المنشور

العنف السياسي والأفق المسدود

ما الذي حققه حرق إطارات طائشة ، تلوث المناخ وتلوث سمعة أصحابها سياسيا ؟ ما قيمة حرق الخيمة في سترة غير الأضرار الاجتماعية وحالة تدمير الذات ، بدلا من انتزاع أصحابها مكاسب ملموسة ، فيما يذهب غضب الناس وسكان سترة إلى ابعد مدى مما يتخيل أصحاب مشروع التخريب السياسي وحرق الأمكنة والممتلكات ، التي عمل الناس طويلا من اجل تحقيقها ؟ ما الذي كان مفيدا لمن حرقوا سيارة ناس دون معنى وكادت أن تقتل آخر وتيتم أطفاله وتترك خلفه عائلة مشتتة بدون عائل ؟ هل يا ترى اكتسبت تلك الأعمال تصفيقا جماهيريا يملأ فضاء بلادنا وفضاء عالم بعيد يشعر بخيبة الأمل في معركة يخسرها كل يوم بهدوء ، فقطار التنمية وبحث الناس عن الجديد وتطلعات الجيل الجديد باتت مختلفة عن مجموعة متعثرة ومرتبكة ومشتتة هي جماعات الحرق والتخريب ، جماعات عاطلة سياسيا بكل جدارة ، ولا تنفذ إلا أجندة فاشلة ومشلولة عن التفكير المنطقي السليم ، والذي لا يستقيم مع حقائق الأمور في الوطن ، فمعركة سياسية وسائلها عنيفة لن تجد من يطيعها ولن تقبل بتخريب الخطوات المتقدمة في الوطن ، حتى وان حاول الآخرين تعليمنا الدرس البليد في السياسة ، فما مرت به البحرين خلال عقود كثيرة أكسبتها المقارنة والمقاربات واكتشاف النهج الأكثر واقعية ونفعا للتعاطي والتعامل مع المعوقات والمشاكل القديمة منها والجديدة فما يمكن فعله من خلال الحركة المطلبية السلمية المستمرة يعلمنا إن النتائج قد تكون أكثر فائدة من تلك الأعمال لصبيانية الموتورة ، التي بحماقتها تسبب وتتسبب في أضرار من السهل معالجتها من الحكومة والناس ، ولكن ما قيمة أن نقتل وندمر ونخرب واقع الحال دون فائدة ، لمجرد إن هناك في البلاد اليوم استعدادا حقيقيا للفورمولا أو غيرها ، متوهما أولئك المخربون » الصغار « المحركون والمتحركون ، إن وجود عدسة الصحافة وحضورها ستقوم بنقل كل ما يدور في أزقة البلاد وشوارعها ، متناسين إن تلك الأعمال من الشغب باتت تصنف على إنها أعمال تخريب وفوضى وليس حركة سياسية محتجة ولديها قنواتها السياسية والمجتمعية وجمعياتها وحراكها المتعدد ، أما الانتقال للحرق وبلبلة الشارع عنوة ، فقد ملته كل الطائفة وكل الشعب ، إلا ذلك النفر الصغير من المحتجين من خلال لغة العنف ، والتي لا نشعر فيها حتى نفسا سياسيا ناضجا بمشروع حقيقي ، فحركة الريح اليوم تتجه نحو الانتخابات ، واستعداد الناس للتصويت ولمواصلة النهج الديمقراطي وتكملة المشروع الإصلاحي إلى أبعاد أخرى ، ودفع حركة التغيير نحو الأفضل .
قد نصاب بخيبة أمل ما في مشروع متعثر أو فئة معطلة ، قد نرى أنفسنا لم ننجز كل الأشياء كما نريد ، وقد تنتكس راية مناهضة الفساد والتعذيب والحريات ، وقد يحدث شرخا في الجدار الواسع للمشروع أو تحاول عجلات التعطيل من كل الأطراف ، لأسباب كثيرة قابلة للحوار والمعارضة بشتى الطرق إلا طريقا واحدا صار مرفوضا هو طريق العنف السياسي ، فالبحرين قررت بشعبها إن الطريق الأكثر استقرارا للمجتمع ومشاريعه التنموية أن تنطلق بروح ديمقراطية قابلة للحياة والتمدد ، وبتوسيع للمؤسسات وممارساتها ، وبفتح بوابات جديدة للتعبير والحريات وبترسيخ كل ما جاء به الدستور والميثاق .
حرائقنا الاجتماعية والسياسية أكثر سخطا من حرائق أصحاب الإطارات في قرى البلاد ، فهناك استحقاقات قادمة في الانتخابات وهناك النفس الطائفي والكريه ، الذي يعتبر اكبر حريق للجزيرة الباحثة عن مستقبلها في عالم جديد ومختلف. لقد بات زمن البندقية تحفة في بيوت المقاتلين في كل العالم ، وظلت هناك أقلية تقاتل من اجل تحرير أرضها من المستعمرين والدخلاء ، فيما راحت كل البلدان دون استثناء نحو السلم الأهلي والمجتمع المدني ، الذي يرى في ديمقراطيته وتجربته ، مدخلا للتقدم والتغيير بدلا من الهياج والصراخ وحرق بشر بسياراتهم ، هم أنفسهم لا يفهمون لماذا يحدث ذلك ؟ ولماذا يلجأ هؤلاء الناس للعبة الخطرة ، التي لن تنفعهم أبدا ، متى ما تحول القانون مستقبلا إلى أداة ضغط حقيقة في مجتمع يحترم القانون ودولة القانون ، وكل من يحاول مصادرة حقوق الناس بوسائله العنيفة ويبرهن على حضوره عبر الدخان المتطاير الأسود ، في وقت يبحث فيه الناس عن سماء زرقاء . العقل ثم العقل ، ثم العقل ، هو الذي سيجعلنا نعرف طريق الخلاص في منطقة النور، أما المنطقة المظلمة منه ، بل والمفقودة فيه تلك الإشعاعات فلن تقودنا إلا إلى الأفق المسدود ، فحرية تنمو وتتنوع ومناخ يتسع بالربيع أفضل بكثير من حرائق ودخان يلوث بيئتنا السياسية قبل بيئتنا الطبيعية ، وينشر خريفا دائما على حياة الناس .
 
صحيفة الايام
28 مارس 2010

اقرأ المزيد

ليس عن «الغسيل» بل حوله


حتى لا يقال إنني اخترقت المحظور، أو قفزت على قرار النيابة العامة بحظر النشر عن قضية وزير الدولة السابق منصور بن رجب، والذي أكرر بضرورة كفالة جميع حقوقه، وعدم الانسياق وراء القيل والقال، وتناقل الأقوال، وكثرة الإجابات حيث لا سؤال، والتبرع بالتحليلات التي تفوق الخيال؛ فإن هناك حقاً ملتبساً آخر لا أظن أنه يخفى، ولكنه يتراجع في ظل عدم مطالبة أهله به المطالبة الحقيقية والصارمة ذات النفس الطويل، وهو: حق المعرفة .

من يقود حق الناس في المعرفة هو الإعلام. والقضايا العامة التي تدخل ضمن تفاصيلها، أو يكون ‘’أبطالها’’ شخصيات عامة، هي من حقوق الجماهير التي تتطلع لأن تعرف ما الذي يجري فيها. فالحديث هنا لا يدور عن أحد الناس الاعتياديين متورط في قضية مالية، أو في ضرب خادمة، أو في سرقة منزل، أو التعدي على جاره؛ ولكنها تتعلق بشخص مثّل الدولة، وكان ركناً من أركانها، وتسلم المناصب، وكانت له مساهماته، وإن اختلف المختلفون في تقييم هذه المساهمات .

إنها ليست المرّة الأولى التي تفسح النيابة العامة للنشر في قضية ما، ثم تمسك عن النشر في تفاصيلها. ليست المرة الأولى – أيضاً – التي تحظر النيابة العامة النشر في قضية حتى لا يؤثر ذلك على سير القضية، ولا تأمر – في المقابل – برفع الحظر عندما تنتهي القضية ويجري الحكم فيها، فيستمر الحظر إلى أبد الآبدين، فتزداد منافذنا المقفلة، وتزداد المحظورات .

ومنذ أن تسفلتت شوارع البحرين أو تزفتت (لا أدري أيهما أصح)، والبحرينيون صاروا خبراء في اللف والدوران حول هذه الشوارع بفضل الحفر والحفريات والإصلاحات المتكررة للشوارع، والمشروعات المتلكئة، ومدّ أنابيب شبكة المجاري. ولأننا كائنات وديعة، فإننا ألفنا التكيّف مع الواقع، نتذمر بعض الشيء ونواصل طريقنا. أي أن لا حيلة لنا سوى الرضوخ للواقع، بعد التشرب بمرارته، ونزداد قدرة على شرب المزيد من المُرِّ كلما تشبعنا من الدرجة الأقل منه، ولسنا وحدنا في هذا الأمر، حتى لا أضفي صفات أسطورية على هذا الشعب. المراد قوله من هذه الفقرة، إن الشارع إن لم يكن سالكاً، اتخذنا طرقاً جانبية، وصعدنا بعض الأرصفة، ودخلنا ‘’الدواعيس’’ و’’الزرانيق’’ لكي نصل إلى مرادنا. وهذا ما يحدث في القضايا التي تحظر النشر فيها النيابة العامة، ولا يكون لهذا النشر مدى زمني .

هل تذكرون قضة ‘’الخلية’’ في العام ,2003 عندما حظرت النيابة النشر عنها، فتم التحايل على الأمر باللف والدوران والتلميح. لا أعتقد أنكم نسيتم قصة ‘’البندر’’ فهي أقرب، حدثت في ,2006 ولاتزال الصحف غير واثقة بالنشر فيها أم لا. أذكر أننا في الوقت أعددنا أربع حلقات نشرناها تباعاً مستقصين القصّة من أكثر من طرف، وعندما حان نشر الحلقة الأخيرة صدر أمر النيابة العامة بالحظر، فبقيت الحلقة معلقة منذ أربع سنوات تقريباً، ولا أحد يدري هل فك الحظر أم لا. واستعاضت الصحف عن التسمية المحظورة بتسمية أخرى ‘’التقرير المثير للجدل ’’.

اليوم أيضاً تعاود النيابة حرمان الجمهور من حق الاطلاع والمعرفة، وأمرت يوم الخميس بمنع النشر في ما يتعلق بالوزير السابق، ولكن الصحف بدأت منذ تلك اللحظة تقليب التسميات التي يمكنها أن تحلها محل ‘’قضية بن رجب’’ بالقول مثلاً ‘’قضية غسيل الأموال’’. وكما هو الحال في ‘’التقرير المثير للجدل’’، هل الاسم هو ما يثير الحساسية أم المعلومات الواردة في صلب الخبر؟ أي: هل تغيير اسم الملف سيكون كافياً ومسوِّغاً للنشر؟
والغريب في القضايا الثلاث محل المثل الذي ضربناه هو أن الأجهزة الرسمية تعمل على ‘’تعليقنا’’ بشكل يغيظ حقاً .

و’’التعليق’’ تعبير ليس بالغريب عنا، إذ عندما لا يصل المرء إلى حد الاكتفاء من أمر ما (حلالاً كان أم حراماً) فإنه ‘’يتعلق’’، فلا هو الذي ظل محروماً منه ولم يذق طعمه، ولا هو الذي اكتفى وأتخم وثمل من جرائه. الظمأ إلى المعلومة والحقيقة لا يقل شهوة ورغبة لدى الناس، وإلا لما انتعشت صناعة الإعلام والأخبار .
فالأجهزة الرسمية دأبت على أن تعطي الخيوط الأولى للخبر في القضايا الثلاث، وتمد الخيط لنا، نلتقفه ونعمل على نسجه وإعادة خلق القصة من جديد، ومحاولة العبور بها إلى طرائق أخرى، وبطرقنا الخاصة، وأدواتنا القاصرة المحرومة من الحصول على المعلومات من مضانها. وهي (الأجهزة الرسمية) من يعمل على ‘’نشر غسيل’’ المتهمين عندما تقرر ذلك . ولكنها تعود في لحظة ما لتلمّ الغسيل والناس في ربع الطريق أو أقل من ذلك قليلاً، نهمهم للمعرفة والاطلاع لم يُشبع، وحقهم في المعرفة لم يُستوفَ. ولكن من ذا الذي يريد أن يعرِّض نفسه للقانون ويطالب بحق الجمهور؟ !

لا شك أن للنيابة العامة أسبابها. ولا شك أنها استندت إلى بعض اللوائح والفقرات والمواد والقوانين التي تعطيها هذا الحق في المنع والحظر، ولكن لنتساءل: من ذا الذي يكفل حق الجمهور في المعرفة والاطلاع؟
 
الوقت 27 مارس 2010

اقرأ المزيد

في الوعي النهضوي الأولي (1 – 2)

تعطينا كتابات المثقف السعودي إبراهيم البليهي مادةً في رؤية خطوات الوعي في اكتشاف الواقع، المواد التي يكتبها والمتناثرة هنا وهناك مقالات وكتباً، مشحونة بهواجس النهضة والتغيير والبحث عن خطوات التحول الممكنة في واقع صلد قاس.
لقد أدرك أن النهضةَ بدأتْ بعيداً ومبكراً في الجزر اليونانية، هناك حدثت خطواتُ البشريةِ الأولى نحو التعدديةِ وتشكيلِ الدساتير وحقوق المواطنة.
وهو كباحثٍ نهضوي في واقعٍ سعودي يمسكُ الخيوطَ الأولى البسيطةَ الصعبةَ في ذلك المسار البشري، وموقعهُ الاجتماعي هو الذي يدفعهُ لاستلالِ تلك الخيوطِ الرقيقةِ الرهيفةِ من الوعي الإغريقي أو الحداثي عامةً.
إبراهيم البليهي، هو إبراهيم بن عبدالرحمن بن سليمان البليهي فيلسوف ومفكر وكاتب سعودي بارز محسوب على التيار التنويري في المملكة العربية السعودية وعضو في مجلس الشورى، ينتمي الى أسرة عريقة من محافظة الشماسية من الوادعين من قبيلة الدواسر ولد في محافظة الشماسية في منطقة القصيم عام 1363هـ. يحمل شهادة في الشريعة الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (موسوعة ويكيبيديا).
هذه النشأة الاجتماعية القبلية وهذا الدرس الديني لم يتضادا مع أفكاره الديمقراطية الليبرالية:
(دار حوله جدلٌ كبيرٌ فهو ابن المدرسة الدينية السلفية التقليدية ويقدم أفكاراً ليبرالية تقدمية تتناقض في كثير من مضامينها مع اعتقادات ومبادئ المدرسة الوهابية في السعودية. له آراءٌ جريئةٌ في نقدِ الفكر العربي والإسلامي، ومواقف ايجابية تجاه الحضارة الغربية ودورها البارز في التأسيس لنقلةٍ كبيرة على مستوى الوعي. لديه العديد من النظريات الفلسفية التي اطلقها من خلال كتاباته ومقابلاته. ومن مؤسسي المجتمع الليبرالي السعودي، وهو صاحب مقولة “أنا مسلم مبادىء وليبرالي آليات”. مُعجبو المفكر البليهي يطلقون عليه “قائد نهضة التنوير”. كما قدم للمكتبة السعودية والعربية عدة أبحاث كـ “القيادة والانقياد” و”العقل البشري” و”عبقرية الاهتمام” و”العلم” و”مهارة الأداء” و”الكلال المهني”)، (السابق).
هناك ثيمة أساسية في العديد من المواد المعروضة له في الصحافة خاصة، تتوجه لذلك الخيط الحداثي، فهو كالقطار الذي يمشي على تلك السكة في اتجاه واحد رئيس، في قراءته للتجربة الديمقراطية اليونانية المبكرة تلك يستخلص الخيط الضوئي التقني المطلوب في تصوره لعملية نهضة أخرى في الجزيرة العربية الذي هو إحداث التحريك العقلاني الفاعل لدى النخب والناس، كي يغدو المثقف: (منشغلٌ بتحريك العقول وإثارتها وحفزها إلى التساؤل والتحليل والمراجعة والإهابة بالناس بعدم الوثوق المطلق في أية معرفة بشرية، فمعارف البشر تظلُ ناقصةً مهما تعددت وسائل التحقق، لقد لاحظ الفلاسفة أن الناس يثقون ثقة مطلقة بالمعرفة التلقائية التي تشربوها من بيئاتهم فهم في كل الثقافات مأسورون بالجهل المركّب)، من مقالة (العنصر الفعال في الوعي الفلسفي، جريدة الرياض 11/ 10/ 2009).
لا يتوجه البليهي نحو الظروف الاجتماعية المركبة التي أسست النهضة الديمقراطية الإغريقية وأهمها ظهور طبقة وسطى حرة، بل يركز في العناصر العقلية المستقلة كإلغاء الآثار المسبقة لتربية الأنظمة المتخلفة والاستبدادية، وهذه العناصر الثقافية المهمة لكن المعزولة عن التركيبة الاجتماعية، تسيطر على بؤر خطاباته الفكرية بشكل واسع. ومن هنا يحرض بشكل مستمر على هدم الخلفية الثقافية الجامدة، التي يسبح الناس في بحيرتها الراكدة مثل التلقي المصدق بكل فكرة، وبكل أسطورة، وبكل نظرية جديدة ربما، فالعقل من رأيه أن يكون أداة مستقلة ذات تحليل ورصد بغض النظر عن النتائج التي تتوصل إليها.
لكن كيف يمكن للناس أن يحصلوا على أدوات التحليل العقلانية وهم يعيشون في الأمية والظروف الاقتصادية السيئة والعادات السلبية ولا يُسمح لهم من قبل الحكومات وشيوخ الدين بأن يفكروا باستقلال؟
هو لا يناقش الخرائط الاجتماعية والاقتصادية التي أسرت الناس عبر قرون، بل يناقش نتائجها، وأنه من الضروري أن يتواصلوا مع التجربة اليونانية وامتداداتها في تجربة أوروبا الغربية وفي النهضة الحداثية الغربية العالمية الآن.

صحيفة اخبار الخليج
27 مارس 2010

اقرأ المزيد

هـــــل نلــــــوم أبـــــو مـــــازن؟

بعد طول معاناة جاءه الحل من صوب دوائر المطبخ السياسي‮ ‬للجامعة العربية ومن لجنة المتابعة العربية تحديداً،‮ ‬فقد وجد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس نفسه فجأة في‮ ‬مأزق سياسي‮ ‬لا‮ ‬يحسد عليه،‮ ‬وذلك بعد أن انقلب موقف الإدارة الأمريكية رأساً‮ ‬على عقب‮.. ‬من الضغط على إسرائيل بتجميد الاستيطان توطئة لإعادة إطلاق مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني‮ ‬والإسرائيلي‮ ‬إلى تحويل الضغط كلياً‮ ‬باتجاه السلطة الفلسطينية ورئيسها أبو مازن لإجبارهما على استئناف المفاوضات مع إسرائيل دون الحاجة لتجميد الاستيطان حتى ولو لعام واحد،‮ ‬كما حاول ذلك عبثاً‮ ‬المبعوث الأمريكي‮ ‬للشرق الأوسط جورج ميتشيل‮.‬
فقد خضع الرئيس أبو مازن طوال الشهور الثلاثة الماضية لضغوط أمريكية وأوروبية‮ (‬وإقليمية أيضاً‮) ‬من أجل التخلي‮ ‬عن شرط وقف أعمال الاستيطان الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات مع حكومة نتنياهو العنصرية بعد أن تحايل نتنياهو ومؤيدو إسرائيل في‮ ‬الإدارة والكونجرس الأمريكيين على استحقاق وقف الاستيطان والإعلان الشكلي‮ ‬عن تجميد الاستيطان لمدة تسعة أشهر‮.‬
فكانت تخريجة لجنة المتابعة في‮ ‬الجامعة العربية التي‮ ‬قضت بالموافقة على استئناف المفاوضات‮ ‬غير المباشرة مع إسرائيل لمدة محددة‮ (‬4‮ ‬أشهر‮) ‬يتم خلالها وضع مصداقية إسرائيل على المحك فيما‮ ‬يتعلق بالتسليم بحق الشعب الفلسطيني‮ ‬في‮ ‬إقامة دولته المستقلة كانت بمثابة مخرج فيه حفظ لبعض ماء وجه الرئيس أبو مازن،‮ ‬وذلك لأنه،‮ ‬أي‮ ‬المخرج،‮ ‬لا‮ ‬يُعطي‮ ‬نتنياهو شيكاً‮ ‬على بياض بالنسبة لاستئناف المفاوضات التي‮ ‬يحتاجها الأخير بشدة،‮ ‬أو بالأحرى‮ ‬يحتاج إلى شكلانيتها،‮ ‬لتفادي‮ ‬وصمه بعدو السلام،‮ ‬المعطل لمسيرتها والمتسبب في‮ ‬تأجيج الصراع في‮ ‬منطقة لا تنقصها صواعق التفجير،‮ ‬وإنما حدد لها إطار زمني‮ ‬محدد هو أربعة أشهر‮. ‬وهو،‮ ‬أي‮ ‬أبو مازن،‮ ‬بموافقته‮ (‬المحددة زمنياً‮) ‬على استئناف المفاوضات مع إسرائيل،‮ ‬قد وضع حداً‮ ‬للضغوط الأمريكية وغير الأمريكية الواقعة عليه‮.‬
ما من شك أن كثيرين في‮ ‬عالمنا العربي‮ ‬كانوا حانقين وغاضبين على هذا الموقف الذي‮ ‬اتخذه أبو مازن،‮ ‬وزاد حنقهم أكثر بعدما صرح أبو مازن‮ ‘‬أن على إسرائيل أن لا تضيع الفرصة المتاحة أمامها لإحلال السلام‮’ ‬وذلك في‮ ‬معرض تعليقه المهيَّض الجناح على قرار حكومة نتنياهو التوسع في‮ ‬بناء الوحدات الاستيطانية في‮ ‬الضفة الغربية الذي‮ ‬صدر في‮ ‬أعقاب القرار الفلسطيني‮ ‬والعربي‮ ‬باستئناف المفاوضات‮ ‬غير المباشرة مع إسرائيل،‮ ‬والإعلان في‮ ‬واشنطن عن إرسال جورج ميتشيل من جديد لاستئناف وساطته بين الفلسطينيين والإسرائيليين،‮ ‬والإعلان من بعد عن بناء‮ ‬1600‮ ‬وحدة سكنية استيطانية في‮ ‬القدس الشرقية‮.‬
إنما هل من الإنصاف أن‮ ‬يُلام أبو مازن على هذه المعالجات السياسية والدبلوماسية‮ ‘‬الناعمة‮’ ‬للغطرسات الإسرائيلية وتبجحات السياسة الإسرائيلية الاستيطانية التوسعية؟
نعتقد أن الموضوعية تقتضي‮ ‬منا النظر لموقف السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها من داخل واقع الحال السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬البائس الذي‮ ‬تعايشه السلطة الوطنية الفلسطينية في‮ ‬الوقت الراهن وليس من خارج نطاق هذا الواقع‮. ‬السلطة اليوم ورئيسها في‮ ‬وضع لا‮ ‬يُحسدان عليه بعد أن نفض‮ ‘‬الجميع‮’ ‬يديه ولم‮ ‬يعد‮ ‬يكترث بتحمل مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك عدم الوفاء حتى بالالتزامات العربية والأوروبية والدولية المتخذة في‮ ‬عديد القمم والمؤتمرات العربية والإسلامية والدولية تجاه السلطة لاسيما المساعدات المالية والاقتصادية‮.‬
الولايات المتحدة نفسها ورئيسها باراك أوباما‮ ‬يتصرفان كالأرانب المذعورة مع إسرائيل ويحاذران إغضابها بل والتأكد من عدم إساءتها الفهم في‮ ‬الموقف الأمريكي،‮ ‬رغم الإهانة المذلة التي‮ ‬ألحقتها إسرائيل بالرجل الثاني‮ ‬في‮ ‬الدولة الأمريكية وهو نائب الرئيس جو بايدن أثناء وجوده في‮ ‬تل أبيب حيث تعمد الإسرائيليون الإعلان عن بناء‮ ‬1600‮ ‬وحدة استيطانية جديدة في‮ ‬القدس الشرقية أثناء وجوده في‮ ‬بلادهم‮.‬
بان كي‮ ‬مون أمين عام الأمم المتحدة صمت طويلاً‮ ‬على السرطان الاستيطاني‮ ‬المتمدد بوحشية هذه الأيام،‮ ‬ولم‮ ‬يعلن موقفه المستنكر لهذه السياسة الاستيطانية التوسعية الإسرائيلية إلا بعد أن قرأ الضوء الأخضر بهذا الصدد من واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية الكبرى‮!‬
السلطة الوطنية الفلسطينية ليست هي‮ ‬منظمة التحرير الفلسطينية التي‮ ‬كانت رقماً‮ ‬صعباً‮ ‬في‮ ‬معادلات الشرق الأوسط،‮ ‬وأبو مازن ليس هو أبو عمار رحمة الله عليه‮. ‬فليس لدى أبو مازن عملياً‮ ‬أية ورقة‮ ‬يعتد بها في‮ ‬صراعه مع دولة تمتلك أدوات قوة وأوراق ضغط تستطيع إشهارها حتى في‮ ‬وجه القوى العظمى في‮ ‬العالم‮.‬
بعض السلطة الفلسطينية اليوم‮ ‬غارق في‮ ‬وحل الفساد الذي‮ ‬تمكَّن من مفاصل حركة فتح،‮ ‬وبعضها الآخر‮ ‬غارق في‮ ‬صراعات تتجاذبها المصالح والتكالب على المناصب القيادية والامتيازات التعهيدية‮ (‬الاستثمارية‮).‬
وعلى ذلك فإنه عوضاً‮ ‬عن لوم أبي‮ ‬مازن والسخط عليه وعلى مواقفه المستكينة،‮ ‬فإن الحري‮ ‬بالحكومات العربية التي‮ ‬بدأت في‮ ‬واقع الأمر ترسل إشارات موحية بتخليها عن القضية الفلسطينية،‮ ‬والعمل خفية على إقامة‮ ‘‬البنى التحتية‮’ ‬للعلاقات المستقبلية مع إسرائيل‮ (‬من تسهيل المبادلات السلعية والاتصالات اللاسلكية وإنشاء قنوات لإجراء المشاورات السياسية وتبادل المعلومات الأمنية والاقتصادية‮) ‬فإن الحري‮ ‬بها أن تمد‮ ‬يد العون والمؤازرة للسلطة الوطنية الفلسطينية وتعيد تأهيلها وتمكينها من مواجهة الاستعمار الصهيوني‮ ‬المتمادي‮ ‬في‮ ‬إجراءاته ومبادراته العدوانية،‮ ‬التوسعية والقمعية.حتى لو لم ترغب هذه الحكومات،‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬مصدر الاستكانة الأصلي،‮ ‬في‮ ‬الاستخدام‮ ‘‬الناعم‮’ ‬لبعض أوراق ضغطها التفاوضية،‮ ‬فإن بإمكانها على الأقل الإيعاز والتشجيع‮ ‬غير المباشر لمجتمعها المدني‮ ‬للانضمام إلى الحملة الشعبية العالمية الرامية لفرض حظر على التعامل مع الجامعات والمنتجات الإسرائيلية في‮ ‬إعادة لإنتاج الحملة العالمية الناجحة لعزل نظام الفصل العنصري‮ ‬في‮ ‬جنوب أفريقيا‮. ‬حتى أنه من فرط تأثير الحملة،‮ ‬فإن إسرائيل بادرت لتشكيل طاقم أكاديمي‮ ‬متخصص للرد على هذه الحملة ومحاولة التشويش على نشاطاتها المتسعة‮.‬
ففي‮ ‬ذلك أضعف الإيمان‮.
 
صحيفة الوطن
27 مارس 2010

اقرأ المزيد

لماذا تهاجر الأدمغة؟

هجرة العقول او الادمغة من المشكلات التي تعاني منها الدول العربية وتمثل هجرة الكفاءات العلمية الى الدول الغربية اخطر انواع الهجرات على تطور وتقدم المجتمعات العربية.
حول هذه المشكلة كتب «سمير التنيّر» في كتابه «الفقر والفساد في العالم العربي» موضحاً ان هجرة الادمغة مشكلة مزمنة ونتيجة لعوامل متعددة سياسية واقتصادية وعلمية اتسعت هذه الظاهرة كثيراً في العقدين الاخيرين.
تحدث «التنيرّ» عن هذه القضية بموضوعية اذ يعتقد ان الارتباط الوثيق بين هجرة العقول والعولمة متسق مع نزعتها الاحتكارية. فكما ادت العولمة الى تزايد هجرة رأس المال المادي بحثاً عن اكبر عائد استثماري ايما كان كذلك ادت الى تزايد هجرة رأس المال الفكري الى حيث يتاح له اكبر فرصة لاستثماره.
ما هو واقع هذه الهجرة بالارقام؟ وما هي الاسباب التي ادت ولاتزال تؤدي الى هجرة الادمغة العربية؟
ثم ما هي النتائج والتداعيات؟
اسئلة توقف عندها لاعتبارها اسئلة جوهرية ولا سيما اذا ما اردنا معرفة أبعاد هذه الظاهرة الخطرة من حيث آثارها السلبية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
وهنا يتوقف قائلاً: ان تقارير التنمية البشرية التي اصدرتها الجامعة العربية ومنظمة العمل العربية والامم المتحدة تشير الى ان المجتمعات العربية اصبحت بيئة طاردة للكفاءات العلمية الى الخارج وتشكل هجرة الادمغة العربية 31 بالمئة فهناك اكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا او الفنيين المهرة يعملون في البلدان المتقدمة، وتضم امريكا واوروبا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا، وان 34 بالمئة من الاطباء الاكفاء في بريطانيا من الجاليات العربية، وان مصر وحدها قدمت في السنوات الاخيرة 60 بالمئة من العلماء والمهندسين المصريين الى الولايات المتحدة، وكانت مساهمة العراق ولبنان 15 بالمئة وشهد العراق ما بين اعوام 1991 – 1998 هجرة 7351 عالماً تركوا بلادهم بسبب الحصـار الـدولي الذي كان مفروضاً على العراق آنذاك.
ومما له اهمية هنا تحليله لأسباب هذه الظاهرة التي تدفع الادمغة في الدول العربية الى الهجرة من بينها التقدم التكنولوجي الذي يحققه الغرب فهو غير موجود في البلاد العربية، ضعف وانعدام القدرة على استيعاب اصحاب الكفاءات الذين يجدون انفسهم اما عاطلين عن العمل او لا يجدون عملاً يناسب اختصاصاتهم، ضعف المردود المادي لاصحاب الكفاءات وانعدام التوازن في النظام التعليمي او فقدان الارتباط بين انظمة التعليم ومشاريع التنمية، عدم الاستقرار السياسي او الاجتماعي والاشكالات التي تعتري الانظمة العربية والتي تؤدي في بعض الاحيان الى شعور اصحاب الخبرات بالغربة في اوطانهم او تضطرهم الى الهجرة سعياً وراء ظروف اكثر حرية واكثر استقراراً وفضلاً عن ذلك البيروقراطية الادارية وانظمة الخدمة المدنية وبعض التشريعات والكفالات المالية التي تربك اصحاب الخبرات وهناك ايضاً اسباب شخصية فردية.
وبالاضافة الى كل هذه الاسباب ينتقل الى الواقع السياسي الذي هو في الاساس عنصر مهم من عناصر هجرة الادمغة العربية فما هو هذا الواقع؟
يقول: «ان غالبية البلدان العربية تعاني من اضطرابات سياسية وحروباً اهلية تطال اول ما تطال اهل العلم والثقافة والمعرفة وان مناخ القمع السائد فيها يسرع من هذه الهجرة، حيث ان الباحث يحتاج الى مناخ الحرية في البحث والتحقيق والابتكار ولاتزال بعض الانظمة العربية تتعاطى مع الارقام بحساسية شديدة وتعتقد انها تستهدف نظام الحكم وبالتالي تمنع نتائج الابحاث والدراسات خوفاً ان تؤثر نتائج تلك الابحاث في الوضع السياسي السائد، وبالاضافة الى ذلك تدخل رجال الدين.
الخلاصة كما يقول بان لا امل في احداث تنمية عربية مستدامة دون توافر اهم عناصر بنيتها التحتية ألا وهو العنصر البشري ولا سيما عماله المهارات العليا. ولذلك لابد من وضع استراتيجية عربية تقوم على اساس مبدأ المشاركة في الموارد وتوفير الحوافز المادية لاستبقاء اصحاب المهارات والعلماء في البلدان العربية.
 
صحيفة الايام
27 مارس 2010

اقرأ المزيد

مرايا الحياة .. مرايا النفس

في الحياة مجموعة من المرايا، فأنت لا تكاد تنهض من سريرك صباحاً حتى تواجهك مرآة الحمام. صورتك في المرآة صورة لنومك البارحة. إن نمت سعيداً مرتاحاً فستجد ملامح النضارة والتورد على وجهك، وإن نمت تعيساً مرهقاً ستطالعك الظلال السوداء تحت جفني العينين وشحوب الوجه وسوء المزاج.
قبل أن تخرج من بيتك ستلقي نظرةً أخيرةً على هندامك في مرآة أخرى بجوار الباب، قبل أن تجد نفسك أمام مقود سيارتك محاصراً بسلسلة من المرايا، واحدة أمام عينيك مباشرة وثانية على يمينك وثالثة على يسارك، كأنها تريد تذكيرك بأن مساحة أو دائرة رؤيتك محدودة، وأنه لا سبيل لك بالذهاب بدونها.
وأذكر أني قرأت تحقيقاً صحفياً منذ سنوات في إحدى المجلات عما تحتويه الحقيبة اليدوية للمرأة، وأن النساء اللواتي شملهن التحقيق كشفن عن تفاصيل لا تخلو من الاختلاف في محتويات حقيبة كل منهن، لكن الجميع أجمعن على وجود مرآة صغيرة، لأن المرأة تريد التيقن بين فترة وأخرى من أناقتها.
هذه نماذج من المرايا في معناها المباشر. هناك مرايا أخرى مجازية إن جاز القول. فنحن مثلاً نسمع أو نقرأ أن الأدب أو الفن مرآة الواقع، أو أن المسرح مرآة الإنسان. حتى التلفزيون هو مرآة أخرى نرى فيها أشياء من حياتنا ومن سلوكنا. وفي الفكر والسياسة هناك مرايا، البعض يجد في الماضي المجيد مرآته، والبعض الآخر يجد الغرب مرآة له.
وقد يحدث أن تجد مرآتك في شخص آخر قريب إليك وعزيز على قلبك. بعض الآراء تقول أن القلوب تتآلف إذا كان أصحابها متنافرين في الطباع، لا أظن أن ذلك صحيح، فما يشدك إلى من تُحب هو القربى الروحية والعاطفية والوجدانية التي تكاد توحدك فيه كأنكما روحين في جسد واحد.
يقال أن الإنسان اهتدى للمرآة أول مرة حين أبصر وجهه على سطح ماء شفاف. وتتحدث الأسطورة القديمة عن الفتى الجميل: نرجس المهووس بجمال صورته حيث كان يستهويه التحديق ساعات طويلة في صورته المعكوسة على سطح الماء. أمثال نرجس هذا كثيرون للأسف الشديد في الحياة، ممن يظنون أنفسهم قرناء الكمال والصواب والجمال، لذا تتفشى أشكال الزيف والمظاهر الخادعة الكذابة.
وما دمنا في ذكرى المرايا فدعونا نختم بحكاية أوردها شاعر عن والي حذرته عرافة شيطانية من الموت إن هو لم يستشر الرعية في أمور الولاية. خوفاًَ من الموت دعا الوالي وجهاء وأعيان القوم للمشورة، انتظر الرجال بفارغ الصبر دخول الوالي عليهم حيث اجتمعوا، ولما وصل أخرج مرآة من جيبه، وحدث بإعجاب في صورته ثم سأل الصورة المشورة، ولما أجاب شكرها، وكسرها «مخافة أن يعودها على حق الكلام»!
 
صحيفة الايام
27 مارس 2010

اقرأ المزيد

البحرينيون ليسوا أقل إيماناً


على خلفية الانشغال البرلماني الأخير في التعاطي مع ما بات يعرف  بمنع المسكرات، من المفيد التذكير بأن بيع هذه المسكرات في البحرين منذ عقود عدة لم يجعل من البحرينيين أقل ايماناً أو تمسكاً بدينهم وعباداتهم، ولم يجعل سلوكهم مضرب المثل في الجريمة والانحلال الخلقي أو العدوانية.

وليس الناس في البلدان التي يريد النواب أن يجعلوا البحرين صورة منها أكثر إيماناً والتزاماً بالعادات والقيم، فشعب البحرين الذي تشكلت شخصيته في مناخ من الانفتاح والتسامح وقبول الآخر، شعب معروف بأريحيته وحُسن معشر أبنائه ودماثة أخلاقهم، ولم يؤد وجود المسكرات في الفنادق أو محلات البيع إلى  انحلال أخلاق البحرينيين أو تفسخها، فالناس لا تزحف زرافات إلى الحانات، وما زالت المساجد ودور العبادة، كما كانت وستظل، عامرة بالآلاف المؤلفة من الناس، الذين لا يلهيهم اللهو عن دينهم.

من جهة أخرى فان القرار الذي ذهب إليه مجلس النواب بهذا الصدد، في حال وجد طريقه إلى التطبيق لن يمنع، بأي حال من الأحوال، تداول المسكرات بطرق غير قانونية، ولن يحول دون الراغبين فيها في الوصول إليها، والدليل على ذلك ما تعرفه بعض البلدان المجاورة، عربية وغير عربية، التي لم تؤد قوانين منع تداول أو بيع الخمور فيها، إلى الحيلولة دون تداولها في السوق السوداء وانتشار تصنيعها في البيوت، أو تهريبها من وراء الحدود، مع ما يترتب على ذلك من نشوء مافيات تهريب متنفذة تجني ذهباً من وراء ذلك. 

والأدهى من هذا كله انتشار تجارة أشد فتكاً وهلاكاً من المسكرات هي تجارة المخدرات بأنواعها، وما تجره من أهوال على الشباب، وما تلحقه بالصحة النفسية للمجتمع من كوارث، والعياذ بالله، ولا نحسب إنسانا عاقلاً، نائباً عن الشعب كان أو رجل دولة، يمكن أن يدفع بمجتمعه نحو الهلاك، فتحت ذريعة درء خطر ما، يتسبب في جلب مخاطر أكبر.

في نهاية الفصل التشريعي الثاني، وعشية الانتخابات القادمة أظهر نوابنا الذين لم يتفقوا على ملف اجتماعي أو معيشي أو سياسي من شأنه تطوير العملية الإصلاحية في البلاد وتحسين معيشة الناس إنهم قادرون على الاتفاق على قضية مثل هذه، ليتباهوا بها أمام ناخبيهم كما لو كانت  انجازاً ما بعده انجاز.

 وهذا يؤكد ما كتبناه هنا مرةً من أن تعدديتنا الظاهرة في الشكل نافية للتنوع القائم في المجتمع البحريني، بدليل أننا لم نر يداً واحدة ترفع في مجلس النواب تتحفظ على القرار المذكور، لا من باب الرغبة في نشر المسكرات، وإنما تفهماً لوضع بلد يقوم اقتصاده على جلب الاستثمارات، واستقدام الشركات والبنوك الأجنبية، ووسط منافسة حامية الوطيس في المحيط الإقليمي.

ونختم بالقول أن معيار مكافحة الفساد، ودلالة الشجاعة في التصدي له لا تكمن في الوقوف عند هذه الجزئية وحدها، وإنما في محاربة الفساد الأشمل حيث هدر المال العام بدون ضوابط، وحيث غياب الحدود بين المال العام والمال الخاص، وحيث تدمير البيئة وتخريبها، وعلى محاربة هذا الفساد فليتنافس المتنافسون، هذا إن كانوا يفقهون.

اقرأ المزيد

وظلت «لـو» تكبر وتكبر مع كل إبداع جديد له



 
رحل المناضل والفنان المبدع وصاحب الابتسامة الجميلة – عازف السكسفون الحزين وبقت كلمة «لو».
كتب عنه مؤخرا ومازال الكثير، سواء عن سيرته النضالية وصفاته الشخصية أوعن إبداعه في المجال الموسيقى. وكل ذلك أعاد بذاكرتي عدة عقود للوراء، وبالتحديد إلى أواخر العام 1966 في موسكو عندما وصلت إلى منظمة الحزب الطلابية عبر مسؤول العلاقات الخارجية في الجبهة أوراق الطلبة الجدد المرشحين للدراسة في الاتحاد السوفييتي، ومن ضمنها كانت توصية خاصة على أحدهم بأن نبذل كل جهد ممكن لقبوله للعام الدراسي القادم ليتخصص في مجال الموسيقى وذلك للأهمية.
حينها كنت مسؤول المنظمة الحزبية ورئيسا لرابطة طلبة البحرين، وقد كلفت بمتابعة أوراق هذا الطالب الذي لم نعرف عنه شيئا سوى ما ذكر في النبذة المرفقة بشهاداته بأنه يجيد العزف على عدة آلات وخاصة السكسفون وانه ضمن فرقة موسيقية تشارك في المناسبات المحلية.

وتقدمنا بأوراقه الى وزارة التعليم العالي والتي طلبت ما يثبت بانه يجيد العزف- سواء من مدرسة أو نادٍ أو مؤسسة أو غيره، وذلك حسب النظام المتبع عند قبول الطلبة في معهد الموسيقى. وتطلب منا جهدا لإقناع الوزارة بالظروف الصعبة التي فرضتها السلطات الاستعمارية على الطلبة الدارسين في الخارج، وبخاصة عدم السماح لهم بالدراسة في بلدان اوربا الشرقية. ولهذا السبب لا يمكن توفير ما يطلبونه. وفي النهاية طلبت الوزارة منا الذهاب الى المعهد المعني وشرح الظروف لهم لعلهم يقتنعون ويقبلون به. وبعد لقاءات عدة مع المسئولين في المعهد وشرح صعوبة تلبية شروطهم بسبب الأوضاع في بلادنا وافقوا على قبول طلبنا بشرط ان يجرى للطالب بعد وصوله امتحان للتأكد من إجادته العزف.

وهكذا تم قبول مجيد مرهون في كونسرفاتوار موسكو أحد أشهر معاهد الموسيقى في الاتحاد السوفييتي آن ذاك للسنة الدراسية 1967 . وسررنا جميعا بذلك لأننا أولا حققنا طلب قيادة الجبهة، وثانيا لاتساع إطار التخصصات التي يقبل عليها طلابنا. فالى التخصصات مثل الطب الهندسة الزراعة الاقتصاد التاريخ الحقوق والرسم (الفن التشكيلي) أضيف اختصاص الموسيقى. وبالطبع سارعنا بإبلاغ المسئولين في العلاقات الخارجية بما تم تحقيقه.

وفي العام 1967 ومع بداية توافد الطلبة الجدد الى موسكو طلب منا تأجيل قبول مجيد مرهون الى العام القادم وذلك لحاجتهم له في البلد. وفعلا تم الاتفاق مع الوزارة تحويل قبوله للسنة القادمة، التي مرت سريعا وصرنا ننتظر قدوم عازف السكسفون في العام 1968. ولكن ذلك لم يتحقق حيث تم اعتقاله لتبدأ رحلة الصمود والكفاح والإبداع لمجيد مرهون على مدى ما يربو عن العقدين قضاها وراء القضبان. وعندها فقط عرفنا سبب اعتقاله وسبب إرسال أوراقه للدراسة. وصرنا نردد فيما بيننا بأسف «لو لم يتم تأجيل سفره عام 1967 لما تم اعتقاله وكان التحق بالمعهد».

ومع زيادة معلوماتي عن مجيد مرهون، خاصة بعد إنهائي للدراسات العليا عام 1976 والتحاقي بالعمل في العلاقات الخارجية للجبهة، فان كلمة «لو» بدأت تكبر سنة بعد سنة وبمزيد من اللوعة والألم. وكلما تسربت لنا معلومات من السجن عن تعلمه قراءة وكتابة النوتات وكتابة الألحان وتأليف السمفونيات، وذلك بالرغم من ظروف الحرمان والعزلة وافتقاده لأبسط الآلات الموسيقية، كنا نزداد حسرة وأسف على اعتقاله. فعلا كان موهبة فنية ونبتة ثمينة لم تلقى التربة الملائمة والعناية اللازمة لنموها وتفتحها بكل ما تختزنه من طاقة إبداعية. ورغم ذلك كانت هذه النبتة تحفر في الصخر لتخترق الأرض وتطال السماء وتنمو وتزهر.

ومع ازدياد الحملة التضامنية الدولية مع المعتقلين وعلى رأسهم مجيد مرهون في مطلع الثمانينات واتساعها بشكل واسع في أواسط الثمانينات، وخاصة بعد تسرب نوتاته من السجن وحيث عزفت بعضها من قبل فرقة اوركسترا إذاعة برلين في المانيا الديمقراطية ومن ثم تم اصدارها في اسطوانة في موسكو. وكان ذلك تقديرا وتضامنا مع مجيد مرهون المناضل والفنان ومع كل المعتقلين السياسيين.

لقد حصلت الاسطوانة على استحسان وقبول العديد من المختصين في الموسيقى و أثارت الدهشة والإعجاب عندما علموا أن هذه الألحان كتبت في السجن دون توفر أية آلة موسيقية أو بيئة مناسبة للعمل الإبداعي.

ان ما أنجزه مجيد خلال السنوات الأخيرة بعد خروجه من السجن، خاصة قاموس الموسيقى في عدة مجلدات والذي صدر منه المجلد الأول بدعم من مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة ، يؤكد تلك الموهبة الكبيرة المختزنة الكبيرة لديه والتي لم يظهر منها إلا الشذر اليسير نتيجة قضائه أكثر من عقدين من أهم سنوات عمره في المعتقل. وهنا أستسمج من بعض الأخوة الذين كتبوا أو صرحوا وبحسن نية بأن الفضل في إبداع مجيد يرجع لوجوده في السجن طوال تلك السنوات!! في الحقيقة العكس هو الصحيح فسنوات السجن وأوضاع العزلة والحرمان كانت عائقا أمام تطور وانطلاقة هذه الموهبة الكبيرة.

فلنا ان نتصور مجيد، الذي وبالرغم من تلك الظروف وافتقاده لأبسط متطلبات العمل الإبداعي الفني، استطاع ان ينجز ما أنجز، فكيف لو انه التحق في ذلك العمر بالكونسرفاتوار الشهير في موسكو، هذا الصرح الفني الكبير وإمكانياته المتنوعة من الآلات الموسيقية والتراث الموسيقي العريق الذي يمتد الى عدة قرون وتدربه على أيدي مدرسين اختصاصيين قديرين وعلى أسس علمية سليمة لعدة سنوات و في موسكو مدينة الثقافة والفن والمتاحف المتنوعة الرائعة والمكتبات الغنية بالكتب الأدبية والفنية الخ… بالتأكيد كنا سنرى موسيقارا وملحنا كبيرا من طراز آخر حيث تتحد الإمكانيات العلمية الهائلة مع الموهبة الفطرية الفذة.

لقد خسرت البحرين الموهبة الكاملة المكنوزة لمجيد قبل مماته، وفي رحيله المبكر خسرنا مناضلا وإنسانا وفنانا مبدعا لا يعوض..

ولإعطائه شيئا ولو يسيرا من حقه، فاني أشاطر كل الأخوة الذين اقترحوا ضرورة تكريم المناضل والفنان مجيد مرهون رسميا وأهليا وتخليد اسمه، وبخاصة مقترح الأستاذ سعيد الحمد بتأسيس معهد أو جمعية للموسيقى باسمه لصغار الموهوبين ورعايتهم.

اقرأ المزيد

حبس الصحفيين واستياء الاتحاد الدولي للصحفيين


حسبما أكد نواب تيار الإسلام السياسي إزاء (حرية الصحافة).. أن عقولهم صلبة كالرخام الذي لا يلين، فان هؤلاء النواب قد اثبتوا استعداءهم لحرية الكلمة، بسبب ادراكهم التام، ولما يحملونه في قرارة انفسهم وبما ينطق به لسان حالهم.. أن (الكلمة الحرة الشريفة) هي أمضى من حد السيف، وأخطر من طلقات المدافع والبنادق.. ولكونهم أدرى من غيرهم أن هذه (الكلمة الجريئة) كلمة النقد الايجابية البناءة، هي رافد من روافد البناء والتشييد ومرتكز لرفع سقف الحريات العامة، ومحور لتوسيع رقعة الديمقراطية ومبدأ التعددية.. الأمر الذي يدفع بهؤلاء النواب الإسلاميين الى محاربة حرية الصحافة وحرية الكلمة.. ولكونهم يمقتون مظاهر التقدم والتطور والحداثة والتحديث، ويكرهون مواكبة عجلة التاريخ المتطورة.. فإنهم يسقطون الماضي على الحاضر، ويفصلون التراث عن التجديد.. فيجزئون الحضارة الإنسانية، ويشوهون مفاهيمها.

إن مبعث هذه المقدمة الموجزة، هو رغبتنا التطرق الى قانون الصحافة، الذي لا يزال يئن برزوحه ما بين ادراج مجلس الشورى والسلطتين التشريعية والتنفيذية، منذ الفصل التشريعي الأول.. هذا القانون (قانون الصحافة) قد كاد أن يتكلم استياء تحت طائلة هذا “الرزوح” المثقل الأوزار، من دون اقراره.. بل اوشك ان يعلن امتعاضه، دفاعا عن حرية الكلمة والقلم والفكر والتعبير.. مثلما دأب الصحفيون والكتاب والمثقفون على الصعيدين المحلي والخارجي على التعبير عن شجبهم مساعي الكثير من نواب تيار الاسلام السياسي، الى حبس الصحفيين.. لا لشيء سوى انتقام منهم، وتشف بمشاهدتهم وراء قضبان السجن.. حين ظل هؤلاء النواب بتمسكهم، ليس للمرات الأولى والثانية والثالثة سابقا، أو حتى لمرات العشرات حاضرا، ولكن ايضا لمرات المئات مستقبلا في ظل تحفظهم بقوة، ومعارضتهم بإصرار شديد على اصدار (قانون عصري وحديث للصحافة) يحمي الصحفيين ويذود عن الكلمة.. بل محاولاتهم المستميتة، والخارجة عن التاريخ، وغير الحضارية والعاجزة عن مواكبة العصر الحديث إزاء هذه القضية البالغة الأهمية والحيوية.. حين اقحامهم قانون الصحافة في قانون العقوبات، وزجهم المادة الـ (69) في تقرير لجنة الخدمات بمجلس النواب.
وبهذا الصدد، فان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين (جيم بوملحة) قد وضع النقاط فوق الحروف، حينما استرسل قائلا “نحن ندعم رأي جمعية الصحفيين في ملاحظاتها ولكن يبدو أن بعض أعضاء مجلس النواب لا يريدون اقرار تعديلات متطورة تواكب ما هو معمول به دوليا في الدول المتقدمة”.

إنه من الأهمية بمكان القول ان إصرار هؤلاء النواب الإسلاميين على اصدار وتشريع قانون للصحافة، يؤدي الى حبس الصحفيين.. فإنهم اساءوا الى الديمقراطية ومبدأ التعددية، ومؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها (السلطة التشريعية).. بل أساءوا اساءة بليغة وجسيمة الى منجزات ومكتسبات الصحافة البحرينية، منذ عطاءات وتضحيات الرعيل الأول من الصحفيين والأدباء والشعراء (عبدالله الزائد وراشد الجلاهمة وحمد الفاضل وعلي عبدالله الزائد وابراهيم العريض وعبدالرحمن المعاودة ورضي الموسوي).. مثلما قدم هؤلاء النواب نموذجا استبداديا، بتكريس الرقابة وتوسيخ مقص الرقيب والحسيب، وما يتمخض عما حملوه في اغوارهم وعقولهم، بسعيهم الى حبس الصحفيين.

ليس هذا فحسب بل ضرب هؤلاء النواب بتعجرفهم ضد حرية الصحافة، ومحاولاتهم تكميم الأفواه وكسر الأقلام، صورة مسيئة ومشينة امام ناخبيهم، الذين اوصلوا مرشحيهم نوابا تحت قبة البرلمان بأصواتهم.. لا لشيء سوى من أجل أن يستنشقوا شيئا من نسمات الحرية، المتمثلة في حرية الكلمة، والجهر بأصواتهم والتعبير عن آرائهم، واعلان مطالبهم وما يعتمل في نفوسهم، والذود عن حقوقهم وصون كرامتهم، والنهوض بمعيشتهم وحياتهم، والارتقاء بوجودهم ومكانتهم.. حين اعتماد (هؤلاء الناخبين) مرجعياتهم، وهي (الأصوات الحرة النزيهة) وحاملو الأفكار المستنيرة، والرسالة التنويرية والتوعوية.. ومن هنا فان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين (جيم بوملحة) قد أصاب كبد الحقيقة، حينما تحدث مخاطبا النواب الاسلاميين في مملكة البحرين مستطردا بقوله “ان مجلس النواب يجب ان يعلم جيدا ان الصحافة هي حجر الزاوية في الديمقراطية وانهم لا يستطيعون ممارسة الديمقراطية من دون الصحفيين، وهم لا يستطيعون اختيار الأمر الصائب من دون الصحافة التي تزودهم بالمعلومات، وانهم سيكونون المستفيد الأول من اعطاء الصحافة حريتها”.

في نهاية المطاف يمكن القول انه مهما تكن الحقائق والوقائع، وما يتمخض عنهما من النتائج.. فان شعب البحرين، قد وصلت إليه رسالة النواب الاسلاميين، التي حملت في مضمونها قمعا للكلمة الشريفة ومحاربة للأقلام الحرة.. حسبما تسلم الناخبون هذه الرسالة النيابية، في سعيها الى حبس الصحفيين.. الأمر الذي ستمثل هذه الرسالة، الدوافع الأساسية والأسباب المحورية، في ان تصل بالناخبين الى قناعتهم، وبمحض ارادتهم، واستخلاص استنتاجاتهم، بعدم الإدلاء بأصواتهم لانتخاب مترشحين اسلاميين كهؤلاء، خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.

حسبما يتعشم الجميع أن تلك الرسالة الإسلامية لنواب تيار الاسلام السياسي، قد وصلت الى (جمعية الصحفيين البحرينية) و(نقابة الصحفيين) تحت التأسيس.. لتمثل هذه الرسالة النيابية، أداة دفع قوية لإدارتي (الجمعية والنقابة) إلى ان يعيد اعضاؤهما وكوادرهما الصحفيون والكتاب، حساباتهم، ويرتقوا بموقفهم، ويتناسوا خلافاتهم، ويتركوا انقساماتهم، ويغالبوا جراحهم.. وبالتالي يتسامون بأفكارهم، ويتجلون برسالتهم.. من أجل تحقيق احلامهم، بتحريك الطلب الرسمي والمرفوع من قبل (جمعية الصحفيين البحرينية) الى وزارة العمل سابقا، ووزارة التنمية الاجتماعية حاضرا، بشأن تحويل (جمعية الصحفيين) الى (نقابة صحفية).. إذ ان هذا الطلب لايزال “رازحا” ما بين ادراج الوزارة، ومعلقا تنفيذه وتطبيقه في حكم المؤجل.. ليس هذا فحسب ولكن ايضا من أجل اصلاح البين بترميم هذا (الجسم الصحفي) بترسيخ وجوده وبقائه، وتقييم مسئولياته ومهماته، وتفعيل آلياته وفعالياته، وتوطيد هويته وكيانه.. ولكي يكون على قدر من الكفاءة والجدارة بحشد آراء انتلجنسيا المثقفين والكتاب والصحفيين، من أجل النهوض برسالته التنويرية والتوعوية والنهضوية خاصة، واستقطاب الرأي العام (المحلي والعربي والعالمي) عامة، في دعم قضاياه ومهماته، الساعية إلى انتزاع حقوقه المشروعة بمطالبته الدائبة بسن وتشريع (قانون عصري وحضاري للصحافة).. بقدر استطاعة هذا (الكيان الصحفي) مواجهة الأفكار الإسلامية المتشددة لنواب تيار الإسلام السياسي، والمصرين على حبس الصحفيين، باستعداء محكم.
 
أخبار الخليج 26 مارس 2010
 

اقرأ المزيد

حركة «قرفنا» السودانية

في الحراك السياسي السوداني الذي يشهد في أبريل/نيسان المقبل أول انتخابات تعددية منذ نحو 24 عاماً، ووسط الحملات الانتخابي التي ينافس فيها 12 مرشحاً للرئاسة (واحد موالاة- الرئيس عمر البشير، المطلوب للعدالة الدولية، و11 آخرين، جلهم معارضة، وبينهم امرأة) ظهرت حركة جديدة أطلق أصحابها عليها تسمية: “قرفنا”، ما تعني طفح الكيل، أو ضقنا ذرعا بـ”الرئيس”، وهذه الحركة ينشط نشطاؤها ويتعرضون لحملات اعتقال وتعذيب، وقتل وهم بدورهم يصدرون البلاغات حول إضرابهم، كما قال نشطاء سودانيون شبان منهم الاثنين (22 مارس/آذار الجاري) إن قوات الأمن تعتقلهم وتهدّد بمنعهم من حث الجمهور على اعطاء أصواتهم لحكومة جديدة مختلفة.
وتقول هذه الجماعة “قرفنا”، وهي شبيهة بحركة “كفاية” المصرية، إن منازل عدد من نشطاء الجماعة تعرضت للمداهمة وتم “ترويع” عائلاتهم وصودرت منشوراتهم، التي تحث الناس على عدم اعطاء اصواتهم للرئيس السوداني عمر حسن البشير، ووفق ما نقلت وكالة “رويترز” عن أحد النشطاء قوله يوم الاثنين الماضي، إن رجال الأمن “اعتقلوا ثلاثة من شباننا كانوا يتحدثون في سوق -في وقت سابق- من الشهر الجاري”، ومنذ ثلاثة أيام طعن شاب آخر من أعضاء الجماعة على أيدي جماعة من الرجال المجهولين كانوا يضايقون الشاب.
قرأنا بيان لهذه الحركة صادر من لجنة إضراب أطباء السودان في 18/3/2010، تحت عنوان: تداعيات اليوم الثالث من الإضراب – بيان رقم 1: لجنة إضراب أطباء السودان، قالت فيه بلهجة عسكرية: “إنها المعركة إذا….. لقد ضربت الشرطة طوقا أمنيا صباح اليوم على ميز الأطباء بالخرطوم بهدف حصار الأطباء ومنعهم من حقهم المشروع في التجمع ومناقشة قضاياهم، ولكن صمود الشرفاء أجبرهم على كسره لتتزايد حاليا أعداد الأطباء بالميز في كل لحظة تضامنا مع قضاياهم العادلة.. ومواصلة لمسلسل الاستهانة بالأطباء والاعتداء السافر عليهم وهم يؤدون واجبهم الإنساني استمرت بعض المستشفيات في منع الأطباء من العمل وهم يرتدون ديباجة الإضراب، إننا نحمل هذه الإدارات كامل المسؤولية ونعلن سحب كل الأطباء فيها من تغطية الطوارئ حتى تتراجع عن موقفها المخزي تجاه الأطباء والمرضى معا”.
يبدو من خلال ما تقدم أن هناك جزءا كبيرا من السودانيين وهم يخوضون أول انتخابات تعددية من 24 عاماً حالهم حال السمكة الكبيرة التي أخرجت من البحر وشرعت “تتلبط” وتتقافز، ولا تعرف أية قفزة ترجعها إلى البحر ثانية، كل ما تفهمه أن وضعها لا يطاق.. وإذا كان كذلك لماذا لا تتفق المعارضة التي تنشد التغيير على مرشح واحد، بدل 11 مرشحاً لخوض معركة انتخابات الرئاسة في مقابل البشير المطلوب للعدالة الدولية؟
 
صحيفة الوقت
26 مارس 2010

اقرأ المزيد