المنشور

البريد مجمع وزارات

إنه عمل جيد أن تجد في إدارة البريد الخدمات الحكومية كافة من دفع فواتير الكهرباء والهاتف وخدمة المرور والسجلات المختلفة، ومدفوعات خدمات أخرى سوف تتراكم ولا شك، ولكن كل هذه الخدمات يؤديها الطاقم نفسه من الموظفين في أجهزة البريد المختلفة، فالموظف سوف يأخذ الرسائل الخاصة العادية والمسجلة وسوف يضع على كل منها طوابعها المختلفة، ويتأكد من وزنها، وسوف يحتفظ بالرسائل المسجلة لديه، سواء أكانت رسائل عادية أم علبا ثقيلة، كما سوف يستقبل أصحاب فواتير الكهرباء ويتسلم النقود وسيدقق هل الفاتورة عادية أم وصلت إلى الدرجة الحمراء، وهل هي للشهر الحالي أم لشهور سابقة؟ كما سوف يتسلم بيانات المرور الخاصة بالتسجيل ويتسلم المبالغ المتحصلة من ذلك، بما فيها لتدقيق في الصور الشخصية والبيانات! كذلك سوف يتسلم فواتير الهاتف ويجمع مبالغها ويتأكد من بياناتها، إضافة إلى الخدمات التجارية الجديدة التي تـُضاف إلى سجل أعماله المتزايدة. ومع تضخم هذه الوظائف والمهام فإن أعداد موظفي البريد في كل دائرة ومنطقة يظلون كما هم، في حين تتراكم أعمالهم، ومن هنا ظهرت طوابير البريد التي لم نكن نعرفها في السابق. فالعمال المهاجرون لديهم رسائل ورقية كثيرة وقليل منهم يتوجه للخدمات الإلكترونية، ويرسل رسائله المكتوبة أو الصوتية، وقد زادت هذه المراكز لكن من دون تطور يذكر، فهي كبائن صغيرة بالكاد تكفي لجهاز واحد، وهي أجهزة قديمة وذات خلل ومشاكل، فتغدو الرسائل البريدية هي أكبر الوسائل للاتصال بالأهل فيما وراء البحار لمئات الآلاف من البشر! فهذه الرسائل الورقية غالباً ما تحمل هدايا مهمة، وهذه كلها تسقط فوق رأس موظف البريد الذي يستقبل هذه الحشود، خاصة في أوائل الشهر حيث تتدفق الأموال والطلبات والتحويلات! كذلك هناك تسلم الرسائل القادمة وتوزيعها على صناديق البريد الخاصة أو تجشم عناء توصيلها للمنازل إذا ما كانت غير موجهة للصناديق البريدية. وهناك إيصال الفواتير لأصحابها في غابة البيوت والشقق، وهذا ما يدعو موظفي البريد إلى إلقاء هذه الرسائل في دهاليز العمارات وترك السكان يفرزون رسائلهم بأنفسهم، سواء كانت رسالة تحمل إنذاراً أو معلومات مهمة! ومع كل هذا الجمود في أعداد موظفي البريد فإن المطلوب منهم عمل كثيف مستمر يومي، ومتزايد، وهو أمر يؤدي إلى التخفيف من الضغط على بقية الوزارات الخدمية ولكنه يحول أجهزة البريد كما لو كانت مجمع وزارات تــُلقى عليها أثقال كثيرة. ومع كل هذه الخدمات فإن التفكير في خصصخة البريد وجلب شركة تقوم بالتدقيق في عمل مراكز البريد، وتحسب كمية الأرباح المتزايدة من خدماتها، هو أمرٌ محفوف بالمخاطر خاصة أن أي شركة سوف تتسلم البريد فإنها أول ما تفكر هو في تقليص أعداد العاملين لزيادة الربح! وهو طمع حدث بسبب زيادة رسوم الخدمات البريدية فلم تعد أي رسالة تقل رسومها عن دينار، وهي متوجهة لأقرب بلد، أما إذا وضعت معها أي شيء آخر ككتاب صغير أو بطاقة أو هدية غير ثقيلة فإن المبلغ لن يقل عن ثلاثة دنانير، وإذا قمت بهذا الارسال عدة مرات في الشهر فإن مبلغاً كبيراً يتحصل من ذلك، ولهذا يحاول موظف البريد مساعدة المرسل كذلك عبر تفهيمه أنواع البريد وكيفية اختصار المبالغ. أما تغيير حياة موظفي البريد ورواتبهم ودرجاتهم فهي مسألة تتحقق في عقود من السنين، وهم من العمال وليسوا من الموظفين فأجورهم زهيدة ومكاسبهم قليلة!

اقرأ المزيد

قرار أم قرارات؟‮!‬

كان متوقعاً‮ ‬كل هذا الجدل الذي‮ ‬أثارته،‮ ‬وستثيره،‮ ‬الرسالة التي‮ ‬بعثها سمو ولي‮ ‬العهد،‮ ‬رئيس مجلس التنمية الاقتصادية إلى جلالة الملك حول العلاقة بين المجلس وبين بعض الاجهزة في‮ ‬الحكومة‮.‬ ولي‮ ‬العهد تحدث في‮ ‬رسالته عن أن عمل المجلس لم‮ ‬يجد له صدى لدى بعض المسؤولين الحكوميين،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬أدى إلى تحقيق صعوبات جمة في‮ ‬تنفيذ مشروعات وخطط وبرامج المجلس‮.‬ وهو أمر بات متداولاً‮ ‬منذ سنوات في‮ ‬الأوساط السياسية والاقتصادية في‮ ‬البلد،‮ ‬التي‮ ‬تتحدث عن ازدواجية في‮ ‬القرار الرسمي‮ ‬حيال عدد من الملفات،‮ ‬من أبرزها الملف الاقتصادي‮.‬ وكشفت الورش وحلقات الحوار التي‮ ‬دعا إليها ديوان ولي‮ ‬العهد ومجلس التنمية الاقتصادية لمناقشة خطط المجلس في‮ ‬الإصلاح الاقتصادي‮ ‬والتعليمي‮ ‬وسوق العمل عن وجود رؤى مختلفة،‮ ‬بين ما‮ ‬يراه مجلس التنمية وبين ما تراه‮  ‬بعض أجهزتها المؤثرة وصاحبة القرار‮.‬ وهو اختلاف تبلغ‮ ‬درجته حد التعارض والتناقض في‮ ‬أغلب الحالات بالطريقة التي‮ ‬تجعل الحديث عن وجود رؤية موحدة للدولة حول الإصلاح الاقتصادي‮ ‬حديثا متعذرا‮.‬ وهو أمر لا‮ ‬يصح الاستمرار فيه والسكوت عنه،‮ ‬لأن وجود أجندات متعارضةٍ‮ ‬ومتناقضةٍ‮ ‬في‮ ‬الدولة تجاه واحد من أهم ملفات الإصلاح،‮ ‬أي‮ ‬الإصلاح الاقتصادي،‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬استمرار حال المراوحة فقط،‮ ‬وإنما تكوّن الظروف التي‮ ‬تدفع بهذا الحال إلى الوراء أيضاً‮.‬ وهذا‮ ‬يدفعنا إلى تكرار ما قيل مرارا عن أن الإصلاح لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتحقق إلا من خلال مسؤولين وأجهزة وعناصر وكفاءات مؤمنة به،‮ ‬وقادرة على التعاطي‮ ‬مع آلياته،‮ ‬وتفعيلها للمضي‮ ‬بأهداف هذا الإصلاح نحو المرامي‮ ‬المتوخاة منه‮.‬ لا‮ ‬يمكن توقع من أجهزة إدارية تشكلت وعملت في‮ ‬الظروف السابقة،‮ ‬واعتادت على أساليب معينة في‮ ‬الأداء،‮ ‬خاصة في‮ ‬ظل الغياب المطلق للرقابة الشعبية والبرلمانية،‮ ‬أن تصبح هي‮ ‬ذاتها من سيعمل على تنفيذ مشاريع الإصلاح‮.‬ والأمور هنا لا تقاس بالكلمات أو بالخطاب الإعلامي،‮ ‬وإنما بالممارسة الفعلية التي‮ ‬تتجسد على شكل خطوات وتدابير،‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬حملت ولي‮ ‬العهد على الحديث عن عدم تعاون بعض الأجهزة الحكومية مع مشروعات وبرامج مجلس التنمية‮.‬ في‮ ‬كلمات،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن نقوم بالشيء أو نقيضه في‮ ‬الآن ذاته،‮ ‬ومن هنا مسؤولية الدولة،‮ ‬ممثلة بأجهزتها المختلفة ومواقع اتخاذ القرار فيها،‮ ‬أن تحسم أمرها حول ما تريده بالضبط،‮ ‬وأن تقدم رؤيتها الموحدة التي‮ ‬على المجتمع أن‮ ‬يعرفها ويتعاطى معها،‮ ‬سواء بالنقد البناء أو التفاعل الايجابي‮.‬ إن كلمات ولي‮ ‬العهد تشير إلى جوهر مشكلة أوسع،‮ ‬لا سبيل إلى التغاضي‮ ‬عنها،‮ ‬فطالما كانت أجهزة رسمية،‮ ‬من وزن مجلس التنمية الاقتصادية،‮ ‬تتوفر على مقدار من النفوذ والصلاحيات والإمكانيات المادية تشكو من عرقلة الحكومة لخطواتها،‮ ‬فما الذي‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقوله البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬المختلفة عن طريقة تعامل بعض الاجهزة في‮ ‬الحكومة معها؟‮!‬

صحيفة الايام
16 يناير 2008

اقرأ المزيد

دفاتر‮ ‬غريب عوض

غريب عوض واحد من البحرينيين الشغوفين بالترجمة من الانجليزية إلى العربية،‮ ‬إضافة إلى كونه واحدا من المتابعين المثابرين للأنشطة الثقافية والفكرية في‮ ‬البلد‮.‬ لكن مركز الثقل في‮ ‬اهتمام‮ ‬غريب بالترجمة موجه نحو الدراسات الفكرية،‮ ‬مولياً‮ ‬اهتماماً‮ ‬خاصا للتعريف بالأطروحات التي‮ ‬تعالج دور القوى الديمقراطية والتقدمية واليسارية في‮ ‬عالمِ‮ ‬اليوم المتغير،‮ ‬ومناقشة قضايا التحول الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬العالم‮.‬ وبهذا المعنى‮ ‬يبدو‮ ‬غريب عوض واحداً‮ ‬من قلةٍ‮ ‬نادرةٍ‮ ‬جداً‮ ‬في‮ ‬هذا البلد،‮ ‬التي‮ ‬تتوجه هذه الوجهة التي‮ ‬نحتاجها‮. ‬ونُشرت ترجمات‮ ‬غريب عوض في‮ ‬بعض صحفنا المحلية،‮ ‬كما أن بعض الدراسات التي‮ ‬يحرص على انتقائها بعناية وترجمتها تنشر مسلسلة في‮ ‬نشرة‮ “‬التقدمي‮” ‬الصادرة عن المنبر الديمقراطي‮ ‬التقدمي،‮ ‬وقبل ذلك في‮ ‬نشرة‮ “‬أخبار المنبر‮”.‬ ‮   ‬دار‮ “فراديس‮” ‬وبالتعاون مع الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان تولت نشر مجموعة كراريس ترجمها‮ ‬غريب عوض عن الانجليزية،‮ ‬وصدرت في‮ ‬سلسلة‮ “‬دفاتر ديمقراطية‮”.‬ ‮”‬مدخل إلى الديمقراطية‮” ‬هو عنوان هذه الكراريس التي‮ ‬صدر منها اثنانُ‮ ‬حتى الآن،‮ ‬والثالث‮ ‬يصدر قريبا،‮ ‬ومن وضع الباحثين ديفيد بيتهام وكيفن بويل‮.‬‮‬سبق لمادة هذه الحلقات أن نشرت على مدار زمني‮ ‬طويل نسبيا في‮ ‬الملحق الثقافي‮ ‬لجريدة‮ “‬أخبار الخليج‮” ‬الذي‮ ‬يشرف عليه الروائي‮ ‬والكاتب عبدالله علي‮ ‬خليفة،‮ ‬وهي‮ ‬تشكل مادة تعريفيةً‮ ‬شارحةً‮ ‬ومفيدةً‮ ‬للناشطين في‮ ‬الحقلين السياسي‮ ‬والحقوقي،‮ ‬لا بل أنها بالطريقة التعليمية التي‮ ‬تتميز بها تعد مرجعاً‮ ‬مفيداً‮ ‬للقارئ العادي،‮ ‬ولكل المتابعين لقضايا التنمية السياسية والتحول الديمقراطي‮.‬ وهي‮ ‬مادة نحتاجها في‮ ‬بلادنا البحرين في‮ ‬فترة التحول الراهنة،‮ ‬لأنها تتناول المفاصل الرئيسية في‮ ‬قضايا البناء الديمقراطي،‮ ‬من الوجهتين النظرية والعملية،‮ ‬أي‮ ‬من زاوية الفقه السياسي‮ ‬والحقوقي،‮ ‬ومن زاوية التجارب الملموسة في‮ ‬العالم‮.‬ ‮  ‬تولى الناشط الحقوقي‮ ‬المهندس عبدالنبي‮ ‬العكري‮ ‬التقديم للكراسين اللذين صدرا حتى الآن،‮ ‬داعياً‮ ‬إلى الذهاب في‮ ‬عملية البناء الديمقراطي‮ ‬نحو جوهرها،‮ ‬بما تفرضه من استحقاقات تتجاوز حدود المظهر الخارجي،‮ ‬بأن تكسب الهياكل التي‮ ‬تقترحها الديمقراطية محتوىً‮ ‬ديمقراطياً‮ ‬فعلياً‮.‬ وبودي‮ ‬في‮ ‬هذه العجالة توجيه تحية تقدير للصديق‮ ‬غريب عوض الذي‮ ‬تشكل ترجماته مساهمةً‮ ‬مهمةً‮ ‬في‮ ‬تعريف القارئ البحريني،‮ ‬وحتى العربي‮ ‬أيضاً،‮ ‬بما هو في‮ ‬حاجةٍ‮ ‬إليه من معرفةٍ‮ ‬واطلاعٍ‮ ‬على قضايا تلامس هواجس مجتمعنا والمجتمعات العربية الأخرى التي‮ ‬تعبر مساراً‮ ‬مشابهاً‮ ‬لذاك الذي‮ ‬نجتازه نحن في‮ ‬البحرين في‮ ‬الفترةِ‮ ‬الراهنة‮.‬ ونحن على ثقة من أن ما ننتظره من‮ ‬غريب من قادمِ‮ ‬الترجمات سيصب في‮ ‬هذا السياق،‮ ‬ويثريه بالمفيد والضروري‮ ‬على نحو ما اعتدناه فيه من دأبٍ‮ ‬في‮ ‬مجمل عمله،‮ ‬وفي‮ ‬حرصه على أن‮ ‬يكون قريباً‮ ‬ومتفاعلاً‮ ‬مع ما‮ ‬يدور في‮ ‬مجتمعه وفي‮ ‬حركته التقدمية والديمقراطية بشكلٍ‮ ‬خاص‮.‬
 
صحيفة الايام
15 يناير 2008

اقرأ المزيد

مع زيارة بوش هل تحل البركة أم الشر يَطُرق؟

أي المثلين، ‘حلت البركة’ أم ‘طرق المدينة شر عظيم’، ينطبق على زيارة الرئيس الأميركي بوش لمنطقة الشرق الأوسط والخليج؟ ردود الأفعال الرسمية في جميع البلدان التي زارها تقول ‘بالبركة’، أما الشعبية، بما في ذلك داخل إسرائيل فتشم فيها رائحة الشر. أي الرأيين أصدق؟ ذلك يعتمد على الإجابة المنطقية على سؤالين. الأول، هل سيتمكن الرئيس الأميركي فيما تبقى له من وقت في سدة الحكم أن يخرج بحل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ناهيك عن التسوية الشاملة لقضية الشرق الأوسط؟ والجواب بالطبع لا. لقد علق الفلسطينيون الغاضبون شعارا واحدا تكررت نسخه أينما حل بوش: ‘كاوبوي ‘2000 وهي ماركة لنوع من الجينز الأميركي. ولعل الشعار يريد أن يقول إن راعي البقر لم يفلح في التحول إلى راع للبشر مذ جاء إلى الحكم مع نهاية وبداية الألفيتين. لم يثبت الرجل بأنه يعني ما يقول في أي من ادعاءاته. فلا العراق أصبح نموذجا للديمقراطية كما كان يكرر. ولا الدولة الفلسطينية قامت في 2005 كما بشر. وأميركا لا تردع العدوان، بل دعمت العدوان الإسرائيلي على لبنان العام .2006
وحتى لو أراد بوش أن يحقق تقدما يذكر ليعدل من سجل تاريخه الرئاسي المثقل بالإخفاقات فليس لأي تقدم من حظ ما لم يكن ذلك بالاتفاق مع الحزب الديمقراطي الذي يبدو أنه سيفوز بالرئاسة المقبلة. لكن الرئيس محاط بالعزلة في داخل حزبه. ومن سوء حظ الرئيس بوش أن نظيره الإسرائيلي أولمرت يعاني من عزلة مثيلة لدرجة أن بوش يستجدي من بقية السياسيين الإسرائيليين دعم أولمرت. أما الشريك الفلسطيني فلم تعد سلطته تنبسط على أراضي السلطة الفلسطينية بعد الانقلاب الانفصالي الذي قامت به حماس فشطرت الأرض وأضعفت السلطة. إن وجبة الغداء السخية التي كلفت السلطة الفلسطينية 90 ألف دولار، وهو ما يساوي ثلث رواتب شهر واحد لجميع الموظفين في رام الله لا يمكن أن تخفي لا ضعف الإمكانات المادية ولا النفوذ السياسي للطرف الفلسطيني المفاوض.
باختصار، إنه ليس الظرف الصحيح لاتخاذ القرار الصحيح بشأن القضية الفلسطينية. ولعل بوش الذي اعتدنا على أن أقواله لا تتطابق وأفعاله يعرف مدى الحظوظ جيدا. ولذلك فإنه عندما يردد بأن ‘الخيار صعب، لكن السلام ممكن’ مشيرا إلى أنه يمارس الضغط على الطرفين، فإنه في الحقيقة لا يفعل ما طالب به رئيس تحرير ‘هآرتس’ الإسرائيلية ديفيد لانداو وزيرة الخارجية الأميركية رايس قائلا ‘بعد أربعين عاما من المحاولات الفاشلة لحل مشكلة الاحتلال فإن إسرائيل بحاجة إلى دفع جدي من قبل أميركا.. اغتصبوها (مستخدما كلمة) ‘rape’ بمدلولها الجنسي). ورغم أن بوش أكد على أن فلسطين لا يجب أن تصبح كالجبنة السويسرية في إشارة إلى وحدة أراضي الدولة الفلسطينية المقبلة، ورغم أن صحافيين وصفوا هذا القول بأنه ‘خطوة على الطريق الصحيح’، إلا أن ‘لي تان Le Temps ‘السويسرية أشارت في 11 في يناير/ كانون الثاني الجاري إلى أن الصحافيين ذاتهم، وبعد المؤتمر الصحافي، شجبوا الرئيس الأميركي الذي ‘لا يمارس ضغطا جديا على إسرائيل لكي تتراجع عن مواقفها’. فهو لم يحدد أين ستقوم هذه الدولة، أمن جسر اللمبي حتى الحدود مع الأردن، أم بين أريحا ورام الله، أم بين رام الله وجنين وبيت لحم، أم بين رام الله وغزة؟ كما لم يتحدث بجدية عن الأمور المهمة الأخرى كوضع القدس وتجميد بناء المستوطنات وإزالة الجدران العازلة التي يقول عنها أنري هيرشون، الصحافي من لي نويل أبزرفاتور الفرنسية، بأنها تقع في مركز المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة من دون أن تحقق تقدما. وعليه يمكن الحكم بأن جواب السؤال المتعلق بالشق الفلسطيني الإسرائيلي هو النفي. بل إن القضية تزداد تعقيدا بتأكيده على يهودية دولة إسرائيل، وبالتالي على حق التعويض من دون حق العودة للاجئين.
السؤال الثاني: هل يمكن أن يكون بوش جادا في التعبئة من أجل شن حرب عدوانية ضد إيران خصوصا وأن ذلك يتزامن مع حادث مضيق هرمز بين الزوارق الإيرانية والسفن الحربية الأميركية؟ في حديث لي مع زميلي عبدالنبي العكري بشأن هذا الشأن استل العكري على الفور من ذاكرته التي لا تصدأ حادث تونكين في العام .1964 فعندما اقتربت البارجة الحربية الأميركية ‘ميدوكس’ من مياه فيتنام الشمالية هاجمتها الزوارق الطوربيدية الفيتنامية. وتكرر الحادث بعد يومين. بعد ذلك أصدر الرئيس الأميركي لندون جونسون أوامره لقصف أهداف عسكرية بحرية فيتنامية. واستغل الرئيس جونسون الحدث للحصول من الكونغرس على قرار بدعمه. لكن الرئيس ووزير الخارجية دين راسك ووزير الدفاع روبرت مكنمارا ومستشار الأمن القومي ماك جورج اعتبروا ذلك بمثابة تفويض لشن حرب غير معلنة حولت إلى الحرب الأهلية في فيتنام إلى حرب ذات طابع وأبعاد دولية كانت أميركا الخاسر الأكبر فيها. غرقت أميركا في وحل هذه الحرب القذرة. ففي قرابة ثمان سنوات ونصف من أغسطس/ آب 1964 إلى يناير/ كانون الثاني 1973 خسرت أميركا أكثر من 58 ألف قتيل عسكري ومدني و153 ألف جريح و2300 مفقود.
إذا ما استفدنا من دروس التاريخ فيبدو أننا أمام وضع مشابه. وأن الرئيس الأميركي جدي في هذه المسألة. وبعكس الشق الفلسطيني في جولته فإن تفجير الوضع هنا لا يحتاج إلى اتفاق مع الحزب الديمقراطي، بل إن الإدارة الحالية تريد توريث الرئيس المقبل الاستراتيجية الكونية والنزعة العدوانية ذاتهما ضد بلدان العالم. وبلا مواربة قال الرئيس بوش إن أحد الأسباب التي هو ذاهب من أجلها إلى الشرق الأوسط هي التوضيح بلا لبس بأن إدارته ترى في إيران خطرا. وإذا ما استفدنا من دروس التاريخ أيضا فإن جردة حساب لحصيلة دعم بلدان الخليج للعراق في حربه على إيران بتشجيع من الولايات المتحدة (1980-1988)، ثم دعم الولايات المتحدة في غزو أفغانستان في ,2001 وبعدها في غزو العراق في 2003 ستبين أن الاستقرار في الخليج لم يتوطد، بل تزعزع. وأنه إذا أرادوا إقناعنا بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا كامنا، فهناك أكثر من مؤشر على إمكان بلدان المنطقة بنفسها حل المشاكل الداخلية فيما بينها. لكن الذي ثبت حقا هو أن السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط باتت هي أكبر الأخطار على الإطلاق.
وعليه فإن قلق الشعوب من هذه الزيارة وردود فعلها كما في المظاهرات والاجتماعات والبيانات الاحتجاجية التي شهدتها البحرين في الأيام الأخيرة محقة ومبررة، تماما بعكس الترحيب الرسمي الذي ليس ما يبرره سوى واجب البروتوكول الذي تفرض مقتضياته ذلك دون أن يعني أن ‘بركة قد حلت’. قادة بلدان المنطقة يعرفون قبل غيرهم أن شرا محدقا يجب درؤه.

صحيفة الوقت
14 يناير 2008

اقرأ المزيد

مقاتلون على شكل مرتزقة

على موقع‮ »‬الحوار المتمدن‮« ‬يلفت الكاتب عبد الوهاب حميد رشيد أنظارنا إلى ظاهرة تطبع السياسة الأمريكية في‮ ‬العراق،‮ ‬وهي‮ ‬عدم الاكتفاء بالدور الأمني‮ ‬لقوات الاحتلال النظامية في‮ ‬حماية المصالح الأمريكية هناك،‮ ‬وإنما الاستعانة بمرتزقة‮ ‬يضطلعون بمثل هذه المهام بموجب عقود خاصة مع الشركات العاملة في‮ ‬مجال النفط وسواه التي‮ ‬تحقق عشرات المليارات من الأرباح في‮ ‬ظل استمرار الاحتلال‮.‬ وينقل الكاتب عن الصحافة الأمريكية ما‮ ‬يفيد بأن عدد أصحاب العقود الخاصة في‮ ‬العراق اليوم‮ ‬يزيد على عدد القوات الأمريكية بـ ‮٠٢ ‬ألفاً‮ ‬على الأقل‮. ‬ وحسب‮ »‬لوس انجلوس تايمز‮« ‬في‮ ‬أحد أعدادها خلال الفترة الماضية،‮ ‬يتواجد أكثر من ‮٠٨١ ‬ألف فرد من أصحاب العقود الخاصة العاملين في‮ ‬العراق،‮ ‬بينما بلغ‮ ‬عدد القوات الأمريكية بعد الإضافة ‮٠٦١ ‬ألفا‮.‬ يتم استخدام عناصر الأمن من أصحاب العقود الخاصة لحماية الرسميين في‮ ‬الحكومة العراقية ولرجال الأعمال،‮ ‬وحراسة البنايات والسفارات،‮ ‬كما في‮ ‬شركات مثل‮: ‬بلاك ووتر،‮ ‬دينكورب،‮ ‬وتربلكانوبي،‮ ‬وايرنسي‮.‬ ومن ذلك أن شركة‮ »‬كي‮.‬بي‮.‬آر‮«‬،‮ ‬وهي‮ ‬شركة خدمات نفطية مقرها في‮ ‬هيوستن وحصلت على عقود مهمة في‮ ‬العراق،‮ ‬تملك وحدها ‮٤١ ‬ألفاً‮ ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬مهمتها توفير دعم لوجستي‮ ‬لقوات الاحتلال‮. ‬ وهو ما‮ ‬يفسره ناطق باسم احد المجمعات النفطية العسكرية‮: »‬علينا أن نعزز أكثر صيغة المستثمرين المغامرين لأنها تشجع العاملين على أن‮ ‬يكونوا فعالين متقدمين لا متراجعين،‮ ‬وأن‮ ‬يعملوا ببيروقراطية أقل وأكثر شبهاً‮ ‬بالمستثمرين المغامرين‮«.‬ تسمح صيغة العقود الخاصة لإدارة بوش بنشر قوات خاصة،‮ ‬في‮ ‬حين تخفي‮ ‬هذه الصيغة الأعداد الحقيقية لجنوده المصابين في‮ ‬المعارك من قتلى وجرحى‮.‬ خلال الفترة ‮١٠٠٢-٨٠٠٢ ‬تكون الولايات المتحدة قد أنفقت ما‮ ‬يبلغ‮ ٣.٢ ‬تريليون دولار على السلع والخدمات العسكرية،‮ ‬وكل هذه المبالغ‮ ‬تذهب إلى شركات خاصة،‮ ‬أغلبها شركات عقود خاصة في‮ ‬العراق‮.‬ يندرج ذلك في‮ ‬إطار التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة في‮ ‬التوسع عبر العالم،‮ ‬استجابة لمصالح المجمع الصناعي‮ ‬الحربي‮ ‬الباحث عن أسواق وفرص استثمار جديدة،‮ ‬مدعوماً‮ ‬بالقوة الغاشمة التي‮ ‬لن تتورع عن شن المزيد من الحروب،‮ ‬ولن تعوزها الذرائع والحجج والمبررات لشن مثل هذه الحروب تحت هذه اليافطة أو تلك‮.‬
 
صحيفة الايام
14 يناير 2008

اقرأ المزيد

عن الأحزاب السياسية

سألتني‮ ‬إحدى صحفنا المحلية عن رأينا في‮ ‬المنبر التقدمي‮ ‬من الدعوة التي‮ ‬أطلقها الأخوة في‮ ‬جمعية العمل الإسلامي‮ ‬في‮ ‬التحول إلى حزب سياسي‮.‬ هذا السؤال،‮ ‬والدعوة التي‮ ‬حفزت الصحيفة على طرحه،‮ ‬تعيدنا إلى جوهر النقاش الذي‮ ‬نشأ في‮ ‬أوساط الجمعيات السياسية،‮ ‬وفي‮ ‬المجتمع عامة في‮ ‬مطالع الحياة النيابية في‮ ‬عام ‮٢٠٠٢.‬ كانت كتلة النواب الديمقراطيين في‮ ‬المجلس السابق قد تقدمت بمشروع قانون للأحزاب السياسية في‮ ‬البحرين،‮ ‬ووضعت اللجنة القانونية في‮ ‬المنبر التقدمي‮ ‬مسودة هذا القانون،‮ ‬وتولى النواب الديمقراطيون في‮ ‬حينه إرسال نسخ منه إلى الجمعيات السياسية الأخرى لأخذ رأيهم فيه،‮ ‬قبل التقدم به إلى المجلس،‮ ‬ولكن بالنظر للموقف السلبي‮ ‬الذي‮ ‬اتخذته الجمعيات المقاطعة‮ ‬يومها من فكرة التعامل مع النواب،‮ ‬جرى تجاهل الأمر من جانبها كليا‮.‬ في‮ ‬غمرة التشاور مع الكتل الأخرى في‮ ‬المجلس حول الموضوع،‮ ‬تقدم عدد من النواب الذين عرفوا‮ ‬يومها بـ‮ »‬المستقلين‮« ‬بمشروع قانون للجمعيات السياسية،‮ ‬بديلا لمشروع النواب الديمقراطيين،‮ ‬وقد اعتمدت اللجنة التشريعية في‮ ‬مجلس النواب‮ ‬يومها مشروع كتلة المستقلين بشأن الجمعيات السياسية،‮ ‬واستبعدت مشروع‮ »‬الديمقراطيين‮« ‬بشأن الأحزاب السياسية‮.‬ كانت مآخذنا،‮ ‬ومآخذ بقية الجمعيات على ذلك المشروع لا تحصى،‮ ‬وفي‮ ‬حينه نظم المنبر التقدمي‮ ‬ورشة اقترحت قانونا بديلا،‮ ‬اقترحنا تسميته بقانون التنظيمات السياسية،‮ ‬على أن‮ ‬يترك لكل جمعية اختيار التسمية التي‮ ‬تريدها،‮ ‬وتقتضي‮ ‬الأمانة التاريخية القول إن هذه التسمية اقترحها عضو المنبر التقدمي‮ ‬المحامي‮ ‬والنائب السابق محسن مرهون،‮ ‬ومن ثم اعتمدها المنبر‮.‬ في‮ ‬نتيجة أعمال تلك الورشة جرت مشاورات موسعة بين الجمعيات السياسية أدت إلى التوافق على مشروع بديل لذاك المقدم إلى مجلس النواب،‮ ‬وقام وفد من رؤساء الجمعيات السياسية باللقاء بكل من رئيسي‮ ‬مجلسي‮ ‬النواب والشورى الأستاذ خليفة الظهراني‮ ‬والدكتور فيصل الموسوي،‮ ‬وسلمهما نص ذلك المقترح‮.‬ للإنصاف فان اللجنة التشريعية في‮ ‬مجلس النواب أخذت بالكثير مما ورد في‮ ‬مقترحنا البديل،‮ ‬ولكنها بالمقابل أبقت على الكثير من القيود الموجودة في‮ ‬مشروع قانون الجمعيات السياسية المقدم من كتلة‮ »‬المستقلين‮«‬،‮ ‬ليصدر قانون الجمعيات المعمول به حاليا بسلبياته وايجابياته‮.‬ لا علم لنا بتفاصيل دعوة جمعية العمل الإسلامي‮ ‬حول التحول إلى حزب سياسي،‮ ‬ولكن،‮ ‬في‮ ‬حقيقة الأمر،‮ ‬فان طبيعة النشاط الذي‮ ‬تمارسه الجمعيات السياسية،‮ ‬خاصة منها تلك ذات التاريخ العريق هو عمل حزبي‮ ‬في‮ ‬آلياته وطبيعته،‮ ‬بصرف النظر عن المسمى الذي‮ ‬نص عليه القانون‮.‬ وأن تتغير تسمية القانون ليصبح قانونا للأحزاب السياسية أمر حميد،‮ ‬ولكنه لن‮ ‬يغير الكثير من جوهر الأمر طالما استمرت القيود المنصوص عليها في‮ ‬بنوده نافذة،‮ ‬فالعبرة ليست في‮ ‬التسمية وإنما في‮ ‬جوهر الحق في‮ ‬العمل الحزبي‮ ‬الذي‮ ‬أصبح لأول مرة في‮ ‬تاريخ البحرين شرعيا ومحميا بالقانون‮.‬ ولأننا ندعو لقيام دولة المؤسسات والقانون،‮ ‬ونعمل في‮ ‬سبيل ذلك فإننا نرى أن السبيل الصحيح هو العمل على تطوير هذا القانون من خلال الآليات الدستورية،‮ ‬وليس من ضرر في‮ ‬أن‮ ‬يتم ذلك بشكل تدريجي،‮ ‬فضلا عن أن هناك مساحات في‮ ‬العمل الحزبي‮ ‬يوفرها القانون الحالي‮ ‬يجب استثمارها بصورة أفضل،‮ ‬وهو ما لا‮ ‬يحدث في‮ ‬الكثير من الحالات‮.‬

 
صحيفة الايام
7 يناير 2008
اقرأ المزيد