المنشور

شخصية مير حسين موسوي السياسية

(ولد موسوي يوم 29 سبتمبر عام 1941 في خامنه، شرقي أذربيجان، التي هي أيضاً مسقط رأس مُـرشد الثورة علي خامنئي، الذي يمتّ بصلة قَـرابة إليه، وكان والده تاجر شاي من تبريز. وقد ترعرع موسوي في خامنه، ثم انتقل إلى طهران بعد تخرّجه في المدرسة الثانوية عام 1958)، في الصحافة.
(حين كان شاباً يافعاً، كان موسوي على علاقة وثيقة بحركة “حرية إيران”، وهي حزب سياسي – ديني أسّـسه مهدي بازركان ويدالله سحابي ومحمود طالقاني وعلي شريعتي. وقد كان موسوي من الطلاّب المُـداومين على حضور محاضرات المفكـر البارز شريعتي، كما كان عضوا بارزاً في المنظمة الإسلامية للطلاب، وهي حركة يسارية)، من مواد صحف الفترة.
تعبر هذه النشأة لموسوي والتربية السياسية الأولى عن المظلة الجامعة للسياسيين الدينيين الإيرانيين في تولدهم وتطورهم في المخاض الاجتماعي بين الوعي الديني التقليدي والتحديثي، وبين جذورهم في عالم الإقطاع حيث تسيطر مؤسستا الحكم والدين الفارسيتان الخارجتان من العصر الوسيط في بحثهما عن التحديث والاستقلال، فتقاربُ جماعاتٌ منهم الوعي اليساري، في تأييده الوقوف مع الفقراء والكادحين، في حين ترفضُ جماعاتٌ أخرى هذا التحديدَ وتؤيد النظام (الإسلامي) في غموض اجتماعي متعمد.
إن نأي كلٍ من هذه الجماعات عن الرأسمالية والاشتراكية الماركسية، هو تعبيرٌ عن حراكِ الفئاتِ الوسطى الصغيرة والمتوسطة بعيداً عن الرأسمالية الحرة، أي عن طريق نمو الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج غير المسيطر عليها من قبل الدولة التقليدية، فرموز المذاهب الشرقية هي وجوهُ الحكوماتِ الكلية.
ولماذا يتوجه اتجاها دينيا للحديث عن الاشتراكية واليسار؟ هذا يعبرُ عن محاولة جذب العمال لهذا الطريق، طريق الرأسمالية الحكومية الوطنية غير الواضح في ذلك السديم الاجتماعي، حيث حكم الشاه وملكيته غير الواسعة في وسائل الإنتاج، وهذا كذلك جزءٌ من الصدى لما يجري في عالم الخمسينيات من القرن العشرين حول (الاشتراكية) وتسريع التطور في البلدان المتخلفة، والاتحاد السوفيتي والصين جاران لإيران ويضجان بهذه الدعوة.
وهو تعبيرٌ عن استثمار ما يحفلُ به المذهبُ الشيعي من تعاطفٍ مع الفقراء وما كان من تاريخهِ الرمزي الرسمي في هذا الصدد، وقد عبرت كتبُ علي شريعتي الذي انضم إلى تياره موسوي عن هذا التضافر بين الشيعية والتوجهات الاجتماعية، لكن خط هذه الفئة من البرجوازية الصغيرة كان يحملُ فاعلية عملية تكوين الملكية العامة وقيامها بتسريع التطور وحماية الأوضاع المعيشية للبسطاء معاً، فكانت صدى للاشتراكية داخل الوعي الديني.
إن دخول الأفكار الدينية والأفكار الاشتراكية في مجرى سياسي واحد، تعبيرٌ عن هذه العملية الخيالية والخداعية للاشتراكية الوطنية هذه، وهي هنا تستعيرُ الرموزَ الدينية المقدسة لكي تحصل على شعبية سياسية، كما أنها، من جهةٍ أخرى، تظل ملاصقة للقوى التقليدية المحافظة، فترفض تأييد طريق الرأسمالية الحرة على الطراز الغربي. فتطرح طريق الدين للتطور، أو بالأحرى طريق الشرق الاستبدادي، بما يعني من إرضاء إقطاعيي الريف وتجار البازار وقوى الهيمنة على النساء، وسيطرة ثقافة النص مع بعض التأويل العقلاني في هذه الحدود الاجتماعية.
هذا ما لا ينفي المقاربة مع التجار وأوضاع المدينة الحديثة، والاستفادة من التأثيرات الغربية وبعض شعاراتها العامة، دون القبول بها كفلسفة كلية، في مقاربةٍ مع الرأسمال التجاري ومرحلته واستيراده، وهكذا تتشكلُ انتقائية تبعاً لموقف البرجوازية الصغيرة وحراكها الاجتماعي.
وسنجد مير موسوي يندفع مع القوى الدينية المعارضة بكل تلاوينها، التي قامت الثورة الشعبية بتصعيدها فحملت حراك اليسار الديني بسبب هذه القوة الشعبية، وسيطر عليها اليمين بسبب قيادته نظام القرون الوسطى الإيراني عامة.
اليسار واليمين هنا جزءٌ من صعود الرأسمالية الحكومية الوطنية بتضاداتها الطبقية، التي ستقوم بعملية تنمية واسعة، وجعلت من مير موسوي رئيس وزراء موجها لهذه الرأسمالية. فجمعت بين تشكيل قطاع عام رأسمالي تسيطر عليه هذه البيروقراطية وبين بعض الخدمات التي تقدم للفقراء، من أجل دعمهم لصعود الرأسمالية الحكومية فوق أكتافهم وعملهم.
لكن القطاعات العامة عبر سيطرة هذه القوى لابد أن تنفصل عن قواعدها الشعبية، مثلما حدث في الأنظمة (الاشتراكية)، لكون المالكين السياسيين وهم الدينيون غير العاملين، ثم ينفصل موسوي عن هذه التجربة كلياً ويواصل نشاطه الثقافي، من دون أن تكون له نضالات أو قراءات لهذه الملكية الشعبية المسروقة.
وتتضخم هذه القطاعات العامة وتدخل القوى العسكرية في ملكيتها وتوجيهها واستغلالها، فتضيع الثروة النفطية الوطنية في إنتاج بورجوازية حكومية مدنية عسكرية.
في حين ان ملايين الكادحين رصفوا بعظامهم الحدود المحررة وشيدوا المؤسسات المختلفة.
لكن الطبقات الوطنية التي تنامت خلال النمو الاقتصادي راحت تتململ، خاصة القوى العمالية المتضررة من الفقر، ثم القوى البرجوازية الخاصة التي أعطتها التطورات الاقتصادية منافع مالية كبيرة. فالأخيرة خاصة شعرت بالحدود الضيقة التي تفرض عليها، وسواء عبر المشروعات الاقتصادية الخاصة، أم عبر الفضاء العقلي المحدود من قبل الفهم النصوصي الديني الجامد.
ونجد موسوي يطرح عبر شعارات عامة ما هو مناقض للفكر اليساري السابق غير المطور.
(بعد 20 سنة من الصّـمت السياسي، أعلن موسوي يوم 3 مارس 2009 ترشّـحه للرئاسة وحدّد أهدافه كالتالي: مَـأْسَـسة العدالة الاجتماعية والمساواة وحرية التعبير واستئصال الفساد وتسريع الخصخصة وإبعاد إيران، عمّـا أسماه “اقتصاد الصدقات”، الذي يمارسه الرئيس نجاد.).
(مأسسة العدالة الاجتماعية)، تعبير غامض، لكن شعاري الخصخصة وحرية التعبير يشيران إلى منحى الطبقة الوسطى التي تريد الخروج من الشمولية السياسية. فيغدو تعبير موسوي ابتعاداً عن نهج (اليسار) وتكشفاً لطبيعة التوجه المضمر خلال السنوات السابقة، واقتراباً من هذه الرأسمالية الغربية الحرة ، لكنه لا يطابقها، ويمشي في ظل النظام التقليدي الديني بدرجة أقل.

صحيفة اخبار الخليج
28 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

مرايا الحياة.. مرايا النفس

في الحياة مجموعة من المرايا، فأنت لا تكاد تنهض من سريرك صباحاً حتى تواجهك مرآة الحمام. صورتك في المرآة صورة لنومك البارحة. إن نمت سعيداً مرتاحاً فستجد ملامح النضارة والتورد على وجهك، وإن نمت تعيساً مرهقاً ستطالعك الظلال السوداء تحت جفني العينين وشحوب الوجه وسوء المزاج. قبل أن تخرج من بيتك ستلقي نظرةً أخيرةً على هندامك في مرآة أخرى بجوار الباب، قبل أن تجد نفسك أمام مقود سيارتك محاصراً بسلسلة من المرايا، واحدة أمام عينيك مباشرة وثانية على يمينك وثالثة على يسارك، كأنها تريد تذكيرك بأن مساحة أو دائرة رؤيتك محدودة، وأنه لا سبيل لك بالذهاب بدونها. وأذكر أني قرأت تحقيقاً صحفياً منذ سنوات في إحدى المجلات عما تحتويه الحقيبة اليدوية للمرأة، وأن النساء اللواتي شملهن التحقيق كشفن عن تفاصيل لا تخلو من الاختلاف في محتويات حقيبة كل منهن، لكن الجميع أجمعن على وجود مرآة صغيرة، لأن المرأة تريد التيقن بين فترة وأخرى من أناقتها. هذه نماذج من المرايا في معناها المباشر. هناك مرايا أخرى مجازية إن جاز القول. فنحن مثلاً نسمع أو نقرأ أن الأدب أو الفن مرآة الواقع، أو أن المسرح مرآة الإنسان. حتى التلفزيون هو مرآة أخرى نرى فيها أشياء من حياتنا ومن سلوكنا. وفي الفكر والسياسة هناك مرايا، البعض يجد في الماضي المجيد مرآته، والبعض الآخر يجد الغرب مرآة له. وقد يحدث أن تجد مرآتك في شخص آخر قريب إليك وعزيز على قلبك. بعض الآراء تقول إن القلوب تتآلف إذا كان أصحابها متنافرين في الطباع، لا أظن أن ذلك صحيح، فما يشدك إلى من تُحب هو القربى الروحية والعاطفية والوجدانية التي تكاد توحدك فيه كأنكما روحين في جسد واحد. يقال إن الإنسان اهتدى للمرآة أول مرة حين أبصر وجهه على سطح ماء شفاف. وتتحدث الأسطورة القديمة عن الفتى الجميل: نرجس المهووس بجمال صورته حيث كان يستهويه التحديق ساعات طويلة في صورته المعكوسة على سطح الماء. أمثال نرجس هذا كثيرون للأسف الشديد في الحياة، ممن يظنون أنفسهم قرناء الكمال والصواب والجمال، لذا تتفشى أشكال الزيف والمظاهر الخادعة الكذابة. وما دمنا في ذكرى المرايا فدعونا نختم بحكاية أوردها شاعر عن والي حذرته عرافة شيطانية من الموت إن هو لم يستشر الرعية في أمور الولاية. خوفاً من الموت دعا الوالي وجهاء وأعيان القوم للمشورة، انتظر الرجال بفارغ الصبر دخول الوالي عليهم حيث اجتمعوا، ولما وصل أخرج مرآة من جيبه، وحدق بإعجاب في صورته ثم سأل الصورة المشورة، ولما أجابت شكرها، وكسرها “مخافة أن يعودها على حق الكلام”!
 
صحيفة الايام
28 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

لجان أهلية لمراقبة

سلطت «الأيام» من خلال ملحق (مدارات) الاسبوعي، الضوء على الصناديق الخيرية التحديات والعقبات، وكان من ابرز ما يلفت النظر حين تفحص التقارير الخبرية المنشورة في الملحق، هو رفض 50% من الصناديق الخيرية التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية وهي الوزارة المعنية بمتابعة شؤون الجمعيات المهنية والخيرية، كما أن هذه الصناديق بحسب ما أشارت اليه وزارة التنمية لا تتعامل بشفافية مع الوزارة وأعضاء الصناديق ولا الجمعية العمومية ولا عامة الناس. ما ذكرته وزارة التنمية ينبغي أن لا يمر مرور الكرام، فقد يرفض مزاج البعض التعاون مع الوزارات، ظنا منهم أن الوزارات لا تهدف إلا إلى التآمر عليهم، والسيطرة عليهم وعلى مؤسساتهم، ولكن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فالشفافية لا يتم التعامل بها حتى مع أعضاء الصندوق الخيري نفسه، ولا أعضاء الجمعية العمومية ولا عامة الناس، وهذا أمر في غاية الخطورة. الناس تقوم بدفع أموال في السر والعلن لتتصدق بها على محتاج من القرية أو المدينة، لتطفئ بها نار موقدة تشتعل في خلجات المواطن الذي أنهكه الزمن، إلا أن أموالهم لا نعرف أين تذهب وإلى من؟ إن كانت هذه الجمعيات الخيرية والصناديق لا تريد أن تكون الدولة ووزارتها الرسمية وصية عليها، وتخاف من أن تكشف حساباتها لأي وزارة، خوفا من مؤامرات مزعومة، فلتشكل لجان أهلية لرقابة هذه الصناديق الخيرية وكيفية تصرفها في الاموال التي تصلها، هل تصل الى الاقربين، أو أن هذه الجمعيات الخيرية لا همّ لها إلا فقراء لبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان، وفقراؤنا يعيشون ضنك العيش! لا أعني أننا لا يجب أن نمد اليد الى من نتشارك معهم همومهم، ولكن لسنا مجبورين أن نقدم الماء للعطاشا وأبناؤنا يتضورون ظمئاً. فإذا كانت الجمعيات والصناديق الخيرية تشكك في كلام الوزارة، وتعده مجرد (ترهات) أو (إشاعات) فلتشكل اللجان الاهلية بحيث يكون أعضاؤها منتخبين انتخاباً حراً مباشراً، هدفهم هو التحقق من مصير هذه الأموال كيف تصرف وإلى من تساق؟
 
صحيفة الايام
28 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

السلام الهـش في الخليج


لم يستطع الخليج أن يتكون كدولٍ قوية مستقلة تفرض نفسها على العالم، وجاء تدفق النفط وهي كياناتٌ صغيرة مفتتة، فقفزتْ إلى المسرح العالمي فجأة، لتتحول لأكبر مشترية نهمة، وأكبر سوق يُطمع فيها، وأوسع بلاد تجلب قوى العمل وتضعف عن تجديد وتوسيع قواها العاملة، مع أبنية إدارية مترهلة تستجيبُ ببطءِ معوقٍ في سباق الحواجز العالمي.

وتفجرتْ حروبٌ عديدة لم تصبها فيها سوى شظايا، رغم خسائرها المادية الجسيمة، وتحول خليجها إلى مستنقع زيتي تنفق فيه الأسماك، حتى غدت شعوبها العاملة تسمع بالثروة من دون أن تراها، حتى غدا شبح الحرب يحومُ عليها مثل الشيطان، طامعاً في رؤية خرائبها الكلية التامة.

قام العالمُ الحربي على ايديولوجيات دينية قتالية حديثة وشيئاً فشيئاً أحاطتْ هذه الايديولوجياتُ الدينية بالخليج وقاربتهُ وراحتْ تهزهُ برعبٍ ومعها حشودٌ هائلة من السفن الحربية والغواصات والصواريخ والجنود.

العقيدة الروسية الاشتراكية السابقة عادت للمذهبية القديمة، الارثوذكسية، معبرة عن فشلِ الليبرالية والاشتراكية في التحول لنظامٍ ديمقراطي حقيقي في روسيا، مبينة أن الدولة الشمولية لاتزال تاجر سلاح خطرا على العالم.

إنها تجعلُ السلاحَ النووي والأسلحة الفتاكة الأخرى التي تطورت فيها على حسابِ تعذيب واستغلال الكادحين السوفيت، أداة للتجارة الرابحة والتلاعب السياسي بمصائر الأمم.

وكان التقاؤها إيران يوضحُ تقارب الشموليات العسكرية، والأصل المشترك للجنون الاجتماعي الآسيوي، وللعقائد القروسطية التي صِيغتْ من خلال الطبقات القديمة والكهنوت، وعجز هاتين الأمتين الشرقيتين عن مقاربةِ الأمم الحديثة الغربية، في البناء الديمقراطي وصياغة المجد الحديث بسلع السلام المتطورة وليس بالصواريخ والغازات السامة.

في إيران كانت المذهبية الدينية هي تعبيرٌ عن هذا الاختلاط بين الهوى القومي الجامح ومفرداتِ عقيدةٍ إنسانية كفاحية تم استخدامها من قبل ملاك الأرض المتخلفين وتجار البازار الطموحين الذين عجزوا عن التحول لمنتجي مصانع متطورين أحرار.

الهوى القومي الجامح لكلِ من الأمتين لابد أن يلامسَ الكثيرَ من الموادِ الأرضية الهتلرية. لكل أمةٍ طموحٍ متعصبةٍ تريدُ أن تقفزَ على وضعها المتخلف، وأن تتجاوز إمكانياتها الاقتصادية والفكرية، وأن تنتزعَ من السوق مساحة أكبر من قواها الإنتاجية، مغامراتٌ سياسية وفكرية خطرة، فهي تقدم في لحظة أفكارها “الثورية” لتضعَ نفسها في مكانةٍ أكبر من حجمها، وتدعي الإطاحة بالأنظمة القديمة، وجلب الأنظمة الجديدة، أنظمة المساواة والدين الحق والمذهب الحق.

وفي لحظة أخرى تصيرُ تاجرة تقدم بناتها وأسلحتها وكتبها الصفراء بضاعة تفرض بها مكانة عالية أكبر من قامتها.

واليهودية لم تستطعْ أن تصيرَ هي الأخرى ديمقراطية في ثوبها الصهيوني. في آخر طبعةٍ لها تريد أن تكون يهودية توسعية تتفرد بالأرض وتطرد السكان، ولم تستطع ثقافة الديمقراطية أن تنتشرَ إنسانيا وتصهرَ المجموعات الدينية الخرافية المتصارعة في كيانٍ عقلاني. وقد غذت المجموعاتُ الدينية والقومية العربية المتطرفة عدم الذوبان هذا في برنامج هزائم مستمر بين الدونكيشوتية والحجاجية.

البروتستانتية الغربية الأمريكية خاصة التي تعملقت لتكون هي أكثر الرأسماليات تطوراً وصناعة، توقفتْ عن التطور كنزعةٍ إنسانية ديمقراطية، وقدمتْ للصهيونية الأسلحة والانتصارات والتوسع، وحوطتْ الخليجَ بالقواعد، وأبقته في تلاله الصفراء التراثية يحول الإبلَ إلى سيارات فورد، واستنزفتْ نفطه ومدخراته بنهم شديد ضار.
الخليج هو البقرة الصفراء الفاقعُ لونها الذهبي، السمينة التي تنتظرها السلعُ وصررُ البرسيم والسكاكين.

المذهبية السنية لم تتطور كثيراً بين رمالها ومدنها الصغيرة ولم تستطع التوحيد الصناعي لها، ولم تقدر على مشروع تحريرها، وبقيت مفتتة في مدارس شبه أمية، مقطوعةٍ عن فهمِ العملياتِ التاريخية المعقدة، وبالتالي عجزتْ أن ترتفع لمهماتٍ كبرى لم تتهيأ لها، فتنطعتْ “القاعدة” لذلك، عبر مشروع دموي بسيط قائم على ايديولوجية الذبح، مستعيرة من الخليجِ نقودهِ ومن الغرب أسلحته، ومن الشرق المستبد مؤامراته، ومن العراق تفتته، ومن الجزيرة العربية وبطء توحدها وعصرنتها وغياب تصنيعها وديمقراطيتها.

ثمة عالم من الرعب تؤثثهُ جبالٌ من الأسلحة ينتظر أي مغامر مجنون لكي ينفجر، تحالفات متشابكة، متوارية، متقاطعة، وتناقضات أغرب للخيال والكوابيس، ومثل تحالفات الحرب العالمية الأولى ربما تنتظر اغتيال أرشيدوق في ظل دبلوماسيات متحجرة، وبلاهات شعبية طالعة توا من عصور التمائم والسحرة، وأنظمة حربية غربية تركز بقوة في تدفق سوائل النفط لا سوائل الدم.

لم تستطع ضفتا الخليج عبر العصور أن تقيما لغة حوار، فهما في مواجهات مستمرة حالما تنبعث أي نزعة قومية أو نزعة دينية، فتنداح على الضفة الأخرى حرباً وتوسعاً ومواجهة.

ليست للضفتين قدرات على تصعيد لغة التجارة والتبادل الثقافي والتبادل السياحي وتنشيط عملية السلام، بل هما تنتظران عالم الدخان لكي تتأسفا على ما فات وتعيشا ترممان المدن وتدفنان الضحايا.

 
أخبار الخليج 27 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

“بنياتا” الإسكان


مثل لاتيني يقول “أينما وجدت البنياتا هناك العصا”. و”البنياتا” هي مجسم لأحد الحيوانات يكون مزيناً ومحشواً بالحلوى، وتعلق هذه الدمية في الاحتفالات ويضربها الأطفال وهم معصومي الأعين حتى تنكسر ويخرج ما بها من حلوى.

ذكرني ذلك المثل بما هو حاصل من إشكالية إسكانية في البحرين بشكل عام، فالأزمة الإسكانية الحالية المتمثلة في  ”إسكان النويدرات” ليست جديدة ويبدو إنها ليست الختام.

فما أن يتم الإعلان عن البدء في مشروع إسكاني ما حتى تتلاحق الاعتصامات والتجمعات وتقطع الوعود أملاً في الحصول على قسيمة. ونحسب أن تلكم التزاحمات للحصول على وحدات سكنية ما هي إلا تراكمات ترسخت لدى المواطن البحريني البسيط الذي يسمع ويرى يمكن أن يكون قد عاش فترة انتظار طويلة لوحدة إسكانية، فالمواطنون وبسبب الوعود التي لم تتحقق –وما أكثرها- لا يجدون بداً من سحب الثقة من تحت رجلي وزارة الإسكان، وهم في ذلك معذورون.

بوصلة وزارة الإسكان يبدو إنها فقدت أو إنها كسرت وفي الحالتين فان في الأمر تدليل على تخبط الوزارة، فمشروع إسكان اللوزي الذي ظهر على السطح قبل أشهر قد وزعت وحداته الأولية حسب سياسة امتداد القرى والجزء الآخر وزعت للمواطنين حسب الأقدمية.

لم نشهد خلالها أبواق تزعق من المنابر تطالب بما تدعيه حقاً ولم نشهد حربا إعلامية وثائقية. بل جرى الأمر في هدوء، لماذا الآن إذاً؟. سياسة توزيع الوحدات السكنية يجب أن تحدد بآلية واضحة وبكل شفافية وتعلن إلى المواطنين والمستفيدين منها حتى قبل البدء في إنشاءها حتى يتعرف الجميع على حقه منذ البداية “ولا تضيع الطاسة”.

إسقاطا على ما يجري في مشروع اسكان القرى الأربع فإن البحرين للجميع سنة وشيعة، ويجب أن يعلن ذلك من السلطة السياسية في البلد، فلا يجب أن تكون المشروعات الإسكانية “كنتونات” للفئة وللطائفة، فهنا أرض بحرينية وهناك أرض بحرينية والمواطن لا يريد سوى حقه بعد انتظار دام سنوات، لا يريد تعاطفاً من أحد أو شفقة.

المشاريع الإسكانية التي تنشأها الدولة ليست منة على المواطن بل هي حق من حقوقه ويجب على الدولة أن تحترم المواطن وتكبح جماح “ضباعها”.
البحرين للجميع هكذا يجب أن يعلنها وزير الإسكان.

 
نشرة التقدمي سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

حين تتداخل الأزمنة


 
ملف ‘’نهاية الأسبوع’’ لهذا اليوم يحمل أكثر من وجه، بعضه طريّ، طازج ذو دلالة، وبعضه تتداخل فيه الأزمنة، ربما ذكرى، أو مناسبة كادت تنسى فننبش فيها، ليس بهدف اجترار الماضي، وإنما محاولة لإيقاظ الذاكرة وتنشيطها من جديد، ثم نسأل مع المتسائلين بفضول صحافي ‘’ماذا كان وكيف كان، ولماذا كان، وما الذي أنتجته الأوضاع الآن وفق تطورها الطبيعي ‘’والمقلوب’’، ولماذا لم تكن غير ذلك؟’’.

الأمر ليس تعقيداً للأمور، وليس مبالغاً في الأسئلة، لكن التغييرات لا تأتي دائماً على خط مستقيم، بل متعرج في حركة انتقالية ربما تتجه نحو الأفضل أو تنغمس صوب تجزئة المجزأ لتطور أو تخلف المجتمعات، والتطور كما يقول المفكر اللبناني مهدي عامل في كتابه ‘’أزمة الحضارة أم أزمة البرجوازية العربية’’ بمعناه اللفظي الدقيق هو ‘’حركة الانتقال من طور إلى طور’’. (ص12).

في هذا الملف نتعرض إلى تدشين المملكة العربية السعودية أول جامعة مختلطة للعلوم والتقنية كلفتها أكثر من مليار ونصف المليار دولار، وهو إنجاز علمي أكاديمي ومجتمعي كبير يعتبر نقلة نوعية تحديثية وإصلاحية تتجه وبلا شك صوب كسر الحواجز التي ظلت إلى وقت قريب تحت مجهر رجال الدين المحافظين الذين يضعون الحواجز بين الرجال والنساء، على الرغم من أنه ‘’ليس هناك حواجز في العلم’’، وفق وزير النفط السعودي ورئيس أمناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية علي النعيمي.

كما نتناول في هذا الملف إلى جانب مواضيع أخرى، ذكرى انطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية السابعة والعشرين التي صادفت في السادس عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، وتساءلنا عن كيف كانت البدايات وتنوعها، ولماذا اختفت بينما ظلت ذكراها كما البكاء على الأطلال والهتاف لها ولشهدائها وأسراها وجنودها المجهولين الذين ربطوا شعار ‘’التحرير بالتغيير’’ الذي رافق نشاط الجبهة منذ بيانها الأوّل، وقدموا التضحيات على مذبح الكفاح الوطني ضد العدو الصهيوني.

الوقت 25 سبتمبر 2009

اقرأ المزيد

هل حقاً سنستعيد خليج توبلي ؟!


 ترى.. هل علينا أن نتفاءل هذه المرة أم علينا أن ننتظر حتى تتكشف حقائق جديدة حول التوجهات التي تم الإعلان عنها رسميا بخصوص مشروع إعادة تأهيل خليج توبلي؟ سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة محافظ الجنوبية ورئيس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية أعلن أن مشروع إعادة التأهيل قد بدأ عمليا وسيستمر لمدة 6 أشهر. لسنا متشائمين بطبيعة الحال، فقط نحتاج أن نتيقن هذه المرة حول جدية التوجهات الرسمية المعلنة، فقد سبق أن أعلنت توجهات مشابهة في هذا الشأن لكنها لم تصمد نتيجة لعدة اعتبارات لم تعد خافية على أحد.

في مقال سابق ذكرت أن خليج توبلي ليس في حاجة الى المزيد من لجان التحقيق أو الأسئلة البرلمانية أو حتى إلى تشريعات جديدة، بل هو في حاجة إلى قرار سياسي على أعلى مستوى يكفل جدية العمل ويتحمل مسؤولية حماية الخليج، وها هي التوجيهات قد جاءت من قبل جلالة الملك حفظه الله بالبدء في مشروع إعادة التأهيل، وتم بالفعل تخصيص ميزانية لذلك، كما اُعلن عن خطوات إيجابية أتت منسجمة ومتوافقة مع تقرير لجنة التحقيق البرلمانية السابقة التي خصصت تقريرها لرصد التجاوزات ووضعت الحلول التي أصبحت بعد ذلك بعهدة الحكومة للمباشرة في تفعيلها، حيث حددت ولأول مرة خط الدفان الذي اتفقنا عليه حينها مع الحكومة والمجالس البلدية وصدر بشأنه مرسوم ملكي، هذا بالإضافة إلى تعميق قاع الخليج وفتح قنواته لدفع التيارات المائية بصورة أكبر، وغلق منافذ المصانع الواقعة على ضفاف الخليج والأهم إغلاق محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر باعتبارها أكبر عوامل التدمير التي لحقت بالخليج.

لست متأكدا فيما إذا كانت فترة 6 أشهر من الزمن ستكون كافية لإصلاح سنوات من التدمير الممنهج الذي حاق بالخليج، أو أن تكون ميزانية 4 ملايين دينار كافية بالفعل لإعادة الخليج المختنق بدمار سنوات من الإهمال والعبث، لكن ما أنا متأكد منه أن المشروع وقد بدأ على الأقل فإنها ستكون مسئوليتنا جميعا في أن نكون عينا تراقب وسواعد تدعم وتعمل ليل نهار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأن سمو الشيخ عبدالله كان قد ذكر بوضوح أنه سيعلن عن الخطوات المنجزة خطوة بخطوة وستلتزم الهيئة بالشفافية في عملها وعلى أعلى مستوياتها.

نحاول جاهدين بأن نتفاءل هذه المرة، وعلى الجهات المعنية بالبيئة أن تكون عينا مراقبة لما سيتخذ من خطوات نرجو أن تكون فاعلة ولا تتوقف مهما كانت الظروف، ونرجو أن لا يتعثر مشروع إنقاذ الخليج هذا مهما تداخلت المصالح، خاصة إذا علمنا أن التوجهات الرسمية التي تم الإعلان عنها مؤخرا تنبئ ببداية استشعار المسؤولين لمخاطر ما درجنا على ترديده باستمرار نحو ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لحماية البيئة والحفاظ على الثروات البحرية المهددة بفعل عوامل عدة، يأتي على رأسها الردم العشوائي المستمر بحجة التوسع في مشاريع تنموية، بالإضافة إلى ما تتعرض له بيئتنا البحرية من تلوث وتدمير مستمرين.

وهنا يمكننا التأكيد على أهمية التوجه الذي أعلنته الهيئة ببناء عدة فشوت وهيرات صناعية تعيد الحياة مجددا إلى المناطق التي تحيط بمناطق الدفان والردم، ولكن يبقى السؤال هو: لماذا إذاً يستمر الردم والدفان وتدمير الفشوت والهيرات دون مسؤولية؟!، ولماذا لا يتم إلزام من يدمرون بحرنا بدفع تعويضات لإصلاح ما اقترفت أيديهم ومشاريعهم من تدمير للحياة البحرية والفطرية؟! بدلا من الحديث عن إعادة بناء ما تم تدميره على حساب الدولة، سواء كان ذلك على شكل فشوت وهيرات صناعية أو تنظيف للقيعان البحرية من طمى ومخلفات، كتلك التي دُمر بها خليج توبلي من قبل أكثر من 7 مصانع لا زالت تلقى حتى اليوم بسمومها ومخلفاتها دون أدنى مسؤولية؟!

أليس من حقنا أن نطالب تلك المصانع وأصحابها ممن راكموا أرباحهم لسنوات طوال بتسديد ولو جزء بسيط من فاتورة تدميرهم المنهجي لأهم مصدر وطني للثروة البحرية؟ أليس مجديا أن تُلزم الدولة أصحاب المصانع ومن يبنون مشاريعهم الاستثمارية على حساب ثرواتنا بتسديد فاتورة طال انتظار تسديدها؟ أسئلة تطرح منذ فترة ونعيد طرحها، بعد أن تلمسنا شيئا من جدية التوجهات الرسمية بإصلاح ما أفسدته السياسات السابقة، حتى نستعيد ثقتنا مجددا في جدية التوجهات الرسمية!

اقرأ المزيد

أكثر من مسألة الطالبة نور !!


تابعت مثل غيري من الغيورين على المشروع الإصلاحي، والغيورين على الجيل الجديد من الانحراف نحو العنف في زمن الانترنت، ذلك الجيل الذي نسعى جميعنا منحه فرصة أن يعيش الحياة بشكل مختلف عن وقتنا، فنحن جيل المعاناة والبوليس والملاحقة، يهمنا مستقبل الأبناء خاصة التحصيل العلمي، ولكن في الوقت ذاته يهمنا أن نقدم لمجتمعاتنا جيلا شجاعا يقاتل من اجل الحرية دون تردد، ويختار حياته مثلما يريد ويعمل من اجل بناء وطن جديد لا تظلله السحابات السوداء غيوم الأمس ولا سحابات اليوم التي ما زالت تسكنها وفي داخلها روح القمع والأبوية المستحكمة .

ما نراه في قضية الطالبة نور، – والذي تعرض له السعيدي ومدن والجمعيات الشبابية، غير إن المسألة أيضا لها بعد اخطر من مجرد بيان شبابي أو نقابي وسم بالتحريض، فهناك حياة واسعة تفرض ظلالها في داخل الأروقة الجامعية ومناهجها التعليمية ونهجها الإداري ” المقدس والممنوع لمسه ” طالما إن هناك علاقة أبوية بين المؤسسة والطالب، وعلى الأول أن يمارس سلطته كيفما ومثلما يشاء دون مساءلة أو نقدا قادما من الجهات الأربع يعري حقائق مجتمعية قابلة في نموها – إن لم يتم التحريض ضدها – نعم التحريض هي كلمة تبدو مخيفة ومرعبة وكأنها شيطان ضد القانون السماوي والأرضي ، وعلى الجيل الجديد أن ” يركع لها ” وعليه أن لا يسأل لمن يركع ولماذا يركع .

هكذا تسعى عقلية الأمن الاجتماعي والأخلاقي والمؤسساتي لإيقاف مفردة ” التحريض ” التي هي تعبير حقيقي عن كسر القبول بالمسلمات، ورفض الوصايا دون مناقشتها، وكأنما الفرد أو المؤسسة سلطة متناهية القوة، وعلى الصغار !! من نوع نور أن يسمعوا نصائح الكبار، الآباء الجدد وهم الذين يعتقدون أن السيطرة على الهدوء الطلابي المستمر هو أمر ممكن طالما هناك ” عصا غليظة ” تمتد لسعتها إلى ابعد مما نتخيل .
 
هكذا تتحول المؤسسات العلمية إلى أمكنة للقمع والاضطهاد الروحي للشباب، متناسية إن القمع يخلق الإرادة والعصيان والتحدي والكبرياء، لطالما شعر صاحبها بأنه ظلم في حقه، وتطاولت عليه الإدارة لمجرد أنها تمتلك ” صكوك العقاب المؤسساتي ” التحريض بات كلمة يرتعش منها البعض في مجتمعنا – ولا اقصد فقط الإدارات التسلطية التي ترى في نفسها حقا لفعل ما ترغب، ثم تعيد تكرار لغة سمعناها منذ نصف قرن في بلدنا من بعض الشركات حول ” المشاغبين الذين يكسرون القانون ” فيطردون من الشركة الأجنبية وتتحالف معها المؤسسات الأخرى في الدولة، لمجرد إن التقرير قال عنا إننا كسرنا القوانين ولم نحترم ولم نستمع ولم نخضع ولم ولم .. هكذا على الصغار، والذين سيكون مستقبل بلدنا على أيديهم يتعاطون السياسة المحرمة! انه جيل نور برمته مهما وجدناهم يمارسون سلوكا شبابيا طبيعيا له علاقة بعنفوان العمر ، وهو نهج لدى شبيبة الشعوب قاطبة.

هذا ما لم يفهمه الكبار إزاء الصغار ، الآباء إزاء الأبناء، حيث الصوت العالي في البيت ترتج له الجدران، والصوت العالي هنا وهناك عليه أن يكون مخيفا، وكأننا نسعى لخلق جيل متخاذل ومنكفئ وجبان وخانع وسلبي، جيل يعتقد أن الوظيفة هي الحرية والمنصب هو الكرامة والشهادة في هذه الجامعة أو تلك هي نهاية المطاف. حيث المعرفة والتعليم ليس كلمات جوفاء نتعلمها على يد أنماط ثقافية من الرعيل المتسلط. المسألة ليست منشورا وسلوكيات ” سياسية ممنوعة ” وإنما بيروقراطية مؤسساتية لديها سلطة معلنة وخفية في ملاحقة النشطاء من الطلاب، إما خشية من المجهول أو فوبيا إدارية لا معنى لها.

ألم تجد الإدارة خيارا وعلاجا إلا مفردة ” التأديب والفصل ” وهي عبارة مقيتة لا أحبها لأسباب عدة ولكون من يمارسون التأديب لا يتحلون بشجاعة كافية في مواجهة المجتمع الأقسى والأقوى سلطة، والمعنيين به جميعا لتأديبه بهدف توسيع معنى الحريات ودولة القانون وإشاعة روح الحوار الخلاق وثقافة الفضاء الحر للإنسان.
لم تكن قضية الطالبة نور إلا قضية تذكرني بابنتي فانا اعلمها على أسس الدفاع عن حقوقها وكرامتها ومستقبلها بشتى الطرق، اعلمها الإنسانية وقيم أخرى نبيلة، ثم بعد ذلك أجد ابنتي في البيت تقول لي ” بابا فصلوني من الجامعة لأنني كنت أراك أمامي تدافع عن الحرية “.

اعتقد إن الضغط الشديد والمدرسة القديمة في التربية ماتت ولن تعود، كما إن الظلم يولد لدى المواطن / الطالب الكراهية والانتقام من المؤسسة أيا كان نوع تلك المؤسسة، بل وينتقل حقده الصغير ضد الجامعة إلى حقد أوسع إن لم يناضل ويدافع الطلاب عن حقوقهم النقابية في أروقة الجامعة وفي أمكنتهم الطبيعية فأين هي الأمكنة التي بإمكانهم ممارسة حقهم الطلابي ؟ لا اعرف اليوم من الذي كان على حق الدكتور علي حميدان أم إدارة الجامعة تلك في العام الدراسي 1968-1969 ، حين استشاره طلبة البحرين في فكرة تأسيس اتحاد طلبة البحرين، فحرضهم الدكتور على حقهم في وجود مؤسسة تدافع عن حقوقهم، وكان تحريضا جميلا لرجل قانون ودولة ويفهم ما يقوله، فكان على الإدارة أن لا تجدد عقده ، إذ كان العقد لمدة سنة . أليس التحريض هنا كان أمرا شرعيا ؟
 

اقرأ المزيد

بيــــان انتخـــابي.. !


لأن الانتخابات النيابية المقبلة التي بدأت رياحها تهب من الآن.. هي تاريخية ومفصلية وحيوية وحاسمة وتشكل مفترقاً بين اختيارات واتجاهات وتوجهات مفصلية في مسيرة البحرين المستقبلية، فقد توكلت على الله واستخرته وقررت الترشح لهذه الانتخابات مستقلاً عن كل ما تكتظ به الساحة من مشاريع وتحزبات واصطفافات عمودية وأفقية فئوية أو طائفية أو مذهبية أو سياسية متنافرة ومتناحرة أراها لا تنقد الحاضر ولا تصون المستقبل.

ليعلم الجميع أن الأخطاء والانحرافات المأساوية التي مرت بها التجربة البرلمانية الراهنة وحالة الفوضى وخلط الحابل بالنابل في الممارسة البرلمانية، كل تلك التراكمات تقف وراء قراري دخول المعترك الانتخابي، الى جانب قناعتي أن مراقبة أداء كثير من النواب الحاليين بعد أن أصبحوا منذ مدة موضع متابعة بالنسبة لنا ولغيرنا، خاصة النواب منزوعي الدسم أصحاب الأعمال قصيرة القامة، من الذين عهدناهم يتقلبون ويتشقلبون، ويتلونون ويتصايحون في غوغائية، ويدعون البطولة السقيمة، ويتبنون مواقف وخطابات وسلوكيات مزدوجة المعنى والمقصد، وبعد قراءة سياسية للواقع ولمتطلبات المرحلة المقبلة، فإنه بناء عليه وبالتعاون والتشاور مع الأصدقاء والمقربين وضعت برنامجاً انتخابياً يشرفني أن أعرض ملامحه الأولية على الناخبين الكرام وسأكون ممتناً ومقدراً ومرحباً ومنفتحاً على أي رأي أو ملاحظة في شأن هذا البرنامج لعلنا بذلك نمهد لصياغته النهائية، حيث يقينا أن هناك الكثير مما يمكن أن يضاف عليه، مع التأكيد أن موضوعات البناء والتنمية والإصلاح الاقتصادي، والإصلاح الإداري، وتفكيك منظومة الفساد ومواجهة اقتصاد الصفقات والعمولات والممارسات الفاسدة، إلى جانب كل القضايا التي تتعلق بالهم المعيشي للمواطن، تشكل جميعها مرتكزاً أساسياً في هذا البرنامج الانتخابي.. وبناء عليه وفي حال ما انتخبتموني لمجلس النواب أتعهد لكم بكل صدق وأمانة ومسؤولية بأن التزم نهج الشفافية والمصارحة مع أبناء الشعب، لكي أحقق ما التزم وأتعهد به وهو:

* الوقوف ضد مظاهر “البلطجة” السياسية التي باتت تمارس تحت شعارات فاضلة ونبيلة، باسم القانون تارة، وباسم الديمقراطية تارة أخرى، وباسم الوحدة الوطنية تارة ثالثة، وكذلك الوقوف ضد شخصنة المؤسسات والسلطات.

* من أجل البحرين، ومن أجل شعبها النبيل، ومن أجل المستقبل سأتبنى وضع خطة عامة لتجاوز آفة الطائفية في السياسة وفي الإدارة وفي المجتمع وفي وعي الناس وصولاً إلى إلغائها وتجريمها، وسأبذل قصارى جهدي لكي ينظر لها بأنها آفة كبرى تأكل الدين والوطن، وتسلم زمام الأمور إلى الانتهازيين من أرباب الطائفية الذين يسبحون بحمدها للمحافظة على مصالحهم، كما تسلم زمام الدين إلى أهل النفاق والشقاق، وتسلم المجتمع إلى أهل الانتهازية والفساد ممن لا يرون أن الطائفية فخ يجب تجنبه لا فرصة يجب استغلالها.

* إنني من خلال برنامجي الانتخابي أؤكد إيماني العميق بالحرية كمفهوم وهدف وسلوك وقيمة يعيشها المواطن تفكيراً وسلوكاً، كما أؤكد إيماني العميق بالديمقراطية التي في أساسها مفهوم سياسي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي يستند إلى مبادئ المساواة والعدل والتطور والكرامة الإنسانية ونبذ كل ما يفرق بين أبناء الوطن الواحد، ليس ذلك فحسب بل إنني أرى أنه لا معنى للديمقراطية اذا لم يحاسب كل مسؤول في الدولة على ما فعل، لا حماية لأحد، ولا حصانة لأحد، ولا استثناء لأحد، وبناء عليه التزم بالعمل على كل ما يحقق بناء مجتمع يكون فيه الجميع مطمئنين الى يومهم وغدهم، لا خوف عندهم ولا قلق ولا هواجس ولا غبن ولا تفرقة ولا تمييز ولا إحباط ، الجميع يتجهون الى بناء ودعم مؤسسات الدولة وفرض سيادة القانون.. الجميع يعملون لتحصين الوطن من كل ما يشتت ويفرق ويباعد.

* إنني في برنامجي الانتخابي أعدكم بأنني سأواجه بكل حسم الأخطاء التي تراكمت في السنوات الماضية من قانون انتخابي مليء بالثغرات، الى التدخلات الرسمية، الى فصل السلطات الى الممارسات التي يستحيل معها ادعاء حيادية ونزاهة وكفاءة الممارسة النيابية، الى ما يتصل بقضايا من صحة وإسكان وتعليم وتنمية وتركيبة سكانية واقتصاد وعدالة اجتماعية وواجبات الدولة تجاه الطبقات الضعيفة، وسوء أداء وإدارة وإصلاح إداري، وبيئة وقضاء وتشغيل الطاقات العاطلة، وإنهاء عهد أهل الثقة لجعل أهل الخبرة والكفاءة والنزاهة في الصفوف الأولى وتحديد آجال البقاء في مواقع المسؤولية، ومنع كل من يستخدم الدين لأغراض سياسية مصلحية خاصة ضيقة، وجعل المواطنة هي الفيصل والأساس في كل مجريات عمل المؤسسات والوظائف والشؤون العامة وفقاً للقانون والدستور.

ذلك هو الجزء الأولي من برنامجي الانتخابي الذي أردته أن يكون برنامجاً وطنياً يقدم تصوراً توافقياً وخريطة طريق للمرحلة المقبلة ترد الاعتبار لهذه المؤسسة الدستورية ومكانتها، ولكنني وقد تحسبون أن هذا من مفاجآت السباق الانتخابي بعد أن ضربت الأخماس بالأسداس، وبعد أن وجدت أن الأجواء السياسية التي ستتصاعد وتيرتها بعد العيد لا تزال ملبدة بالكثير من الغيوم التي يبدو أنها تتجه الى المزيد من ضبابية الرؤية، ومن ثم الدوران في الحلقة المفرغة، فقد خلصت إلى أنه قد يكون من التهور المضي في قرار خوض المعترك الانتخابي المقبل لاسيما أننا نرى بوضوح أن هناك قوى وأطراف لازالت تغذي روح الإحباط والمشاكسة على صعيد الشأن العام، وبناء على رغبتنا وبكامل وعينا، فقد قررنا صرف النظر وطي فكرة الترشيح.. اعتذر لكم والمرجو أن تكون هذه الحقيقة قد وضحت للجميع وأن مجال خدمة الوطن واسع وفي كل المجالات.. !

اقرأ المزيد

هل هذا معقـول؟




قبل عام تقريبا، اي في حوالي شهر أغسطس 2008 يقرر مجلس إدارة طيران الخليج شراء 16 طائرة من طراز بوينغ 787. وفي الشهر التالي أي شهر سبتمبر 2008 يتوجه رئيس مجلس إدارة الشركة على رأس وفد إلى شركة بوينغ، وهناك يقرر الوفد فجأة زيادة الطلبية بمقدار 8 طائرات ليصبح مجموع الطائرات المطلوبة 24 طائرة، بقيمة بلغت 4 مليار دولار وفق ما اعلنه مسؤول الاتصالات في الشركة عدنان مالك عن اجمالي قيمة الصفقة(؟)

وقبل ذلك بحوالي شهرين وتحديدا في الثامن والعشرين من شهر مايو 2008 وقعت طيران الخليج طلبا لشراء 35 طائرة ايرباص منها 20 طائرة من طراز  A300- 330 و15 طائرة من طراز A320 بقيمة اجمالية بلغت خمسة مليارات دولار وبمواعيد تسليم تصل إلى خمس سنوات.

صفقة الايرباص وقعها الرئيس التنفيذي السابق لطيران الخليج بيورن ناف وصفقة البوينغ وقعها الرئيس التنفيذي (أيضا السابق) طلال الزين (قبل أن يتم تدويره ليصبح رئيس شركة ممتلكات البحرين التي تحتكم وتتحكم في اصول كافة الشركات الحكومية والأخرى التي تحوز فيها الحكومة حصص ملكية متفاوتة وعددها 32 شركة بما فيها طيران الخليج).

أيضا ورغم الأزمة المالية العالمية أعلن طلال الزين في حفل تدشين أول طائراتها من طراز بوينغ 777 الذي اقامته الشركة يوم الثاني والعشرين من مارس الماضي، ان الشركة ستعزز اسطولها على الرغم من الازمة التي تضرب قطاع الطيران بثلاث عشرة طائرة اضافية من الآن وحتى نهاية العام الجاري، عن طريق استئجار 4 طائرات بوينغ 777 (تسلمت واحدة منها يوم الأحد 22 مارس 2009)، واربع طائرات ايرباص 330 وطائرة ايرباص 320، اضافة إلى شراء اربع طائرات من طراز لم يحدد بعد بقيمة تتراوح بين 350 إلى 400 مليون دولار.

لكن فجأة تشعر الشركة بوطئ خطورة تخبطها فتطلب الاستغاثة من سامر المجالي الذي قاد الملكية الأردنية إلى الربحية فتوظفه رئيسا تنفيذيا جديدا للشركة لانقاذ ما يمكن انقاذه من عبث رئيس وأعضاء مجلس إدارتها والفهلويون من مستشاريها.

فيقرر سامر المجالي، على ما اتضح له، ضرورة اعادة النظر في التفاوض على طلبيات طائرات بوينغ وايرباص والغاء خطوط رحلات ضعيفة الأداء والاستغناء عن وظائف في اطار عملية “اعادة هيكلة” (المصطلح الرأسمالي المستخدم في جعل العمالة كبش الفداء الأول في خيبتهم الادارية)!
بل وتم طرح خيار التفكير في الاندماج مع شركات طيران أخرى.

نعم إلى هذا الحد وصل الوضع المالي الافلاسي للشركة..

 
فهنيئا للبحرينيين بهذه “الماسة” الثمينة (طيران الخليج) التي يمكن أن تكون “درة” برنامج الاصلاح الاقتصادي العتيد!       

 

اقرأ المزيد