المنشور

من سيربح الـ 40 مليون؟!

في الدورة البرلمانية السابقة ثار لغط وجدل طويل بين النواب حول مشروع منح موظفي الحكومة «بونس« أي مكافأة بمقدار مائة دينار تمنح مرة واحدة في العمر لمواجهة الغلاء، وتبارى النواب أو تبارزوا حول حجم «البونس« ولمن يعطى؟ هل لكل الموظفين أم لموظفي الدرجات الدنيا فقط (الجدول العمومي)؟ هل يشمل «البونس« القطاع الخاص أم يقتصر على القطاع العام؟ ويتذكر الجميع حينذاك ان هذه المبارزة بين النواب حول من يثبت أنه الأكثر غيرة على مصالح الشعب والأكثر تعبيرا عن هموم الناخبين المساكين، بما في ذلك أحوالهم المعيشية المتدهورة من جراء ثبات الأجور على حالها في مقابل الارتفاع الصاروخي المطرد في أسعار السلع الأساسية.. نقول يتذكر الجميع ان هذه المبارزة من مباراة «الظهور« استغرقت من مجلس النواب نحو عامين أو أكثر والمواطن الموعود بعسل «المائة دينار« التي لا تسمن ولا تغني من جوع قد شرب من كأس الانتظار الممل الجارح للكرامة حتى الثمالة، ولم يحسم الموضوع إلا بعد جهد جاهد وبعد اللتيا والتي ليقتصر «البونس« على موظفي الدرجات الدنيا في القطاع العام ودون ان يشمل القطاع الخاص. وهاهو ذا مثل هذا الجدل يتجدد بين نواب الدورة البرلمانية منذ أكثر من شهر، لكن هذه المرة ليس حول بونس «المائة دينار« الذي تقرر خلال الدورة السابقة منحه لموظفي الدرجات الدنيا والوسطى من القطاع العام مرة واحدة وأخيرة للأبد، بل حول مبلغ الـ 40 مليون دينار الذي خصصته الحكومة لدعم المواطنين لمواجهة موجات الارتفاع الجنوني في الاسعار المتعاقبة. وأثيرت هذه المرة أيضا، كالمرة السابقة، جملة من التساؤلات: لمن يقدم الدعم؟ لموظفي القطاع العام أم لموظفي كلا القطاعين العام والخاص؟ من يستحق الدعم ذوو الدرجات الدنيا في القطاعين فقط أم يشمل الجميع؟ ما نصيب كل موظف درجة دنيا من مبلغ الـ 40 مليون دينار المرصود وإلى متى سيستمر دفع هذا النصيب؟ وهكذا نجد سلسلة طويلة من التساؤلات التي لا تنتهي وجد كل النواب ضالتهم فيها للمبارزة على اثبات جدارتهم وإخلاصهم في تمثيل ناخبيهم المغلوب على أمرهم والمطحونين بنار الغلاء وهم يتفرجون على هذه المبارزة تحت قبة البرلمان ولسان حالهم يردد المثل الشعبي «شوط البطي على الجوعان طويل«.. ومع ان جدل الـ 40 مليون دينار، بدا وكأنه قد حسم سريعا في ضوء ما صدر مؤخرا عن اللجنة الوزارية ــ النيابية المعنية بوضع آليات تحديد أوجه صرف المبلغ، الذي تقرر بأنه يشمل القطاعين العام والخاص والمتقاعدين والأسر المسجلة لدى وزارة التنمية الاجتماعية وأصحاب المهن الحرة، على أن تكون العلاوة 50 دينارا فقط لكل رب أسرة دخله 1500 دينار مدة عام واحد فقط، وانه يحق لمن يزيد دخله عن الـ 1500 دينار أن يتظلم إذا كان يتحمل «أعباء اضافية« لا يستطيع من خلالها مواجهة الغلاء.. إلا ان ثمة جملة من التساؤلات تثور وتفرض نفسها هنا أيضا: هل الـ 50 دينارا قادرة حقا على مساعدة المواطنين، ولاسيما المعدمون منهم وذوو الدخل المحدود على مواجهة الغلاء؟ ثم ماذا بعد انتهاء سنة الدعم المحددة بالعام الجاري؟ هل ستتوقف موجة الغلاء بنهاية السنة؟ على أي أساس وضع معيار سقف دخل الـ 1500 دينار حدا أقصى لمستحقي الدعم؟ ألا يشكل ذلك اعترافا ضمنيا بأن راتب الـ 1500 دينار هو الحد الأدنى لمواجهة متطلبات الحياة المعيشية للمواطن في الوقت الذي مازالت الكثير من مؤسسات القطاع الخاص تستنكف حتى الآن عن رفع رواتب عمالها وموظفيها إلى مائتي دينار؟ ثم ما هي المعايير التي يتم بموجبها على نحو موضوعي ونزيه تحديد من يستحقون الدعم لمن رواتبهم تزيد على الـ 1500 دينار بناء على تظلماتهم بأنهم يتحملون «أعباء اضافية« لا يستطيعون من خلالها مواجهة موجة الغلاء؟ وهل الأعباء التي يواجهها ذوو المرتبات التي تقل عن مائتي دينار ليمنحوا 50 دينارا هي بحجم من مرتباتهم الـ 1500 دينار ليتساووا في حصة الدعم الخمسينية؟ ثم ماذا عن حكاية شمول الدعم أصحاب المهن الحرة؟ هل الدعم يشمل أصحاب المهن الحرة على اختلاف شرائحهم وفئاتهم الكبيرة والصغيرة؟ وهل من العدالة بمكان ان تقاسم الشرائح الكبيرة من أصحاب المهن الحرة فئات ذوي الدخل المحدود هذا المبلغ الشحيح بدلا من أن يقتصر عليهم وعلى ذوي الدخول المتوسطة في أحسن الفروض؟ وما ينطبق على الشرائح والفئات العليا من أصحاب المهن الحرة ينسحب على موظفي القطاعين العام والخاص الذين تزيد مرتباتهم عن الألف دينار. فما بالنا وان الدعم سيشمل من مرتباتهم 1500 دينار بل وحتى ممن تزيد عن 1500 دينار اذا ما أثبتوا انهم يواجهون «أعباء اضافية«! ثم كيف يمكن تحديد هذه الأعباء الاضافية؟ هل هي مثلا ديون واجبة السداد على من تزيد مرتباتهم عن الـ 1500 دينار؟ هل بالنظر الى ان بعضهم متزوج من أكثر من زوجة مثلا وكل منها لها عدة أولاد؟ وهكذا كما نرى لئن استطاع المتجادلون حول الـ 40 مليون دينار حسم جدلهم في كيفية توزيع المبلغ على نحو أسرع من نواب الدورة السابقة حول «بونس المائة دينار« وليسجل لهم أيضا شمول الدعم كلا القطاعين العام والخاص وفئات أخرى ليس من بينها العاطلون عن العمل، فإنهم تركوا سلسلة طويلة من التساؤلات الحائرة من دون إجابات حاسمة واضحة. وهذه الإجابات هي وحدها التي ستقرر من سيربح حقا الـ 40 مليون دينار.. هل هم المواطنون المستحقون حقا الدعم؟ أم تشاركهم في المبلغ وعلى حساب تقليص نصيبهم فيه فئات وشرائح لا تستحق الدعم البتة؟! وأيا كان الأمر يبقى في النهاية الرابح الأكبر للـ 40 مليون دينار هم التجار الجشعون الذين سيسارعون إلى اطلاق موجات جديدة من رفع الأسعار بمجرد تسلم «الغلابة« هذا المبلغ الضئيل الـ 50 دينارا.
 
صحيفة اخبار الخليج
10 فبراير 2008

اقرأ المزيد

حزن في‮ ‬الليل وذل في‮ ‬النهار

كثيرون هم من قالوا وتحدثوا وكتبوا عن الفقر،‮ ‬ولكن استوقفتني‮ ‬تلك العبارة التي‮ ‬وصفت الفقر بأنه حزن في‮ ‬الليل وذل في‮ ‬النهار،‮ ‬يا ترى كم حزينٍ‮ ‬عندنا وذليلٍ،‮ ‬وكم هم الذين‮ ‬يشقون ويتعبون لتأمين قوت عيالهم شهراً‮ ‬كاملاً،‮ ‬إلا ان الأيام العشرة الأولى من الشهر كافية لتقول للراتب مع السلامة‮!‬
لن احلم بدولة أفلاطون،‮ ‬تلك التي‮ ‬لم تتحقق وبقيت حلما في‮ ‬أذهان الناس فقط،‮ ‬يرنو لها كل فقير للعيش فيها،‮ ‬ويتنعم بخيراتها،‮ ‬ليذهب عنه الذل والحزن،‮ ‬ولكن ما اطلبه هو قليل من التوقف أمام ثروتنا الوطنية التي‮ ‬هي‮ ‬ثروة للإنسان بالدرجة الأولى،‮ ‬فكل الثروات لا تعادل قيمة الإنسان،‮ ‬وما أعظمه الإنسان في‮ ‬بلدنا ذلك المواطن البحريني‮ ‬الصبور المتفاني،‮ ‬الأصيل المتعفف عن فتح فيه والإفصاح عن ما به من حزن‮.‬
تجده‮ ‬يشكر من‮ ‬يحس بفقره،‮ ‬ويدعم ويساند من‮ ‬يريد ان‮ ‬يطور وينمي‮ ‬اقتصاده،‮ ‬لذلك اشرأبت أعناق المواطنين جميعاً‮ ‬بما جرى من تبادل رسائل ذات مضامين كبيرة بين القيادة السياسية،‮ ‬لأنها أحست أن هناك من‮ ‬يسمع لها بان ضعفاً‮ ‬في‮ ‬أداء بعض الأجهزة والمؤسسات،‮ ‬يعيق التنمية الاقتصادية،‮ ‬التي‮ ‬يجب ان‮ ‬يحس المواطن البسيط بانعكاساتها عليه،‮ ‬لا ان‮ ‬يتحسر كلما مر بناطحة سحاب وبأبراج المباني،‮ ‬وبيته آيل للسقوط،‮ ‬ينتظر أشهرا طويلة ليبت في‮ ‬أمره المجلس البلدي‮.‬
ما ندعو له هو ان تنفتح جميع المؤسسات الدستورية وتتكاتف في‮ ‬رفع العوز عن المواطن،‮ ‬وهنا‮ ‬يستوقني‮ ‬أيضا ما قدمته الحكومة من ‮٠٤ ‬مليون دينار لمساعدة المواطنين في‮ ‬مواجهة أزمة الغلاء،‮ ‬وتلك خطوة تستحق الشكر وإن كانت ‮٠٥ ‬دينارا للأسرة الواحدة لا تكفي‮.‬
ولكن‮ ‬يقال ان الشكر مرتبط بالزيادة،‮ ‬فلا حرج ان طالبنا الدولة بتضمين ميزانية ‮٨٠٠٢/٩٠٠٢ ‬التي‮ ‬سيناقشها مجلس النواب،‮ ‬اعتمادا ماليا لمساعدة المواطنين في‮ ‬تيسير حياتهم المعيشية الصعبة،‮ ‬في‮ ‬ظل ميزانية مريحة جداً‮ ‬وفائض مالي‮ ‬كبير،‮ ‬وشعبنا‮ ‬يستحق الكثير‮.. ‬

صحيفة الايام
10 فبراير 2008

اقرأ المزيد

جذوة لا تنطفئ

حتى زمن قريب جدا كان الاعتقاد الشائع لدى دعاة التغيير والحركات الاجتماعية والسياسية التي‮ ‬انطلقت للعمل في‮ ‬سبيل مستقبل أفضل،‮ ‬أن التاريخ‮ ‬يتحرك قدما وصعودا إلى الأمام في‮ ‬مسار تقدمي‮ ‬لاريب فيه‮.‬ لكن من‮ ‬يتأمل حصيلة العقود الأخيرة سيلاحظ أنها في‮ ‬المجمل حصيلة سيئة،‮ ‬فعهد التغييرات العاصفة ولى،‮ ‬وإذا كان لم‮ ‬يولِ‮ ‬فإن التغييرات العاصفة التي‮ ‬نشهدها لا تذهب بنا إلى الأمام إذا ما حاكمنا الأمور من زاوية القيم التي‮ ‬تنشدها البشرية في‮ ‬إشاعة العدالة والحق‮.‬ ورغم ما‮ ‬يحققه العالم من اكتشافات علمية ويشهده من ثورة في‮ ‬الاتصالات وتقريب المسافات بين أرجاء الكوكب،‮ ‬ونشوء ثقافة جامعة في‮ ‬الكثير من مفرداتها للبشر،‮ ‬فإن الشقة بين الشمال والجنوب إلى ازدياد،‮ ‬ورغم الاستنزاف‮ ‬غير العقلاني‮ ‬لثروات الأرض تتفاقم مشاكل الفقر والمجاعة والتشرد وتستعصي‮ ‬على الحل‮.‬ في‮ ‬الوقت الراهن تخضع للمراجعة،‮ ‬لا بل والمساءلة،‮ ‬المذاهب الفلسفية التي‮ ‬روجت لليقين بأن التاريخ لا‮ ‬يرجع القهقرى أبداً،‮ ‬وأن المستقبل هو بالضرورة أفضل من الحاضر فضلاً‮ ‬عن الماضي‮.‬ ولم تكتف هذه المذاهب بذلك،‮ ‬فإذا ما حدث أن توالت أحداث ذات دلالات سلبية تؤثر في‮ ‬مصداقية هذا اليقين،‮ ‬كان رد أصحابها الجاهز أن التاريخ إذ‮ ‬يسير قدماً‮ ‬إلى الأمام فإنه لا‮ ‬يسير وفق خط مستقيم وإنما عبر تعرجات ولكنها،‮ ‬رغم ذلك،‮ ‬تفضي‮ ‬إلى المستقبل الزاهر‮.‬ إلا أن مطالع القرن الحادي‮ ‬والعشرين التي‮ ‬نعيشها اليوم تبدو كأنها تنتقم من مطالع القرن السابق،‮ ‬فإذا بأفكار التغيير والتحول والاندفاع الواثق إلى الأمام على خلفية الفلسفات الكبرى تتراجع لمصلحة نزعة تشاؤمية تنطلق من التراجعات التي‮ ‬شهدها العالم،‮ ‬لتقول إن دورة التاريخ دائرية تعود لنقطة البدء ولا تفضي‮ ‬إلى الأمام‮.‬ أما البراغماتية الفلسفية فوجدت فيما حدث ضالتها لتبشر بنهاية التاريخ بالانتصار المؤزر لليبرالية الرأسمالية،‮ ‬ولتشيع ما‮ ‬يمكن أن ندعوه ثقافة الاستسلام للأمر الواقع‮.‬ لكن جذوة الرفض حتى وإن توارى لهبها حتى تأثير ما جرى من انتكاسات،‮ ‬تبدو عصية على الانطفاء،‮ ‬لأن ما في‮ ‬هذا العالم الجائر من مظالم كفيل بإشعال أوراها من جديد،‮ ‬وربما بقوة‮ ‬غير مسبوقة‮.‬
 
صحيفة الايام
10 فبراير 2008

اقرأ المزيد

الأب والابن حلقة تاريخية واحدة

اعتادت الولايات المتحدة منذ حرب فيتنام،‮ ‬بتعاقب ونوع حكوماتها ورؤسائها،‮ ‬تظاهرات احتجاج قوية منددة لسياستها الخارجية،‮ ‬غير أن قبل تلك الحقبة لم تكن التظاهرات المناهضة كظاهرة دولية بارزة،‮ ‬بينما شهدت الشوارع الأمريكية وولاياتها تظاهرات مختلفة منذ منتصف التسعينات من القرن التاسع عشر،‮ ‬حيث اشتعلت الحركات النقابية والسياسية والمدنية،‮ ‬أهمها كان الاحتجاج المدني‮ ‬الكبير الذي‮ ‬قاده مارتن لوثر كنغ‮.‬
‮ ‬في‮ ‬مثل هذه الحقبة‮ – ‬قبلها وبعدها‮ – ‬ظلت الشوارع الأمريكية تشهد نمطا من الاحتجاجات قبلتها الذهنية والثقافة الأمريكية أكثر من ثقافة أي‮ ‬مجتمع نام أو دول توتاليتارية،‮ ‬فهناك قناعة تامة في‮ ‬الديمقراطية الأمريكية أن الاحتجاج السلمي‮ ‬والشرعي‮ ‬والقانوني‮ ‬حق من حقوق المجتمع المدني‮ ‬دستوريا،‮ ‬غير أنها لن تتساهل مع أي‮ ‬نوع من الاحتجاج العنيف والمؤدي‮ ‬إلى زعزعة الاستقرار،‮ ‬لهذا تعاملت المؤسسات المالية والاحتكارية والأمنية مع حركة مارتن لوثر كنغ‮ ‬بطريقتها الغامضة ولم تحل ألغازها حتى‮ ‬يومنا هذا،‮ ‬وضاعت الملفات في‮ ‬الدهاليز والملفات‮. ‬
بين فترتين هي‮ ‬فترة الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام،‮ ‬بدأ العالم الخارجي‮ ‬يتعرف أكثر على تلك القوة العالمية الجديدة،‮ ‬بالرغم من كونها كانت حاضرة قبل ذلك بوقت طويل من النواحي‮ ‬السياسية والعسكرية والاقتصادية،‮ ‬لكن سكان الشرق الأوسط وشعوبها تعرف بشكل أوسع على تلك القوة عندما بدأت أساطيلها ونفوذها وقوتها تبرز بشكل اكبر،‮ ‬أولا من حيث تدخلها في‮ ‬سياسات المنطقة،‮ ‬وثانيا اتساع رقعتها الاقتصادية في‮ ‬نفط منطقة الخليج،‮ ‬الذي‮ ‬اجتاز حدود جغرافية إيران‮. ‬
في‮ ‬هذه الفترة ستبدو الحرب بالباردة ساخنة في‮ ‬تربة الشرق الأوسط بشكل عام وفي‮ ‬تربة العالم العربي‮ ‬بشكل خاص،‮ ‬حيث سيكتشف العرب أن الولايات المتحدة لم تكن‮ ‬غائبة عن الصورة أثناء تقسيم فلسطين،‮ ‬وان أمريكا كانت لاعبا أساسيا في‮ ‬بناء دولة إسرائيل،‮ ‬ولكنها فضلت أن تكون خلف المسرح تاركة لفرنسا وبريطانيا الصعود والمواجهة المباشرة‮. ‬يومها لم‮ ‬يكشف النقاب عن دور الولايات المتحدة ولم تترجم الوثائق،‮ ‬فمات ذلك الجيل‮ ‬يلعن فقط من كانوا أمامه‮ ‬يمثلون الدور الوسيط بين العرب واليهود،‮ ‬بل ومات ذلك الجيل‮ ‬يسب القادة العرب لأنهم منحوه سلاحا مغشوشا،‮ ‬ثم اكتشفنا أنها حكاية مصطنعة ولم تحدث بالشكل الذي‮ ‬تم تضخيمه‮. ‬
ورثنا نحن أبناء أولئك المحبطين المنهزمين إرثا من الكراهية التاريخية للغرب وتحديدا للدول الاستعمارية،‮ ‬حتى كدنا نخلط ما بين الشعوب والأنظمة وما بين الأنظمة والإدارات‮ !! ‬وتعززت تلك الروح في‮ ‬تربتنا فصار الغرب بكل منظماته المدنية والمجتمعية وشعوبه أعداء لنا،‮ ‬ثم اكتشفنا جزءا من تلك الحقيقة،‮ ‬ولازلنا نجهل البقية مما‮ ‬يدور في‮ ‬تلك البلدان وطبيعتها وسلوكياتها والأولويات لديها،‮ ‬ومستوى وعيها الاجتماعي‮ ‬والسياسي،‮ ‬وعلتنا نحن في‮ ‬استيعاب مستويات الصراع المعقد في‮ ‬بنية النظام الرأسمالي‮ ‬الجديد لمرحلة العولمة أو ما بعد انهيار القطبية،‮ ‬بل وصرنا نجهل الإجابة عن أسئلة محددة،‮ ‬كيف نقنع الآخر بنا؟ وأين المسافة المفقودة بين الشعوب؟ وهل نحن قادرون كمنظمات ومجتمع مدني‮ ‬الوصول إليهم في‮ ‬ظل ذهنيات معادية وعدمية وفوضوية ومتطرفة لكل ما هو قادم من تلك الضفة بما فيها الضفة الأمريكية؟
‮ ‬وبتجارب حية نعيشها في‮ ‬منطقتنا لن تجد شخصا متحمسا لك عندما تقول له لدي‮ ‬أصدقاء أمريكيون‮. ‬ففي‮ ‬الحال سيصاب بقشعريرة كهربائية،‮ ‬وكأنك جئت لتوك من البنتاغون أو تجمعات مشبوهة‮. ‬هكذا كان‮ – ‬احد المثقفين الكويتيين‮ – ‬كان مرتبكا في‮ ‬قبرص عندما قال لأحد الأصدقاء البحرينيين،‮ ‬لا اعرف ماذا افعل لبلادي‮ ‬في‮ ‬حالة‮ ‬غزو العراق للكويت؟،‮ ‬فقال له لو كنت محلك لطرقت باب السفارة الأمريكية،‮ ‬فأجابه الصديق الكويتي‮ ‬باندهاش وتعجب‮ »‬أنا اضرب باب السفارة الأمريكية‮« ‬وكادت عيناه تخرج من محجريهما‮. ‬مرت الشهور وكانت الولايات المتحدة هي‮ ‬القوة الحقيقية التي‮ ‬منحت شعب الكويت الحرية،‮ ‬نعم الحرية بعد أن كاد‮ ‬يضيع ويتشرد،‮ ‬ولن تنفعه ثروته المودعة في‮ ‬البنوك إلا لوقت قصير،‮ ‬ولن تنفعه جعجعة ولا ثوروية الإخوة العرب ولا مزايدات الأنظمة،‮ ‬ولن تنفع كل أشكال الشتائم والكراهية،‮ ‬ولم‮ ‬يعرف مرارة الغزو إلا أهلها وشعبها ولم‮ ‬يستعذب التحرير إلا أهلها أيضا،‮ ‬وليس المهم أن‮ ‬يكون المحررون شركاء في‮ ‬الثروة أو حتى أن‮ ‬يكون لهم بعض الإملاءات التي‮ ‬تفرضها ضرورات الوضع،‮ ‬عندما تجد دول صغيرة كبلدان الخليج نفسها مهددة إقليميا بدول أقوى منها ديمغرافيا وعسكريا،‮ ‬وتقلقها سلوكيات تلك البلدان،‮ ‬مما‮ ‬يجعل الأنظمة الخليجية أكثر قناعة بأن الارتباط بحلفاء تقليديين أفضل من الوقوف مع دول لا‮ ‬يعرف الساسة تقلباتها ولا رياحها أين تستقر‮. ‬
ومع ذلك لا‮ ‬يلغي‮ ‬ذلك حقيقة أن فكرة السلام وحسن الجوار والتوازن السياسي‮ ‬بين الجميع مهمة دائما،‮ ‬غير أن السؤال هو لحظة الانعطاف ماذا نعمل بمصائرنا في‮ ‬حال اندفاع الطوفان إلى حدودنا؟ من هنا نفهم قلق شعوب المنطقة وقادتها من توتراتها المقبلة والمحتملة،‮ ‬والى أهمية أن تكون الولايات المتحدة لاعبا سياسيا في‮ ‬درء خطر الحرب وليس قوة تفتش عن وسائل من اجل إشعال ذلك الفتيل‮. ‬
لهذا تأتي‮ ‬زيارة بوش الابن كزيارة تاريخية في‮ ‬هذا الاتجاه،‮ ‬لتذكرنا بزمن بوش الأب،‮ ‬فقد جاء الأب للمنطقة مع مجد التحرير وعاد الابن لها في‮ ‬قمة التوتر بين إيران والولايات المتحدة،‮ ‬حول ملفها النووي،‮ ‬جاء الأب لكي‮ ‬يرسم لمشروع العراق المنهار وليأتي‮ ‬الابن ليزيح ذلك الكابوس الذي‮ ‬غزا الكويت،‮ ‬فكان الابن سلسلة مكملة لمشروع الأب،‮ ‬لتواصل السياسة الأمريكية نهج الزعماء الأوائل،‮ ‬بأن منطقة الخليج منطقة لا‮ ‬يمكن السماح بالتلاعب بها‮.‬
 
صحيفة الايام
10 فبراير 2008

اقرأ المزيد

المجلس الاقتصادي‮ ‬للتنمية‮.. ‬كشف الخلل وطريقة التمويل

 هذا الجهاز الحيوي‮ ‬الذي‮ ‬ستؤول الاعتمادات إليه في‮ ‬المستقبل هو المجلس الاقتصادي‮ ‬للتنمية الذي‮ ‬يشرف عليه ولي‮ ‬العهد،‮ ‬وهو حديث اليوم،‮ ‬المجلس متطور في‮ ‬الموازنة والقدرة على‮  ‬كشف الخلل وطريقة التمويل،‮ ‬مصمم في‮ ‬عمله على الطريقة الحديثة،‮ ‬لكي‮ ‬يقوم بدوره الفعال‮  ‬في‮ ‬القيام بدراسة المشاريع الاجتماعية والاقتصادية قبل البت فيها،‮ ‬والمجلس الاقتصادي‮ ‬وجد بسبب تأخر المشاريع التي‮ ‬أصبحت كل وزارة ترمي‮ ‬بأسباب تأخرها عن إنجاز المشروع على الوزارة الأخرى‮..  ‬
فمثلاً‮: ‬مشروع الصرف الصحي‮ ‬كان من المفترض أن‮ ‬يدرس قبل الشروع فيه،‮ ‬فقد خسرت عليه الدولة ملايين الدنانير وعندما رأى نور الشمس اتضح أنه ليس مدروساً‮ ‬من قبل الشركة التي‮ ‬أسند إليها سواء في‮ ‬طريقة صرف نواتج المعالجة أو كيفية التخلص منها،‮ ‬ونجم عن نواتج الصرف تلوث خليج توبلي‮.. ‬فلو أن هناك دراسة مسبقة قبل الشروع فيه لتفادت الحكومة المصاريف الجديدة التي‮ ‬ستصرفها من جديد على خليج توبلي‮ ‬لتنظيفه،‮ ‬وحماية المجتمع من التلوث،‮ ‬وهناك كثير من المشاريع عملت بشكل عفوي‮ ‬وصارت عواقبها وخيمة وتحتاج إلى إصلاح‮ ‬يكلف مبالغ‮ ‬بحجم المشروع نفسه‮..‬
هناك وزراء مخلصين للمشروع الإصلاحي‮ ‬للملك ولكن الإخلاص وحده ليس كافياً‮ ‬كما أن النية الصادقة لا تكفي‮ ‬أيضاً‮ ‬لمواجهة مشاريع ضخمة بهذا المستوى أو ذاك‮.. ‬ليس هذا تشكيك في‮ ‬عمل وإخلاص أي‮ ‬وزيرأو هيئة أو لجنة ولكن السرعة ودقة الإنجاز هي‮ ‬المطلوبة‮.. ‬كل النوايا حسنة‮.. ‬وكل الجهود قيمة‮.. ‬لكن الوضع‮ ‬يتطلب منا جميعاً‮ ‬أن نربطه بالزمان والمكان‮.. ‬فاليوم عدد السكان‮  ‬ازداد إلى الضعف‮ (‬حوالي‮ ‬مليون‮)‬،‮ ‬والتفكير في‮ ‬مطالب‮  ‬الأجيال الجديدة التي‮ ‬تحتاج إلى عدد مضاعف من المدارس والشقق السكنية والشوارع والطرقات والمباني‮ ‬والأسواق،‮ ‬وأيضاً‮ ‬الملاعب والحضانات‮.. ‬كل ذلك‮ ‬يحتاج إلى إنجاز سريع وجديد‮ . ‬يضاهي‮ ‬عشرات المرات سرعة الإنجاز التي‮ ‬تقوم بها الوزارات‮ ‬
اليوم،‮ ‬علماً‮ ‬بأن الإنجاز السريع‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى ارتفاع دخل الفرد ودخل الوطن،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يعرف بالتنمية الاقتصادية التي‮ ‬تختصر مراحل كثيرة،‮ ‬وتسد الثغرات التي‮ ‬يمكن أن تنجم عن فساد اقتصادي‮ ‬سواء تأخر في‮ ‬الوقت أو في‮ ‬موعد التنفيد‮. ‬
نحن نمتلك،‮ ‬كشعب ووطن جميع البنى التحتية التي‮ ‬تؤهلنا لكي‮ ‬ننافس الشعوب المتقدمة الأخرى على سبيل المثال أبو ظبي‮.. ‬نحن نمتلك شعباً‮ ‬طيباً‮ ‬محباً‮ ‬للعمل والعلم لكنه مازال‮ ‬يراوح مكانه،‮ ‬فمن المفترض أن نستغل هذه المعطيات،‮ ‬ونبدأ بالإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج،‮ ‬دبي‮ ‬ليست أفضل من البحرين،‮ ‬لكن الانطلاقة هي‮ ‬التي‮ ‬صنعت من دبي‮ ‬معجزة،‮ ‬والمفترض أن تكون هذه المعجزة من نصيب البحرين أيضاً،‮ ‬فالعطاءات أكبر بكثير‮.. ‬وبالمقارنة فإن وضع البحرين في‮ ‬الإنجاز ضعيف جداً‮ ‬نسبة إلى الإمارات لأننا نخاف من التغيير،‮ ‬والمجاملة وبوس اللحي‮ ‬هي‮ ‬المستشرية بيننا‮.. ‬لماذا لانتذكر ماضينا العريق حتى‮ ‬يكون دافعاً‮ ‬لنا؟ نحن أبناء هذه الجزيرة الذين أرسوا دعائم الحكم الرشيد منذ آلاف السنين من أيام حمورابي‮.. ‬لماذا بقينا مكاننا دون تقدم؟ أين الإنجازات التي‮ ‬أبهرت العالم في‮ ‬صناعة الديمقراطية والعدالة؟‮ ‬
مجلس التنمية الاقتصادية هو مشروع وطني‮ ‬واسع كونه‮ ‬يربط الوزارات ويجعلها كخلية نحل‮  ‬يعيد تنظيمها بطريقة منهجية مدروسة ويضخ فيها دماء جديدة،‮ ‬وحتى لا تتضارب الأهداف‮ ‬يجب أن تكون هناك خطة استراتيجية متكاملة تدفع باقتصاد البلد كل واحد فينا ستتطور‮  ‬حياته أفضل مما هو عليه،‮ ‬أهداف الوزارات ستصبح أهدافاً‮ ‬مشتركة،‮ ‬والكل سيربح من مشروع ولي‮ ‬العهد،‮ ‬وسينتهي‮ ‬التخبط الموجود والازدواجية وعدم التنسيق وضياع المال والوقت والطاقة بين الوزارات.

صحيفة الوطن

9 فبراير 2008

اقرأ المزيد

بين أجور العمال وارتفاع أسعار الحاجات الضرورية

على حين غرة التهبت نيران أسعار الحاجات الضرورية، والكثير من الحاجات الكمالية، التي تدخل بتأثير التقليد والتطور، ساحة الضروريات، وتفرض نفسها على الإنسان لأن يقتنيها، ومع ارتفاع الأسعار التي مزقت سكاكينها جيوب الطبقة العاملة، والمسحوقة دخولهم من عامة الشعب، وأفرغتها حتى من بضعة فلوس، كان العامل والمسحوق يعود إليها ليوفر الحد الأدنى من الحاجيات الضرورية الهزيلة له ولأفراد عائلته، وهو قوت من لا يموت، إنقاذ أن ينشب الجوع أظافره في أمعائهم الخاوية على أمراضها وبلاويها، وكنتيجة حتمية في ظل القانون الطبيعي للفعل ورد الفعل، تخرج المسيرات الاحتجاجية مستنكرة ما آلت إليه أحوال الشعب من ترد وانحطاط وتدهور، لم يبق معه إلا تحقيق المثل الشعبي «ما دون الحلق إلا اليدين»، لحظتها يزمجر صوت الرب (السلطة)، هادراً، إنهم فئة من المخربين الخارجين على القانون، وتنسل أقلام الملائكة (أصحاب الصحف) الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، من أغمادها، مستنكرة أن يجرأ الشيطان على رفع صوته فوق صوت الرب، ومطالبة بقطع لسانه وإحلال اللعنات عليه، ولكن هذه الأقلام، عادة ما تكون كليلة البصر، وكسيحة البصيرة، فلا ترى الشوك فوق الورود، ولكن ترى السراب الخادع فوقها إكليلاً.
وفي ظل اختلال الموازين، واختلاط الأوراق، وضياع الحقوق واختراقها في جحيم الباطل، في مثل هذه الأجواء المكفهرة الملبدة بالغيوم، يخرج من يتمطى من بعض النواب المتثائبين، ليتقدموا بمجرد طلب رغبة إلى الحكومة لمناقشة مشكلة غلاء الأسعار، التي لا يدركون أسباب حدوثها، ولا ما خلفها من صراع رؤوس الأموال العالمية، وخصوصاً منها الرأسمالي اليهودي، الذي سنرى نموذجاً من مخططاته في إطار هذا المقال، لكي لا تؤوَّل أقوالنا إلى هراء، وكلامنا مجرد استفزازات، بل لنثبت الحقيقة مجردة من الغايات، ما عدا خدمة المجتمع, وتحقيق الغايات النبيلة. فهل يدرك النواب في فورة هذه الصراعات المحتدمة، بعقول تحاصرها الأفكار الميتافيزيقية، ومدى قوة انطلاق تفكيرهم على الخروج من قمقم حيز أفكارهم الضيقة، لتسبح وتتمدد لتستوعب ما يجد من جديد العلوم والمعرفة على الساحة الكونية المترامية الأطراف، والآخذة في الاتساع مع كل يوم جديد، في مجال العلم والمعرفة في زمن اكتشافات الفضاء؟
ومع كل ذلك نرى من المفارقات المضحكة المبكية، وشر البلية ما يضحك، أن تتحول رغبات النواب إلى الحكومة، من مشكلة عامة إلى مشكلة خاصة تنصب على رواتب تقاعدهم وتوسع رفاهياتهم، ونوع سياراتهم إن هي تكون أو لم تكن مناسبة لشخصياتهم (الباجو) الفارغة من كل ما يرتبط بمصلحة الجماهير، إلا من شرههم المتحرك كالرمال في دائرة توسعية لا قرار لها ولا استقرار. فإذا ما ظلت الأمور تجري في هذه المجاري المأسوية، فلم يبق أمام المواطنين إلا أن يغسلوا أيديهم، ويودعوا أي أمل من وعود الإصلاحات الموعود بها، ومن سعادة يوم آت لم نره، وسوف لم ولن نره.
وثمة ملاحظة تفرضها علينا المبادئ التي نؤمن بها في مجال الانتماء الوطني، بعيداً عن أفعال الانتهازيين والمضللين من المتمصلحين والمتصيدين في المياه العكرة، ألا وهي ظاهرة فتور العلاقات الاجتماعية الواضحة وضوحاً لا تخطئه العين الباصرة ولا تخفى على البصيرة الواعية بين طرفي المجتمع السلطة والشعب، ولما لهذه الظاهرة من خطورة بالغة، صار من المفروض على الإعلام الرسمي ألا يناور عليها ويغطيها لكيلا تؤول إلى وميض نار، خلل كومة من الرماد تحولت إليها العلاقات الاجتماعية، وهي حالة إن لم تدركها العقول المتبصرة وتعمل على إزالة ما يختفي من سيئات خطرة تكمن في ثنايا وتحت رماد العلاقات الاجتماعية المتردية، فإنه لا مفر من أخذ خشية المخلصين من أبناء هذا الوطن بعين الاعتبار، وتحذيرهم أن ينتهي هذا الوضع المتردي إلى أن يكون له «ضرام».
وهنا ننتقل إلى وضع النقاط على الحروف لتثبيت، وتأكيد ما أوردناه في عنان هذا المقال، بأن «بين زيادة أجور العمال، وارتفاع أسعار الحاجات الضروية»، وتكملة العنوان هي: «يكمن وجه شيطان الرأسمال اليهودي العالمي»، وقد استعنا نصه من كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، من البروتوكول السادس، لمؤلفه المجاهد، العلامة الكبير «عجاج نويهض»، وسنبدأ باقتطافات متناثرة من كامل نص البروتوكل، لنعتمدها مقدمة وتعبيدا يسهل الطريق أمام القارئ، ويهيئ له وصولاً سلسلاً ونظرة شفافة إلى صميم ما أوردناه في العنوان، ومن هنا نبدأ الاقتباس… «وسنشرع دون تأخر في إنشاء أجهزة احتكارية ضخمة، وحشد الثروات، وتجميع الأموال، ليكون كل ذلك محصوراً بأيدينا، وقد أمسى قوة مرهوبة، وفي الوقت نفسه تكون هذه القوة هي المسيطرة على الكبير الوافر من ثروات الغوييم…».
وفي موقع أخر في سياق هذا البروتوكول يقول: «ولما كانت ارستوقراطية الغوييم غي معتادة بحكم أساليبها القديمة الموروثة، أن تقتنع بالقليل من الخير، ودأبها الطمع فيه والاستكثار منه، فسيضطرب أمرها أي اضطراب يخرجها عن طورها لعدم قدرتها على تحمل العوز والقلة، فتنادي بالويل والثبور، ويجب علينا في هذا الوقت نفسه أن نكون أصحاب الهيمنة على أوسع نطاق ممكن، على التجارة والصناعة، وبصورة خاصة على أسواق المضاربات…»، ويستطرد هذا البروتوكول ليلامس صميم موضوعنا فيقول في شأنه: «وسنعلي مستوى الأجور العمالية، ولكن الأخير من هذا يصيبه العمال، لأننا في الوقت نفسه سنعلي مستوى الأسعار للحاجات الضرورية التي تعم بها البلوى…».
وأعتقد أننا بهذا قد أوضحنا ما نرمي إليه من أمر… أن زيادة الأجور وارتفاع أسعار الحاجات الضرورية ليسا إلا حدين لمعادلة شيطانية حاكها حكماء صهيون لمصلحة الرأسمال اليهودي العالمي وسيادة اقتصاد العالم… وهنا يحضرنا سؤال مهم جداً، لماذا أو ما هو تفسير الآتي: «ولكن لا خير من هذا – وهذا إشارة واضحة إلى أجور العمال – زيادة الأجور يصيبه العمال لأننا في الوقت نفسه سنعلي الأسعار للحاجات الضرورية التي بها تعم البلوى، ولا بأس من أن نعيد صوغ سؤالنا لكي ترتبط معانيه وأهدافه… لماذا زيادة أجور العمال في إطار المخططات اليهودية الرأسمالية العالمية لا خير منها يصيبه العمال، بينما ارتفاع الأسعار للحاجات الضرورية، تعم بها البلوى؟
إننا بهذه الطروحات لا نقلل من تفكير بعض المواطنين وقدرتهم على الفوضى إلى ما يكمن بين السطور… ولكن إلحاح المصلحة العامة وإحساسنا بالمسئولية الوطنية أجبرتنا على سلوك درب النقاش الديالكتيكي، المبني على الأخذ والعطاء والشك العلمي المجرد من النقاشات البيزنطية الخيالية وصولاً إلى الحقيقة المجردة الممسوكة باليدين والمرئية بالعينين، حتى لا يكون الجن وحدهم القادرون على نقل عرش بلقيس إلى حضرة سليمان.
فهل يدرك بعض من نواب الشعب المحترمين الذين هزموا طلائع النضال الوطني من أمثال نجم النضال بلا جدال «عبدالرحمن النعيمي» أعاده الله سالماً، وإبراهيم شريف، وسامي سيادي، ومنيرة فخرو، الذين نجحوا بكل تحد في مناطقهم الانتخابية، وخسروا في مناطق جن سليمان، الذين أشارت إليهم الكاتبة البحرينية «سكينة العكري» في مقالها الصريح المنشور في صحيفة «الوسط» الصادرة بتاريخ 15 فبراير/ شباط 2007، تحت عنوان «لا دليل ولكن هناك مؤشرات فاقعة»… بعد كل الذي أوردناه هل يعود القوم إلى رشدهم، أو تظل الأمور فالتة، ويبقى تبادل الاتهامات التي سيكون حدها الحاسم… أن البقاء للأصلح، وهذا حكم الطبيعة الفاصل الذي لا مبدل له، إلا الإرادة الإلهية.
فهل يملك بعض النواب القدرة على السباحة في مثل هذه البحار الثائرة الأمواج، أم يكتفون بالقول: أأبحر أم ألقي المرساة، وأنسى مواعيد للرب دون الشاطئ المعلوم؟

صحيفة الوسط
9 فبراير 2008

اقرأ المزيد

إسرائيل.. واللغة العربية

اتخذت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام قليلة قرارا بعدم تدريس اللغة العربية في مدارسها الحكومية اليهودية كلغة أجنبية أخرى إلى جانب اللغة الإنجليزية فضلا عن اللغة الأولى الأساسية “العبرية”. والذريعة التي ساقتها لتبرير القرار هو ضغط النفقات، هذا مع العلم بأن العرب الفلسطينيين في إسرائيل، أي “أراضي 1948” الفلسطينية يشكلون نحو 20% من السكان، ومع العلم أن “إسرائيل” هي بمثابة دولة مصطنعة محاطة من كل الجهات، عدا البحر طبعا، بدول عربية وتحتل أراضي عربية في فلسطين وسوريا ولبنان.
بطبيعة الحال لسنا هنا بصدد مناقشة هذا القرار الذي ستتضرر هي إسرائيل منه حتما عاجلا أم آجلا من جراء تجهيل “شعبها” بهذه اللغة المهمة التي ثمة مبررات واحتياجات موضوعية قصوى تفرض إلمامه أو إلمام نخبته اليهودية المثقفة بهذه اللغة. لكن ما نحن بصدده بالدرجة الأولى هو القرار الآخر الذي اتخذته ذات الحكومة الإسرائيلية والذي يستهدف اللغة العربية داخل المجتمع الإسرائيلي، وبضمنه على وجه الخصوص الوسط العربي فيه “عرب 48”، وهذا القرار يتمثل في مشروع القانون الذي وافق عليه مبدئيا البرلمان الإسرائيلي “الكنيست” خلال العام الماضي 2007 والقاضي بتكبير حجم الكتابة باللغة العبرية على الإعلانات والواجهات ولافتات المتاجر وإلا فتسحب تراخيص المتاجر والمطاعم والشركات التي لا تتقيد بهذا القانون. ومع أن ظاهر مشروع القانون هو المحافظة على مكانة اللغة العبرية وإعلانها كلغة أساسية أولى في المجتمع الإسرائيلي، والتظاهر بمعارضة الكنيست كتابة اللافتات باللغة الإنجليزية، إلا أن هذا المشروع يستهدف، بالدرجة الأولى، إزالة اللغة العربية من هذه الإعلانات واللافتات، وخصوصا أن هذه الخطوة تأتي امتدادا لخطوات سابقة اتخذتها إسرائيل منذ سنوات بعيدة في سياق استهدافها اللغة العربية والعرب وهويتهم الثقافية. ويذكر في هذا الصدد أنه سبق لإسرائيل وفي إطار سياسة التهويد التي تتبعها في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها وأنشأت فيها كيانها الصهيوني قامت بتغيير أسماء الشوارع والمدن والقرى العربية التي شردت أهاليها عام 1948 إلى أسماء عبرية يهودية، حتى أضحت اللغة العربية لغة أساسية رسمية في إسرائيل مجرد حبر على الورق كما عبر عن ذلك بحق النائب التقدمي العربي في الكنيست محمد بركة. والغريب أن يأتي هذا التوجه الحكومي الصهيوني الجديد في استهداف اللغة العربية والهوية الثقافية العربية على أراضي عام 1948 بعد بضع سنوات من نجاح “عرب 48” في الحصول على حكم قضائي من المحكمة العليا الإسرائيلية يُلزم الحكومة باستخدام اللغة العربية، إلى جانب اللغة العبرية، على لافتات الطرق في المدن المختلطة مثل حيفا وعكا. كما من المفارقات الساخرة المؤلمة أن حتى فلسطينيي الضفة والقطاع، ونتيجة لهذا التغييب المتعمد للغة العربية من قبل سلطات الاحتلال باتوا متأثرين باللغة العبرية في تداول بعض المسميات المرتبطة بمعاناتهم اليومية المزمنة أمام الحواجز والمعابر المغلقة، مثل نطقهم كلمة “محسوم” العبرية للإشارة إلى “حاجز عسكري”، و”مشمار غفول” للإشارة إلى حرس الحدود، و”سيغر” للدلالة على الإغلاق. أما وقوع عرب “48” الذين يعيشون داخل الكيان الإسرائيلي ويحملون جنسيته تحت تأثير اللغة العبرية فحدث ولا حرج ولاسيما في أوساط الأجيال التي ولدت بعد عام 1948، سنة إنشاء دولة إسرائيل. ولعل من أبرز هذه الكلمات التي تأثروا بها في حياتهم اليومية من جراء تسييد اللغة العبرية واحتكاكهم اليومي باليهود والمؤسسات الحكومية والخاصة الإسرائيلية ومعاملاتهم اليومية في الأسواق: “بسيدر” أي ماشي الحال، و”كوبات حوليم” عند الإشارة إلى عيادات المرضى. أكثر من ذلك فإن “عرب 48” سكان أرض فلسطين الأصليين باتوا حتى فيما يتعلق بصميم معاملاتهم الخاصة لا يستطيعون إتمام توثيقها رسميا من دون ترجمتها بأنفسهم إلى العبرية، ومن ذلك معاملات تسجيل الزواج والعقارات، كما لا يستطيع عرب 48 تثبيت المسميات الأصلية لمدنهم ومناطقهم العربية من دون تحويرها تبعا للطريقة العبرية. فمدينة عكا ينبغي أن تكتب “عكو”، وصفد “تسفات”. والحال أن أكثر ما يواجهه “عرب 48” اليوم في صد هذه الهجمة التهويدية التي تواجه لغتهم العربية وهويتهم الثقافية هو كيفية تعزيز مناعة الأجيال الشابة الجديدة من التأثر بعدوى تلك الهجمة بأي نسبة كانت. ولا يمكن في تقديرنا تعزيز صمود “عرب 48” فضلا عن سكان الضفة والقطاع في التمسك بلغتهم وهويتهم ما لم تتخذ الدول العربية إجراءات ووسائل ملموسة فعالة تسهم في تعزيز هذا الصمود، وفي مقدمتها فك العزلة الظالمة المفروضة على عرب 48 رسميا من قبل الدول العربية بحجة “مقاومة التطبيع” ذلك بأن كل أشكال التطبيع العلنية والسرية مع إسرائيل استباحتها هذه الدول ماعدا تشددها في فرض العزلة على عرب 48 بمقاطعتهم وعدم إتاحة المناخ المؤاتي لدمجهم واحتكاكهم الطبيعي بمحيطهم العربي!

صحيفة اخبار الخليج

9 فبراير 2008

اقرأ المزيد

سعادة الألفة

في‮ ‬إحدى رواياته‮ ‬يقول ميلان كونديرا‮ “‬إن السعادة هي‮ ‬التكرار‮”. ‬وقد‮ ‬يبدو هذا القول مستهجناً‮ ‬من قبل الشاكين من تشابه الأشياء والأوقات وملل الرتابة،‮ ‬والراغبين في‮ ‬التحرر من أسرها،‮ ‬بالبحث عما هو جديد وكاسر للإيقاع المعتاد،‮ ‬بما هو على‮ ‬غير ما جرت به العادة‮. ولكن هذا القول‮ ‬يجب أن‮ ‬يقرأ من زاوية أخرى‮. ‬زاوية‮ “‬الألفة‮” ‬مع الأشخاص والأشياء والعادات،‮ ‬التي‮ ‬تكتسب مع الوقت طابع التكرار‮. ‬ثمة صداقة عميقة تتكون لدينا إزاء هذه الأمور،‮ ‬وفي‮ ‬اليوم الذي‮ ‬نخالف فيه مجرى هذه العادات،‮ ‬الأشبه ما تكون بطقوس،‮ ‬نشعر أن ثمة شيئاً‮ ‬اختل في‮ ‬نظام حياتنا‮. ‬إن الأمر أحياناً‮ ‬يتصل بتفاصيل صغيرة تبدو في‮ ‬الظاهر ثانوية أو شكلية كشرب القهوة مثلاً‮ ‬في‮ ‬موعدٍ‮ ‬معين كل صباح،‮ ‬أو مطالعة الجريدة المفضلة أو مشاهدة حلقة المسلسل التلفزيوني‮ ‬اليومي‮. ولنأخذ هذا المثل الأخير على سبيل التدليل،‮ ‬سنلاحظ مثلاً‮ ‬أن ألفة من نوعٍ‮ ‬ما تنشأ بيننا وبين شخوص المسلسل وفضول واضح حيال تطورات أحداثه،‮ ‬وسنلاحظ أن التشويق‮ ‬يذهب بنا مذهبه الى الدرجة التي‮ ‬تجعلنا نشعر بحالة أقرب إلى الحزن أو الفقد حين‮ ‬يصل المسلسل إلى نهايته ولا نعود نطالع شخوصه الذين حتى لو كنا نعرفهم جيداً‮ ‬كممثلين،‮ ‬فإننا في‮ ‬المشاهدة نخلع هذه المعرفة عن الشخوص ونتعاطى معها بصفتها أدواراً،‮ ‬أي‮ ‬نماهيها مع شخوص العمل الدرامي‮.‬ ‬إلا أن أكثر أنواع الألفة قوة هي‮ ‬تلك التي‮ ‬تنشأ بين البشر‮. ‬ثمة أناس لديهم جاذبية خاصة بحيث إنك تألفهم بسرعة،‮ ‬تألف حضورهم وحديثهم وتواصلك معهم،‮ ‬وأنت لا تستطيع أن تحدد على وجه الدقة ما هي‮ ‬طبيعة المشاعر التي‮ ‬تشدك إليهم،‮ ‬إنها مشاعر‮ ‬غامضة أو متدثرة برداء شفيف بحاجة لمن‮ ‬يكشفه،‮ ‬وأنت لا تستطيع أن تختبر عمق هذه الألفة أو مداها إلا عندما‮ ‬يحدث ما‮ ‬يعكرها،‮ ‬فينتابك الشعور أن شيئاً‮ ‬ما قد اختل،‮ ‬أو أن أمراً‮ ‬ما أصبح ناقصاً،‮ ‬وأن الأمور لا تستقيم إلا باستعادته‮.‬ ‮ ‬هذا النوع من الألفة هي‮ ‬نفسها السعادة الناشئة عن التكرار حسب القول الذي‮ ‬صدّرنا به الحديث‮. ‬هذه الألفة التي‮ ‬تخترق التفاصيل أو الأمور الصغيرة أو بالأحرى تتشكل منها‮. ‬إنها تلك السعادة التي‮ ‬لا تعوض لأنها مبعث الرضا والطمأنينة‮.‬
 
صحيفة الايام
9 فبراير 2008

اقرأ المزيد

لجان تحقيق

لكوننا امام تحولات جديدة وواقع سياسي‮ ‬جديد‮ ‬يفرض على جميع اطراف المجتمع التعامل معه بواقعية وبعقلية نقدية وباولويات جديدة مرحلية ومستقبلية فانه من الطبيعي‮ ‬ان تثار الاسئلة على اكثر من صعيد‮. ‬وفي‮ ‬خضم هذا الواقع المتشابك والمتداخل كيف نواجه تحدياتنا الذاتية والموضوعية مواجهة صريحة؟ وكيف نرتب اوضاعنا الداخلية بما‮ ‬يتناسب وطموح وتطلعات المواطن الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والمادية وتطلعات دولة المؤسسات والقانون في‮ ‬تدعيم اسس المجتمع المدني‮ ‬الحديث بغية تكريس حقوق المواطنة والمساواة والديمقراطية،‮ ‬هذا ما‮ ‬يشغل البال وفي‮ ‬اعتقادنا لا‮ ‬يمكن احراز اي‮ ‬تقدم نحو الاصلاح الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬من دون ممارسات سياسية داعمة لما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬بلادنا من اصلاحات‮.‬
ما حققناه من انجازات سياسية‮ ‬يشهد لها الجميع‮ ‬يعد مكسبا مجتمعيا رغم الدعوات الرافضة له ورغم القيود المفروضة على الاصلاحات سواء كانت هذه القيود نابعة من عقليات مسؤولة في‮ ‬هيئات حكومية لا تزال تتصدى للرقابة والمساءلة من اجل الحفاظ على مصالحها الخاصة والضيقة ام من نواب اعاقوا هذه الاصلاحات وان نجحوا في‮ ‬طرح بعض الملفات الساخنة فان هؤلاء لا زالوا‮ ‬يخافون النقد والمحاسبة،‮ ‬والادهى من ذلك لا زالوا‮ ‬يعدون انفسهم فوق هذه الادوات وبالتالي‮ ‬كيف لادائهم ان‮ ‬يكتمل‮ ‬من دون محاسبة‮!! ‬وكيف لهذه العقلية التي‮ ‬لا تتفق مع الرقابة والنقد والمحاسبة ان تواجه مشاكلنا الداخلية بشكل‮ ‬يفيد مصالح الوطن والمواطن‮!!‬
وابسط مثال اليوم لجان التحقيق التي‮ ‬لا‮ ‬يمكن لأحد ان‮ ‬ينكر اهميتها على مستوى العمل البرلماني‮ ‬لان هذه اللجان في‮ ‬الاصل تفعيل لادوات المجلس التشريعي‮ ‬الرقابية التي‮ ‬يؤكد عليها الدستور،‮ ‬ولكن مخاوف وهواجس الغالبية من المواطنين ان بعض هذه اللجان باتت مضيعة لوقت المجلس ووقت الحكومة ومصالح الناس،‮ ‬لان الهدف من تشكيلها ليس الا تصفية حسابات سياسية وشخصية وايديولوجية‮!!‬
وغني‮ ‬عن القول،‮ ‬ان اقصاء وزيرة الصحة جاء ضمن هذه الحسابات والتوجهات التي‮ ‬تعبر عن ثقافة التمييز بين الرجل والمرأة وعن عقلية الجمود التي‮ ‬تسعى لمصادرة حقوق المرأة السياسية‮!!‬
ورغم اهمية مقترح‮ “‬الوفاق” ‬القاضي‮ ‬بتشكيل لجنة تحقيق في‮ ‬املاك الدولة وتوافق الكتل النيابية حوله الا ان تجاربنا مع هذه اللجان مريرة بل وقاسية وخاصة تجاربنا مع الكتل الاسلامية التي‮ ‬ومن اجل مصالحها الحزبية تدخل في‮ ‬مساومات على حساب اهداف هذه اللجنة وغيرها من اللجان وهذا بالفعل ما حدث ليس على مستوى وزارة الصحة فقط وانما على مستوى لجنتي‮ ‬الثقافة ومرسى البحرين الصناعي‮!!‬
وعن هذه اللجان‮ ‬يمكننا ان نوجز بعض ردود الافعال التي‮ ‬اتخذت موقفا حازما من تشكيلها ومن ادائها ولعل ابرز ما قيل عنها‮: ‬هناك اخطاء فعلا في‮ ‬بعض الوزارات ولكنها لا تستحق اضاعة وقت المجلس في‮ ‬مناقشة حيثياتها ومن بينها ما حدث في‮ ‬مهرجان ربيع الثقافة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬ان نشغل المجلس لاجل مشكلة واحدة وننسى دعم وزارة الاعلام في‮ ‬استقطاب المزيد من الكتّاب والشعراء،‮ ‬فقد‮ ‬غاب عن سماء البحرين مثل هذه التجمعات الثقافية‮.‬
وفي‮ ‬هذا السياق قيل ايضا‮: ‬ان تشكيل لجنة التحقيق في‮ ‬ما قيل عن تجاوزات مرسى البحرين الصناعي‮ ‬غير مهني‮ ‬فالامور كلها واضحة ولا تستحق المساءلة،‮ ‬ولذلك فهي‮ ‬بالتأكيد استهداف لشخص وزير التجارة حسن فخرو وللاسف دخلت بعض الكتل النيابية لعبة الاستهداف البيني‮.‬
وهذا الوضع‮ ‬يفرض علينا ان ننتقد ونحاسب اية جهة كانت لم تعالج أزماتنا الداخلية وخاصة تلك العقليات التي‮ ‬تستغل لجان التحقيق لمكاسب حزبية وعقائدية معادية للمرأة ولإشاعة الحقوق والمساواة وتقدم البلاد‮.‬

صحيفة الايام
9 فبراير 2008

اقرأ المزيد

سألوه عندما نما: يا «غريب» لم أنت هنا؟!

أحياناً كثيرة يكون المناضلون الكبار رجال مأساة؛ لأنهم رجال قضايا كبيرة يعيشون حرارة أوضاعها لحظة بلحظة ويضحون من أجلها. هذه الفرضية، وفق تجارب محلية وعالمية، تخالف الاعتقاد الذي يُصوّر لنا بعض المناضلين وكأنهم يعيشون خارج الزمن، بعيدين عن الزحام والضوضاء والصخب، أو يُصوّرونهم بمثابة ‘برستيج’ وجاهة؛ ينعمون بالهدوء والسكينة بحثاً عن الطرق السهلة للشهرة والزعامة، أو التهرب من المشاكل.. نعم هذه الفرضية مرفوضة في ذلك الزمان على أقل تقدير، حيث في داخل هؤلاء المناضلين آنذاك، تتجمع جرأة وشجاعة، وأيضاً سلوك وأخلاق ومواقف يقدمون عليها ويتحمّلون نتائجها بإيمان عميق، ولذلك، فإن المناضلين الحقيقيين دائماً ما يكونون قلة بالنسبة للعامة، يخرجون في لحظة سياق تاريخي ينشد التغيير نحو الأفضل، نحو الأحسن، ونحو ما يريده الناس في غالبيتهم العظمى، وتكون أفكارهم مشروع رؤية.
وعلي عبدالله مدان (1932- 1995) واحد من هؤلاء؛ حيث تناولنا في الجزء الأول من سيرة هذا الرجل اليساري شيء مما تختزنه الذاكرة الوطنية من قبل معاصريه، أو من الذين عملوا معه في الأيام الصعبة، أيام المحن، وتحدثنا عن أشياء جديدة غير معروفة عنه سابقاً عند أقرب أقربائه، وهو لقبه الحقيقي ‘نجيناه’ وليس ‘مدان’، وفق ما ورد في رسالته لأحد رفاقه في قيادة جبهة التحرير بعثها له قبل عشرة أشهر من وفاته في بلجيكا .. وفيما يلي نستكمل الحديث بأشياء جديدة أخرى:
كانوا ثلة من الشباب البحريني المناضل الطالع على مرحلة مؤلمة، مدهشة .. ربما علي مدان كان يقودهم، أو ربما أحداً منهم يقوده، أو ربما يفكرون بعقلية قيادية جماعية (سيان)، لكنهم كانوا، وبلا شك، يملكون وعياً سياسياً، وأيديولوجياً يحاولون نشره بين الناس .. فيهم حيوية الرجال، غاضبون من المستعمر البريطاني آنذاك، ومن الظلم الطبقي أيضاً. في داخلهم غلالة من الحزن، وربما ‘صبوات رومانسية’، وأشياء مخفية تداعب أحاسيسهم وحواسهم، غير إنهم لا يفصحون عنها، ومع ذلك، إنهم مثل بقية البشر ‘يسرعون تحت المطر. ينمون في بطون أمهاتهم . ثم يخرجون إلى الدنيا بعد آلام الطلق .. ويصرخون أثناء الولادة كسائر الكائنات التي لها علامة’.
في غرفة، لا تتسع سوى لسريرين وطاولة صغيرة وضع عليها راديو صغير، وكُتب باللغتين، العربية والفارسية، وبضع قصاصات لـ’أوراق مخيفة’ آنذاك، كان علي مدان وشقيقه حسن يتقاسمان هذه الحجرة العتيقة، الضيقة، الكائنة فوق مقهى أحمد شاه الشعبي، (قرب سينما الحمراء سابقاً) بالمنامة.
كراسي هذه الطاولة تتكون من السريرين، حيث يجلس ضيوف قريبون جداً من مدان وشقيقه، على هذين السريرين الذين يعانقان الطاولة بزاوية منكسرة على شكل سرير ونصف السرير، وفي هذه الحجرة يتعاطى (مدان) معهم الأحاديث حول أحلام المستقبل، (الممنوعة سابقاً)، ويتبادل المزاح ويطلق النكات .. الحزن والفرح، وربما الغضب .. يقرأون. يستمعون إلى الراديو، ويلعبون الشطرنج.
يقول عنه رفيق دربه سلمان علي: إن مدان ‘مدمن قراءة كتب تنويرية باللغتين العربية والفارسية .. مدمن شطرنج، ومدمن سماع راديو ونشرات الأخبار’، وخاصة إذاعة ‘بي كي إيران’ التابعة لحزب تودة الإيراني، والتي كانت تبث من ألمانيا الشرقية آنذاك، حيث يرصد برامجها بانتظام ويلخص مواضيعها ويترجمها للعربية، وفيما بعد يوظفها كوسيلة إعلام ثقافية، إضافة إلى معرفة ما يجري في العالم حوله بنظرة تحليلية.
في تلك الحجرة الصغيرة، كان مدان محاصراً من ‘الداخل والخارج’، في الداخل لا يوجد إلا ممر ضيّق يتسع لخطوات رجليه كي يعبر إلى سريره، أما في الخارج فترصده المخابرات وتتبع خطاه، ويحكي سلمان علي حكايته مع ضابط المخابرات ‘يوسف البلوشي’ الذي يراقبه باستمرار، حيث جاء هذا الأخير لصبي القهوة التي كان علي مدان يقضي أوقاته فيها، واصطحب معه الصبي للتحقيق، وعندما امتنع الصبي عن الإدلاء بأية معلومات عن مدان، هدد ‘البلوشي’ ذلك الصبي بالتسفير إلى إيران، غير أن الصبي تماسك، ولم يكترث لهذه التهديدات احتراماً لعلي مدان الذي يعزه كثيراً، وعند خروجه من التحقيق قام على الفور بإبلاغ مدان بأنه مراقب من قبل المخبر يوسف البلوشي، ليتخذ الحذر فيما بعد ولكن ما مصير صبي القهوة ؟…. [ ].
أما رفيقه عبدالله الراشد البنعلي (أبو غسان) الذي ‘افتتح’ مع مدان زنزانة ‘لكنارة’، في سجن القلعة، حيث كانا أول من أودعا السجن فيها من المناضلين بعد بناءها حديثاً، فيختزل شخصية علي مدان النضالية قائلاً ‘علي، مناضل متماسك، سري للغاية، يملك معلومات تنظيمية كثيرة، ولكنه لا يبوح بها لأحد .. مفكر، محلل، بسيط ومتواضع، يمزح ويطلق النكات’.
عندما كنت معه في زنزانة واحدة في العام (1959-1960) ـ بقدر ما تسعفني الذاكرة للتواريخ بالضبط [ ] لم أشعر بالملل قط، وكانت معنوياتي دائماً مرتفعة. أذكر أن ما كان يضايقنا آنذاك، هو عدم السماح لنا بالذهاب إلى الحمامات إلا مرة واحدة في اليوم، وعادة ما تكون الساعة الخامسة عصراً، حيث إن زنزانتنا ‘لكنارة’، بقدر قربها من الحمامات، فهي قريبة أيضاً من مكاتب التحقيقات، وكانوا يخشون على ما يبدو، من إننا سنلتقط معلومة ‘شاردة’ عما يجري هناك، ولذلك كنا ‘نلاعبهم بالإنذار المبكر القريب من الزنزانة’، فأحياناً نرمي ‘غترة’، وأحيانا، نرمي أشياء أخرى لدينا لإفزاعهم.. فيركضون نحونا.
ويضيف أبو غسان ‘ذات يوم، اقتحم رجال الأمن زنزانتنا، وأخذوا علي مدان من الزنزانة عصراً، وعادوا به في اليوم التالي صباحاً ملطخاً بالدماء، وكان في حالة يرثى لها من شدة التعذيب الذي تعرض له، وعرفت فيما بعد أن مدير المخابرات، البريطاني (بوب)، ومساعده (الأردني) أحمد محسن، ويوسف البلوشي هم الذين كانوا يعذبونه.
أطلق سراحي بعد نحو عام ونفوني مباشرة إلى السعودية .. والحديث مازال لأبو غسان، أما علي مدان فقد حكم عليه خمس سنوات، وعلى شقيقه حسن ـ (الذي كان بالقرب من زنزانتنا) ثلاث سنوات (على ما أعتقد)، ثم تم نفيهما إلى إيران، لكن معرفتي بمدان سبقت سجننا بثلاث سنوات، حيث كان المناضل علي دويغر قريباً منه منذ مدة طويلة، وعرّفني عليه ‘حزبياً’ في مكان يعتبر ‘مركزاً ووكراً لليساريين آنذاك، وهذا المكان، على ما أتذكر بالقرب من ‘حوطة أبل’، وفيه مكتبة كبيرة مليئة بالكتب خاصة بـ’الجبهة’، وزاد تعرّفي بمدان بعد رحلة جماعية لرفاقنا وأنصارنا إلى بستان، وذلك في العام ,1957 وشاءت الظروف فيما بعد، أن أكون معه في زنزانة واحدة، وفي مناف مختلفة، حيث اعتقلنا في حملة شرسة ضد الجبهة في مارس/ آذار، كنا قبل أيام من هذه الحملة، ‘نخط الشعارات على الحيطان، ونوزع المناشير في كل مكان، تضامناً مع المنفيين في هيئة الاتحاد الوطني.
زرته، أنا وعلي دويغر في قطر في بداية الستينات، حيث كان مدان في الدوحة الجديدة، وزارنا هو في بيروت بعد حل المجلس الوطني في العام ,1975 والذي أعرفه جيداً، أن علي مدان زار إيران بعد الثورة هناك في العام ,1979 لكنه ما لبث أن غادرها، حيث تعرض للملاحقة والمطاردة، تماماً كما كان يطارد من السفاك في عهد الشاه، ومن إيران انتقل إلى الإمارات بشكل سري، في بداية الثمانينات، وهناك عمل حارساً لبناية، وتعرض أيضاً إلى مضايقات المخابرات، حيث اشتكى لنا ذلك، فأخرجناه من دبي بجواز سفر يمني (اليمن الديمقراطي سابقاً) وانتقل معنا إلى الشام في العام ,1986 حتى غادر دمشق 1993 إلى الجزائر، حيث حضر (مؤتمر نقابي أو دورة نقابية) بينما كنا في دمشق نرتب مع أحزاب شقيقة نقله من الجزائر إلى بلجيكا، وهذا ما تم، وعاش هناك حتى وفاته في 27 يناير/ كانون الثاني ,1995 بالمرض الخبيث الذي ضرب مثانته، مثل رفيقه أحمد الذوادي، وكان مصدوماً بانهيار الاتحاد السوفيتي.
رفيقه (إ . م . ع)، حيث كان يزور ‘مدان’ في قطر باستمرار في إطار ‘مهام وتكليفات تنظيمية’، وفق ما قاله لـ’الوقت’، تحدث إلينا بشهادته عن الفقيد الكبير قائلاً: دعني أتكلم لك عن اللقاء الأول الذي جمعني به، كيف كان؟ وكيف حيّرني صمته وأربكتني نظراته الفاحصة من أعلى رأسي إلى قدمي، حتى الحذاء الذي ألبسه؟! فهمت فيما بعد، أنه ‘عندما يتعرف على شخص جديد للمرة الأولى، بقدر ما يجيد ملامسته، تماماً كما يلامس الكلمات، وإخراج المفردات بوضوح من فمه ينظر في البدء إليه وكأنه يقرأ أفكاره ونفسيته النضالية والسلوكية، ويختبر إخلاصه كقراءة أولية وبهدوء سكوني، يلي ذلك نظرة ترحيب تجذبك نحوه بأريحية. وهنا، على المقابل اجتياز امتحان صمته، بماذا يفكّر (مدان) في ثوانٍ معدودات، أو دقيقة بالكثير قبل أن يدخل، أو يدخل محدثه في الموضوع الذي جاء من أجله إليه، أو استشارته فيه (…). كانت له قدرة عجيبة على فن الإقناع ويلامس محدثه بكلمات دافئة، تسحره في حالتين: الحديث عن مكامن القوة لمحدثه دون تكلف ومزايدة، فيما يعالج نقاط ضعفه، إن وجدت، بأسلوب صادق ومحبب للمتلقي.
تساءلت في لقائي الأول به: تُرى، كم كان يلزمه من الصمت وعمق التفكير كي لا يشي به أحد من رفاقه ‘المخترقين’، أو أي كائن كان، خاصة في ‘الدوحة الجديدة’، حيث كان يعيش، بينما المخابرات البريطانية كانت تعمل جاهدة على اقتفاء أثره؟
ويضيف (إ. م. ع): كعادته، بمحاذاة تنظيمه السري يَمرّ، لا أحد يسأل أي طريق سلك، ومن دله، أو هل هو البادي بتشكيل الخلايا الأولى، أم إنه ‘انتظر لفرط ما انتظره حزبه، ولكنه لم ينتظر؟!!’.
علي، ربما عكس الناس. ربما، مثل الناس أيضاً، غير إنه مختلف’!!’ فقد شاءت الظروف أن يمشي فوق أراضي الغرباء. يعمل، وهو المتعلم والمثقف الواعي، بالمياومة (اليومية) في البناء مع شقيقه حسن الذي اعتقل معه في سجن جزيرة ‘جدة’ لمدة خمس سنوات، ونفي معه إلى إيران في محاولة تسليمهما معاً صيداً طرياً إلى ‘السفاك’، لكنهما أفلتا من قبضة المخابرات الشاهنشاهية بفضل ذكاء (مدان)، ولقبهما الذي أطلقته والدتهما على شهرتها.
ومن المفارقات، عندما اعتقلوه في الخمسينات وقبل نفيه إلى إيران، صرخ أحد جلادي المستعمر في وجه مدان ‘يا غريب لم أنت هنا؟!’. لكنهم سألوه في وقت متأخر، بعد أن نما.
في طفولته، وقبل أن يشتد عوده لم يطرحوا عليه هذا السؤال، لماذا؟ وقبل أن يعارضهم، كان من الطبيعي، أن يكون بحرينياً، لماذا؟ وعندما كبر ونما استكثروا عليه المواطنة، مثله مثل آخرين: الباكر، الشملان، الذوادي، عجاجي، البنعلي، النعيمي، العكري، خلف، الجمري، الستري، والشهابي ومئات المناضلين البحرينيين الذين سحبوا جنسياتهم في تلك الفترات العصيبة.
علي، وشقيقه حسن، لم يعرفا سقف بيت، ولم تكن لهما عشيقة ولا زوجة. حسن هو ‘أستاذ البناء’، وعلي يساعده في صف البلاط، كان ماهراً مثل أخيه. ولكن ماذا كان علي مدان يفعل في لياليه من دون امرأة ولا أطفال؟
يقول القريبون منه: في لياليه يقرأ الكتب ويضع تعليقاته على هوامشها، يلخّص ما استوعبه، ويعيد قراءة ما لم يستوعبه. يناقش الموجودين حوله. يتعلم من الناس ويُعلمهم، وعندما يصفن مع نفسه ينسج لآلام الفقراء وجراحهم راية.
في الصباح، إن لم يحصل على عمل يومي لسد رمق جوعه، تراه يخالط الناس في المقاهي، و’يجمع رأسماله الاجتماعي من خلالهم’. ينشر الوعي والحب بكل صدق، وهكذا يلتف حوله الناس. يتنقل من مكان إلى آخر يوزع ابتسامته على الكبار والصغار، ولذا قال فيه الشاعر علي الشرقاوي في سجن ‘سافرة’ في فبراير/ شباط 1978 قصيدة ‘السنبلة الأولى’، بعد أن سمع حكايته من رفاقه: ‘وكان/ يُجيب الطريق:/ لقد كان يتعب منه التعب!’.
هكذا، وربما كانت طفولة علي مدان، أو علي ‘نجيناه’، غير معروفة، []لكنه، حتماً كبقية الأطفال في طفولتهم .. ربما سرق ‘اكنار واصبار وتمر أو رطب’ من البساتين، أو من نخلة الجيران، وربما ضرب أطفال حيه أثناء اللعب معهم، وعندما كبر، ونما، صمد في وجه المستعمر الذي كان ينهب خيرات بلادنا، وصمد أيضاً أمام الشرطة السرية التي مارست أبشع أنواع التعذيب، وكانت تداهم الوطنيين الأحرار، بحثاً عن منشورات تحرض الناس على ‘الوثبة’ ضد المستعمر والتحرر منه، وكذا النضال من أجل الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية.
علي مدان، كان يبكي على الذين يموتون، مثلما يبكي الآخرون على عزيز رحل من الدنيا، ويصاب بحرقة مثلهم، فقد وصف محمد فروتن لـ’الوقت’ حالته بعد سماع نبأ تصفية رفيقه حسن نظام ؟(2) من قبل السفاك في طهران: ‘كان يبكي بهستيريا لم نشاهدها من قبل.. يضرب بقبضته تارة، وتارة أخرى يضرب بجبهته على سطح الطاولة.. كنا مرعوبين عليه وقتها في أن يصاب بمكروه’، وإذا به يهتف فينا ويقول:’ يجب أن نستمد القوة من هؤلاء الرجال الذين استشهدوا من أجلنا، من أجل الوطن، لنستمر في النضال وتحقيق ما كانوا يطمحون تحقيقه. وهنا دَبَّ فينا شحنة من الحماس على مواصلة الطريق .. لـ’نبني أوال جديداً’.

* 1 ـ (نبيل فياض ـ ‘مدخل إلى مشروع الدين المقارن’) ص9
*2- مناضل بحريني من مؤسسي جبهة التحرير استشهد تحت التعذيب في سجون السفاك سنة 1956

مدان يعود…!
‘إلى الغائب الحاضر: النقابي علي مدان’
بين الناس…
روح بجذر ممتدةْ
وبالإحساس…
عاش بزحمة الشدةْ
علي يكبر…
يشوف الليل يتعدى
ظلم يقهر…
وسيف مسلط بحده
ومثل نسمة شمال تهب
مثل جلمة قلم يكتب
مثل كَطرة ندى تغسل وجه وردةْ
علي يسهر…
يعيش أحلام فجريه
يبني ساس…
جيف يعيش من كده
عزمه داس…
جمر الموت…
خاف الخوف…
كيد الضيم ما رده
صار شراع ويسافر…
جيف أوداع ويهاجر…
زرع روحه…
فسيلة شوك في ارض الوطن حاضر
جرح موال…
يتحجى بلسان الحال… للعمال:
العامل عمر مكَدود…
ما ذايك طعم فيه
يصبر والصبر محمود…
وأفعاله نقابيه
ولا يصبر…لهب ساري على ماي الحنينيه
العامل جنح مصيود…
صادوه الحراميه
دود المال… وبطون الطفيليه
تبوك الفرح من دنياه
تبوك الثمر من مسعاه
تبوك التعب من يمناه
وعذاري تفيض حنيه
ومدان يعود للديرةْ.. ابد ما غاب
شايلها تحت رمشه
مع طير المسا ليَ يرجع لعشه
مع كعدة عمل غبشةْ
مع لمّة حبايب تطرد الوحشه
وما يرضى مدان اليوم…
كل من يدعي عاشك يغني للشمس وحده
مدان يعود للديرةْ…
مع فعل الثلاثي زينل ومرهون.. ابن سلمان…
واللي يخلص النيّة
مدان يعود للإصلاح…
للفرحة المناميّة
مدان يعود

الشاعر عبدالصمد الليث
29/4/2004
‘لا بأس أن يمتلك الإنسان فكرة، يكرس لها شيئاً من وجوده، أو كل وجوده. ولا مانع أن تمتلك الفكرة الإنسان، فيصبح عبداً لها، تأسره في ليله ونهاره، وتحتل حياته وربما مماته. ولا مانع أيضاً أن تكون تلك الفكرة غير واقعية، ولا يمتلك دليلاً على صحتها غير إيمانه بها. لكن ما يحق رفضه بحزم، هو أن يطالب بفرض تلك الفكرة التي تأسره على غيره، في ظل أية حجة’.؟



 

 
صحيفة الوقت 
3 فبراير 2008

 
اقرأ المزيد