المنشور

الآمال المنشودة

عبّرت البحرين عن حزنها على رحيل صاحب السموالملكي الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، وجرى استذكار ما قدّمه الراحل من خدمات ومنجزات للوطن على مدار عقود، وما نهض به من أدوار في بناء الدولة وأجهزتها المختلفة.
وعبّر البحرينيون أيضاً عن تهانيهم لصاحب السمو الملكي ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة على الثقة الملكية السامية بتعيينه رئيساً لمجلس الوزراء، وعن تمنياتهم له بالتوفيق في أداء المهام الكبيرة في المرحلة المقبلة، في مواصلة مسيرة التنمية وتحقيق تطلعات المواطنين في حياة كريمة تلبي حاجاتهم في مختلف المجالات.
وفي هذا السياق جاء ما عبّر عنه المنبر التقدمي من خلال البلاغ الصادر عن مكتبه السياسي، الذي رفع فيه التعازي برحيل المغفور له الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، كما تمنى فيه لسمو ولي العهد رئيس الوزراء التوفيق والسداد في تلبية أماني وتطلعات شعب البحرين وتحقيق كلما ينهض بواقع هذا الشعب في المرحلة المقبلة، ويفتح آفاق جديدة له خاصة في مجالات التنمية والتطور والتحديث وضمان الحياة الكريمة للمواطنين وتحقيق المواطنة الدستورية.
وعبرت جمعيات سياسية، بينها المنبر التقدمي، ومؤسسات للمجتمع المدني وهيئات شعبية مختلفة، عن حرصها على دعم ومساندة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في توجهاته الرامية إلى تحقيق تلك الأهداف والتطلعات، وكل ما يصبو إليه شعب البحرين، وتحقيق المصالح العليا للوطن والمواطن.
التحدّيات التي أمام وطننا ليست قليلة، خاصة في ظروف الأزمة الاقتصادية العامة في العالم التي فاقمتها جائحة “كورونا”، وترافقت مع الانخفاض الكبير في أسعار النفط الذي هو مصدر دخلنا الأساسي، كما أننا نقع في إقليم مضطرب يواجه مخاطر مختلفة تهدد الأمن والاستقرار فيه.
ومن هذه الزواية بالذات أكدّ “التقدمي” على أهمية بلوغ المعالجات الصائبة للمشكلات والمعوقات التي تواجه بلادنا على كل الصعد، ومثل هذه المعالجات تتطلب توافقاً بين الإرادتين الشعبية والرسمية، والمؤمل أن سمو ولي العهد رئيس الوزراء الذي يدرك أهمية ذلك، سيواصل جهوده في هذا الاتجاه، وسيحرص على مشاركات شعبية أوسع في رسم القرارات، بما في ذلك السعي لتطوير الأدوات الرقابية والتشريعية لمجلس النواب ليكون شريكاً فعالاً في أداء هذا الدور.
وتتميز البحرين بوجود كوادر كفؤة من أبنائها من الجنسين ومن مختلف الأجيال، بمن فيها الجيل الشاب، وهي قادرة على العطاء والبذل في خدمة الوطن إن وجدت الرعاية والاهتمام والتمكين، ونثق بأن سمو ولي العهد رئيس الوزراء سيعطي هذا الأمر اهتمامه الكبير.

اقرأ المزيد

التطبيع مرفوض شعبيا

في البحرين وفي غيرها من الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع دولة الاحتلال الصهيوني، وفي الدول التي ستسير على الطريق نفسه، هناك حقيقة ساطعة هي أن هذا التطبيع مرفوض شعبياً، ولن يحظى، في أي حال من الأحوال، بغطاء شعبي، ولا حتى بتفهم للمزاعم التي تساق لتبريره.
ولنا في ذلك تجربة ثابتة وواضحة في دلالاتها، هي تجربة التطبيع في مصر والأردن، فرغم مرور عقود على توقيع حكومتي البلدين على ما وصف ب”اتفاقيات سلام”، فإن شعبيهما الشقيقين استمرا في رفض هذا التطبيع، ووقفت القوى الشعبية كافة سداً منيعاً بوجه أي اختراق صهيوني للمجتمع فيهما، كما كشفت التجربة نفسها زيف المزاعم التي يجري ترويجها عن الرفاه المنتظر من وراء التطبيع مع عدوٍ غاصب وعنصري معبىء بالكراهية ليس فقط لكل ما هو فلسطيني، وإنما لكل ما هو عربي.
وقد كشفت ردود الفعل الشعبية في البحرين خلال الأسابيع القليلة التي مرّت منذ اعلان توقيع الاتفاق مع الكيان الصهيوني استياء كافة مكونات شعبنا من هذه الخطوة، وتأكيدها على أن الصهاينة غير مرحب بهم في بلادنا بكافة الصور، ونحن على يقين من أن شعبنا الذي تربى على حب فلسطين وشعبها، والتضامن مع قضيتها العادلة، ولم يتردد بعض أبنائه عن التضحية بأرواحهم في سبيل نصرتها، سيستمر على هذا الموقف على الدوام.
وتجلى موقف شعبنا في رفض التطبيع في الكثير مما نشرته وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ما صدر من بيانات من الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وهيئات وجمعيات مناهضة التطبيع والتضامن مع شعب فلسطين، وفي الندوات الافتراضية المختلفة التي شارك فيها نشطاء بحرينيون معبرين عن موقف شعبهم مما يجري.
وفي هذا السياق أتى البيان الذي أصدرته اللجنة التنسيقية للجمعيات السياسية، وأعلنت فيه رفضها للاتفاقيات المبرمة بين مملكة البحرين والكيان الصهيوني، التي جاءت بالتزامن مع إعلان الكيان الصهيوني عن إنشاء آلاف المستوطنات الجديدة في أراضي الضفة الغربية المحتلة، مؤكدة أن ذلك يكشف بكل وضوح نوايا الكيان في ضم كافة الأراضي المحتلة وتهويدها.
ودعا البيان شعب البحرين بكافة فئاته وشخصياته وجمعياته السياسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى ترجمة المواقف المناهضة للتطبيع بمقاطعة أي سلع وخدمات شملتها الاتفاقيات الموقعة في الجوانب التجارية، أو السياحية، أو الصحية، أو الاستثمارية، أو غيرها، كما دعت إلى إطلاق حملة واسعة تضامناً مع الشعب الفلسطيني الشقيق، ولفضح واستنكار كافة الممارسات الإجرامية الصهيونية ضده.

اقرأ المزيد

الصهاينة غير مرحب بهم

في محله تماماً ما قاله البيان الصادر عن عددٍ كبير من الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في البحرين من أن إعلان إتفاق بين مملكة البحرين وإسرائيل، وما ينجم عنه من آثار لن تحظى بأي غطاء شعبي انسجاماً مع ما نشأت عليه أجيال من البحرينيين في التمسك بقضية فلسطين، لأن شعبنا سيظل نصيراً لفلسطين وشعبها حتى ينال كامل حقوقه التي تضمنها له المواقف والقرارات الدولية التي أجمعت عليها دول العالم والمنظمات الدولية، وفى المقدمة منها حقه في العودة إلى أرضه المغتصبة، وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
هذا البيان عكس جانباً مهماً من حال الرفض الشعبي الواسع في البحرين لكافة صور التطبيع مع العدو الصهيوني، ووقعت عليه سبع عشرة منظمة ومؤسسة، بينها منبرنا التقدمي وعدد من الجمعيات السياسية الأخرى، فضلاً عن طيف واسع من مؤسسات المجتمع المدني، نقابية ونسائية وشبابية وحقوقية، أكدّت على تمسكها بثوابت الشعب البحريني من القضية الفلسطينية العادلة.
لا أحد من أبناء شعبنا الواعي المتمسك بثوابته الوطنية والقومية يصدّق الأقوال بأن هذا التطبيع سيجلب الاستقرار والرخاء في المنطقة، فاتفاقيات التطبييع العربية السابقة مع إسرائيل، تؤكد أن العرب لم يجنوا أي ثمار أو فائدة منها، بل أن أوضاعها أصبحت أسواَ اقتصادياً، فيما نال العدو الغاصب ثمار ذلك باالاعتراف به، دون أن يقدّم أدنى تنازل، فحتى الأراضي التي انسحب من بعضها، هي أراض عربية محتلة لا تعاد بمقايضات.
أما الحديث عن السلام والإستقرار في المنطقة، فالتجربة تؤكد للجميع بأن أي تطبيع أو أي شكل من التسوية لا يضمن حقوق الفلسطينين القومية في أرضهم وإقامة دولتهم الوطنية عليها، لن يؤدي إلى أي استقرار، بل قد يدفع المنطقة نحو استقطابات ونزاعات هي في غنى عنها، ستكون كلفتها باهظة على شعوبنا وبلداننا.
تراث شعبنا الوطني وتعلقه بقيم الحق والعدالة والسلام العادل، وإنحيازه العميق لكافة قضايا أمتنا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، سيكون مصداً بوجه الصهاينة، الذين عليهم أن يدركوا ذلك وأن يعرفوا أن هذه هي البحرين وشعبها، وأنه لن يكون مرحباً بهم من الشعب ولا ببضائعم بأي صورة من الصور. وشعبنا متمسك بما نصّت عليه التشريعات المعمول بها، وبينها مواد القانون رقم (5) لسنة 1963 والتي تجرّم التطبيع مع العدو الصهيوني، كما أن نصوص الدستور وروحه تذهب إلى الوجهة ذاتها، خاصة ما أكدته المادة الأولى في هذا الدستور فقرة “د” بأن الشعب مصدر السلطات.

اقرأ المزيد

شعب البحرين ضد التطبيع

أعلنت مجموعة من الجمعيات السياسية، بينها المنبر التقدمي، ترحيبها بالموقف الذي عبّر عنه جلالة عاهل البلاد، خلال استقباله مؤخراً وزير الخارجية الأمريكي، والذي شدد فيه جلالته على أهمية قيام الدولة الفلسطينية، وأن السلام العادل والشامل هو المؤدي إلى قيام هذه الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وفق القرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية عام 2002.
وسبق لوفدٍ من هذه الجمعيات أن التقى سفير دولة فلسطين في مملكة البحرين وسلمّه نص البيان الذي أصدرته، وأكدّت فيه على موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية، والرافض لأي تطبيع مع الكيان الاسرائيلي الغاصب للأرض الفلسطينية، والداعم للشعب العربي الفلسطيني.
واعتبرت الجمعيات السياسية أن أي خطوة باتجاه التطبيع، ستشكل دافعا لزيادة العداء والبطش الإسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني ولن تخدم القضية الفلسطينية بالمطلق، معبرة عن مطالبتها حكومة مملكة البحرين برفض أي محاولة ضغط تهدف الى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعدم الإنصياع للموقف الأمريكي غير المنصف وغير العادل، والمنحاز تماما للمصالح الإسرائيلية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، من خلال ما عرف ب”صفقة القرن” المشبوهة.
وعبرت هذه الجمعيات في بيانها عن الإعتزاز بموقف شعب البحرين في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعن دعمه ومناصرته قضية الفلسطينية والتزامه بعدم التفريط بالحقوق الفلسطينية، وخاصة حقه في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
السفير الفلسطيني رحبّ بدوره بالبيان التضامني للجمعيات السياسية، وثمّن مواقف شعب البحرين التاريخية في دعم ومناصرة القضية الفلسطينية، مؤكداً أن أن هذا الموقف ليس بغريب على شعب البحرين، بكافة أطيافه، المشهود له بمناصرة ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.
مختلف القوى والتيارات الوطنية في البحرين، إن على شكل جمعيات سياسية أو مؤسسات للمجتمع المدني، أو شخصيات وطنية وبرلمانية، حذّرت، مراراً، من مغبة الانزلاق نحو قبول صفقة القرن، أو التواطؤ معها، لما تشكله من مؤامرة كبرى هدفها إلغاء مبدأ حل الدولتين، في تجاهل لكل ما أقرّته الامم المتحدة ومجلس الأمن في هذه الصدد، وإلغاء حق العودة للفلسطينيين وتوطينهم في أماكن لجوئهم، والانحياز الكامل الى ما يسمى ب”أمن” اسرائيل على حساب أمن بقية الدول العربية والعمل على طمس هوية القدس العربية وتهجير الفلسطينيين منها ووضعها بالكامل تحت السيادة الإسرائيلية.
إن ما عبّر عنه عاهل البلاد مؤخراً يعكس موقف شعبها الرافض لكافة أشكال التطبيع أو التعاون مع دولة الاحتلال الصهيوني، والملتزم بنصرة ودعم الأشقاء الفلسطينيين في قضيتهم العادلة.

اقرأ المزيد

حق الموظف في نقد السياسات

انتقدت خمس جمعيات سياسية هي: المنبرالتقدمي، التجمع القومي، التجمع الوحدوي، الوسط العربي الإسلامي والصف الإسلامي، في بيان مشترك صادر عنها ما وصفته ب”تهديد موظفي الدولة بجزاءات إن مارسوا حق التعبير عن الرأي، وكأن الحكومة مصانة وفوق مستوى النقد، وهو أمر يمكن أن يخضع لكثير من التأويلات والشكوك حول بواعث الحجر على هذا الحق الذي يعتبر بحسب كل المعاهدات والأعراف الدولية حقاً مقدسًا لا يمكن مصادرته، أو التضييق عليه”.
بيان الجمعيات جاء على خلفية صدور القرار رقم 20 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، والذي تضمّن، ضمن ما تضّمن، إضافة بند على المادة رقم 34 في اللائحة، تحت الرقم 10 ينصّ على أنه “يجوز للموظف طوال شغله لوظيفته نشر وجهة نظره بكافة الوسائل، شريطة ألا يتناول ما يثير الخلافات في المجتمع أو يؤثر على الوحدة الوطنية، أو يوجه النقد لسياسات الحكومة وقراراتها باي وسيلة من الوسائل”.
فهذا البند، على الأقل في الجزء المتعلق بمنع الموظف من توجيه النقد لسياسة الحكومة وقراراتها، بصرف النظر عن طبيعة هذه القرارات، مخالف للنصوص الدستورية التي تكفل للمواطنين، ومن ضمنهم الموظفين الحكوميين بطبيعة الحال، حرية التعبير وإبداء الرأي في الشؤون العامة للوطن والمجتمع، بما في ذلك سياسات الدولة.
وكان من الطبيعي أن تنصرف الأنظار حول توقيت صدور هذا التعديل، حيث لفت بيان الجمعيات المشارإليه الأنظار إلى أنه “يأتي في وقت بدأت فيه الدولة تعمل على تنفيذ خطط واجراءات على صعيد إعادة هيكلة الجهاز الإداري الحكومي، وإذا كانت هناك بعض الآمال العريضة المعلقة على هذه الخطوة من منطلق أنها تخدم مرامٍ وأهداف تصب باتجاه هدف الإصلاح الإداري المنشود، إلا أن الحجر على حرية الرأي والتعبير في أوساط موظفي الحكومة خطوة لا تخدم هذا الهدف وستجعل تلك الآمال مجرد آمال تنتظر وقتها”.
أثار هذا التعديل انتقادات واسعة في المجتمع ومؤسسات المدني، في السياق الذي عبرت عنه الجمعيات في بيانها، معبرة عن استغرابها من “الموقف الجامد أو الصامت من جانب معظم أعضاء مجلس النواب إزاء إجراءات تخالف الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تكفل وتصون حرية الرأي والتعبير، تشدد على ضرورة حماية هذا الحق الذي كفله الدستور من عوارض المساس بهذا الحق، وعدم خلق هوّة بين مقتضيات هذا الحق مع ما نصت عليه هذه التعديلات على اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية”.

اقرأ المزيد

“كورونا” والعولمة الهشّة

ليس قليلاً عدد من كانوا يموتون يومياً في مختلف بلدان العالم قبل انتشار فيروس كورونا أو ما سبقه من فيروسات قاتلة، لأسباب شتى بينها: التقدّم في العمر والأمراض المزمنة والسرطانات وما إليها. ورغم كثرة من ماتوا ولا يزالون يموتون كل يوم منذ أن أعلن عن اكتشاف كورونا، لكنه لا يزيد عن عدد حالات الوفاة قبله، في مختلف البلدان، خاصة منها كثيرة السكان، أو التي تعاني من الفقر وتدّني الخدمات الطبية. فضلاً عن ضحايا الحروب المدمرة، أهلية كانت أو بين الدول، وضحايا المجاعات والقحط والكوارث الطبيعية كالفيضانات والحرائق وغيرها، ومن المحرومين من العناية الصحية الضروية، ومن ظروف المعيشة اللائقة، ومتطلبات الحياة الكريمة.

ليست الغاية التقليل من خطر “كورونا” الذي يجتاح البلدان، بلدًا وراء آخر، ويستنفر العالم كله لمواجهته، وتعمل المختبرات ليل نهار للوصول إلى لقاح يمنعه وعلاجات تشفي منه، ولكن الماكنة الإعلامية العالمية، التي تغطي أخبار الجائحة في كل مكان، وتقدّم بيانات منتظمة عن أعداد المصابين والمتوفين جراءها، تكاد تصمت عن كل المشاكل الأخرى التي تعاني منها البشرية، بسبب صور التمييز الطبقي والعرقي والديني وغيرها، وبسبب جشع الرأسمال خاصة في صورته النيوليبرالية.

ما لا يحظى بالتغطية الكافية هو ما كشف عنه تفشي “كورونا” من عاهات تنخر عالم البشر. بعضها ظاهر لا يتوارى أبداً، وبعضها كامن ينتظر الفرصة فقط ليطل برأسه، كما لا يجري الوقوف عند ما أظهره تفشي الفيروس من “هشاشة” العولمة، رغم أنها، في وجهها الاقتصادي خاصة، بلغت مديات واسعة، ولكنها اليوم تتعرض لاختبار حقيقي حول مدى صلابتها وقدرتها على تحدي الصعاب الماثلة، لا في تحقيق الأرباح والمنافع لأساطين المال والسلطة، وإنما في تحقيق حياة كريمة للبشر لن تتأمن بالتقسيم الدولي الراهن للعمل، كأن الجائحة سلطت الضوء على ما لم يكن بحاجة لبرهان.

حتى الآن يجري الحديث عن فقدان الأسواق العالمية لمئات المليارات من الدولارات، وهبوط التعاملات في البورصات، وانكماش حركة السياحة والسفر. وبمقدار ما أظهر “كورونا” من جهة إلى أي مقدار هو العالم قرية كونية بالفعل، فإنه أظهر أيضًا أن هذه “الكونية” ترتد اليوم إلى أكثر صور الأنانية والانغلاق على الذات، وإزدراء المعاناة المشتركة للبشر على تعدد انتماءاتهم ولغاتهم ومعتقداتهم.

اقرأ المزيد

خططنا بعد الجائحة

لن يكون مقبولًا أن تديرالدولة بنفس الطريقة الحالية، الكثير من الأمور في الفترة اللاحقة لما نواجهه الآن من جائحة طالت آثارها الكثير من أوجه حياتنا، شأننا في ذلك شأن بقية دول العالم، وعليها ترتبت وستترتب عواقب كثيرة وكبيرة الحجم، وتحتاج إلى رؤية مختلفة لإدارة المرحلة المقبلة، وفي هذا تبرز ثوابت لا يصحّ أن تتخلى الدولة عن مسؤولياتها تجاهها، فلها ستظل الألوية وربما تزداد، وفي مقدمتها الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية والمعيشية للمواطنين، في مختلف المجالات الحيوية.
فلن يكون مقبولًا ان يجري تحميل الفئات الشعبية الواسعة تبعات ما نحن مقبلون عليه من صعوبات اقتصادية، ومن نقص في العائدات، لأن آثار ذلك، إن حدث، ستكون مكلفة اجتماعياً، في وقت نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى الحفاظ على الاستقرار المجتمعي، الذي لن يتأمن إلا بالحرص على توفر الحياة الكريمة للمواطنين، والتي في جوهر شروطها تدخل مهمة صون هذه الضمانات.
إن المطلوب هو الحد، وحتى وقف، الكثير من أوجه الانفاق غير الضرورية، والتي لا تعود بالنفع المرتجى على الاقتصاد الوطني، وسيكون الاستمرار فيها استنزافاً للمال العام في أوجهٍ ليس لها أية أولوية، فيما الدولة والمجتمع معاً سيكونا في أمس الحاجة للإنفاق في المجالات الحيوية التي تتصل بالتنمية في معناها الحقيقي، وبتأمين مستلزمات الحياة الكريمة لأبناء هذا الوطن.
وطالما نحن في أتون أزمة ذات طابع صحي، علينا ملاحظة ما أظهرته من الطابع الاجتماعي للخدمات الطبية التي تتطلب إعطائها أولوية قصوى، عبر زيادة الانفاق على الصحة، وتمسك الدولة بمسؤوليتها في إدارة وتقديم الخدمات الصحية، والاستمرار في تأهيل الكوادر الطبية، أطباء وممرضين وفنيين وسواهم، واستيعاب الأعداد الكبيرة من العاطلين منهم، وإنهاء كافة وجوه التمييز المسؤولة عن معاناتهم.
وعلينا أن نستفيد من التوجهات التي أعلنت عنها دول خليجية شقيقة، منطلقة من حقيقة أن العالم بعد كوفيد 19 ليس كالعالم قبله، فأعلنت عن مراجعة هيكل الحكومة وحجمها، فقد يتم دمج وزارات أو تغيير هيئات، في إطار إعداد استراتيجية ما بعد كوفيد 19، تتطلب حكومة أكثر رشاقة ومرونة وسرعة لتواكب أولويات وطنية جديدة ومختلفة.
وبالتأكيد فإن الخطط اللازمة للمرحلة المقبلة يجب أن تستوفي ما تطالب به القوى السياسية المختلفة، وقوى المجتمع المدني والسلطة التشريعية من محاربة للفساد ومن تمكين للحوكمة والشفافية، وإحلال الكفاءات الوطنية في الوظائف وإحتواء البطالة بدلاً من نكران وجودها.

اقرأ المزيد

فعالية الوعي المجتمعي

تُظهر مواجهة شعب البحرين لجائحة كورونا، ما عليه شعبنا من وعي وإحساس عالٍ بالمسؤولية، حيث نجد استجابة واسعة النطاق من المواطنين للتوجيهات والتعليمات التي تصدرها الجهات الصحية والإدارية في الدولة، أكانت على شكل تقيّد بالإجراءات الصحية المطلوبة، أو التزام بالتدابير الحياتية الأخرى، بما في ذلك شكّل التسوق في الظروف المستجدة، أو في التفاعل مع الفريق الوطني الطبي الذي يدير مواجهة تفشي الفيروس باقتدار.
ورغم بعض السموم التي تبث من أقلية منبوذة، سيئة الخلق ومغرضة المرامي، على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، يروق لأفرادها بث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وإيقاظ النزعات المذهبية التي بذل البحرينيون جهوداً كبيرة لتخطي آثارها المَرضية التي عانى منها الوطن والمجتمع، فإن ما يدعو للاعتزاز أن هذه السموم، كما اصحابها، باتت مكشوفة، ولا تجد الأذن الصاغية من غالبية المواطنين، الذين يدركون أهمية أن معركتنا هي مع الفيروس الفتّاك، الذي لا يفرق بين طائفة وأخرى، أو بين فئة وأخرى، فالجميع هدف له، وكلنا متحدون في مواجهته.
أشاد البيان المشترك بين جمعيتي المنبر التقدمي والتجمع القومي بالإجراءات التي اتخذتها الدولة للتصدي لتفشي الوباء، الجديرة بالثناء، وكذلك وبالجهود الوطنية العالية التي تبذلها كافة الكوادر المعنية وخاصة الكوادر الطبية والصحية، التي تواصل عملها بمثابرة ودأب على مدار الساعة، من أجل حصر حالات الإصابة، وعلاج المصابين، والتقليل، ما أمكن، من الخسائر الناجمة عن الوباء.
وليست الروح الوطنية الجامعة لكافة فئات المجتمع في البحرين بأمر جديد أو طارىء، فتاريخنا يشهد على الكثير من هذه المواقف، خاصة عند المحن، وهاهي تعيد التعبير عن نفسها، في الكثير من الصورالمبدعة والمسؤولة، ولا شك أن هناك الكثير من الخطوات والتدابير التي من شأنها تعزيز هذه الروح، وفي مقدمتها، كما أوضح البيان، توسيع شبكة الدعم المالي والعيني المباشر وغير المباشر لفئات العاملين البحرينيين الذين لم تطالهم إجراءات الدعم، خاصة الواقعين خارج العمل المهيكل بكافة فئاتهم، مع تحميل جزء من أعباء ذلك على شركات القطاع الخاص المقتدرة، أو توجيه جزء من حصيلة تبرعات الحملة الوطنية لتحقيق ذلك، إضافة إلى توفير الضمانات القانونية التي تحول دون انتقاص الحقوق المكتسبة للمواطنين، وعلى رأسها الحق في العمل وضمان استدامته، وتأمين الرعاية الصحية والاجتماعية بصورة مستدامة.
التقدمي

اقرأ المزيد

مصلحة الوطن في وحدة أبنائه

عبّر المنبر التقدمي، في البيان الصادر عن مكتبه السياسي، عن تقديره للخطوات الجادة والمسؤولة التي قام بها الفريق الوطني بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد في محاربة وباء “كورونا”، بما ترجمته من حرص على سلامة المواطنين والمقيمين، ومن تمسكٍ بالتلاحم الوطني، الذي عبّر عن نفسه في صور شتى من التضامن والتآزر بين البحرينيين جميعاً، في مواجهة خطر كبير وجامح، عابر للحدود.
في البيان نفسه، عبّر “التقدمي” عن نبذه لكل أشكال التسييس والتفرقة العنصرية والنعرات الطائفية التي حاول البعض استثمارها من مرضى النفوس وأصحاب الأصوات النشاز الذين يطلوّن برؤوسهم في كل ظرف، والذين ساءهم ما بلغه مجتمعنا من تعافٍ من آثار الأزمة الكبيرة التي مرّت بالوطن في العام 2011، محاولين، من جديد، شقّ وحدة الصف الوطني.
وكانت وقفة أبناء البحرين المخلصين وتلاحمهم كافية لإخراس صوت هؤلاء، وإظهار مدى عزلة دعواتهم، وخروجها عن السياق السوي الذي ينشده شعبنا، والذي يستجيب لمصالحنا الوطنية العليا في مواجهة أية مخاطر تحدق بنا.
كما كان أمراً مثلجًا لصدور الناس قرار العفو الذي أصدره جلالة الملك عن قرابة ألف سجين، فضلًا عن الإعلان عن دفعة جديدة من المشمولين بالعقوبات البديلة، مع ما يعنيه ذلك من عودتهم إلى بيوتهم وأهلهم، وحياتهم الطبيعية، وهي خطوة استقبلت بما هي أهل له من ترحيب وبهجة، وكذلك من تمنيات من أن تليها خطوات مشابهة في المستقبل، وتهيئة مناخ جديد من الحيوية السياسية في البلاد، التي عهدناها عند إنطلاقة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي استقبله شعبنا بالتأييد والدعم الكبيرين.
في هذا الظرف الصعب الذي تمرّ به البحرين والمنطقة والعالم كله، جراء تفشي جائحة “كورونا” التي تودي يومياً بحيوات المئات من البشر في مختلف البلدان والقارات، أظهرنا من مواقعنا المختلفة، حرصنا على وحدة جهودنا في مواجهة هذا الخطر، وما زال متعينًا بذل المزيد من العمل المسؤول لمحاصرة الوباء وتقليل ضحاياه عند أدنى حد ممكن، وأن تتوالى وتتضاعف الجهود المبذولة من أجل تحقيق ذلك، شاملة إعادة المواطنين العالقين في إيران باسرع وقت، وتوفير ما يلزمهم من رعاية طبية هم في أمسّ الحاجة إليها.
علينا جميعاً أن نظهر في هذا الوقت أنبل ما في نفوسنا من أخوّة وتضامن ومحبة ومسؤولية، فالمسألة تعني سلامة شعبنا واستقرار وطننا ومستقبله.

اقرأ المزيد

موقفنا – الأوطان أولاً



الانتماء للأوطان هو الأساس، لا الانتماء للمذاهب والطوائف.لا جدال في حقّ كل مواطن عربي وغير عربي في أن يعتنق المذهب الذي يختاره أو ورثه عن آبائه وأجداده، لكن في نهاية المطاف يظل هذا أمراً خاصاً به، فعلى الوطن الذي ولد وتربى فيه وإليه ينتسب يعيش آخرون يعتنقون مذاهب وديانات أخرى، لكن الوطن هو ما يجمع الكل، ويوحدهم ويُشكّل هويتهم الجمعية الحقة، التي تجعلهم شركاء لا في الانتماء لهذا الوطن فحسب، وإنما في تنميته وتقدّمه والدفاع عن وحدته وسيادته واستقراره.
هذا هو الدرس الثمين الذي يمكن استخلاصه من الحراك الشعبي الجاري في بلدين عربيين غاليين علينا هما العراق ولبنان، حيث أثبت العراقيون واللبنانيون بالملموس، وعلى الأرض، ما دأب مفكرون وسياسيون عرب متنورون على تكراره خلال العقدين الماضيين، منذ أن هيمنت قوى الإسلام السياسي على الفضاء المجتمعي العربي الذي عمل على الإعلاء من فكرة الانتماء المذهبي على حساب الانتماء الوطني، وهو في ذلك لم يجد غضاضة في إعلان تعلقه أو ولائه لقوى إقليمية يراها ممثلة للمذهب الذي ينتمي إليه، بما في ذلك الانخراط في أجنداتها الخارجية.
قد لا يكون النصر المبين هو ما ستنتهي إليه تحركات العراق ولبنان بالضرورة. قد يؤدي استمرار القتل والاعتقال والخطف وإسالة الدماء في العراق إلى إنهاء التحرك بالقوة الغاشمة في لحظة من اللحظات، وقد تتمكن منظومة الفساد في لبنان من إشاعة حال من اليأس في صفوف المحتجين في الساحات، وتدسّ في صفوفهم من يحبط هممهم، وتشوّه صورة التحرك الشعبي وأهدافه، بالقول إنه مدعوم ومموّل من الخارج، وتكرار الزعم بأن المحاصصة الطائفية عصيّة على التفكيك لأن كيان البلد نفسه قائم عليها.
حتى اللحظة، فإن المؤشرات تشير إلى خلاف ذلك. ما زالت التحركات في البلدين رغم كل شيء تحافظ على زخمها بفضل شجاعة الشبان والشابات المرابطين في الساحات، وبالمستوى النوعي الذي بلغه وعيهم ب”تعفن” المنظومات التي ثاروا عليها. لكن إن نجح رهان الخصوم هذه المرة، فعليهم أن ينتظروا الجولة القادمة من الغضب، بعد شهور أو عام أو أعوام، حتى تأزف اللحظة التاريخية القادمة لا ريب فيها.
الانفجارات الكبرى تأتي في الكثير من الحالات عفوية، حين يفيض بالناس الكيل، لكنها سرعان ما تنتظم تحت قيادة محددة وبأهداف واضحة، وهذا ما علمتنا إياه الانتفاضة الشعبية المظفرة في السودان التي أسقطت حكم البشير، حيث تبنى اتحاد المهنيين الحراك الشعبي في مرحلته الأولى، وتالياً اتحدت القوى السياسية والنقابية في إطار “إعلان قوى الحرية والتغيير”، التي اتفقت، رغم ما بينها من تباينات في الفكر، على برنامج موحد.


اقرأ المزيد