المنشور

شيء ما عن انتخابات الكويت

بصرف النظر عن النتائج التي‮ ‬أسفرت عنها الانتخابات النيابية التي‮ ‬جرت في‮ ‬الكويت‮ ‬يوم السبت الماضي،‮ ‬والتي‮ ‬جاءت نتائجها،‮ ‬حسب المحللين،‮ ‬لمصلحة تحالف القبليين والسلفيين،‮ ‬علينا أن ننظر،‮ ‬قبل النتائج،‮ ‬إلى أهمية الممارسة الديمقراطية في‮ ‬هذا البلد الخليجي‮ ‬الشقيق‮.‬ فثمة ما ‬يدعو إلى رفع القبعات احتراماً‮ ‬حين‮ ‬يدور الحديث عن الانتخابات في‮ ‬الكويت،‮ ‬لا لأنه في‮ ‬هذا البلد ديمقراطية مثالية،‮ ‬فالمثالب والمآخذ التي ‬يمكن أن تساق في‮ ‬هذا الصدد ليست قليلة،‮ ‬لكن بوسع الكويت والكويتيين التباهي‮ ‬بأنه كان لديهم دائماً‮ ‬برلمان قوي،‮ ‬تعامل مع السلطة التنفيذية من موقع الندية،‮ ‬ولم‮ ‬يتردد في‮ ‬أن‮ ‬يدفع بوزراء من الوزن الثقيل إلى منصة الاستجواب وسحب الثقة‮.
وعلى الدوام كانت في‮ ‬مجلس الأمة الكويتي‮ ‬أصوات شجاعة لا تتردد في‮ ‬مقارعة الفساد،‮ ‬والمطالبة بحماية المال العام من التطاول عليه‮.‬ البرلمان المنتخب ليس كلمة تلقى على عواهنها،‮ ‬ففي‮ ‬كثير من البلدان العربية تجرى انتخابات،‮ ‬ولكنها لا تحمل من الانتخابات سوى اسمها‮.‬ فالأحزاب الحاكمة أو الجبهات الوطنية الملحقة ببعضها،‮ ‬وأجهزة الأمن وما هو على منوالها تضع قوائم الفائزين سلفاً،‮ ‬وتؤمن لهم من الأصوات ما هو ضروري،‮ ‬وإن عزّ‮ ‬تأمين هذه الأصوات بالتي‮ ‬هي‮ ‬أحسن،‮ ‬يمكن أن تدخل‮ “‬الكرابيج‮” ‬وأساليب البلطجة في‮ ‬إنجاز المهمة على خير وجه‮.
صحيح أن الحكومة في‮ ‬الكويت هي‮ ‬الأخرى لاعب سياسي،‮ ‬شأنها شأن بقية اللاعبين وربما أقواهم،‮ ‬وصحيح أيضاً‮ ‬أنها تسعى للتأثير في‮ ‬مخرجات الانتخابات وتكييفها بما‮ ‬يلائمها،‮ ‬لكن حدود المناورة الحكومية هناك محكومة بضوابط أرساها دستور عقدي‮ ‬هو من أهم دساتير المنطقة العربية على الإطلاق،‮ ‬فهو إذ كرّس شرعية الحكم في‮ ‬عائلة الصباح،‮ ‬منح الشعب بالمقابل وعبر مجلس الأمة،‮ ‬صلاحيات واسعة في‮ ‬الرقابة على الحكومة،‮ ‬بشكل جعل من هذا المجلس شريكاً‮ ‬لا تابعاً‮ ‬أو مُلحقاً‮.‬
يبقى مهماً‮ ‬التوقف أمام قضية أن الانتخابات الكويتية الأخيرة جرت وفق توزيع جديد للدوائر الانتخابية،‮ ‬فبعد أن كان عددها خمساً‮ ‬وعشرين دائرة حسب النظام القديم،‮ ‬تقلصت إلى خمس دوائر كبيرة،‮ ‬تنتخب كل واحدة منها عشرة نواب،‮ ‬شريطة ألا‮ ‬يتاح للناخب اختيار أكثر من أربعة مرشحين،‮ ‬مما‮ ‬يوسع دائرة الاختيار ويعطي‮ ‬فرصاً‮ ‬لقوى مختلفة أن تجد فرصة لها في‮ ‬الفوز‮.‬
التوزيع الجديد للدوائر لم‮ ‬يعط،‮ ‬هذه المرة،‮ ‬نتائجه المرجوة في‮ ‬تمكين المرأة والشخصيات الليبرالية والديمقراطية من الفوز،‮ ‬ومرة أخرى أحكمت العناصر المحافظة قبضتها على مجلس الأمة،‮ ‬لكن هذا الأمر‮ ‬يجب ألا‮ ‬يقلل من المزايا الايجابية للنظام الانتخابي‮ ‬الجديد في‮ ‬الأفق المستقبلي‮.‬ أما إخفاق المرأة وكذلك بعض الشخصيات الديمقراطية والليبرالية في‮ ‬الفوز بمقاعد لها في‮ ‬المجلس،‮ ‬فلا‮ ‬يجب النظر إليه بمعزل عن آليات الحراك السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬المعقدة في‮ ‬بلداننا في‮ ‬العقود الأخيرة،‮ ‬وأوجه الضعف في‮ ‬أداء القوى الديمقراطية عامة لا في‮ ‬الكويت وحدها‮.‬
 
صحيفة الايام
20 مايو 2008

اقرأ المزيد

لبنان ومشروع الحرب الأهلية الثاني‮!‬

نشبت الصدامات العنيفة في‮ ‬بيروت فانتقل الشعور العام لدى اللبنانيين لإمكانية تحول الأزمة اللبنانية العالقة منذ شهور من حالة التجاذب السياسي‮ ‬البالغ‮ ‬أعلى درجات التوتر إلى نوع من الاقتحامات العنيفة والاقتتال الدموي‮ ‬الذي‮ ‬أنتج سقوط ضحايا وقتلى وجرحى،‮ ‬فماذا حدث لحظتها لذلك المزاد السياسي‮ ‬الذي‮ ‬بات‮ ‬يتاجر أولا بالأثاث وهو بيروت ليستعد أكثر لعرض البيت اللبناني‮ ‬برمته إلى المزاد السياسي،‮ ‬حيث تستعيد بيروت ولبنان برمتها ذاكرة الحرب الأهلية،‮ ‬ويستعد أطفال الأمس للدخول إلى عنف أهلي‮ ‬يسفك فيه دم اللبنانيين أنفسهم،‮ ‬بينما من‮ ‬يزايدون في‮ ‬سوق المزاد السياسي‮ ‬على شراء لبنان‮ ‬يجلسون وراء المقاعد‮. ‬
وعادة من‮ ‬يذهبون للمزاد ليسوا هم المشترين الفعليين بقدر ما‮ ‬يمثلون واجهة للمشتري‮ ‬الحقيقي،‮ ‬فهو الذي‮ ‬يدفع الثمن لبضاعة قد لا تهمه أحيانا بقدر ما‮ ‬يحاول أن لا‮ ‬يتركها لملكية الغير إما تحديا أو شعورا منه ان تلك البضاعة تشكل قيمة تاريخية وسوقية،‮ ‬بينما لا‮ ‬يشكل الإنسان في‮ ‬ذلك المكان أي‮ ‬قيمة تذكر إلا قيمة سهلة للموت والانتحار‮. ‬
بمثل هذا الشعور خرج الساسة اللبنانيون على شاشات التلفاز وهم‮ ‬يتراشقون بتهم متبادلة ليس جديد فيها إلا تكرار الاتهامات السابقة بل واستعادوا الجمل نفسها دون أن ترف لهم عين الحسرة على من‮ ‬يقاتلون نيابة عنهم كمشتري‮ ‬المزاد المختفي‮ ‬خلف الكواليس،‮ ‬فقد سقط الشباب الملثمون في‮ ‬الشوارع وتصاعدت الأدخنة من المقرات والبيوت معلنة نذر أيام سوداء مقبلة إن لم‮ ‬يسارع‮ “‬أصحاب الحكمة‮”! ‬للقبول بفكرة المقايضة والتسوية العادلة بين أطراف داخلية ترى في‮ ‬نفسها اليوم أنها تعيش شعور الاستفراد والخوف من الآخر بإقصائه مستقبلا،‮ ‬فلبنان بات رهينة للقوى الإقليمية أكثر من كونها مفردة سياسية هشة كعبارة‮ “‬الشأن الداخلي‮” ‬فهي‮ ‬ليست إلا دبلوماسية عاجلة تدفع بالحقيقة نحو ظلال الواقع المنهار في‮ ‬الساحة اللبنانية،‮ ‬إذ لم نر في‮ ‬عالم السياسة أن تصبح القوى الإقليمية مجرد مشاهد صغير وممثل ثانوي‮ ‬فوق مسرح الأحداث في‮ ‬صراع متداخل بين كل حلقاته المحلية والإقليمية والدولية‮.‬
‮ ‬فإذا ما كانت قطر وسوريا قادرتين على اتخاذ موقف من هذا القبيل فان إيران قبل أيام من الأزمة أزعجها كثيرا الموقف العراقي‮ ‬من حق الإمارات في‮ ‬الجزر،‮ ‬متناسية إيران ان العراق دولة عربية وعضو في‮ ‬الجامعة العربية والأمم المتحدة‮. ‬فهل‮ ‬يعتبر موقف إيران‮ ‬غريبا وعجيبا للغاية دون مراعاتها لأبسط قواعد الدبلوماسية وحق الدول والشعوب التضامن والتأييد مع من تراه‮ ‬يناسبها وتنسجم معه،‮ ‬فقد عودتنا جمهورية إيران الإسلامية على تدخلها المباشر وغير المباشر في‮ ‬العراق ولبنان ومحطات أخرى من هذا العالم تحت حجة كونها تسند حق الشعوب تارة وتارة أخرى تسند الدول الإسلامية وغيرها من الحجج الواهية‮.‬
‮ ‬فهل ننتظر مواقف أخرى في‮ ‬المزاد اللبناني‮ ‬يتحرك بسرعة لعرض أسعاره وقيمته في‮ ‬الوقت ذاته،‮ ‬فقد وجدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي‮ ‬وفرنسا نفسها منزعجة إلى حد الإسراع في‮ ‬التعبير عن رغبتها بأن ما‮ ‬يحدث في‮ ‬لبنان لن تصمت عنه‮.‬
‬وكأنما الرسائل المرسلة للصغار الذين‮ ‬يتراشقون في‮ ‬بيروت برصاصهم لا‮ ‬يدركون ان الساحة اللبنانية مجرد امتحان صيفي‮ ‬ولعبة جديدة لصراع قادم بين قوى إقليمية ودولية‮ ‬يدفع لبنان فيها ثمنا باهظا،‮ ‬ومن‮ ‬يتصورون ان الخلافات الداخلية مجرد شأن داخلي‮ ‬فان من‮ ‬يصبون الملايين والأسلحة في‮ ‬الشأن اللبناني‮ ‬هم المشترون الحقيقيون للبيت والأثاث اللبناني،‮ ‬فهناك تطور خطير بدأ‮ ‬يدق أجراسه بعد أن حدث اقتحام مسلح على أمكنة إعلامية حاول كل طرف توجيه اتهامات مختلفة، ‮ ‬كما هي‮ ‬اتهامات شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله،‮ ‬ومن‮ ‬يمسها ستقطع‮ ‬يده‮! ‬فهل بالإمكان التفاوض بين أطراف انتقلت من مرحلة التوتر إلى مرحلة الصدام والكراهية؟‮! ‬ومن‮ ‬يتوهم ان الجيش سيكون العلاج والحل في ‬مزاد ‬غاب فيه قانون البصيرة فان من‮ ‬يدفعون أسعار النفط والسلاح‮ ‬يرون ان الصراع ليس لبنانيا‮ – ‬لبنانيا،‮ ‬فمساحته تنتقل من بيروت إلى لبنان ومن ثم إلى منطقة أوسع،‮ ‬فماذا ستفعل القوى الكبرى وإسرائيل وهي‮ ‬تنتظر فرصة تاريخية للانقضاض أو المساومة والتسوية على صراع الشرق الأوسط؟

صحيفة الايام
20 مايو 2008

اقرأ المزيد

الامبريالية والصهيونية … وجهان لعملة واحدة

في ذكرى النكبة الستون للشعب الفلسطيني المناضل نحني هاماتنا أمام نضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني وصموده طوال تاريخ المأساة التي لازال يعيش فصولها ، عندما شرد وطرد وقتل واحتلت أرضه من قبل عصابات الصهاينة ، فبعد قرار التقسيم في 29نوفمبر عام 1947، من قبل هيئة الأمم المتحدة وقيام دولة الكيان العنصري إسرائيل على ارض فلسطين في 15 مايو عام 1948، بدأت رحلة العذاب والمعاناة لهذا الشعب وأصبح لاجئاً في وطنه وبعض البلدان العربية وبعدها في معظم بلدان العالم، بعد سنوات طويلة من الكفاح والنضال على مدار ستة عقود من أجل استرجاع الأرض وعودة اللاجئين إلى ديارهم، يُحرم من أقامت دولته الوطنية المستقلة على أرضه وإعلان القدس عاصمة لها، حتى بعد عودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1993، بعد اتفاقية أوسلو، لم يتحقق ذلك الحلم الفلسطيني بل ازدادت همجية وعدوانية قوات الاحتلال في قتل الفلسطينيين وإقامة المستوطنات الجديدة على أراضي الضفة الغربية والاستمرار في بناء مزيد من الجدار العازل، وحصار وتجويع الفلسطينيين في غزة، تذرعاً بسيطرة حماس على قطاع غزة بعد الاقتتال مابين فتح وحماس في يونيه عام 2007، وهيمنة حماس على قطاع غزة.
وبمناسبة مرور ستون عاماً على قيام دولة إسرائيل العنصرية الصهيونية، واحتفالاتها بذكرى احتلالها الأرض الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني، وحرمانه من قيام دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس يأتي الرئيس الأمريكي جورج بوش، ليهنئ الشعب اليهودي على قيام دولته على حد قوله، ويؤكد من جديد على دعمه للكيان العنصري، ومباركة له على جرائمه ومجازره التي ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني، ويواصل حديثه بأنكم عدتم إلى أرض أجدادكم أرض إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، لم يبقى له إلا بأن يعدد سائر الأنبياء، عجباً لهذا القول الذي يدغدغ عواطف الصهاينة ويثير فيهم المشاعر الدينية الحاقدة للديانات الأخرى، ولا نعرف هل بوش والخط الديني الذي يتبناه وتعصبه يبعده عن الحقيقة التي يعرفها جيداً وهي بأن هناك شعب مشرد ولاجئ وسلبت أرضه، وثمة شيء يعرفه بوش وهو لم تسلب إرادة المقاومة والنضال من اجل طرد المحتلين الصهاينة وقيام دولته الوطنية الفلسطينية، وليس مستغرب من قائد أكبر قوة عسكرية في العالم، بان يستمر في دعمه للكيان العنصري في فلسطين، مادياً وعسكرياً، وأن يدخل في حروب مع الجميع من اجل إسرائيل، فالمصالح مشتركة، فالصهيونية هي الوجه الآخر من الإمبريالية العالمية ، واليوم الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تعزيز سيطرتها وهيمنتها على البلدان والشعوب العربية، طالما هناك قيادات وأنظمة سياسية تمتثل لمشيئتها ومسلوبة الإرادة والسيادة الوطنية فهي تعتمد على إسرائيل، وتشكل الصهيونية رأس الحربة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لتنفيذ مآربها ومخططاتها، فالإمبريالية والصهيونية وجهان لعملة واحدة، ألا يخجل قادة النظام السياسي العربي عندما يصرح جورج بوش في الكنيست الإسرائيلي بأن إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، إلا تشكل هذه إهانة لهم وعلى أنظمتهم السياسية ، وهم الذين يتوجهون في صلاتهم اتجاه القبلة في واشنطن، صباحاً ومساءً.
ففي هذه الذكرى الأليمة، على قادة الشعب الفلسطيني وتحديداً قيادات فتح وحماس، بان يبدءوا الحوار الوطني الفلسطيني الذي تطالب به كل الفصائل والأحزاب وقوى ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني والشعب الفلسطيني بأسره من أجل انجاز الوحدة الوطنية، كفى الشعب الفلسطيني قتل وتهجير، عليهم تغليب المصلحة الوطنية، ووضعها فوق المصالح الفئوية والحزبية الضيقة، بوحدة الشعب الفلسطيني ونضاله ومقاومته تقام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فالسلام العادل لن يتحقق إلا بالإرادة الوطنية والتمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

دور الفضائيات في تأجيج الأزمة اللبنانية

تلعب وسائل الإعلام الجماهيرية المحلية دوراً في منتهى الأهمية والخطورة في تأجيج أو تخفيف حدة النزاعات الداخلية ببلدان العالم الثالث على اختلاف أبعادها ومسبباتها السياسية والاثنية والقومية والقبلية والدينية والاجتماعية. وباتت تزداد هذه الأهمية والخطورة مع التطور الهائل لوسائل الاتصال وعلى الأخص الفضائيات والموبايل والانترنيت. ولعل الأزمة اللبنانية وما مرت وتمر به من تفاقمات خير نموذج حي على ذلك، ويمكن تأكيده أيضاً عبر المقارنة بين مرحلتين صراعيتين: مرحلة الحرب الأهلية (1975 ــ 1990)، ومرحلة الأزمة الراهنة التي أخذت في التفاقم منذ نحو أربع سنواتها ووصلت ذروتها في الصدام الخطير الأخير الذي جرى بين قوى المعارضة والموالاة، وعلى الأخص داخل العاصمة بيروت. 
 في خلال الأزمة الأولى (الحرب الأهلية 1975 ــ 1990م) كانت الصحيفة اليومية هي أهم وسيلة إعلام جماهيرية تمتلكها قوى الفريقين المتقاتلين الأول من اليمين وعلى رأسه الكتائب وحزب الأحرار، والثاني من اليسار المكون من ائتلاف القوى الوطنية اللبنانية وفصائل المقاومة الفلسطينية. لكن هذه الصحيفة اليومية لأي حزب أو فريق لا تدخل كل بيت لبناني أو لا تدخل كل منطقة، وخصوصاً في ظل الحصارات المتبادلة المضروبة على مناطق ومعاقل كلا الطرفين خلال معارك الكر والفر. علاوة على ذلك فإن الصحيفة اليومية، حتى بافتراض تمكنها من اختراق الحصارات، فإنها ليست تحت متناول أيدي كل أفراد الأسرة فغالباً ما يقتصر الحال على رب العائلة أو زوجته.
أما الأبناء فهم إما منشغلون في متاريس المجابهات اليومية، وإما يلجأون إلى وسائل ترفيهية خاصة بهم للهروب من الواقع الذي وجدوا أنفسهم فيه، وبخاصة إذا ما كانوا من صنف الشباب الذين سئموا حدة الصراع وطوله. وكان أقصى ما وصلت قوى الفريقين المتقاتلين من وسيلة إعلامية أكثر جماهيرية هي الإذاعة المحلية، لكن هذه الإذاعات المحلية لا تحظى في الغالب بالجماهيرية والانتشار التي تحظى بهما الفضائيات اليوم، وهي على أي حال إذاعات غير مستقرة في عملية البث وذات تجهيزات بدائية، ولا تمتلك احتياطات تقنية متطورة لمواجهة الحالات الطارئة عند تعطل البث أو تعرض مقارها إلى القصف.
وغالباً ما ينقسم اللبنانيون حولها فكل فريق لا يهتم ولا يثق إلا بسماع الإذاعة التي تطرب لها آذانه. أما في الوضع الحالي من الأزمة فلم يقتصر الأمر على الصحافة والمجلات اليومية والأسبوعية التي تمتلكها قوى كلا الفريقين الموالاة والمعارضة ولا على ما يملكه بعضها من إذاعات محلية بل دخلت في هذا الوضع أداة إعلامية جديدة في منتهى الخطورة والأهمية باتجاه إما تأجيج نيران الصراع، وإما بالعكس، أي باتجاه تخفيف حدته أو على الأقل الوقوف على الحياد لا باتجاه التأجيج ولا باتجاه التخفيف وهذه الوسيلة الإعلامية تتمثل في امتلاك القوى الرئيسية لكلا الطرفين الفضائيات الإعلامية الخاصة بها والتي لا مثيل لها في أي بلد عربي آخر اللهم إلا العراق في الوضع الحالي تحت الاحتلال الأمريكي.
إن خطورة هذه الفضائيات ذات التوجهات الحزبية والطائفية انها تدخل كل بيت لبناني ويشاهدها كل أفراد البيت جميعاً على اختلاف أعمارهم باستثناء الأطفال الصغار الذين لم يعوا بعد على الحياة، وهي قادرة على اختراق أعتى الحصارات بكل المناطق، وهي إلى ذلك تمتلك كل التجهيزات الكاملة من برامج وكوادر إعلامية وأفلام وثائقية وغير وثائقية ونشرات أخبار مؤدلجة لتوظيفها في الحروب النفسية التي عادة ما تلعب دوراً مهماً في إشعال الحروب العسكرية وفي تأجيجها لا تقل خطورة عما يدور على ساحات المعارك من تطورات لا بل تكون مغذية لنيران هذه المعارك.
وغداة بروز هذه الفضائيات المحلية في أوائل وأواسط التسعينيات وهي الفترة التي شهدت هدوءاً نسبياً في الصراعات السياسية المحلية وذلك في ظل وفاق هش، وبالنظر كذلك لانشغال لبنان بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب واضطلاع حزب الله بالدور الأساسي لمقاومة هذا الاحتلال، وما حظي به هذا الحزب من حد أدنى من الاجماع الوطني.. في هذه الفترة تم التوافق على حظر بث الفضائيات أي برامج سياسية باستثناء قناة حزب الله “المنار” باعتبارها قناة كما قيل مسخرة إعلاميا لخدمة المقاومة الوطنية.
ولكن سرعان ما خرقت كل هذه القنوات الفضائية هذا القرار الذي ينظم الإعلام المرئي والمسموع اللبناني وانخرطت جميعها في أتون الصراعات المحلية والحملات الإعلامية المتبادلة تبعاً لتطور وتصاعد هذه الصراعات. ووقفت الدولة هنا بالطبع، حيث هي طرف في الصراع، عاجزة عن وقف هذا الخرق لقراراتها السابقة المتعلقة بتنظيم وضبط وسائل الإعلام المرئي والمسموع. ولعل أخطر ما في هذه الحروب النفسية المتبادلة عبر الفضائيات حينما تأخذ منحى وابعاداً طائفية مقيتة لتسهم في تمزيق النسيج الوطني أو الوحدة الوطنية داخل أي بلد.. يُبتلى بها شر تمزيق. وهنا يفترض في الدولة، إذا ما كانت محايدة حقاً وفوق النزاعات والصراعات الأهلية أن تلعب دوراً مهماً في ضبط حقوق البث الفضائي وتنظيمه، أو منع المحطات الفضائية كلياً من بث البرامج السياسية بكل أشكالها في حال تعذر ضبط حقوق البث وعملية تنظيم ورقابة برامجه بصورة نزيهة ومحايدة.
وهذا ما لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع للأسف في لبنان، إذ إن الدولة في كل الصراعات التي مرت بها لبنان منذ استقلاله كانت في الغالب إما طرفاً بشكل أو بآخر في هذه الصراعات وإما مقسمة حول الصراع لأسباب معروفة، لعل أبرزها الأعراف والمحاصصة الطائفية التي تتشكل بموجبها المناصب الأساسية في الدولة وهي ذات الأعراف تقريباً التي تتحكم في تشكيل الحكومات وتوزيع الوزارات فيها. الآن حيث تلوح في الأفق بوادر ايجابية أولية لتسوية الأزمة بعد النتائج المشرفة التي توصلت لجنة المساعي الحميدة الوزارية العربية وانطلاق مفاوضات الحوار بين الطرفين في الدوحة لوضع أسس التسوية والوفاق الوطني الجديد، فإنه بات من الضرورة الملحة بمكان معالجة دور الفضائيات اللبنانية الخاصة بقوى الفرقاء في تأجيج الصراع فيما بينهم والتوصل لصيغة توافقية لتحييد أو تجميد بث البرامج والدعاية السياسية في هذه القنوات من دون استثناء.
 
صحيفة اخبار الخليج
19 مايو 2008

اقرأ المزيد

عن الصفح والغفران


بعد خروجه من سجنه الطويل لم‮ ‬يدعُ‮ ‬نيلسون مانديلا إلى الانتقام من جلاديه هو شخصياً‮ ‬ومن منتهكي‮ ‬حقوق بني‮ ‬جلدته من السود في‮ ‬جنوب إفريقيا إنما دعا إلى الصفح‮. ‬لكنه قال أيضاً‮: ‬نعم للصفح،‮ ‬لا للنسيان‮. ‬ قريبة من هذه العبارة عبارة أحد المعارضين في‮ ‬بلد أوروبي‮ ‬شرقي‮ ‬مكث طويلاً‮ ‬في‮ ‬السجن،‮ ‬تقول‮: “‬عفو عام‮.. ‬لا فقدان للذاكرة‮”. هذا السلوك المتسامي‮ ‬على الجرح من قبل الثوار أو الرجال العظماء الذين تعرضوا للأذى‮ ‬يُذكر بمقولة لكارل ماركس فحواها أن ضحايا الاستغلال هم الأقدر على التمتع بما‮ ‬يدعونه الأخلاق الكونية‮. ‬إنهم أكثر حساسية من جلاديهم ومستغليهم تجاه القيم الإنسانية العليا،‮ ‬لذلك فإنهم من‮ ‬يظهر نبله واستعداده للغفران والصفح‮.
يبدو نيلسون مانديلا بالذات واحداً‮ ‬من هؤلاء المشبعين بتلك القيم الكونية التي‮ ‬تشرّبها من قراءاته المبكرة للفكر اليساري‮ ‬سنوات شبابه،‮ ‬لذلك فإنه بعد خروجه من السجن مرفوع الرأس رسم لنفسه هدفاً‮ ‬يقضي‮ ‬لا بتفكيك جنوب إفريقيا وإنما بالعمل على إدماج السود فيها،‮ ‬وحين أصبح في ‬موقع السلطة ممثلاً‮ ‬للأغلبية السوداء سعى لإدماج البيض في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬الجديد الذي‮ ‬جاء هو على رأسه‮.‬ لقد أدرك برهافة الثائر وبعد نظره وتكوينه الإنساني‮ ‬المنفتح والواسع الأفق أن العقاب والانتقام‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقودا البلاد الى مخاطر كبرى،‮ ‬وإلى جانب هذا التقدير السياسي ‬الصائب أظهر مانديلا نبله الشخصي‮ ‬المثالي‮ ‬الذي‮ ‬فيه شيء من نبل القديسين‮.‬
برأي‮ ‬جاك دريدا أن الصفح عن أشياء قابلة للصفح عنها ليس هو الصفح بحد ذاته،‮ “‬فما هو قابل للصفح مصفوح عنه مقدماً‮”. ‬المعضلة تكمن في‮ الصفح عن الأشياء التي‮ ‬لشدة فداحتها لا تحتمل الصفح‮. ‬ومن هنا تجيء أهمية العبارة المدوية لنيلسون مانديلا‮: ‬نعم للصفح‮.. ‬لا للنسيان‮.‬ ذلك أن الصفح قرين الذاكرة الحية،‮ ‬فالصفح لا‮ ‬يتم بتذكر واستحضار الأعمال الشريرة كما وقعت من دون المساس بتفاصيلها،‮ ‬وإنما باستحضارها،‮ ‬كما وقعت من دون رتوش أو ماكياج أو تلطيف،‮ ‬وفق الشرح الذي‮ ‬كان دريدا قد بسطه وهو‮ ‬يتناول الموضوع‮. ‬
أما مواطنه إدغار موران فيرى أن الأمم العظيمة لا تستذكر فقط اللحظات المجيدة في‮ ‬تاريخها وإنما تستذكر كذلك اللحظات القاتمة والمعيبة،‮ ‬تلك التي‮ ‬يمكن أن ندعوها البقع السوداء في‮ ‬هذا التاريخ،‮ ‬لا برغبة مازوخية في‮ ‬إعادة تعذيب الذات بتذكر عذاب سابق،‮ ‬وإنما برغبة العظة واستخلاص الدروس لكي‮ ‬لا تنشأ مجدداً‮ ‬تلك الظروف التي‮ ‬أنتجت تلك المعاملة الحاطة بكرامة الإنسان‮. ‬
لا تبدو هذه الأفكار مجرد تهويمات نظرية،‮ ‬وإنما تتصل بمعضلات تواجه الكثير من المجتمعات،‮ ‬التي‮ ‬تعبر من مرحلة قمع الدولة وعسفها الى مرحلة التحول نحو الديمقراطية والتعددية السياسية‮.‬ فالمرحلة السابقة تلقي‮ ‬بكل ثقلها على الحاضر جراء ما ضجّت به من آثام وخطايا بحق الضحايا الذين كانوا معارضين لسطوة الدولة وانتهاكها للحريات العامة والفردية‮. ‬
وهو أمر مطروح اليوم في‮ ‬بلدنا البحرين أيضاً،‮ ‬حيث لا‮ ‬يبدو الصفح ممكناً‮ ‬من دون مداواة جروح هذه الضحايا عبر اعتراف الدولة بما اقترفته أجهزتها من خطايا بحقهم‮.‬
 
صحيفة الايام
19 مايو 2008

اقرأ المزيد

د.حسن مدن يقول معركتنا ليست مع التيارات الإسلامية‮. ‬معركتنا من أجل تثبيت المسار الديمقراطي‮ ‬في‮ ‬البلد وتعزيزه‮.


أكد أمين عام المنبر التقدمي د. حسن مدن أن التحالف الاستراتيجي الوحيد الذي يمكن أن يدخل فيه المنبر هو تحالف أطراف التيار الديمقراطي لوجود أسس جدية لهذا التحالف. مشيراً في لقاء مع الوطن إلى أن المنبر يحمل وجهة نظر في العمل السياسي وهو مقتنع بسلامتها فكريا وعمليا.
وأوضح مدن أن التيارات اليسارية والقومية تعاني من الضعف والإحباط في مقابل قوة تأثير التيارات الإسلامية معللاً ذلك بالدعم الحكومي الذي حظيت به التيارات الإسلامية بغض النظر عن نشاطها في مراحل مختلفة، في مقابل ملاحقة وقمع وسجون ومنافٍ حظي بها التيار الديمقراطي.
ويوضح حسن في هذا اللقاء رأية بشأن عديد من القضايا الجدلية الخاصة بالمنبر وعلاقاتها وتحالفاتها رؤيتها للأوضاع السياسية على الساحة المحلية.

؟ هل هناك قياديون في ‘التقدمي’ قادرون على أخذ مكان د.حسن مدن في حال لم يرشح نفسه للرئاسة؟

– نعم بالطبع، فـ’التقدمي’ يمثل تياراً مهماً في الحركة الوطنية والسياسية في البحرين وبه كثير من الطاقات والكوادر ذات الخبرة، وبه وجوه شابة واعدة قادرة على قيادة عمل المنبر في المراحل المقبلة.
؟ نحن على مشارف دورة رابعة لجمعيتكم، فهل سترشح نفسك للرئاسة في هذه الدورة؟
– مؤتمرنا الرابع الذي انعقد مؤخراً، لم يتضمن انتخابات جديدة للقيادة، وهذه ستكون مهمة المؤتمر العام الخامس الذي سينعقد بعد عام من الآن. بالنسبة لي سأواصل عملي في نشاط المنبر بكل طاقاتي وقدراتي من أي موقع. وسبق لي أن عبرت عن رغبتي في أن يختار المنبريون أميناً عاماً آخر من أجل تجديد الوجوه وتأكيد الممارسة الديمقراطية.

؟ العمل التطوعي يعاني مشكلة في الكوادر الشبابية

؟ التيارات اليسارية في الغالب تعاني من نقص في الكوادر الشبابية، فهل يعاني المنبر من هذه المشكلة؟

– العمل التطوعي بشكل عام والسياسي بشكل خاص يعاني مشكلة في الكوادر الشبابية، لكن في المقابل المسألة لا تقاس دائماً بالكم وإنما بالنوعية، فيمكن أن نجد بين الوجوه الشابة في المنبر التقدمي وغيره من الجمعيات كوادر تمتلك طاقات ومواهب وتتمتع بميزات قيادية تؤهلها أن تتبوأ مواقع بارزة في جمعياتها.

؟ هل لديكم خطة لاستقطاب الشباب في المنبر؟

– نعم لدينا لجنة الشباب والطلبة التابعة للمكتب السياسي وهي تولي عناية خاصة بالكوادر الشابة وتدريبها وتأهيلها للعمل السياسي وتعطى اهتماماً خاصاً لدفع الشباب نحو الفكر الديمقراطي والتقدمي باعتباره الخيار الصحيح القادر على الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي تشغل هذا الجيل. ومع تقديرنا للاتجاهات الأخرى فإنها حتى لو حققت انتشاراً جماهيرياً واسعاً، فإن ذلك لا يقترن بالعمل وفق برنامج مستقبلي قادر على الإجابة على الإشكالات الكبيرة التي يواجهها المجتمع والجيل الجديد بصورة خاصة.

؟ مرّ المنبر التقدمي في مؤتمر الجمعية العمومية قبل الأخير بإشكال معين، فهل استطاع المنبر الخروج من هذا الإشكال بحيث لا تتكرر في المستقبل؟

– نعم.  استطعنا أن نتعدى هذا الإشكال بعد شهور قليلة من المؤتمر وتداعياته، ويعمل ‘التقدمي’ الآن بصورة طبيعية وبدرجة من التجانس ووحدة الموقف والرؤية وفي اتجاه الخط الفكري والسياسي الذي يقدمه للمجتمع، ويمكنني القول إن الوحدة الداخلية للمنبر هي اليوم أقوى من أي وقت مضى منذ تأسيسه، ولدى كوادر المنبر وأعضائه وجمهوره حرص كبير على صون هذه الوحدة وتوطيدها، وبالمناسبة فإننا عقدنا مؤتمرنا الرابع في نهاية فبراير (شباط) الماضي تحت شعار يتصل بتوطيد وحدة المنبر وتعزيز دوره في عملية البناء الديمقراطي.
ومن الطبيعي، وكما هو الحال في أي جمعية أخرى، يمكن أن يكون هناك تفاوت في الآراء والتقييمات حول بعض المسائل، خصوصا ونحن نعمل في واقع معقد وسريع التحرك، وهذا أمر صحي وطبيعي فنحن لسنا كتلة صماء، ولكن هذه الآراء المختلفة تنطلق من خط سياسي وفكري عام غير مختلف عليه في المنبر، وقد جسدنا ذلك بإقرار ثلاث وثائق مهمة في المؤتمر تتصل بالرؤى الفكرية والسياسية والتنظيمية للمنبر، بعد مناقشات مستفيضة، على شكل ورش وحلقات عمل سبقت عقد المؤتمر.
وأعضاء ‘التقدمي’ حريصون على أن لا تتكرر الإشكالات السابقة، وأن نمضي قدماً للمهام التي تنتظرنا والملقاة على عاتقنا، ولا يمكن التصدي لها إلا من خلال وحدة صفوفنا.


؟ كيف تصنف المشكلة التي مر بها المنبر، هل هي فكرية أم تنظيمية؟

– العمل السياسي له تعقيداته الكثيرة، ونحن تيار قديم في العمل السياسي اعتاد العمل تحت الأرض في ظروف العمل السري، والنقلة من العمل السري إلى العمل العلني فرضت تحديات جديدة غير مسبوقة بالنسبة لنا، فما هو ملائم في ظروف العمل السري ليس شرطاً أن يكون ملائماً في مثيله المعلن، والمجتمع أيضاً من حولنا يمر بتحولات فكرية وسياسية كثيرة، فالتيار اليساري في العالم كله وليس لدينا فقط يواجه اليوم قضايا جديدة تختلف حولها التقديرات، وأي تنظيم سياسي في هذا الوضع المعقد من الممكن أن يتعرض لبعض العقبات، ولكن المهم أن يمتلك الحيوية والقدرة على تجاوزها والاستفادة من دروسها وأن لا تتكرر نفس الأخطاء في المستقبل وهذا ما نسعى إليه في حقيقة الأمر.

؟ ما نراه ليس بالضرورة ما يراه الآخرون

؟ هناك من صرح بأنه توجد جمعيات سياسية معارضة ولكنها تعطل عمل المعارضة، ما رأيك في هذا القول؟

– هناك تقديرات مختلفة للوضع السياسي لكل جمعية من الجمعيات المعارضة، وما نراه نحن ليس بالضرورة هو ما يراه الآخرون، وفي المقابل نحن لا نريد أن نُحمل أحداً لأن يتبنى وجهة نظر المنبر في العمل السياسي، لكننا مقتنعون بسلامة خطنا السياسي والفكري، وهو خط صاغته مؤتمراتنا المتعددة منذ أن تأسس المنبر، وكذلك هيئاتنا القيادية المنتخبة، وبين الحين والآخر نعقد لقاءات تشاورية مع أعضائنا نعرض فيها لسياسة المنبر تجاه المستجدات، ونستمع لملاحظاتهم وانتقاداتهم. نحن تنظيم ديمقراطي، وقراراتنا تتخذ بصورة جماعية.
وفيما يتصل بعمل المعارضة، علينا أن نفرق بين تلك القرارات التي تتخذ بصورة جماعية، وهي المعيار أو الحكم، أما أن ينفرد طرف أو أكثر بقرارات وممارسات تترتب عليها نتائج سلبية ويطلب من الآخرين تحمل نتائج عمله، فهذا أمر يجب الوقوف إزاءه وقفة نقدية.

؟ هل حدثت استقالات من المنبر سواء في اللجنة المركزية أو المكتب السياسي؟

– هناك أحد أعضاء اللجنة المركزية إبتعث في دورة دراسية طويلة من جهة عمله فقرر أن يترك مكانه للعضو الاحتياط حتى لا يظل هذا الموقع مُجمداً، ولكن استقالات بمفهوم الاستقالة لا توجد.

؟ ما رأيك في أداء المعارضة؟

– نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة نشأت خريطة سياسية جديدة أبرز معالمها هي إن الكتلة الأكبر في المعارضة (الوفاق) أصبحت مشاركة في العملية البرلمانية، وهذا فرض معطيات جديدة يجب أخذها بعين الاعتبار، لأن الوفاق صارت أمام مهمة التعامل بآليات عمل مختلفة عن التي كانت متبعة خلال فترة المقاطعة، وأصبح للوفاق شركاء جدد في العمل البرلماني وهي معنية بأن تمد جسوراً معهم وتدخل في تسويات واتفاقات وعلى المعارضة أن تدرك الوضع المستجد الذي نشأ الآن.
 وفي تقديرنا لا يمكن للأمور أن تعود إلى ما كانت علية في العام ,2002 يجب على المعارضة أن تفتش عن وسائل عمل وتنسيق يناسب الظرف الجديد، وحلم العودة إلى المرحلة السابقة حلم غير واقعي، وعلينا أن ندرك أيضاً تنوع قوى المعارضة، فهي ليست تياراً واحداً، وإنما مجموعة تيارات: تيار إسلامي وآخر قومي وثالث يساري، ولكل من هذه التيارات أساليب عمله وآرائه المختلفة. ولا يمكن للتيار الديمقراطي أن يعمل بآلية جمعية الوفاق الخاضعة بإرادتها للمرجعية الدينية، ولا يمكن أن نتصور قيام أي تنسيق بين القوى المختلفة لو أسقطنا من حسابنا هذه الحقيقة.
هذه التغييرات تستدعي أكثر فأكثر ضرورة وحدة التيار الوطني الديمقراطي بمكوناته اليسارية والقومية، فهذا التيار مشتت وموزع على أكثر من محور تنسيق. هناك حديث عن تيار قومي – إسلامي، وعن تنسيق ديمقراطي – إسلامي، ولكن لا يوجد حديث عن وحدة التيار الديمقراطي نفسه، وهذه هي المشكلة الكبرى التي تشكل مصدر الخلل الذي يقع فيه التيار الديمقراطي، ونحن من جانبنا ندعو أن تلتقي الأطراف الوطنية التقدمية والقومية الديمقراطية جميعاً، وأن تبني تياراً واسعاً على قاعدة ما يجمعنا من نظرة علمانية للأمور ومن موقف وطني وتقارب في التكتيك السياسي وطريقة التعاطي مع الوضع في البلد والمنطقة، وأن تشكل وحدة هذا التيار أحد مرتكزات وحدة المعارضة.

؟ لا يمكن الحديث عن وحدة معارضة مكوناتها متشتتة

؟ ماذا عن وحدة المعارضة؟

– لا يمكن الحديث عن وحدة المعارضة بينما مكوناتها متشتتة ويختلف الأمر لو كان هناك تنسيق سابق بين المنبر التقدمي ووعد والتجمع القومي وجمعية الوسط الإسلامي لتشكيل قاعدة تعاون مع الجمعيات الإسلامية، ولا يجب أن يفهم التنسيق بين أطراف التيار الديمقراطي بأنه موجه ضد الإسلاميين … ليس هذا الهدف، الهدف هو تقوية المعارضة، ويجب أن نبدأ بتقوية مكوناتها وفي الجانب الآخر يجب تقوية كل جمعية على حدة.

؟ كيف تقيم أداء المعارضة تحت قبة البرلمان؟

– في دور الانعقاد الأول كان أداء الوفاق مرتبكاً ولم يكن بالمستوى المطلوب وفي تقديرنا كان خطأً فادحاً أن تنزلق الوفاق إلى الموافقة على لجنة التحقيق في ربيع الثقافة، وأن تبني أولوياتها بصورة مختلفة بحيث أصبحت استجواب وزيرة الصحة السابقة في مقدمة أولوياتهم وكان هناك قصور في التنسيق مع الجمعيات السياسية المعارضة خارج المجلس.
وكنا نأمل أن تشكل قائمة انتخابية واحدة للمعارضة وبطبيعة الحال سيكون للوفاق الحصة الأكبر ولكن الوضع كان سيكون أفضل بكثير لو ضمت القائمة مرشحين عن المنبر التقدمي ووعد وأمل. كان هناك نواب على قدر من الكفاءة والخبرة برهنوا عليها في المجلس السابق كان الأصح لو أن الوفاق دعمتهم واستفادت من طاقاتهم، وبالتالي لن نكون بحاجة إلى تشكيل مطبخ للمعارضة لأن هذا كان سيكون تحصيل حاصل.

؟ الساحة تعاني حالة من الركود السياسي أعني ركود نشاط الجمعيات السياسية فما السبب؟

– العمل السياسي لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة ولا يمكن أن تكون حركة الجماهير في حالة من المد والصعود دائما، وطبيعة العمل السياسي أن يكون هناك صعود ومد حيناً، وتراجع وجزر حيناً آخر، وأنت لا تستطيع أن تستمر في أسلوب عمل سياسي واحد طوال الوقت. لكل ظرفٍ سياسي آلية مختلفة ولكن اتفق معك إن هناك حالة من الإحباط ربما سببها نتائج الانتخابات الأخيرة التي كرست القسمة الطائفية والمذهبية، لو أن المعركة الانتخابية أُديرت بشكل آخر وخرجت بنتائج أخرى ودخل إليها عدد من النواب الوطنيين لربما اختلف الأداء البرلماني إلى حد كبير واختلف المزاج السياسي في البلاد ككل.

؟ كان هناك نوع من التقارب مع الوسط العربي الإسلامي، أصبح بعدها نوع من الفتور ما السبب؟

– العلاقة مع الوسط العربي الإسلامي تشكلت أثناء ميثاق التنسيق السداسي الذي جمعنا نحن والوسط مع الجمعيات الأربع المقاطعة، إذ كانت لدينا مع الأخوة في الوسط تقييمات مشتركة تجاه الوضع السياسي في البحرين، وهذه المشتركات مستمرة حتى اليوم، وليس صحيحا أن المساحة المشتركة من التعاون والتفاهم مع الأخوة في الوسط لم تعد موجودة إذ لا يزال بيننا أشكال من التواصل.

؟ فيما لو أثيرت الدعوة لقيام تحالف رباعي، فهل تستجيب المنبر؟

– ما المقصود بالرباعي؟ التحالف الرباعي السابق سقط باعتراف قادته من رؤساء الجمعيات، ولكن نحن ندعم أي جهد يؤدي إلى وحدة الجمعيات السياسية الحريصة على عملية الإصلاح في البحرين، وسنقف معها بلا تردد، ولكن الظروف الآن ليست ناضجة لبناء تحالف جديد لأنه مازال تقييم الجمعيات وحول أساليب التعامل مع الملفات أيضاً مختلفاً، لذلك لسنا مع الهرولة في بناء تحالفات جديدة. نحن مع التريث حتى نتيقن أن أرجلنا تقف على أرض صلبة، خصوصاً وأن المعارضة خرجت من تحالفات غير ناجحة، مثل التنسيـــــــــــق  السداسي الذي انهار والتحالف الرباعي الذي سقط وعلينا أن لا نكرر الأخطاء.

؟ نقف ضد معوقات التحول الديمقراطي

؟ ماذا عن الوضع السياسي القائم في البلاد؟

– نقف ضد معوقات التحول الديمقراطي وخصوصاً من قبل بعض أجهزة السلطة التنفيذية وهذا الأمر نقوله في بياناتنا ومواقفنا السياسية. المنبر مستمر في نهجه الذي رسم في مؤتمراته الأخيرة: البناء الديمقراطي الحق يتطلب تغييرا في أداء الحكومة، لا يمكن أن نقيم إصلاحاً دون إصلاحيين. الإصلاح لن يتم باستمرار الفساد والمحسوبية، ولابد من صلاحيات  حقيقية للمجلس المنتخب.
هناك شعور عام لدى الناس إن الزخم الذي كان عليه مشروع الإصلاح في بداياته تبدد، وإن عديداً من القضايا آخذة إلى التفاقم ويجب العمل الجاد على حلها، لأن من شأن هذا التفاقم أن يأخذ بالبلد إلى احتقانات كبرى، إذا لم نعاجل في حلها.
هناك إعاقة متعمدة لعمل مجلس النواب وتعطيل لصلاحياته الرقابية وهي أمور تجعل الناس تشعر بالإحباط والغضب.
ليس من المصلحة دفع الأمور في البلاد نحو التصادم والتوتير والمواجهة، وعلى عاتق الدولة تقع مسؤولية كبيرة في احتواء العوامل المؤدية لذلك.

؟ أحمد الذوادي رفع شعار التصالح مع التيارات الإسلامية ولكن المنبر لم تتخذ أي خطوة في التعاطي أو تكوين تحالف مع أي من التياراتالإسلامية الموجودة على الساحة؟

– نحن لسنا في خصومة مع التيارات الإسلامية ولكن أيضاً لسنا مجبرين على الموافقة على برامجها وأجندتها. هناك مناطق مشتركة مع بعض هذه التيارات الإسلامية ونحن نعمل بصورة مشتركة فيها ولكن هناك مناطق نختلف فيها بصورة جذرية فكرياً وسياسياً واجتماعياً ولدينا الجرأة لأن نقول ذلك.
معركتنا ليست مع التيارات الإسلامية. معركتنا من أجل تثبيت المسار الديمقراطي في البلد وتعزيزه. هذا هو نهج أحمد الذوادي الذي نواصل العمل بموجبه.

؟ ولكن بعض أطراف التيار الإسلامي لديه خصومة مع التيارات الليبرالية والعلمانية؟

– هذا شأنهم هم. ولكن يجب أن أشير إلى أن تيار المنبر الديمقراطي التقدمي منغرس في تربة البحرين وهو ليس على تضاد مع عقيدة الناس ولا مع عاداتها ولا أفكارها ولم تكن لدينا مثل هذه الرؤية في الماضي ولا الآن ولن تكون في المستقبل.

؟ إلى أين وصل مشروع التنسيق بين وعد والمنبر التقدمي؟

– بعد الانتخابات عقدنا لقاء واحداً فقط مع وعد بحضور المناضل عبد الرحمن النعيمي شافاه الله. جاء اللقاء من أجل تسليط الضوء على ما سمي بـ’المطبخ الوطني’ وكان هناك تفاوت في الرأي حول هذه المسألة، في هذا اللقاء اتفقنا على أن تكون هناك لقاءات دورية بين المنبر والعمل الوطني الديمقراطي من أجل التشاور وللأسف الشديد هذا الأمر لم يتم حتى هذا اليوم وأتمنى أن يتم بسرعة.

؟ لماذا لم نشهد إلى اليوم مساعي للتحالف بين المنبر ووعد على رغم وجود عديد من النقاط المشتركة بين الجمعيتين؟

– من وجهة النظر الموضوعية وعد أقرب تنظيم إلينا من حيث البنية الفكرية والرؤية الاجتماعية والتاريخ النضالي المشترك وطبيعة القاعدة الاجتماعية أيضاً التي نمثلها ونعبر عنها في المجتمع، ولكن هناك أسباب أدت إلى التباعد: هناك أمور موروثة من الماضي.. وهناك اختلافنا في تقييم الوضع في البحرين إبان انتخابات ,2002 إذا اخترنا المشاركة في الانتخابات ووعد رجحت خيار المقاطعة.
موضوعياً أيضاً أقول إنه لا مناص لتنظيمينا من التنسيق والعمل المشترك، وهذه قناعة قوية موجودة لدى قاعدة التنظيمين يجب ترجمتها في أفعال وخطوات مشتركة أكثر جدية. 

؟ لماذا لم تدخل المنبر إلى اليوم في تحالف استراتيجي إلى اليوم؟

– التحالف الاستراتيجي الوحيد الذي يمكن أن ندخل فيه اليوم هو تحالف أطراف التيار الديمقراطي لأن له أسس جدية موضوعياً، وللأسف الظرف المناسب لنشوء هذا التحالف إلى اليوم لم يتوافر. أما عن التحالفات الأخرى فإننا أميل إلى التريث حتى تتضح صورتها وأهدافها.

؟ هل هناك أعضاء من المنبر يتحسّسون من التحالف مع التيارات الإسلامية؟

– لا أعلم كيف شاعت هذه الفكرة.. اختلافنا مع هذا التيار هو اختلاف في البرنامج الاجتماعي، ليست لدينا معركة مع التيارات الإسلامية وهناك من يحاول ترويج هذه الفكرة غير الصحيحة لأسباب مغرضة.
والمنبر التقدمي يدرك أن التيارات الإسلامية مكون مهم من مكونات المجتمع البحريني وجزء منها طرف رئيسي في المعارضة.

؟ مصلحة البحرين ومصلحتنا في استقرار هذا الوطن

؟ اتهمت المنبر ووعد في الآونة الأخيرة بتبريرها لأعمال العنف عبر إسقاطها على وجود ملفات سياسية عالقة، فما تعليقكم؟

– أصدرنا بياناً مشتركا مع جمعيات سياسية أخرى بينها الوفاق ووعد حول الأحداث المؤسفة التي جرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان بياناً متوازناً وموضوعياً باعتراف قوى واسعة والكثيرين من متابعي الشأن السياسي في البلد.
بالمثل أدنّا بشدة مقتل رجل الشرطة في كرزكان، وأصدرنا بياناً صريحاً وواضحاً بهذا الشأن دعونا فيه جميع القوى لعدم تقديم أية تبريرات لمثل هذه الاعتداءات، وهذا الموقف جرى التأكيد عليه في تصريحات أخرى لقياديين في ‘التقدمي’.
المنبر التقدمي يدين العنف ولا يقبل به ولا يلتمس له الأعذار، وكررنا هذا القول مراراً وأكدنا عليه في مواقفنا. وبالمثل ندعو الدولة لأن تغلب منطق الحوار والمعالجات السياسية على المعالجات الأمنية. علينا أن نتذكر أن أهمية خطوات جلالة الملك ومشروعه الإصلاحي تكمن في كونها شكلت مخرجا سياسيا لوضع أمني متفاقم، ونحن في حاجة لأن تسود هذه الروح في حياتنا دائما.

؟ هناك من يرى بأن المنبر التقدمي تيار ضعيف غير قادر على تحريك الشارع، وهو لا يمثل إلا شريحة بسيطة من المجتمع، فما تعليقك؟

– لسنا في وارد المبالغة من حجمنا، ولكننا لا نرضى أن يجري التقليل من مكانتنا في الحياة السياسية في البلد، وهي مكانة لا تحدد بالكم فقط، إنما بالسياسة الصحيحة والنهج الذي يحظى بتقدير من قوى وشخصيات وطنية مختلفة المشارب، وكذلك بالتاريخ الوطني والنضالي المجيد الذي يمثله تيارنا.
المنبر التقدمي قوة ذات تأثير في الحركة العمالية وفي صفوف النساء والطلبة، وفي القطاعات المهنية كالأطباء والمحامين والمهندسين وسواهم، وهناك شخصيات اجتماعية وسياسية مرموقة في المجتمع يعتز المنبر بأنها منخرطة في صفوفه.
إضافة إلى ذلك فإن تيار المنبر لا ينحصر في أعضائه فقط، وإنما في مناصريه ومؤيديه وفي أعداد كبيرة من الذين ناضلوا في صفوف جبهة التحرير الوطني على مدى أكثر من نصف قرن ومن أجيال مختلفة ومن الرجال والنساء، وهؤلاء جميعاً يشكلون سنداً للمنبر ودعماً له.

؟ هناك من يرى أن المعارضة مازالت تتعامل مع الملفات السياسية بطريقة تقليدية وتستخدم الخطاب القديم إن اختلف في الشكل وهو ذاته المضمون، فما رأيك؟

– المعارضة مطالبة بقراءة المستجدات الدولية والمحلية بعناية. الظرف الراهن في البحرين اليوم ليس هو نفسه الذي كان قبل سنوات، وعلى المعارضة أن تبرهن على كفاءتها ليس في انتقاد برامج الدولة فقط، وإنما في تقديم البدائل على شكل برامج اقتصادية واجتماعية تتميز بالمهنية والواقعية.
من جانب آخر فإن أجهزة عديدة في الدولة مطالبة بأن تغير منهجها وطريقة تعاطيها مع المجتمع إذا أرادت من المعارضة أن تطور أساليبها.
وليس مطلوباً من المعارضة أن تغير جوهر موقفها من المطالبة بالديمقراطية والتنمية المتوازنة والإصلاح السياسي، فالمضمون واحد، لكن الأسلوب هو الذي تغير أو يجب أن يتغير.

؟ هناك من يرى بأن التيار الديمقراطي يمثل النخبة وهو غير قادر على محاكاة الناس من خلال النزول إلى همومهم والاكتفاء بالندوات وغيرها أو ما أطلق عليها البعض بالتنظير، في مقابل إن التيار الديني أكثر ملامسة ومحاكاة للشارع، فهل هذا صحيح؟

– علينا الإقرار أن مكانة التيارات القومية واليسارية ومجمل التيار الديمقراطي العلماني قد ضعفت إزاء صعود التيارات الإسلامية. هناك تحولات موضوعية أدت إلى ذلك، ولا ننسى أن التيارات الإسلامية وفي مراحل مختلفة حظيت إما بالدعم الحكومي أو بغض الطرف عن نشاطها، فيما كان نصيبنا الملاحقة والقمع والسجون والمنافي، وترافق ذلك مع متغيرات دولية وإقليمية وتشوهٍ في طبيعة الحراك الاجتماعي – السياسي، وقصورات في أداء التيار الديمقراطي نفسه أدت إلى ما نحن فيه اليوم.
مازال التيار الديمقراطي يعاني من آثار ذلك، وهو مطالب باستنهاض قواه وتوحيدها وتطوير وتجديد أساليب عمله ليواكب المرحلة ويستعد للمستقبل، وهو يمتلك الإمكانات اللازمة، وفي مقدمتها طبيعة البرنامج الاجتماعي – السياسي الذي يملكه، ولا يتوافر عليه الآخرون.

؟ كيف تقرأ مستقبل الأوضاع السياسية في البحرين؟

– نحن ننظر إلى الأمور الإيجابية التي تحققت في مملكة البحرين من انفراج سياسي وأمني مهم منذ بدأ المشروع الإصلاحي إذا قارنا الأمور بما كانت علية في السابق خلال حقبة أمن الدولة، وهذا التحول يجب الحفاظ عليه، ولكن أيضاً عملية التحول الديمقراطية عملية تأخذ فترة طويلة وتتطلب تنازلات مهمة من قبل السلطة على صعيد توسيع صلاحية السلطة التشريعية وما يقتضيه ذلك من إصلاح دستوري يدفع في هذا الاتجاه وأن تنظر الدولة إلى الجمعيات السياسية وإلى المجتمع المدني بصفته شريكاً في عملية البناء وتتخلى عن النظرة القديمة القائمة على الخوف والخصومة والحذر مع المجتمع المدني.
مصلحة البحرين ومصلحتنا جميعاً في استقرار هذا الوطن وأمنه وتطوره الديمقراطي الجدي، وهذا لن يتحقق إلا بوجود توافقات تجنبنا التوترات والاحتقانات السياسية خاصة وإن بلدنا يقع في قلب منطقة ملتهبة ومتوترة قد تنعكس علينا بصورة سلبية إذا لم نحصن بيتنا الداخلي بشكل جيد.
وعلينا أن نولي عناية كبيرة في وحدات التيارات والاتجاهات الديمقراطية والعلمانية في هذا البلد لما تمثله من دعامة في البحرين الحديثة والمتطورة بعيدة عن التعصب، لأننا لا نريد أن تنزلق البحرين إلى الفكر المتزمت الذي يسيء إلى تراثها وتقاليدها في التنوير والانفتاح

أجرى اللقاء وفاء العم
جريدة الوطن

 18 مايو 2008

اقرأ المزيد

وعادت بيارق الطائفية..

عندما أُريد أن أُقارن وضع بلد ما، وخاصة إذا كان هذا البلد «ناميا»، فإنني أقارنه غالباً بالهند. فالهند بلد نام حديث، لم ينل استقلاله إلا عام 1947، ورغم أن دولاً كثيرة نالت استقلالها قبل هذا التاريخ، إلا أنها لا تتمتع بدرجة الاستقرار والنمو والديموقراطية التي تتمتع بها الهند، رغم أن الهند كم هائل من البشر يتجاوز المليار إنسان، ورغم أن مساحتها تعادل مساحة قارة كاملة، ورغم أنها تزخر بعشرات الملل والنحل، وينتمي سكانها إلى عشرات الإثنيات أو الأعراق، ورغم ذلك كله فهي أكثر استقراراً من دول استقلت قبلها بكثير، وأصغر منها بكثير، وأقل تعقيداً عرقياً وطائفياً منها بكثير.
الهند اليوم، بكل تعقيداتها الثقافية والعرقية والاجتماعية، تتمتع بنظام سياسي مستقر، وتشق طريقها لأن تُصبح واحدة من أعضاء نادي النُخبة في القرن الحادي والعشرين.
تخطر الهند في البال دائماً، حين التأمل في العديد من دول هذا العالم المضطرب، ولكنها فرضت نفسها هذه الأيام بقوة على الذهن، بعد انفجار الأوضاع في لبنان، ووصول هذا البلد إلى شفير الهاوية، وحافة الحرب الأهلية من جديد. فرضت الهند نفسها على الذهن وذلك لتشابه الأوضاع بين الهند ولبنان في كثير من الأمور، من حيث التعددية الأثنية والطائفية، رغم أن الهند أكثر تعقيداً في هذه المسألة، وفي تبني البلدين للديموقراطية نظاماً سياسياً، ومع ذلك نجد أن الهند أكثر استقراراً، سياسياً واجتماعياً، رغم أن كلا البلدين نال استفلاله في الوقت ذاته تقريباً، لبنان عام 1943، والهند عام 1947.
ولبنان في سكانه الأربعة ملايين تقريباً، لا يقارن مع الهند بسكانها الذين تجاوزوا المليار، كما أن مساحة لبنان لا تعادل مساحة ولاية واحدة من ولايات الهند أو مقاطعاتها التي تتجاوز الثمانية والعشرين ولاية ومقاطعة، كما أن الهند ولبنان يتشابهان في التاريخ، من حيث غزوات الخارج، وتغير الحكام والسلالات، والصراع بين الأعراق والطوائف، والتعرض للاستعمار من الخارج. ولكن، رغم التشابه بين الحالتين، وبالرغم من ضخامة الهند وضآلة لبنان، إلا أن لبنان منذ استقلاله، بل ومن قبل استقلاله، يُعاني من شرخ في تكوينه، غالباً ما يؤدي إلى صراعات محلية دورية، وحروب أهلية دورية، لا ينطفئ أوار أحدها، وينعم البلد ببعض الاستقرار النسبي، حتى تُمهد الطريق لصراع قادم جديد.
قبل عدة أيام، كان لبنان على شفير حرب أهلية جديدة في تاريخه، وكان احتراق لبنان سيؤدي إلى احتراق المنطقة بأسرها، ولكن الله وقانا شر فتنة لا نعلم ما كانت ستؤول إليه نتائجها، وها هم اللبنانيون يجتمعون في قطر للوصول إلى نوع من اتفاق وطني. ولكن، وآه من لكن هذه، وعلى افتراض أن فرقاء لبنان توصلوا إلى صيغة معينة من الاتفاق الوطني، وعاد السلم الأهلي إلى الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، فإلى متى يا ترى من الممكن أن يدوم هذا الاستقرار وذاك السلم؟ لقد علمتنا «أيام اللبنانيين» أن حالة السلم الأهلي في لبنان لا تدوم طويلاً، بالرغم من كل الاتفاقيات والنوايا الحسنة في حينها، لدرجة أن حروب لبنان الأهلية، وصراعات اللبنانيين الداخلية المتفجرة، يمكن دراستها كدورة زمنية تحدث كل ربع قرن على أبعد تقدير، وخمسة عشر عاماً على أقل تقدير، وذلك منذ أن برز اسم لبنان ككيان سياسي مع فخر الدين الثاني، مروراً بالحرب العالمية الأولى وما بعدها، وتكون لبنان الكبير عام 1920، وصولاً إلى أيامنا الحالية.
ما هي مشكلة لبنان؟ الهند على تعقيداتها، وطوائفها، وأعراقها، ولغاتها، والتدخل الأجنبي فيها، تسير بخطى حثيثة إلى الدرجات العلا في سلم القوى العالمية، وتحقق أعلى درجات النمو والاستقرار والديموقراطية، وتنصهر كل اختلافاتها وتنوعاتها في جسد واحد هو الجسد الهندي، فيما لبنان، بكل تاريخه العريق وثقافته ومدنيته التي بز فيها كل دول المنطقة في لحظة من الزمان، مازال فسيفسائي التركيب، طائفي الهوى، قبلي الصراع، ممزق الجسد، تتناهشه الولاءات والانتماءات، ويغيب عنه الانتماء للوطن الواحد. ما القصة هنا؟
في ظني أن علة لبنان، واللبنانيون أدرى بحالهم في أية حال، هي الطائفية السياسية التي وثقتها الاتفاقيات الوطنية اللبنانية، المكتوب منها وغير المكتوب، وسواء كان الحديث عن الميثاق الوطني عام 1943، أو اتفاقية الطائف عام 1989، أو ما قد يُسفر عنه اجتماع الدوحة، التي لم تحاول حل مشكلة الطائفية السياسية في لبنان، بقدر ما كانت نوعاً من العلاج المؤقت، أو مهدئات وقتية، مهما طال أمدها، للفسيفسائية الطائفية وتناقضاتها في لبنان. كانت المشكلة الدائمة في لبنان هي كيفية إقامة نوع من التوازن السياسي بين الطوائف اللبنانية، وهو توازن معرض للخلل في كل حين، لأنه يقوم على أسس خاضعة للتغير في كل آن. فالميثاق الوطني الأول، كان اتفاقاً على قيام توازن سياسي معين في لبنان، ولكن المتغيرات الديموغرافية أدت إلى اختلال هذا التوازن مع الزمن، مما أدى إلى تململ بعض الطوائف من موقعها في ذلك التوازن الذي تجاوزته الوقائع، فكانت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، والتي انتهت باتفاقية توازن جديدة هي اتفاقية الطائف عام 1989، التي لم تمس جوهر المشكلة، بقدر ما عالجت قشورها، والتي هي اليوم في مهب الريح، رغم تمسك جميع الفرقاء بها كمرجعية للعلاقات السياسية بين الطوائف.
البحث عن مواقع جديدة في شبكة التوازن الطائفي، هو السبب الرئيس وراء غليان الأوضاع في لبنان خلال الفترة الأخيرة، بل وخلال مختلف الفترات، ومن بعد ذلك تأتي بقية الأسباب، الداخلي منها والخارجي. مشكلة لبنان التي تهدد دوماً بعودة التوتر وانفجار الأوضاع، هي أن الكيان اللبناني قائم على حالة من التوازن السياسي الطائفي غير الثابت، والذي لا يمكن له أن يكون ثابتاً، ولا حل لسلم أهلي دائم في لبنان إلا من خلال علاج مشكلة الطائفية السياسية التي تقف وراء كل اضطراب في لبنان، والتي تسمح لكل الصراعات والأطماع الخارجية أن تجد لها موقعاً فيه، من خلال رعاية هذا الطرف الداخلي أو ذاك، أو التحالف مع هذا الفريق الداخلي أو ذاك، ومن ثم ترك الفرقاء اللبنانيين يُقاتلون حرب الآخرين على أرضهم، في الوقت الذي يُقاتلون فيه من أجل تحسين مواقعهم الطائفية، والثمن في النهاية هو الوطن والانتماء إلى الوطن.
الطائفية السياسية، التي رسختها كافة المواثيق والاتفاقيات اللبنانية، تحدد المواقع السياسية للأفراد والجماعات والأحزاب والتنظيمات، بناءً على الانتماء الطائفي، وليس بناءً على مجرد المواطنة أو الكفاءة البحتة. فلماذا مثلاً يجب أن يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، ورئيس مجلس النواب مسلماً شيعياً، وغير ذلك من مناصب موزعة طائفياً؟ عندما تكون المواطنة والكفاءة فقط هي المعيار، فمن الممكن أن يكون أي مواطن صالحاً لهذا المنصب أو ذاك، دون اعتبار للخلفية الطائفية. صحيح أن الطائفية لن تختفي تماماً، فليس هناك حل سحري أو إعجازي لأي مشكلة، ولكنها ستتحول إلى مشكلة اجتماعية بحتة، كما هو حادث في الكثير من دول العالم الديموقراطية ذات التنوع الإثني والطائفي، ولكن دورها سيضمحل حين لا «توثق» في مواثيق سياسية، تمنحها الشرعية والاستمرارية.
وعود على بدء، نقول إن هذا هو بالتحديد ما يفرق بين الهند ولبنان، وغيرهما من بلدان، في هذه النقطة: الهند ديموقراطية دون طائفية سياسية، بل قائمة على مبدأ المواطنة وحده، من الممكن أن يكون فيها رئيس الجمهورية أو الوزراء أو البرلمان هندوسياً أو مسلماً أو سيخياً أو مسيحياً، ولبنان ديموقراطية مشوهة، قائمة على طائفية سياسية، لا يُمكن فيها أن يكون هذا المنصب أو ذاك إلا لهذه الطائفة أو تلك، فحولت المجتمع إلى قطع غير منصهرة في بوتقة الوطن الواحد، بل هي فسيفساء من الولاءات والانتماءات غير المنسجمة على اختلاف ألوانها. كان لبنان يوصف بأنه سويسرا الشرق، وبيروت بأنها باريس الشرق، ولكن مثل هذا الوصف يجب أن يكون شاملاً للظاهر والباطن معاً كي تكتمل الصورة ويتحقق الوصف، ولا يكون ذلك إلا بإيجاد اللبنانيين حلاً للورم السرطاني الذي ينخر في الجسد اللبناني ونقصد به الطائفية السياسية. بغير ذلك، فلا ميثاق وطني، أو اتفاق طائف، أو اتفاق دوحة قادر على إنقاذ لبنان من نفسه، وستعود دائرة العنف إلى الواجهة كل فترة من الزمان، وأهل مكة في النهاية أدرى بشعابها، وحفظ الله لبنان من شر نفسه وأهله أولاً وقبل أي شيء آخر..

*نقلا عن جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية

اقرأ المزيد

حول انتشار ظاهرة حق الامتياز التجاري‮ »‬فرانتشايزينج‮«‬

تزداد وتتسع العولمة على صعيدها الاقتصادي‮ ‬وتتخذ أشكالاً‮ ‬مختلفة لتتحول إلى مواد وأدوات جديدة في‮ ‬العلاقات الاقتصادية الدولية التقليدية‮.‬ ومن بين أشكال تمظهرها العديدة تبرز ظاهرة حق الامتياز التجاري‮ ‬‭(‬Franchising‭) ‬التي‮ ‬انتشرت بصورة لافتة للنظر في‮ ‬السنوات القليلة الماضية في‮ ‬أسواق الدول النامية،‮ ‬الصاعدة منها‮ ‬‭(‬Emerging‭) ‬وتلك التي‮ ‬في‮ ‬مسار النمو الاعتيادي‮.‬
وحق الامتياز التجاري‮ ( ‬السلعي‮ ‬والخدمي‮ ) ‬عبارة عن حق‮ ‬يمنحه صاحب الامتياز‮ ‬‭(‬Franchiser‭) ‬للمتمتع بالامتياز‮ ‬‭(‬Franchisee‭)‬‮ ‬لأداء عمليات أو خدمات معينة أو بيع منتجات معينة ضمن منطقة جغرافية محددة أو في‮ ‬موقع وبشروط محددة‮ ‬يمليها مانح الامتياز‮. ‬ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر،‮ ‬مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي‮ ‬ذات الأسماء العالمية المعروفة ومحلات بيع الملابس ومحلات لوازم الاعتناء بالصحة البدنية ونحوها‮.‬
‬وهنالك حق الامتياز الاحتكاري‮ ‬الذي‮ ‬تمنحه حكومة ما لشركة ما بغية حمايتها من المنافسة من قبيل الامتياز الاحتكاري‮ ‬الذي‮ ‬تمنحه الحكومة لشركة كهرباء أو شركة اتصالات هاتفية أو شركة بريد‮.‬
وبموجب حق الامتياز فان صاحبه ومانحه‮ ‬يحصل على إيرادات مُتَعَاقَد عليها من المتمتع بالامتياز لقاء استخدامه لاسم ومنتجات صاحب ومانح الامتياز‮.‬
ويعود تاريخ ظهور الصيغة التعاقدية التجارية المسماة بحق الامتياز‮ ‬‭(‬Franchising‭)‬‮ ‬إلى عام‮ ‬1731‮ ‬عندما قام بينجامين فرانكلين‮ ‬‭(‬Benjamin Franklin‭)‬‮ ‬بإعطاء ترخيص أو حق الامتياز الخاص بقطاع أعمال النشر الذي‮ ‬يملكه في‮ ‬ولاية فيلاديلفيا الأمريكية إلى توماس ويتمارش‮ ‬‭‬Thomas Whitmarsh‭)‬‮ ‬) لاستغلاله‮ ( ‬لاستغلال حق الامتياز‮ ) ‬في‮ ‬أعماله بمدينة تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية قبل أن تتطور هذه الصيغة من العلاقات التجارية على المستوى العالمي‮ ‬إلى ما هي‮ ‬عليه اليوم،‮ ‬حيث أشار تقرير صدر في‮ ‬العام الماضي‮ ‬عن مؤسسة حق الامتياز الأوروبية
‮ ‬‭(‬European Franchise Association‭)‬‮ ‬إلى ان عدد ماركات حق الامتياز‮ ‬‭(‬Franchised brands‭)‬‮ ‬المسجلة والعاملة في‮ ‬القارة الأوروبية وحدها بلغ‮ ‬6500‮ ‬ماركة،‮ ‬80٪‮ ‬منها محلية الملكية‮.‬
وحتى الصين التي‮ ‬لا تعتبر سوقاً‮ ‬متطورة في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬يوجد فيها اليوم أكثر من ألفي‮ ‬نظام حق امتياز وحوالي‮ ‬000‭,‬120‮ ‬محلاً‮ ‬تعمل بصيغة حق الامتياز‮. ‬وإذا كانت هذه المحلات لا تحوز سوى‮ ‬1٪‮ ‬من حصة مبيعات تجارة التجزئة فان تقرير القطاع الصناعي‮ ‬الصيني‮ ‬يتوقع أن ترتفع النسبة إلى‮ ‬30٪‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬‭.‬2010
وفي‮ ‬عالم المال والأعمال حيث‮ ‬يتنامى صعود من‮ ‬يُسمَّوْنْ‮ ‬بالمبادرين‮ ‬‭(‬Entrepreneurs‭)‬‮ ‬أي‮ ‬الراكبين مغامرة دخول عالم البيزنس،‮ ‬يبدو خيار الحصول على ترخيص‮ ‬‭(‬Franchising‭)‬‮ ‬من إحدى محلات الماركات العالمية المعروفة،‮ ‬الخيار الأنجع والأضمن،‮ ‬حيث تتراوح كلفة الحصول على حق الامتياز لاحدى ماركات المحلات العالمية ما بين‮ ‬000‭,‬15‮ ‬إلى مليون دولار‮. ‬بيد أن الأمر ليس على هذا النحو بالضبط‮. ‬فاذا كان صاحب حق امتياز الماركة معني‮ ‬ببناء صيت وسمعة هذه الماركة فان المنتفع بها‮ ( ‬بالتعاقد‮ ) ‬مطالب بحسن إدارتها بكفاءة وربحية،‮ ‬حتى وإن كان طريقها الاستثماري‮ ‬أسهل من طريق الاستثمار في‮ ‬تأسيس شركة أو عمل جديدين‮. ‬وخلال مدة التعاقد على الانتفاع بحق الامتياز التي‮ ‬يتراوح متوسطها ما بين عشر إلى عشرين سنة،‮ ‬فان المنتفع سيدفع نفقات التشغيل ومقابل رخصة الانتفاع وهو مبلغ‮ ‬يُدفع إما في‮ ‬صورة ضريبة محددة تحسب على أساس اجمالي‮ ‬المبيعات أو رسم ثابت‮.‬
ومع انتشار ظاهرة‮ ‘ ‬الفرانتشايزينج‮ ‘ ‬فان عدداً‮ ‬من البلدان التي‮ ‬صارت نقاط جذب واضحة لهذه الصيغة الاستثمارية التجارية مثل المكسيك التي‮ ‬يصل حجم قطاع الأعمال الذي‮ ‬يعمل بموجبها إلى‮ ‬55‮ ‬مليار دولار،‮ ‬راحت تسن تشريعات وطنية تنظم هذه العملية والعلاقة بين مانح حق الامتياز والمتنفع به والمعلومات الواجب توفيرها والنص عليها صراحة في‮ ‬عقودها بما‮ ‬يحفظ خصوصا حقوق المنتجين لاسيما في‮ ‬الدول النامية الذين كثيراً‮ ‬ما تبدو لهم بعض صفقات التعاقد من هذا النوع مبهرة على الورق إلا أنها تتضمن رسوماً‮ ‬مبهمة‮ ‬يفاجأ بعملها المنتفع من قبيل التدريب‮‬تدريب كادر العمل على أداء محلات مانح العلاقة التجارية أو المنتج‮ ( ‬بفتح التاء‮ ) ‬وتجهيزات الكمبيوتر‮. ‬ولذلك‮ ‬يتعين توخي‮ ‬الحذر هنا‮. ‬فقد تكون رسوم الانتفاع من حق الامتياز عالية بعض الشيء ما‮ ‬يجعلها أقل إغراءً‮ ‬مقارنة بفرصة بديلة لا تزيد نسبة الانتفاع بامتيازها عن‮ ‬4٪‮ ‬سنوياً‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬بيد أن هذه الأخيرة ربما تضمنت نفقات أخرى‮ ‬يتحملها المنتفع من قبيل دعم التسويق والاستشارات والخصومات على مواد التزويد والتمكين من النفاذ إلى نظام شبكة اتصالات مزود الخدمة‮ ( ‬صاحب الامتياز‮ ) ‬وما إلى ذلك‮.‬
وبناء على ما تقدم،‮ ‬وبالنظر إلى بداية ظهور نشاط حق الامتياز التجاري‮ ‬‭(‬Franchising‭)‬‮ ‬في‮ ‬جداول عروض والتزامات الدول تجاه بعضها البعض من خلال مشاريع اتفاقيات التجارة الحرة،‮ ‬فلابد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية عموماً‮ ‬من أن تتحرك باتجاه وضع تشريعات وطنية محكمة تنظم عملية الاستثمارات الأجنبية في‮ ‬بلداننا وفقا لهذه المقاربة التجارية.
 
صحيفة الوطن
18 مايو 2008

اقرأ المزيد

عندما تَطْعِن «المقاومة» اللبنانية ظهرَها

حينما ظهر السيد حسن نصرالله، أقوى اللاعبين السياسيين اللبنانيين، على شاشات الفضائيات عصر يوم الخميس ما قبل الماضي 8 مايو/ أيار الجاري، بدأً الحديث بنبرة واطئة وهدوء بَيّن، متحكما في انفعالاته وعواطفه مبدياً رباطة جأش واضحة وغير اعتيادية، شعرتُ أن المسألة غير عادية وان هذا الهدوء الظاهري ما هو إلا الشروع في عملٍ حاسمٍ يتجاوز كل التوقعات.
وقد صدق ظنّي حين خرج عن المألوف والنبرة الهادئة، مهدداً بتطبيق بقطع اليد (كلمة السر)، معلنا عن بِدء مرحلة جديدة، مطلقاً العنان لميليشياته المدجّجة بالسلاح للسيطرة على شوارع بيروت وزواريبها لتنفيذ محاولة انقلابية «حماسية»، أُريد لها أن تكون غير مكتملة (أشبه بعملية انتحارية) تجسّدت أساسا في ضرب مرتكزات الحريات المدنية والمراكز الإعلامية.
وتراءى، لبُرهة دامت 48 ساعة، لتلك الميليشيات الزاحفة أنهم وحدهم سادة الميدان في بيروت وكل لبنان وذلك بعد انسحاب مسلحي قوات «الموالاة» من المعركة وظهورهم بمظهر الخاسرين، المسالمين والضحايا العزّل المحتاجين للشفقة والعطف. ولعل الأغرب هو موقف الجيش اللبناني وقائده العماد ميشال سليمان، مرشح رئاسة الجمهورية الوحيد، الذي سمح لعبث ميليشيات ‘حزب الله’ وحركة ‘أمل’ والحزب القومي السوري، في مختلف الأماكن اللبنانية للوصول إلى الذروة ونشوة النصر. بدا في تردده وكأنه شريك لقوات حزب الله، إن لم يكن حرصا منه على وحدة الجيش وخوفا من أي انقسام في صفوفه. والسؤال الآن هل كان هناك فخّ نصب للمعارضة ولحزب الله بالذات ومخطط جهنمي نُسج بدقة؟. هذا ما لا يمكن تأكيده ولو أن المؤشرات توحي بذلك. أم أن المسألة أبسط من ذلك ولا توجد حاجة لإطلاق العنان للخيال و’فَبْركة’ شيء غير موجود أصلا في الواقع.
ما إن طافت الساعات الـ48 الصعبة، حتى قلتُ في سري إن السكرة قد تبخرت وغداً تأتي الفكرة، وها هي تجليات الفكرة وتداعياتها قد اتسعت. نرى الآن كيف استعادت أطراف الموالاة، بسندٍ قويّ من مؤيديهم الإقليميين والدوليين، المبادرة بهجوم إعلامي كاسح، حيث إن الخاسر على الأرض في الأيام العصيبة الماضية بات الآن وكأنه الرابح الأكبر عبر الفضائيات والأرضيات.
خاض حزب الله بطولات كثيرة في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ونال سمعة عظيمة ليس بين مؤيديه الأقربين بل حتى من أبعد الأبعدين بما فيهم شريحة لا بأس بها من الرأي العام الغربي. في خضم نضاله المقاوم، ارتكب حزب الله اللبناني بالطبع بعضاً من الأخطاء من فترة لأخرى لكن التاريخ سيجلده هذه المرة حين قام بعملية حمقاء تتسم بالمغامرة والرعونة والانفلات والهيجان العاطفيين، لم تتجسد في الاعتداء على البيوت الآمنة للمواطنين فحسب بل سمح لنفسه للاستيلاء وحرق مراكز تمثل الرأي وحرية الكلمة، التي تعتبر مقدسة بالنسبة للشعب اللبناني. وكما قال آينشتاين يوما إن «الأحمق يكرر نفس الأخطاء آملاً الحصول على نتائج مختلفة».
لقد جرّد حزب الله نفسه من سرّ قوته، طعن نفسه ومؤيديه في الظهر وقطع يد ظهيره من حيث لا يدري ممرغاً سلاح المقاومة في الوحل، وفقد كل أوراقه الأساس المتمثلة في مقاومة العدو الخارجي الإسرائيلي بشرط أن لا يشهر مسدسا واحداً على أي مواطن في الداخل، وذلك لأن المقاومة لا تستمر ولا تستقوي إلا بتأييد الرأي العام والمواطنين العاديين وها هي ‘هالة’ المقاومة قد تلطخت ببقع لا تزيلها التطمينات مرة أخرى. فالصورة المثالية والمقدسة لشرف المقاومة قد اهتزت في أذهان الألوف المؤلفة من المواطنين والرأي العام المحلي والعربي والدولي. يبدأ الآن العد العكسي لطرح مسألة تجريد حزب الله والآخرين جميعهم من سلاحهم. ولعل الطامة الكبرى أن النظام العربي الرسمي المشهود له باستبداده بشعوبه بدا الآن وكأنه المنقذ للديمقراطية في لبنان.
وأكاد اتفق مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من أن مرحلة جديدة قد بدأت بالفعل، ولكن من منظور آخر تماما، بسبب أن قطب ما يسمى بالموالاة سيكون في وضع هجومي وقطب المعارضة وخاصة حزب الله في وضع دفاعي. ولو أن المسألة أو المرحلة القادمة لا تجري سلساً كما يبدو لأي من طرفي المعادلة في الوقت الحاضر، ومرد ذلك التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية التي التقت وتضاربت مصالحها المتناقضة في شرق المتوسط وتكثفت كلها في الساحة اللبنانية.

صحيفة الوقت
18 مايو 2008

اقرأ المزيد

“‬إفشال‮” ‬الوفاق‮.. ‬لمصلحة من؟


لا‮ ‬يحتاج المراقب لأداء مجلس النواب في‮ ‬دوري‮ ‬انعقاده المنتهيين حتى الآن من الفصل التشريعي‮ ‬الثاني،‮ ‬الذي‮ ‬تميز،‮ ‬كما بات معلوماً،‮ ‬بدخول الكتلة الوفاقية إليه،‮ ‬بعد أن قررت كبرى الجمعيات السياسية في‮ ‬البلد إنهاء مقاطعتها للحياة النيابية أن هناك مسعى من جانب بقية الكتل النيابية لإفشال الوفاق وإظهارها بمظهر العاجز عن تقديم أي‮ ‬انجاز تُقنع به جمهورها الكبير الذي‮ ‬كان‮ ‬يتطلع من وراء مشاركتها في‮ ‬المجلس إلى مكاسب ملموسة‮.‬ بوسعنا،‮ ‬لو اقتضى الأمر،‮ ‬أن نعدد مآخذ لدينا على أداء الوفاق النيابي،‮ ‬وأن نشير إلى أن سلم أولوياتها ككتلة نيابية معارضة اعتاره خلل في‮ ‬أكثر من محطة،‮ ‬لكن ليس هذا هو موضوع الحديث،‮ ‬فهذا أمر وذاك المسعى المنهجي‮ ‬المدروس الذي‮ “‬تفاهمت‮” ‬عليه بقية الكتل،‮ ‬وبرضا حكومي،‮ ‬للحيلولة بين الوفاق وبين تحقيق أي‮ ‬انجاز ملموس أمر آخر‮.‬
لا‮ ‬يتصل الأمر فقط بمسألة الاستجوابات التي‮ ‬شغلت وقت المجلس واهتمام الرأي‮ ‬العام،‮ ‬وإنما بسلسلة من المواقف،‮ ‬لم تتورع فيها الكتل النيابية الأخرى أن تخالف صراحة أحكام اللائحة الداخلية للمجلس،‮ ‬وحتى بعض الأحكام الدستورية،‮ ‬مستفيدة مما‮ ‬يدعوه أمين عام الوفاق الشيخ علي ‬سلمان‮ “‬الغلبة العددية‮” ‬التي‮ ‬لدى هذه الكتل في‮ ‬المجلس في‮ ‬محاصرة الوفاق وإرباك أدائها‮.‬ مشاركة الوفاق في‮ ‬انتخابات ‮٦٠٠٢ ‬والنتائج التي‮ ‬أحرزتها فيها كان‮ ‬يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على قاعدة التكافؤ والندية،‮ ‬لا الإلحاق والتبعية،‮ ‬وأن‮ ‬يُصار،‮ ‬في‮ ‬نتيجة ذلك،‮ ‬إلى تسوية أمور عديدة عالقة،‮ ‬بشكلٍ‮ ‬يؤمن الاستقرار الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬البلد،‮ ‬ويدفع بالعملية الإصلاحية في ‬مسارات جديدة،‮ ‬تعزز الشراكة بين الدولة والمجتمع‮.‬
وقلنا‮ ‬غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات،‮ ‬رغم كل مآخذنا على طريقة تشكيل الوفاق لقائمتها‮ “‬الإيمانية‮”‬،‮ ‬إن على الدولة أن تلتقط المسعى الايجابي‮ ‬للوفاق بالمشاركة بأن ترد عليها التحية بأحسن منها،‮ ‬لضمان بلوغ‮ ‬الأهداف التي‮ ‬أشرنا إليها أعلاه،‮ ‬ولكن للأسف فإن الأمور سارت،‮ ‬داخل مجلس النواب،‮ ‬في‮ ‬المجرى المغاير،‮ ‬الذي‮ ‬فاقم من حالة استياء قاعدة الوفاق،‮ ‬ودفع الوضع نحو مظاهر تأزم جديدة،‮ ‬وبدلا من تشكيل مناخ من الثقة،‮ ‬تقتضي‮ ‬الأمانة القول إن الوفاق سعت إليه،‮ ‬تشكل مناخ من التوتر والشد والشكوك المتبادلة‮.‬ في‮ ‬تقديرنا،‮ ‬إن الإمعان في‮ ‬نهج إفشال الوفاق برلمانيا سيؤدي،‮ ‬في‮ ‬ظل توازنات القوى الميدانية،‮ ‬إلى إلحاق المزيد من الإضرار بمجمل العملية السياسية في‮ ‬البلد،‮ ‬وسيصيب ما تبقى من مصداقية لمجلس النواب في‮ ‬مقتل،‮ ‬وسيُفقد الناس أي‮ ‬أمل في‮ ‬أن‮ ‬يسفر عن هذا المجلس أي‮ ‬انجاز فعلي‮.‬ أكثر من ذلك،‮ ‬فإن هذا النهج سيُفاقم من الغلواء الطائفية التي‮ ‬يزداد أوراها اشتعالا في‮ ‬الفترة الأخيرة،‮ ‬ويعمق حالة الاستقطاب المذهبي‮ ‬لا في‮ ‬مجلس النواب وحده،‮ ‬وإنما في‮ ‬المجتمع برمته‮.‬ ولا نحسب أن إنسانا‮ ‬غيورا على وطنه ومستقبله‮ ‬يرضيه أن تندفع الأمور في‮ ‬هذا الاتجاه.
 
صحيفة الايام
18 مايو 2008

اقرأ المزيد