

• من كتاب يصدر حديثًا: “المدينة والمدنيّة”.

اقرأ المزيد

قراءة أولية في تقرير 2019/2020

شكل التقرير الجديد يحدّ من الرقابة البرلمانية

تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية 2019/2020 هو رقم 18 في سلسلة تقارير الديوان، لكنه يأتي في ظلّ إدارة جديدة للديوان، لذلك يوجد في صيغته أوجه مغايرة عن التقارير السابقة.
من ناحية الشكل، يلاحظ أن التقرير الجديد قلص في حجمه، إذ إنه يبلغ 322 صفحة، بينما التقرير السابق 2018/2019 يقع في 881 صفحة. وقد لا يعود الفرق في الحجم فقط إلى تغيّر الإدارة فحسب، إذ يمكن إيعازه إلى جائحة الكورونا ومستجداتها التي شملت فترةً من الحيز الزمني للتقرير.
مـَـنْ يقارن أساليب العرض بين التقرير الجديد ونظرائه السابقين، يجد أن التقرير الجديد يكثر من استخدام وسائل العرض عن طريق الإفنجرافيك، وهي بالمناسبة وسائل عرض باتت تنتشر في التقارير والبيانات الرسمية سواء المخصصة للإعلام أو المعتمدة للعرض العام وفق قواعد الشفافية. هذه الطريقة مع بساطتها وتسهيلها المعلومة للمتلقي، إلا أنها لا تصلح لأن تُعتمد في البيانات الرسمية التي يحتاج المراقب فيها إلى تفصيل يسمح له بالتدقيق والمقارنة مع ما يصل إليه من معلومات وبيانات عبر وسائله الخاصة، خصوصاً إن كان هذا المراقب نائباً لديه صلاحيات رقابية يحركها نحو أداء الجهات التنفيذية، إذ أنه في هذه التفاصيل تكمن “شياطين” الفساد، وبدونها يعدم أو يتقهقر الدور الرقابي المؤمل.
في إطار المقارنة أيضاً بين الجديد والقديم يتضح أمر غاية في الأهمية، كانت التقارير السابقة تحوي ردود الجهات الحكومية على ملاحظات ديوان الرقابة وتعقيب هذا الأخير عليها إن لزم الأمر. هذا الإجراء غائب عن التقرير الجديد، إذ يكتفي بعرض المخالفة والتوصية.
إغفال رد الجهات الحكومية على المخالفات وتعقيب الديوان على الرد، يضعف الدور الرقابي لمجلس النواب الذي يضطر حينها إلى الاستفسار عن سبب المخالفات الواضحة في التقرير، مع العلم أن التقارير السابقة عندما تورد ردود الجهات وتعقيب الديوان عليها تعطي سنداً سياسياً في الرقابة البرلمانية على جدّية الإصلاح من عدمه عند الجهات محل الرصد والرقابة، وذلك عند تحريك الأدوات الرقابية المتاحة وخصوصاً السؤال البرلماني، ففي الغالب عندما يأتي رد الجهة على السؤال البرلماني قريباً أو مطابقاً مع ردها على الديوان الذي جزماً يعقب عليه، فإن النائب مقدّم السؤال يستشعر التهاون في الإصلاح وتلافي الخلل، على رغم أسبقية ملاحظة وتوصية وتعقيب الديوان. كل هذا يغيب في الشكل الجديد لتقرير الرقابة.
الملاحظات الآنف ذكرها، تدلل على أن التقارير السابقة أفضل في التفصيل من التقرير الجديد الذي يصاغ في ضوء الإدارة الجديدة للديوان، لذلك فإن أول ما يمكن البوح به هنا هو ضرورة إرجاع آلية العرض السابقة في التقارير الحاوية على التفصيل من رد وتعقيب، مع إبقاء الإنفجرافيك كعامل مساعد لاختصار التفصيل لمن أراد التلخيص، لا حذف الإطناب بداعي وجود القشور!
من ناحية الموضوع، فإن التقرير تناول في شقّ الرقابة المالية المشتملة على الحساب الختامي للسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2019، كل من الجهات التالية: وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، أمانة العاصمة، بلدية المنطقة الشمالية، بلدية المحرق، وزارة التربية والتعليم، وزارة الصحة، المجلس الأعلى للبيئة، وزارة الخارجية، وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف (شؤون العدل)، هيئة جودة التعليم والتدريب، وزارة الإسكان، هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية، هيئة الكهرباء والماء.
وعن رقابة أعمال الالتزام، فإن التقرير شمل الجهات التالية: هيئة الكهرباء والماء، إدارة الأوقاف الجعفرية، إدارة الأوقاف السنية، بنك اللحرين للتنمية، هيئة تنظيم سوق العمل، شركة طيران الخليج، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وزارة الصحة، وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، المجلس الأعلى للبيئة، هيئة جودة التعليم والتدريب.
وجاء فصل مستقل للرقابة على الجمعيات السياسية والملاحظات عليها.
مع كثرة الملاحظات التفصيلية التي يمكن الخوض فيها، إلا أنه اختصاراً لهذه العجالة يمكن إلقاء الضوء على موضوع يعتبر من مواضيع الساعة، وهو “نظام تصريح العمل المرن”. يجب القول بدايةً إن الخطة الوطنية لسوق العمل تعود إلى أكثر من 7 سنوات، أي أن آخر خطة وضعتها هيئة تنظيم سوق العمل كإستراتيجية وسياسة عامة بشأن تشغيل العمالة الوطنية والأجنبية تعود إلى يونيو 2012 وهذا مخالف لنص قانون سوق العمل ذاته وبالتحديد البند (أ) من المادة الرابعة الذي ينص على ضرورة وضع الخطة كل سنتين.
هنا يمكن القول إن نظام تصريح العمل المرن المطبق ابتداءً من 23 يوليو 2017 لم يأت على سند خطة واضحة تواكب مستجدات سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك فإن هيئة تنظيم سوق العمل أطلقت هذا النظام دون “أن تعقد مشاورات مع الجمهور والجهات المعنية”، وهذا مخالف لنص البند (ب) من المادة الخامسة في القانون، كما أن الهيئة حين أطلقت هذا البرنامج لم تحدد الفئات المستهدفة منه بشكل دقيق مما ساهم في تغير هذه الفئات، والنتيجة أن نسبة 58% من العمالة المستفيدة من هذا النظام لم تكن عمالة غير نظامية على عكس الهدف الذي أطلق البرنامج من أجله، وهو احتواء العمالة غير النظامية.
ويمكن هنا الإشارة إلى قرار الرئيس التنفيذي للهيئة رقم 17 لسنة 2017 الذي لم يحدد المهن غير التخصصية التي يمكن للعامل الأجنبي أن يزاولها، وهذا بلا شك يعطي العامل مساحة واسعة للتجاوز دون أن يكون هناك سند قانوني واضح لصد هذا التجاوز. الطامة الكبرى أن 96% من تصاريح العمل المرن أعطيت لمهن تزاولها العمالة الوطنية التي تبلغ فيها نحو 59 ألف عامل بحريني من المؤمن عليهم في القطاع الخاص لدى الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي. الطامة الأكبر أن الهيئة منحت التصريح المرن لعمالة أجنبية تعمل في مهن تخصصية كالطب والصيدلة والتمريض والهندسة ونظم المعلومات، وكذلك منحت التصريح لعمالة أجنبية لديها سجلات تجارية. وهذا كله مخالف لهدف البرنامج واشتراطاته.
ويجب الإشارة إلى أن الهيئة لم تضع آلية واضحة لمتابعة تصاريح العمل المرن، كما أنها لم تحدد فترة سماح واضحة لتأخير سداد الرسوم الشهرية ولا مدة واضحة لإلغاء التصريح عند تخلف السداد. وهو ما ساهم في تدمير السوق البحريني على عكس المؤمل منه.

اقرأ المزيد

أكان عليك أن تموت؟!

طوال الأسبوع الأول الذي تلى رحيله، وأنا أقول لنفسي سأكتب شيئاً عن فريد، ولكن ماذا عساني أكتب؟ قرأت معظم المقالات التي كتبها الأصدقاء عنه. أُعجبت بها كثيراً. كلما قراتها شعرت بعجزي أكثر إزاء أن اكتب شيئاً.
أذكر أني كنت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، أوائل سنوات عملي بوزارة التربية والتعليم في مبناها بمنطقة القضيبية، حيث كنا نعمل في إدارة العلاقات العامة والأنشطة التربوية (اسم الإدارة آنذاك)، كان فريد يأتي يأتي، أحياناً، لمقر عملنا ويطلع بعض الأصدقاء من زملاء العمل من الأدباء والفنانين على كتاباته.
ذات يوم هاتفني فريد من أجل ترتيب لقاء الأربعاء بأسرة الأدباء والكتاب. قال: ليس عبثا اخترتك أن تكوني معنا بلقاء الأربعاء،علمأ بأني لا أتذكر الآن من كان المنسق، ولكننا نلتقي مساء الأربعاء بمقر الأسرة، ثم أصبحتُ كلما كتبت شيئاً أُطلع فريد عليه. اطلع أولاً على الشعر ثم لاحقاً على السرد. أذكر حين أطلعته على قصة “بحجم القلب” قال: جميلة جداً ومكتملة، وقد ضمنتها، فيما بعد في مجموعتي القصصية: (أيام خديجة).
كنا نتبادل الإيميلات لأن الهاتف النقال لم يكن قد ظهر بعد. حين أرسل له قصة أو قصيدة أبقى في ترقب بانتظار رأيه.
آخر مرة التقيت فيها فريد في معرض الكتاب عام 2018، واذكر أنه حدثني، يومها، أن روايته (المحيط الإنجليزي) ستصدر قريباً، (صدرت في سبتمبر 2018 عن دار سؤال) وحضرت حينها حفل تدشين مجموعة زوجته أمل: (وقت ليس لي). تبادلنا، يومها، بعض الأحاديث المقتضبة. ورأيته آخر مرة عبر الفضاء الافتراضي حين أقامت له أسرة الأدباء لقاءاً عبر “زووم” عن الرواية نفسها.
قاسياً هذا الرحيل المباغت. أرسلت الصديقة فضيلة الموسوي عصر الجمعة 6 نوفمبر (فريد رمضان في ذمة الله)، كأننا كنا نياماً واستفقنا على لذعة ثعبان. توالت المسجات عبر مجموعة الواتساب تباعاً، الله يرحمه. وكتب احدهم، تحققوا من الخبر، هل الخبر صحيح؟.
كعادتنا لا نصدق أو لا نريد أن نصدق. رحت من فوري، أبحث في مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن هناك أي إشارة إلى رحيله، فأرسلتُ رسالة صوتية إلى الشاعرة فضيلة الموسوي استفسر منها. وأجابتني بمسج صوتي آخر: الخبر حديث جداً، ليس لدى أي تفاصيل.
كان نبأ رحيله صحيحاً للأسف. لماذا نحن في غفلة؟ لماذا نعيش المسلمات ونعتقد أن الأشياء السيئة لن تحدث لنا أو لأحبابنا.
كل شيء ممكن الحدوث. بعدها توالت “مسجات” التعزية، ومع حلول المساء نشر الخبر رسمياً في جريدتي (البلاد)، و(الوطن) وبقية الوسائل الإعلامية. إذاً فعلتها ورحلت يا فريد. ومنذ رحيله لم تتوقف المقالات عن فريد. ومازال هناك كم هائل في الطريق سيكتب أيضاً.
أكان عليك ان تموت يا فريد، لنعرف وتعرف مدى ومقدار حب الناس لك؟ أكان عليك أن تموت، لتتدفق كل هذه الكلمات الرائعة في صفاتك وخصالك، أكان عليك أن تموت، لنعرف وتعرف مكانتك في قلوبنا. أكان عليك أن تموت لنرثيك بكلمات دامعة. أكان عليك أن تموت لنشعر بفقدك كل يوم؟.

اقرأ المزيد

الرقابة المالية والادارية وصلاحيات مجلس النُوّاب

لا يخلو العمل في القطاع العام من المخالفات والتجاوزات والأخطاء وشبهات الفساد فهذه طبيعة العمل. الطبيعة البشرية تجعل مثل هذه الممارسات واقع يستوجب التعامل معها دون القبول بها. تنقسم المخالفات بشكل عام الى ثلاثة اقسام. مخالفات ناجمة عن قصور في المنظومة السياسية والادارية ومؤسساتها وسياساتها. ومخالفات نتيجة عدم التزام المسئولين بالانظمة. ومخالفات صادرة عن تصرفات واجراءات فردية، أو جراء تعاون مجموعة من الأشخاص، على مستويات مختلفة من المسئولية، لإخفاء آثار التجاوزات أوإلباسها لباساً شرعياً، وهذه حالة فساد صارخ وهو أخطر الأنواع خصوصاً، إذا تمتع بحماية من جهات نافذة. وكل من هذه الأنواع الثلاثة يحتاج إلى معالجات مختلفة.
المخالفات الواردة في تقارير ديوان الرقابة المالية والادارية في معظمها من النوع الاول والثاني ولم تكشف التقارير المنشورة عن اي تجاوزات من النوع الثالث.
يقول رئيس اللجنة المالية النائب محمود البحراني بأن اللجنة ستقوم بدراسة متأنية للمخالفات الواردة في التقرير وستقدم توصياتها للمجلس بأسرع ما يمكن، ويقول بأن الأمل كان معقوداً على تركيز التقرير على تجاوزات المناقصات وقضايا الفساد والتجهيزات الإدارية الكبرى، لكنه لم ير ذلك في التقرير. أما رئيس اللجنة السابق على اسحاقي فيرى أهمية التعامل مع التقرير بشكل مختلف؟ هذا الاختلاف ينحصر فقط في سرعة الانتهاء منه! لأن هناك ميزانية تنتظرهم لإقرارها، وهذا عائق إجرائي.
النائب أحمد السلوم يتمنى مستوى أعلى من الشفافية في التعامل مع المال العام. ويضيف بأن تقرير هذا العام قدّم توصيات نوعية تختلف عن سابقاتها، ويعد بأن اللجنة ستعمل على تفعيل المحاسبة والمساءلة لفرض الإلتزام. أما النائب أحمد العامر فإنه يبدو غير متفائل بمخرجات دراسة التقرير بسبب صعوبة القرار في أي الأدوات تستخدم مهنياً، وأن النواب غير ملزمين كأفراد بأي أداة برلمانية، ولا يوجد اتفاق على أي الأدوات أفضل. بعبارة اخرى لا يثق بقدرة المجلس في اتخاذ قرار. وهذا عائق بنيوي.
أظهرت تصريحات النواب صعوبات اجرائية، ومشاكل التزام، ومعوقات بنيوية تقف عائقاً في تفعيل الأدوات الدستورية. وتطرح أسئلة حول ماهو المانع في تفعيل الأدوات الدستورية سابقاً، ولماذا بعد أكثر من عقد من الزمن لا يطرح هذا السؤال في المجلس كمناقشة عامة علنية؟ وثانياً: لماذا لا توجد إرادة جمعية لتفعيل ماهو متاح من أدوات؟ وثالثاً: هل الأدوات الدستورية كافية لمعالجة التجاوزات؟ يعول رئيس اللجنة المالية النائب محمود البحراني على تقديم توصيات بشأن المخالفات والتجاوزات، ويشير إلى استخدام الأدوات الدستورية من قبل المجلس ككيان واحد.
هذه الادوات (المناقشة والسؤال والتحقيق والاستجواب) كانت متوفرة منذ بداية المجلس ولم تتمكن من معالجة التجاوزات، فكيف الحال الآن وقد تمّ اضعافها في البرلمان السابق والحالي؟
المجلس مطالب بإعادة النظر في هذه الأدوات ورفع قدرته على حماية المال العام، ليس فقط في الميزانية العامة ولكن في جميع ايرادات الدولة والأملاك العامة، أي المال العام بجميع مكوناته الثلاثة. كذلك هو مطالب بمراقبة أداء الحكومة في تحقيق أهداف التنمية ورفع مستوى المعيشة وعدالة توزيع الثروة وتكافؤ في تحمل الأعباء الضريبية التي أصبحت أمراً واقعاً. وبالتالي فإن السؤال هل مجلس النواب بأدواته الدستورية الحالية قادر على التعامل مع تحديات تحسين الأداء ومراقبة المخالفات المتعلقة بالميزانية العامة وإيرادات الدولة وأملاكها؟ أم نحن بحاجة إلى مؤسسات اضافية وسياسات أخرى ومقاربة مختلفة لقضايا المال العام؟
تُبرز المخالفات والتجاوزات في التقارير حاجة لأدوات بنيوية ودستورية لرفع كفاءة الرقابة. لكن الأهم هو تغيير في المجلس النيابي نفسه من حيث القانون الانتخابي لتعديل التركيبة في المجلس ليكون للجمعيات السياسية دور أكبر مع تمثيل أفضل لفئات المجتمع والطبقة العاملة والجمعيات المهنية وتقليل الدوائر الانتخابية إلى أقصى حد بما لا يزيد عن خمس، ورفع مستوى صلاحيات المجلس في المساءلة ضمن رؤية شاملة لتقوية المجلس بشكل عام.
حينها يمكن رفع مستوى الحوكمة والتدقيق الداخلي وإعادة تصميم بعض العمليات وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد. كل هذه المفاهيم وغيرها يمكن الإستفادة منها في طرح الحلول ضمن منظومة إدارية متكاملة منها: أولاً؛ انشاء جهاز تخطيط على مستوى الحكومة يضع أهداف بمشاركة مجتمعية ومؤشرات أداء متفق عليها مسبقاً، وتكون خاضعة للمساءلة. ثانيا؛ لا يمكن للمساءلة أن تؤتي نتائجها دون أن تتمتع المنظومة السياسية والإدارية بقدر من الشفافية تتيح للمجتمع متابعة أداء المؤسسات والوزارات والحكومة بشكل عام. غياب هذه الشفافية تؤدي إلى كثرة التكهنات وتعاظم الإتهامات وزيادة التشكيك في الإنجازات. ثالثاً؛ لكي تكون الشفافية فاعلة والمساءلة مؤثرة يتطلب الأمر توفر المعلومات وحرية التعبير في مناقشة الأداء والتقييم الموضوعي المبني على المعلومات الموثقة. رابعاً؛ في تقديم مقترحات الحلول يجب إدراك أن الغاية من الحوكمة ومن المنظومة السياسية والإدارية الفاعلة هي تحقيق الأهداف الاستراتيجية لتقدم وتنمية المجتمع سياسياً واقتصادياً وثقافياً ورفع مستوى الرفاهية للمواطن وضمان الأمن والاستقرار في الدولة.

اقرأ المزيد