المنشور

توريط مجتمعنا في انهيارات كلية

لعبت القوى الطائفية دوراً تمزيقياً للنضال الوطني البحريني الديمقراطي منذ أن نشأت.
أولاً قسمت الحركة الاجتماعية، وصعدت القوى المتخلفة الاجتماعية، ممن تعيش تحت سقف فكري محدود في فهم الإسلام وفهم قضايا الوطن وفهم العالم.
وتتحمل الأجهزة الحاكمةُ مسئولية هذا التصعيد فهي التي شجعت تأسيس مراكز القوى الطائفية وباركتها ووسعتها، ثم انقلبت هذه عليها، بعد أن رفدت بجمهور ليس له تجربة سياسية، خاصة من الأقسام الريفية، وكرست إبعاد الجمهور المدني العصري الذي كان هو العمود الفقري للحركة الوطنية بتجلياتها اليسارية خاصة.
وفي هذه الأثناء لم تتكرس أي مفاهيم تحديثية وطنية ديمقراطية عن الإسلام، واعتمدت الاتجاهات الطائفية على البث الأهلي للمواد الدينية غير العقلانية، التي نفخت في بعض الجمهور روح التعصب والجهل بالإسلام والعصر.
فلم ترْ القوى الطائفية إلا أنها ملكت زمام الموقف وناوأت كل القوى الحديثة التي كانت الدوائر الحكومية جزء منها!
لكن برنامج القوى الطائفية لم يتوقف ولن يتوقف في هدم الحياة الوطنية والأسس السياسية والاجتماعية للبلد، وهي تقوم بطرح ذلك بصورة غير مسئولة بعد ان استنفدت الجوانب الهشة من آرائها في نقد الحياة السياسية والاقتصادية الجزئية، ومن دون أن تمتلك الخبرات الفكرية والسياسية في طرح معارضة جدية بأدوات قانونية تحويلية، فهي طائفية غير قادرة على التوحيد الحقيقي في معارضة وطنية عميقة داخل البرلمان وخارجه.
وقد عرت أربع سنوات من ممارسة سياسية محدودة الأشكال هذه السطحية من المعارضة ومن الموالاة كذلك، فالملفات الكبيرة من أوضاع الاقتصاد والشركات الحكومية الكبرى لم تدرِ بها إلا في اللحظات الأخيرة وهي تخرج من المسرح السياسي البرلماني، فانشغلتْ بقضايا هامشية، عوضاً عن أن تحفر وتكشف أحوال (بيت مال) مسلمي البحرين من أول وجودها قبل سنوات!
وكأنها في خروجها المزري من على المسرح لم ترد إلا أن تقوم بوصلة رقص خطرة مدمرة تضحك بها على الناخبين البسطاء أنفسهم الذين خدعتهم بـ(الخطابات الإسلامية) وتهدم بها المسرح السياسي البحريني على كل الرؤوس!
هو قرار خطير بمنع الخمور كلياً وقطعياً وبلاحيثيات وبلا امكانية للتطبيق الفعلي كذلك! وإنما هوجة سياسية استعراضية!
لقد ورطت مجتمعنا وشعبنا بهذا القرار، فعدم تطبيقه من قبل الجهات المختصة يعني نهاية الحقبة البرلمانية الحقيقية، لأن الجهات المختصة تمتنع عن تطبيق قرار ممثلي الشعب المتوحدين في هذا التصويت لأول مرة بعد أن تركوا قضايا الشعب المصيرية من فقر وفساد ونهب ولم يتحدوا من أجلها!
أكبر المآخذ هو انه صدر عن عقليات تجارية استغلالية للإسلام كان يجب الحجر على تلاعبها بديننا الحنيف منذ عقود، وتعريض الإسلام لمثل هذه التجارة هو أكبر الأخطار وأشنع الممارسات وأحفلها بتوصيل أي بلد للخراب وهدم الديار!
والمخاطر الدستورية لا تقل عن ذلك خطورة!
فعدم تنفيذ القرار أو التوصية، إذا تمت إجازتها يعني أن الجهات التنفيذية لا تتعاون مع الجهة المنتخبة!
وهو أمر يضع علامات استفهام كبرى على تجربتنا البرلمانية الغضة الهشة!
وكذلك فإن تنفيذ مثل هذه التوصية يعني خراب الاقتصاد، والتدخل عملياً فيه، والتدخل في حياة مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين غير المسلمين وفصل العمال والموظفين عن أعمالهم!
هؤلاء لا يعرفون كم فواتير قرارتهم هذه، وهل يوجد مسئول ذو عقل لا يدرس فعل قراراته على أرزاق الناس؟
إضافة إلى الاستحالة العملية من تطبيق توصية مثل هذه، وإيجاد حالات فوضى عبرها ومن خلالها، تعرض حياة الناس لأفدح الأخطار!
حالات الافلاس الفكرية والسياسية التي تصيب القوى الطائفية تدفعها دائماً للقفزات في الهواء أو التخريب، لعدم قدرتها على التطور الفكري، والدرس العميق للدين، فتلجأ للمظاهر الخارجية والديكورات البرانية لتخفي ضحالة داخلية وغياباً مضمونياً.
إنها ورطة كبيرة ومأزق جديد تضعنا فيه هذه القوى التي ما فتئت أن تطورنا كل يوم بمصيبة!
لقد قلنا كثيراً للمخدوعين بهذه القوى إن تطورنا الوطني لا يتشكل من دون هزيمتها الفكرية والسياسية!

صحيفة اخبار الخليج
31 مارس 2010

اقرأ المزيد

مجلس النواب بين مسألتـيـن


رحبت الكتل النيابية المختلفة بتوجيهات جلالة عاهل البلاد بتشكيل لجنة وزارية للنظر في التعديات الحاصلة على أملاك الدولة بعد عام 2002، وفي هذا إشارة إلى أن الكتل تنظر بايجابية للتوجيهات الملكية التي رأت فيها مخرجاً مناسباً من الوضع الناشئ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية اثر انتهاء اللجنة من تقريرها وعرضه على المجلس.

والحق أنه ليس مجلس النواب وحده أمام قضية مهمة، وإنما المجتمع كله، والمناخ السائد اليوم يذكرنا، ولو إلى حدودٍ معينة، بالمناخ الذي تشكل في فترة من فترات الفصل التشريعي السابق (2002- 2006)، حين قدمت لجنة التحقيق في إفلاس صندوقي التقاعد والتأمينات تقريرها إلى المجلس، وجرت مناقشته بشكل مستفيض وصريح.

المنبر التقدمي نظم الأحد الماضي ندوة مهمة بعنوان: «أملاك الدولة – مقاربة للفساد»، تحدث فيها كل من نائب الأمين العام لـ «التقدمي» عبدالنبي سلمان ورئيس جمعية الشفافية عبدالنبي العكري، حيث سلط الرجلان ضوءاً كاشفاً على هذا الموضوع، من زاوية المعطيات التي حملها تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول الموضوع، وفي إطار مقاربة شاملة لمسألة الفساد.

وفي البيان الصادر عن اجتماعات الدورة الرابعة للجنة المركزية للمنبر التقدمي جرى التوقف أمام محتوى تقرير اللجنة المذكورة الذي رصد، في حدود ما استطاعت التوفر عليه من بيانات، الكثير من وجوه التجاوز على أملاك الدولة على مدى السنوات الأخيرة، لأن ما خرجت به لجنة التحقيق لا يمثل سوى جزء من حجم الوثائق التي تكشف عن هذه المسألة، حيث شكت لجنة التحقيق من عدم تعاون بعض الجهات الرسمية معها، ومن بينها عدم تقديم المخطط الهيكلي للدولة للجنة، علاوة على التكتم على وثائق مهمة، وعدم السماح لأعضاء اللجنة بدخول مواقع محددة وعدم التعاون من الجهة المعنية بتسجيل أملاك الدولة مع اللجنة.

والحق أننا أمام لحظة يتعين فيها على الحكومة من جهة ومجلس النواب من جهة ثانية جديتهما في التعاطي مع ملف ينطوي على قدر كبير من الأهمية والخطورة، يتصل بحرمة المال العام، وعدم جواز التصرف في الممتلكات العامة خارج القانون، فالحكومة مطالبة بأن تظهر تجاوبها مع إرادة السلطة التشريعية في رد الأمور إلى نصابها، وتصحيح وضع خاطئ تشكل في غياب الرقابة الضرورية المطلوبة، أما السلطة التشريعية فمطالبة بالثبات على موقفها، في التمسك بمحتوى التقرير الذي وضعته لجنة التحقيق وتوصياته.

لقد أظهرت الكتل النيابية المختلفة تمسكاً بموقفها الموحد من قرار آخر اتخذته مؤخراً يمس انفتاح البلد وتعدديته الاجتماعية والثقافية والحريات الفردية للناس في هذا البلد، وهو قرار أثار ردود فعل محتجة التي ما زالت تتوالى وتتصاعد، لأن توجه مجلس النواب بهذا الصدد يعبر عن ضيق الأفق، وتجاهل تأثيرات ذلك على اقتصاد البلد وسمعتها الاستثمارية.

فهل يُظهر مجلس النواب جديته في محاربة الفساد وكشف آلياته، بدل أن ينصرف إلى قضايا جانبية، ويجعل شغله الشاغل مصادرة مناخ الانفتاح والتعدد الاجتماعي والثقافي في البحرين، وما يترتب على ذلك من عواقب سلبية معروفة في المجتمعات المنغلقة والمتزمتة التي لا نريد لبلادنا أن تحذو حذوها.
 

اقرأ المزيد

السياحة بحاجة لثقافة الخدمات


نحتاج لفترة ليس بسيطة لكي نستوعب مفهوم الثقافة السياحية بين السكان ، وعلاقة السياحة بالاقتصاد الوطني باعتبار ان السياحة احد مصادر التنوع للدخل الوطني. بهذه الرؤية الشاملة لتعددية الاقتصاد الوطني وحقوله يجعلنا نتوقف وبكل هدوء مع صناعة السياحة كقطاع حيوي في اقتصاديات البلدان، غير النفطية، حيث الدول الصناعية الكبرى قبلنا سبقتنا في هذا المضمار، ثم تطورت شعوب آسيا الأكثر زراعية في تنميتها في حقبة من ستينيات العصر المنصرم، ولكنها مع التوجه نحو اقتصاد الخدمات والسياحة والتنويع الاقتصادي وجدت نفسها تحقق لخزينتها الوطنية دخلا مرتفعا .

لا نريد هنا الآن استخدام أمثلة من نماذج عالمية في مناطق مختلفة، ولكن المهم هو كيف نجحت تلك البلدان وباتت علامة مميزة كوجهات سياحية ؟ ذلك هو المهم في حديثنا . احد اهم تلك النجاحات وليس كلها، توفر عناصر كثيرة من أهمها التنظيم بين القطاعات المتعددة المرتبطة بقطاع السياحة، وسنتناول هنا قطاع سيارة الأجرة وسواقيها أو شركاتها الجديدة ، باعتبار أن المواصلات المنظمة تنظيما جيدا في فضاء سياحي يشكل عنصرا هاما لمتطلبات السياحة، وتصبح سيارة الأجرة وسائقوها هم المهم في كل عملية خدماتية .

فماذا يحتاج القطاع السياحي لتوجيه هؤلاء وكيف يعمل المرور مع بشر يقودون سيارات أجرة في مجتمع يتوق لترقية سياحته بالتدريج ؟
لدينا هنا عنصران الإنسان ( السائق ) والسيارة كعنصر ثانٍ’ وقد نجد سيارات تابعة لشركة عملاقة بأسطولها المنظم وسيارات أجرة خاصة يعمل فيها الأفراد لوحدهم ووفق مزاجهم وظروف عملهم، وهؤلاء قد يكون لهم مزيتهم السلبية ومزاياهم الايجابية، مثلما هناك ميزة أكثر أهمية نجدها في سائق الشركات المنظمة، غير أن من سيتعامل معك كزبون / سائح داخل السيارة هو السائق وليس السيارة وان كانت من ضرورات الخدمة السياحية أن تكون للسيارات اشتراطاتها الخاصة، فليس – على سبيل المثال – بإمكاننا في حر أغسطس أن نقول للزبون أنا آسف إن المكيف لا يدفع الهواء البارد بشكل مناسب، والانكى من ذلك أن نقول له نحن آسفون بأنه عاطل عن العمل، أو نزعجه بمزاجنا الذي لا يناسب مزاجه وقد تسبب له في فترة تلك الرحلة القصيرة من المطار إلى الفندق نوعا من «التعذيب المؤقت» مما يجعله ينفر من سلوك تاكسي أهل البحرين ويمدح تاكسي أهل فيينا ويتضايق من حكايات التاكسي العربي وفهلوته فيما هو يرتاح كثيرا لعبثية وطريقة أحاديث التاكسي الاسباني وان كان أحيانا لا يفهم لغته جيدا. فهل يستوعب الآن قطاعنا السياحي في انطلاقته السياحية المبكرة من الألفية معنى وظائفه ودوره في تنظيم اقتصاد رابع هام عالميا دخل في صناعة الاقتصاد العالمي كرقم هام، ولو كان أصحابنا يعرفون تلك الخبرة لما ذهبوا إلى ميناء الشيخ خليفة بملابس « جينز» أقامت الدنيا ولم تقعدها لكونهم يفتقدون لأولويات البرتوكول . لا بأس علينا أن نتحمل الأخطاء ’ وقد تكون أخطاء صغيرة وقد تكون أحيانا فادحة ’ تسيء إعلاميا وسياحيا للجهة التي تم مقصدها .

ما حدث في الفترة الأخيرة من ارتباك بين ثلاثة أطراف معنيين بتنظيم القطاع السياحي في موضوع يتعلق باستقبال فوج سياحي بحري ’يأتي لبلدك . وكل زلة صغيرة في السلوك الكاذب والمخاتل والفوضوي وغياب دقة التنظيم والمواعيد، وإظهار نوع من الجلافة وغيرها من المسلكيات المقيتة، التي سنتحدث عنها في مقالات لاحقة تتعلق بالسياحة، فكلها تنتج في النهاية بلدا سياحيا فقيرا، ليس في تاريخه وقد لا يكون فقيرا في جمالية طبيعته وغيرها من أمور سياحية ولكنه فقير جدا في خدماته السياحية، والتي تبدأ بأول بادرة فيها هو الابتسامة والاتيكيت وهي مفتاح الجاذبية الأولى للشعور السياحي والسياح بالارتياح عندما يضعون أقدامهم في بلد ما . وهذا ما يطلق عليه في فن السياحة «الانطباع الأول» first impression ، وقد يكون هذا الانطباع يبدأ مع المسافر من مكتب خطوط طيران بلدك في الخارج ثم يتسع مع ضيافة خطوط الطيران في الفضاء، وإذا لم يستخدم الاثنين، فان أول من سيلتقي به السائح في مدخل المطار أو الميناء تلك الوجوه البشرية، وهي تبدأ من ابتسامة الشرطي حتى بلوغه إلى كونتر الجوازات، كل هؤلاء معنيون بتعلم فن « الابتسامة « فكم من مدرس مبتسم ادخل بهجة في قلب الأطفال والتلاميذ وكم منهم أفزعهم بوجهه المكفهر. ما غاب عن ثلاثة أطراف هم رجال المرور وقطاع السياحة وسواقي الأجرة، هو ذلك التفاهم المتناغم بينهم لكي ينجحوا العملية السياحية، ولكن حدثت تلك الدربكة التي عليها أن توقظ فينا شعور المسؤولية لاقتصادنا الوطني من خلال بوابة جديدة هي السياحة وما أدراكم ما هي السياحة ؟ التي قال ذات يوم رئيس احد البلدان كيف تستطيع اسبانيا أن تجتذب سنويا أربعين مليون سائح ولم نستطع نحن أن نجتذب إلا مليونين، رغم ان لدينا ما لدى اسبانيا من شواطئ وتاريخ وحضارة وثقافة، ولكنه للأسف نسى أن يعرج على بوابة مهمة هي الخدمات السياحية وهي محور نجاح كل سياحة .
 
الثلاثاء 30 مارس 2010
 

اقرأ المزيد

سجل يا تاريخ..


في15 مارس 2009 خرج للنور تقرير نيابي ليقدم – أخيرا- تفسيراً منطقياً لظهور طبقة من الأغنياء الجدد الذين تكاثروا، بشكل فاحش، في وقت قياسي مقابل سقوط أكثر من نصف شعب البحرين تحت خط الفقر.. تقريرٌ يُثبت ضياع 65 كم – عُشر مساحة البحرين- وتحولها لملكيات خاصة؛ ويقف بذهول أمام ضياع 100 كم إضافية لا توجد أدلة كافية بشأن ظروف خروجها من ملكية الدولة لملكية الأفراد.. تقرير يقول إن حفنةً لا يتجاوز عددها الـ150 شخصاً قد استحوذوا على مقدَّرات دولة تجاوز عدد سكانها المليون..

وسجل يا تاريخ..
أنه في 27 مارس 2009 اجتمعت الكتل النيابية وأمامها فرصة تاريخية – لن تتكرر- لتثبت في آخر 45 يوماً من ولايتها أن البرلمان الذي أُتخذ مادة للتهكم والسخرية قوة تغيير حقيقيةً قادرةً على إحداث فرق.. كان سلاح الكتل قوياً، والأدلة التي بين أيديها صلبة؛ ولكنهم كانوا محاربين من ورق.. تطايروا كالهباء المنثور وهربوا كالدجاج المذعور ما إن حصحص الحق.. وتخاذلوا عن استجواب وزير المالية بصفته ممثلاً عن الحكومة.. ونكثوا أمانتهم أمام الله وأمام الشعب.. الشعب الذي ألبسهم البشوت ومكنهم من السيارات الألمانية وجعلوهم يتفاوضون مع الوزراء الذين ما كانوا ليردوا السلام عليهم لولا أصوات هؤلاء الناخبين..
وتركوا حق الشعب ليضيع.. ولا نعرف ما هو ثمن بيع الوطن والأمانة..

وسجل يا تاريخ..
أنه في 28 مارس انكسر الأمل في مواجهة الحكومة بهدر أموال الدولة.. بعد أن تقاعست كتلة المستقبل؛ وتلكأت كتلة المنبر الإسلامي؛ وغرقت الأصالة في صراع داخلي بين مؤيد ومعارض. وتحجب المستقلون كالعذارى في خدرهم؛ ووجدت كتلة الوفاق نفسها وحيدة في الملعب.. فمات جنين الاستجواب في رحم البرلمان.. الذي أصبح شريكاً متواطئاً في الجريمة بصمته ومصادقته وتقاعسه عن إدانة ما ارتكب بحق هذا الشعب الموجوع الأعزل..

وسجل يا تاريخ..
أن بحار البحرين دفنت، بأموال الشعب، ثم سُلمت لأفراد ليبيعوها.. للشعب ! وأن جزر مخطط المدينة الشمالية تقلصت من 17 جزيرة لعشر فقط.. وأن الأرض التي صودرت لصالح مشروع نورانا وحده تساوي 3 مليارات دينار بما يفوق موازنة الدولة كلها لعام كامل.. وأن أرضاً بمليار ‘’ألف مليون كاملة’’، وأخرى بملياري دينار لم يعرف مصيرهما ولا من نهبها ولمن وكيف.. وسجل يا تاريخ أن عقار مدينة المحرق الإسكانية نُهب.. وأن أرضاً مساحتها مليونان و650 ألف متر مربع في شاطئ السنابس تبخرت.. كل هذا ونحن غافلون ومنشغلون بالتوافه وبالتقاذف الطائفي الغبي.. وبالمسرحيات المفتعلة.. عن خيرات بلادنا التي تنسلّ من بين أيدينا كالبحر الذي سُرق هو الآخر؛ ونحن في غفلة ساهون..!!

وسجل يا تاريخ..
أن الحكومة باعت أرض ‘’الرفاع فيوز’’ بـ55 فلساً للمتر المربع فيما تعيش البحرين شحا – حتى في القبور- وملكّت أرض حلبة البحرين للسيارات ومساحتها مليون متر مربع؛ بدينار يتيم.. وأن أرضاً مخصصة لمدارس قد أصبحت أملاكاً خاصة تباع وتشترى.. وأن شركة ألبا استأجرت عقاراً بـ14 دينارا لمدة 14 عاماً بواقع دينار سنوياً.. وان 94% من تصاريح دفان البحر والاستيلاء على المناطق المغمورة ذهبت كلها لمشاريع ‘’شخصية’’..

وسجل يا تاريخ..
أن ورقة التوت قد سقطت..
وأن شعبنا أضحوكة.. ولو لم يكن كذلك لما انتخب مهرجين ليمثلوه..
وسجل أننا عجزنا، في أهم معاركنا وأكثرها عدالة، من أن نوحد صفوفنا لاسترجاع ما يمكن إرجاعه، وحّق للأجيال القادمة أن تُحاسبنا على ما جريناه عليها من ذلّ وهوان..
وسجل يا تاريخ.. 



 
الوقت 30  مارس 2010

اقرأ المزيد

هل فقد التيار الديمقراطي شجاعته؟

على الرغم من الملفات السياسية المشتركة التي توحد جميع مكونات قوى المعارضة في البحرين دينية كانت أم علمانية كملف التعدي على المال العام والتجنيس والتمييز والعدالة الاجتماعية، إلا أن هناك ملفات اجتماعية ورؤى مختلفة بين الاثنين وخصوصا ما يتصل بالحريات العامة والحريات الشخصية وقضايا المرأة.
غياب الأجندة التنويرية للقوى العلمانية والتي تحدد ماهية وهوية التيارات العلمانية والليبرالية توحي بأن هذه القوى أصبحت تساير وتتبع ما يطرح من قبل القوى المهيمنة على الشارع السياسي، و تتحاشى الصدام معها.
إن نظرة سريعة للشارع البحريني في العام 2010 تؤكد أن هذا الشارع قد اختلف كثيرا عن شارع التسعينيات، وحتى في بداية الألفية الثالثة هناك الآن جيل جديد من الشباب يختلف كثيرا في ميوله وتوجهاته عن الجيل السابق، وهناك حاجة لدى هذا الجيل لأن يسمع خطاب آخر غير ما تطرحه التيارات الإسلامية فالمجتمع أصبح ناضجا للبديل ويبحث عنه وعلى التيار الديمقراطي أن يستنهض قواه لكي يكون حاضرا ومستعدا لأن يكون هذا البديل ببرنامجه الوطني الشامل ورؤيته تجاه التطور الاجتماعي في البلد.
وحتى لا يكون حديثنا تجنيا على الواقع أو من باب جلد الذات فهاهو الأمين العام للمنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن يؤكد في إحدى مقابلاته على أن «هناك حاجة لأن يكون التيار الديمقراطي أكثر شجاعة وأكثر وضوحا وأكثر صراحة في طرح مواقفه وأن يبني تنسيقه وحتى تحالفاته مع مختلف القوى على قاعدة هذا الوضوح، هناك برنامج اجتماعيوفكري للتيار الديمقراطي مختلف عن التيارات الدينية حتى المعارضة منها.
نعم نحن نلتقي في قضايا الإصلاح السياسي والدستوري ولكن برامجنا ورؤيتنا مختلفة، و«خصوصا في بلد قائم على ثنائية طائفية بحاجة إلى تيار موحد للبلد وليس إلى تيارات تجسد هذه الثنائية والانقسام وتعززها».
ما يؤسف له هو أن التيار العلماني لم يرفع صوته تجاه العديد من القضايا التي تحدد هويته، فلو أخذنا مثلا قضية قانون الأحوال الشخصية، فبالرغم من حاجة المجتمع لهذا القانون واقتناع التيار الديمقراطي بذلك إلا أن صوته بدا خافتا وباهتا في مقابل صوت التيارات الدينية التي نجحت في سحب القانون في شقه الشيعي، وحتى ما يتصل بقضية التوتر الطائفي فإن هذا التيار لم يضف جديدا وكان أداؤه باهتا رغم ما يطرحه من أنه «تيار عابر للطوائف» ما أعطى انطباعا بأن التيار العلماني خائف من طرح وجهة نظره أو أنه ينافق التيارات الدينية.
 
صحيفة الوسط
29 مارس 2010

اقرأ المزيد

في الوعي النهضوي الأولي (3 – 3)

يسيطر وعي التناقضِ مع الغرب على وعي الإنسان العادي، نظراً لأن الغربَ الذي يراه هو سياسة السيطرة المرئية بكلِ نتائجِها وعبر التمدد في العالم بالاقتصاد والسلاح وبكل اصطداماته، كذلك فإن مشروعَ التحرر العربي لم يُستكمل، والكثير من الموارد منهوبة، لكن هذا الإنسان العادي من جهةٍ أخرى يحس بأن الغربَ هو الحضارة القائدة، وهو القيمُ الديمقراطيةُ التي انتشرت، وهو الحداثة التي أضاءت وصنعت، لكنه بطبيعة الحال لا يستطيع أن يربطَ ويحلل هذه التناقضات.
خاصةً أن المجتمعَ السعودي تنخرُ فيه قوةٌ متطرفة تعادي الغربَ بشكلٍ كلي، وتستخدمُ الموادَ الصحفية اليومية والأحداث الشنيعة التي تكشفُ تناقضات الغرب، محرضةً العوامَ على الاستمرار في التصدي للغرب العام هذا، ومقاومته، وحربه!
ولهذا فإن حادثة الممرضات البلغاريات اللواتي قمن بتسميم الأطفال الليبيين تُؤخذ كمادةٍ تحريضة قوية، فتظهرُ الصفقات المشينةَ بين سلطات استغلالية بشعة عند كل الأطراف، وتُقارن مجزرة الأطفال واستقبال الممرضات المجرمات حين وصلن إلى بلدهن بعد تلك الصفقة بالورود!
إن موضوعية التحليل هي فوق الخرائط القومية والوطنية، ونقد الاستغلال والاجرام والأخطاء لا يتعلق بعرق أو منطقة أو مرحلة، ولهذا فإن التعميمات مضرةٌ خاصةً لوعي نهضوي في منطقةٍ مليئةٍ بالتعصب! مثل هذا التعميم عن الأخلاق المذكور عن البليهي:
(ان القيم الأخلاقية عندهم مازالت أقوى مما هي لدى المسلمين في المجتمع الإسلامي، معتبراً أن من يتحدث عن ذلك الانهيار الأخلاقي “يعتبر عادة أن الأخلاقَ ليست إلا الجنس، وهو هنا كمن يدخل قصراً مبهراً فلا يرى فيه إلا صندوق القمامة”).
بطبيعة الحال مستوى التطور الأخلاقي لدى الغرب أفضل من لدى المسلمين بحكمِ التطور النهضوي الديمقراطي الطويل حيث تعرية الفساد وكشف الرذائل وعدم التستر عليها وغير ذلك من أدوات، ولكن ليس ذلك بإطلاقٍ وتجريدٍ وتعميم كحالة الممرضات البلغاريات أو غيرها من ملايين الحوادث.
ويغدو النقدُ الموجه للمسلمين حالةً مرضية، بغيابِ التحليلات الموضوعية الطويلة وبعدم تعريض التاريخ للتشريح، فالبليهي يتوجه إلى تجريد التاريخ الإسلامي من الجوانب الإيجابية ومن الدور الإنساني!
(وشكك البليهي في الادعاءات التي يرددها المسلمون حول فضل العرب على الحضارة الغربية، واعتبر أن تلك الحالات كانت حالات فردية لا تعبر عن وجود مناخ عام علمي وثقافي في العالمين العربي والإسلامي خلال عصور نهضته، وأكد أن العلماء الذين نقل عنهم الغرب كانوا في الأصل ناقلين عن الحضارة الغربية مثل ابن رشد الذي شرح فكر أرسطو الغربي).
لم يكن أرسطو غربياً، ولم يكن العربُ ناقلين بشكل نسخي للحضارة الإغريقية المغايرة عنهم، وليست كل نهضة هي غربية بالضرورة، أو أنها هي المقياسُ الوحيدُ للتاريخ، وحتى العرب الآن والشرقيون في نهضتهم لا ينسخون الموديلَ الغربي، بل يستفيدون منه في جوانب، خاصة المنهجية والأدوات التحويلية المختلفة، عبر ظروفهم وتقاليدهم وتنامي تجاربهم، أي داخل عوالمهم ومجتمعاتهم.
تماثل رؤية البليهي رؤى بعض رواد النهضة العربية الأولى كسلامة موسى التي كانت تقومُ على نقلِ المواد الثقافية الجاهزة، حيث لم تسعفها أدواتُ الإنتاجِ للتحليلِ الوطني، لهذا كانوا يريدون إزاحةَ عالمٍ متخلفٍ عبر استقدام العالم المتطور دفعةً واحدة، من دون الإنتاج والتحليل والصدام مع الظاهرات السلبية في شتى حقول السياسة والحياة الاجتماعية والفكرية، ومن هنا يركز البليهي في التنوير وبث علوم الإدارة من دون أن يقوم بتحليل الهياكل الاقتصادية خاصة هياكل الصناعة والمؤسسات السياسية وكيفية تحكمها في الفوائضِ الاقتصادية وطرقِ توزيعِها لهذه الفوائض على الأقاليم والناس والطبقات، أي على إعادة الإنتاج المادي المتقدم وحفز أشكال الإنتاج الفكري المتطور.
أشكالُ النهضةِ ناجزةٌ وجاهزةٌ لدى الغرب وما على المتخلفين سوى استنساخها حسب هذا التصور، ومن هنا يغدو عرب الماضي غير مبدعين، رغم أن حراك الفئات الوسطى الحرة بدأ لدى اليونان، وتوسع وتعمق بالمدن العربية، التي حُوصرت من قبل الإقطاع، وذهبتْ الموادُ المشعةُ لمدنِ الغرب القلاع (البرجوازية) التي تمكنتْ من إزالةِ تقليدها المتخلف، والانطلاق بقارتِها وبالإنسانية نحو آفاق تقدم متناقضة كذلك، فهي تحررُ وتستعبد، ولدينا الآن إمكانية تجميع مختلف مواد الحرية السابقة والراهنة، لتحويل فسيفساء كل بلد، وإيجاد تطورات حرة. ولهذا فإن بحث وجود هذه الفئات الحرة ومدى شروط تطورها وتفكيك قيودها، هي مهماتُ البحث التحليلي الذي لا يقتصر على التنوير الثقافي المجرد!

صحيفة اخبار الخليج
29 مارس 2010

اقرأ المزيد

المجتمع المدني العالمي

تمتلك منظمة العفو الدولية أموالاً أكثر، وآليات أفضل لجمع التبرعات، من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهي أفضل اطلاعاً من أي دولة قومية حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع في جميع أنحاء العالم، ولديها مداخل جاهزة لوسائل الإعلام الإخبارية لإشهارها، كما أنها تمتلك النفوذ السياسي لفعل شيء حيالها.
هذا مجرد مثل تسوقه الدكتورة ليزا نيوتن في معرض حديث لها عن تنامي دور المؤسسات غير الحكومية ذات الطابع الأممي، أو العابر للقارات وللدول الوطنية، في التأثير على مجريات الأحداث العالمية، مشيرةً إلى تشكل ما يمكن أن ندعوه المجتمع المدني العالمي، الذي بات يملك، بفضل وسائل الاتصال الحديثة، إمكانيات غير مسبوقة لتوسيع نشاطاته واستقطاب قطاعات كبيرة من المريدين والمناصرين والنشطاء.
وفي كتابه الذي يحمل عنوان:«نحو شركات خضراء « الذي صدرت ترجمته إلى العربية ضمن سلسلة عالم المعرفة الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون في دولة الكويت من وضع د. إيهاب عبد الرحيم محمد، تشير د . نيوتن إلى ما تتيحه شبكة «انترنت» من إمكانيات للتنسيق بين نشطاء المجتمع المدني العالمي في أرجاء العالم المختلفة. فهذه التقنية التي يسهل الوصول إليها على نطاق واسع والميسورة التكلفة أدت إلى كسر احتكار الحكومات للكميات الكبيرة من المعلومات وحرمان الحكومات من الاحترام الذي كانت تتمتع به، وبتحقيقها لخفض هائل في تكاليف الاتصال.
«يكمن السر في الانترنت» – هذه خلاصة مهمة توجز بها المرأة الأمر. فآلية الاتصال العالمية الانتشار هذه يمكنها أن تستثير الآلاف، بل عشرات الآلاف من المشاركين بين عشية وضحاها لحضور الاجتماعات الحاشدة العامة أو حملات جمع التبرعات . لقد أظهرت الانترنت قوتها المميزة بالفعل، ومن خلال هذه الشبكة أمكن حشد المسيرة العالمية للاحتجاج على الحرب الأمريكية ضد العراق في الخامس عشر من فبراير 2003، حيث خرج إلى الشوارع ستة ملايين شخص من أصل سكان العالم البالغ ستة مليارات.
لكن فكرة المجتمع المدني العالمي كانت قد تشكلت قبل ذلك بزمن طويل. إن آليات التدويل العالمي الواسعة أدت، في نتيجة لا مناص منها، إلى ظهور مجتمع مدني عالمي مضاد لمنطق الهيمنة الذي يريد «هوامير» هذه العولمة فرضه على شعوب الكوكب بدون مقاومة. ومن أهم مكونات هذا المجتمع المدني العالمي حركات حماية البيئة، حيث يجري الاستشهاد بحكاية «برينت « في إشارة إلى تمكن حركة السلام الأخضر التي شكلت تحالفاً من الناشطين البيئيين لإحباط مخطط شركة «شل» بإغراق حاملة نفط عجوز انتهت فترة صلاحيتها في عمق المحيط، فبعد مناقشات خاضتها الشركة مع الأجهزة الحكومية توصلت إلى قرار بأن أفضل طريقة للتخلص من حاملة النفط هو خرقها تمهيدا لإغراقها.
الناشطون البيئيون رأوا أن هذا الإجراء سيسمم المحيط وقرروا التصدي للأمر. وعندما بدأ زورق سحب السفينة إلى عمق المحيط ظهر أسطول صغير من المراكب التي أرسلتها منظمة السلام الأخضر لاعتراض سبيله، مما افشل مشروع «شل» ، وفتحت مفاوضات جديدة أدت إلى تفكيك الباخرة والتخلص منها على اليابسة.
ستغدو هذه المعركة الناجحة إشارة البدء لحركة عالمية مناهضة للاحتكارات متعددة الجنسية، تحمل الطابع الاممي لن يعود بالوسع تجاهلها فيما بعد.
 
صحيفة الايام
29 مارس 2010

اقرأ المزيد

حول ظاهرة رفع الشعارات داخل البرلمان

من بين البدع غير المفهومة الدخيلة على الحياة النيابية البحرينية منذ استئنافها في بدايات العقد الحالي، وهي ممارسات يكاد ينفرد بها البرلمان البحريني بين البرلمانات العربية والعالمية، لجوء النواب الى رفع شعارات احتجاجية تلصق على ثيابهم أو ترفع بأيديهم للتعبير عن رفضهم أو استنكارهم بعض القضايا العامة السياسية المحلية والعربية والعالمية الآنية بعبارة “لا” كبيرة: “لا للتطبيع”، “لا للتمييز”، “لا للتجنيس”، “نطالب بمنع الخمور”.. إلخ، ولا أحد يعرف إذا ما كانت الشعارات التي ترفع تحت قبة مؤسسة السلطة التشريعية هي رسالة يراد توصيلها الى رئيس المجلس أم الى زملائهم، في حالة عدم الاجماع عليها وانفراد فريق بها، أم الى مشاهدي التلفزيون، أم لقراء الصحف التي غطت الجلسة التي رفعت فيها تلك الشعارات.
هذه الظاهرة التي بدأ إرساؤها منذ المجلس النيابي السابق ثم أخذت في التكرس والازدياد في المجلس الحالي الموشك على الانفضاض، هي مدعاة للسخرية من تجربتنا النيابية أمام العالم إذ يكاد ينفرد بها – كما ذكرنا -، مجلسنا النيابي بين سائر برلمانات العالم قاطبة اللهم حالات محدودة محددة نادرة تستدعي ذلك ولا ترقى الى الظاهرة المتكرسة. نقول ذلك بصرف النظر عن مدى وجاهة أو مشروعية هذا الشعار أو ذاك الشعار من الشعارات المرفوعة. وهي، للأسف أيضا، تعكس جهلاً فاضحاً بأبسط مقتضيات العمل البرلماني وأدواته الأقوى والأهم من الشعارات التي هي في أيدي النواب كحق من حقوقهم المكفولة دستوريا، ذلك أن الشعارات الاحتجاجية هي أداة من أدوات الجماهير السلمية التي تمارس كحق من حقوق الحريات العامة المكفولة للتعبير عن مطالبها أو احتجاجاتها المشروعة بغية إما تعزيز مواقف السلطة التشريعية والرأي العام حولها وإما لعجز هذه الأخيرة، لأي سبب من الأسباب الموضوعية أو الذاتية، عن التعبير عن نبض الشارع وتحقيق مطلبه حول أي قضية من القضايا التي رفعت من أجلها الشعارات المرفوعة، ومن ثم إيصال رسالة هذه الشعارات المرفوعة في الشارع أو في مؤسسات المجتمع المدني المعنية الى السلطة التشريعية أو الى المؤسسة الحاكمة بكل سلطاتها والى الوسائل الإعلامية كافة.
ذلك أن ممرات صفوف كراسي البرلمان ودهاليزه وأروقته ليست شوارع عامة أو “زرانيق” شعبية لكتابة ورفع الشعارات، فما يكتب منها على ثوب النائب أو يرفعه بكلتا يديه يستطيع ان يقوله جهرا تحت قبة البرلمان وأمام مسامع رئيس المجلس وزملائه النواب كافة، لا بل يستطيع أن يقول ويعبر عما هو أكبر بكثير مما تقوله الشعارات المرفوعة من قبله، وهو إذ يفعل ذلك، أي استخدام ادواته الرقابية التي تجيز له ممارسة هذا الحق البرلماني، فإن كل وسائل الإعلام تنقل موقفه ومن بينها في الغالب التلفزيون، وهو الى ذلك يستطيع ان يدلي بتصريحاته الى الصحافة حول ما عبر عنه وكتلته من مواقف احتجاجية في هذه القضية أو تلك القضية، ويستطيع هو أو كتلته عقد مؤتمرات صحفية أو ندوات بشأنها أمام الرأي العام.
أكثر من ذلك فإن النائب له كامل الحق كنائب أو كمواطن أن يسير في مسيرات سلمية ترفع الشعارات نفسها التي رفعها أو يزمع رفعها تحت قبة السلطة التشريعية.
وبناء على ما تقدم يمكن القول: إن ثمة خلطا واضحا والتباسا لمعظم نوابنا في التفرقة بين ممارسة الوظيفة البرلمانية بأدواتها الرقابية والتشريعية وبين ممارسة التعبير الاحتجاجي المعبر عنه في سياق الحريات العامة التي تمارس خارج قبة البرلمان، وبطبيعة الحال فإن اللائحة الداخلية والدستور لم ينصا على منع هذه الممارسة، لكن كم هي الأعراف المتعارف عليها بداهة في برلمانات العالم لكونها معيبة لم ينص عليها القانون! فهل ينص القانون مثلاً على منع النائب من مضغ اللبان أثناء الجلسة؟ أو أن يتسلى بأكل شيء من المكسرات؟
ومن ثم كان من المفترض من رئيس المجلس خليفة الظهراني تنبيه النواب بلباقته المعهودة الى عدم حاجتهم الى ممارسة هذه الظاهرة التي تسيء إليهم والى مجلسهم، وإن كان يغلب الظن ان بعضهم يدرك عدم الحاجة إليها، لكن يمعن في ممارستها لأغراض دعائية انتخابية.

صحيفة اخبار الخليج
28 مارس 2010

اقرأ المزيد

في الوعي النهضوي الأولي (2)

معركة التحول تجري بصعوبة وبإثارة قوية ورهيبة في السعودية، إنه مجتمعٌ قفزَ من الإنغلاقِ الكامل والانقطاع عن التواصل البشري العالمي العادي إلى أن ينفتحَ في علاقاتٍ كثيرة واسعة، وتتحول شاشاته وأجهزته وميادينه إلى انفتاح هائل على كل المنجزات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية!
هناك قوى اجتماعية جامدة لقرون وراءها كتلٌ سكانيةٌ عاشتْ على أن المحافظةَ الشديدةَ هي سبيلُ البقاءِ والطهرِ والأخلاق، وغدا البيتُ المغلقُ هو الوسيلةُ الوحيدةُ لتجنب الشرور، يرفدها تدينٌ قوي مؤسسٌ على العباداتِ بتفاصيلِها الدقيقة، والكائنُ الذي تنهمرُ على رؤوسهِ كلُ قوانين الفضيلةِ والأوامر الباترة والمراسيم المانعة الشاملة الساحقة هي هذا الكائن الرقيق الرهيف المُسمى “امرأة”!
ليس لها سوى البيت، وتلخص حياتها في تلك الوصية بأن لا تعرف سوى بيتين، الأول بيت أبيها والثاني بيت زوجها ثم تذهب للمقبرة!
وفجأة تتغيرُ عوالمٌ كثيرة، وتندفع المملكةُ في دروب العالم الحديث: المدنية والجامعات، والأسفار، والثقافة الحديثة، وتغلغل الليبرالية، وتفجر أصوات الحريات، جنباً إلى جنب مع رشاشات الإرهاب وتفخيخ البيوت واغتيال الحداثة!
غدت المرأة بدلاً من أن تكون عشباً في مقبرة صارت كاتبة! ولكن لاتزال حتى صورتها في الجريدة محل تساؤل واتهام!
تقول إحدى الصحفيات رداً على الهجوم المتواصل لكونها امرأة تحديثية ليبرالية:
(وللأسف كثير مما يتداوله “الفاشلون” في إساءتهم وصل حد الصفاقة والسفاهة والقذارة، ضاربين بكلِ قيمةٍ أخلاقية حثهم عليها الدين الذي يتحدثون باسمه بكلِ تطرفٍ أجوف، مستغلين جهل البسطاء من الناس وضعف قدرتهم الفكرية، وهم “يفبركون” إشاعات وشتائم ومقالات تنقصها الحجة والبرهان وحتى الصياغة الكتابية، ولا يتورعون فيها أو يستحضرون الخوف من الله تعالى وهم يستشهدون بآيات كريمات وأقوال نبوية شريفة؛ على باطل هواهم وعنصريتهم؛ ثم يروجونها وأذيالهم باعتبارها نوعاً من الجهاد).
ومن جهة ينطلق الآخرون بالهجوم الواسع اليومي عبر كل مناسبة صراعية طائفية: (شن البعض وبمعاونة مكشوفة من الليبراليين والعلمانيين هجوماً شرساً على الشيخ محمد العريفي الداعية الإسلامي المعروف).
صراعٌ يجري في كل مكان، صراعٌ إيديولوجي متوتر عنيف ضار، حول قضايا جوهرية أو حول فقاعات عابرة، تعبيراً عن صدام موجتين كبريين تحديثية هشة وتقليدية راسخة صخورية ذات أنياب.
ومن هنا يغدو نشر التنوير والوعي النهضوي في حد ذاته مسألة خطيرة، ويرى المثقفُ السابقُ ذكره، وبؤرة حديثنا هنا، إبراهيم البليهي أن التعليمَ خاطئ والإصلاح خاطئ إذا لم يحدث في المجتمع بدايةً تنويرٌ واسع، وتثقيفٌ كبيرٌ للنخب، ولكن هذا أمرٌ لا يمكن صنعه، لأن التنويرَ مترابطٌ مع المعارك الاجتماعية والسياسية، ولا يوجد مجتمعٌ يخصصُ فترةً تمهيدية تنويرية ثم يبدأ بعد ذلك التغيير السياسي كما حدث في الغرب قبل قرون بعيدة!
والتنويريون والحداثيون في الشرق العربي خاصة مضطرون أن يتثقفوا ويثقفوا ويصارعوا، والمجتمع الذي تأخر في التنوير والإصلاحات السياسية والاجتماعية يدفعُ ثمنَ هذا التأخر من دمِ ابنائهِ وبناته.
إن البليهي وهو يصدرُ من موقعين رسمي وشعبي متداخلين، يعبرُ عن هذه التأمليةِ السياسيةِ الحكومية التي تريدُ قيادةَ المجتمع ببطءٍ شديد، ولهذا يعرضُ البليهي خطوطاً إصلاحية ثقافية وتجريدية ويجلب استيراداً غربياً يعتبره نموذجياً.
وهو يعرضُ هذه الأفكارَ على القارئ السعودي المحافظ غالباً، ناصحاً إياه بتقليدِ الغرب الحضاري الحداثي الإنساني. ويجري ذلك بشكلٍ أخلاقي، تعميمي، تجريدي، وأحياناً أخرى بشكل فلسفي موجز عميق كذلك، في حين أن القارئَ السعودي المحافظ غالباً لديه حساسية شديدة من الغرب!
إن البليهي يقطعُ الغربَ من جذورهِ ومن تناقضاته، فهو شركاتٌ غازية، وأساطيلٌ مسيطرة، وموادٌ مُستنزفة، وهو مؤسساتٌ ديمقراطيةٌ كذلك، وثقافةٌ متطورةٌ إنسانية تراكمت على مدى قرون، وهو أخلاقية مهذبة غالباً في الأوساط الحديثة وإجرامية لدى المافيات وفي الشوارع الخلفية وأحياء الإجرام وفي قوى المخابرات والجيوش المتدخلة!
غالباً ما تقود الدروس والعظات التجريدية والمحبة العشقية للغرب إلى عكس ما هو مرجو لها، فالحفرُ الموضوعي، وقراءةُ التضاداتِ الاجتماعية والفكرية والاقتصادية، ورؤية خيوط الإيجابيات والسلبيات، هي السبيلُ لإيجاد مثل هذا القارئ الموضوعي المطلوب، لكن مثل هذه الموضوعية تتعثر في كتابات البليهي نظراً للمنهجية التجريدية المحلقة فوق التضاريس الاجتماعية المتضادة.

صحيفة اخبار الخليج
28 مارس 2010

اقرأ المزيد

هل علينا أن نتعلم من ماليزيا؟! ( 2-2)

لقد أفصحت ماليزيا خلال العقود الثلاثة الماضية عن قدرات كامنة ظلت مكبوتة بفعل الصراعات والتناقضات الاجتماعية فيها لأكثر من عشرة آلاف عام هي عمر الحضارة الماليزية التي ابتدأت عبر المستوطنين الأوائل الذين قدموا إليها تباعا من دول الجوار انطلاقا من اندونيسيا والصين والهند، وعلى العكس من العديد من دول العالم، استطاعت هذه الدولة الفتية أن تصهر فوق ترابها الوطني ذلك المزيج المتنوع من الأعراق والملل بما امتلكته من قدرات مادية وبشرية ومعرفية لتحول ماليزيا من دولة زراعية بدائية تغطيها الأحراش والغابات غير المستكشفة إلى دولة تزدهر فيها الصناعات المختلفة وصناعة الخدمات والاستثمار والصيرفة الإسلامية، دون أن تهمل ثرواتها الزراعية ومواردها المائية والبحرية والحيوانية أو أن تدمر بيئتها، حتى تبلورت مع الوقت رؤى وأفكار عصرية صاغها صانع نهضتها مهاتير محمد على أنقاض كل تلك الصراعات العبثية التي ربما كانت ضرورية لان تستفز في الماليزيين دون سواهم، الحاجة للتلاحم والدعوة للوحدة ضمن هارموني صاغته العقول والإرادة الوطنية، التي ربما حسبناها يوما أنها تمثلت في شخص مهاتير محمد لكنها حتما ليست كذلك، فمهاتير الذي حكم لقرابة 22 عاما يسجل له انه قد دشن دولة عصرية ربما نستطيع أن نقرأ شيئا بسيطا من ملامحها من خلال رؤيته 2020 وهي رؤية اقتصادية واجتماعية ذات مقومات سياسية واضحة المعالم شارك في صياغتها كل أبناء ماليزيا، واستفادت من كل ما وفرته العولمة والتجارب الناجحة في العالم واليابان تحديدا دون أن تذوب ماليزيا في متاهاتها تلك بل صنعت نموذجها الفريد، لتكون بذلك أكثر الدول صمودا وسرعة في الخروج من تداعيات أزمة النمور الآسيوية في العام 1997 فيما لاتزال آثار تلك الأزمة واضحة وجلية على ملامح بعض دول منطقة النمور حتى اليوم، فهي إذا رؤية تستقرئ المستقبل الاقتصادي والتنموي والاجتماعي وتدخل بعيدا في تفاصيل المشهد الماليزي من مختلف زواياه الظاهرة والخفية، معتمدة على عناصر رئيسة تطبق اليوم عمليا على الأرض قوامها جودة التعليم والإخلاص في العمل، وصناعة الشخصية الماليزية المتفردة والسعي لقيام عدالة اجتماعية تعتمد المساواة والتوزيع العادل للثروات، دون أن تغفل أبداً استنهاض مختلف قواها المجتمعية عبر برامج تنموية اجتماعية واستثمارية تستهدف النهوض بتلك الشرائح وإدماجها بشكل يرفع عنها الغبن الاجتماعي ويستفيد من خاصية التنوع العرقي والإثني فيها، في ظل مجتمع منفتح قوامه التنوع والتعددية وعدم الانغلاق على دين أو مذهب أو طائفة، بل السماح للجميع بممارسة طقوسه وعاداته جنبا إلى جنب في ظل احترام متبادل يقّوي من لحمة المجتمع دون أن يلغي الآخر، ويكفينا القول هنا انك تستطيع أن تجد بوضوح المساجد والمعابد والكنائس تتجاور دون حساسيات مفرطة إلى جانب الأسواق الضخمة والمدن الصناعية العصرية والسواحل والغابات المحمية والبيئة النظيفة، وحتى وإن ظهرت بعض الظواهر المتطرفة هنا وهناك فانه يجري التعامل معها ضمن دولة القانون والمؤسسات، كما أن النظام الاجتماعي يهمه كثيرا ان تبقى حالة الانسجام قائمة وتجد ذلك حتى ضمن تفاصيل الرؤية الاقتصادية 2020 وعلى شكل مشاريع تنموية، حضرية واجتماعية يستفيد منها الجميع، وكمثال على التعددية السياسية نجد أن العاصمة كوالالمبور التي تحتوي على ما مجموعة 11 مقعدا برلمانيا، يسمح النظام الانتخابي للمعارضة أن تحوز اليوم على ما مجموعة 10 مقاعد منها دون أي تهديد لقوامة النظام ومؤسسة الحكم. كذلك نجد أن رؤية ماليزيا الاقتصادية 2020والتي وضعت من قبل كل الماليزيين كما أسلفنا هي محور مراجعة ونقاش مستمر، ودون أن تكون رؤية فوقية مفروضة بسياسة الأمر الواقع، فعلى الرغم من أن من وضع الرؤية الأولية ودعا إليها وهو رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد قد خرج من الحكم منذ العام 2003 إلا أن الرؤية لازالت تكتسب زخما متزايدا في صفوف كل الماليزيين في المصانع والمتاجر والجامعات ومراكز الأبحاث ومختلف مواقع القرار، لأنهم ببساطة يرون من خلالها المستقبل الذي من الطبيعي أن لا يكون ملكا لفرد أو جماعة بل هو ملك لكل الماليزيين، لهذا نرى أن الماليزيين يتجهون بقوة وإرادة لبلوغ هدف الوصول لدولة صناعية كبرى بين أكبر 20 دولة صناعية في العالم، وأن تتحول بلادهم الى مركز عالمي لتكنولوجيا المعرفة، وان تكون ماليزيا في مقدمة الدول الاستثمارية عالميا، وان تكون لديهم على الأقل جامعتين أو ثلاث من بين أفضل 100 جامعة في العالم، وان تتحول الجامعات فيها إلى مراكز دراسات وأبحاث علمية، كل ذلك مع حلول العام 2020 أي بعد اقل من عشر سنوات من الآن.
بهذه الروحية انطلقت ماليزيا نحو المستقبل مخلفة وراءها غبار سنوات وعقود بائسة، ليتجاوز الماليزيون أنفسهم في بناء دولة ناهضة، دون أن يتخلوا لحظة عن ثوابتهم الوطنية، ودون تقديس حتى لمن اجترحوا رؤى التحول والنهوض.
مرة أخرى يأتينا المثال من الشرق محتفظا بخصوصية وعزم ووهج وإرادة شعب قرر أن يبني ولا يهدم، أن يقود دون أن يكون تابعا، وان يرتقي دون أن ينتظر من يفرش له الدروب، وان يتسامح بعدل ومحبة، فهل تتعلم دولنا النامية التائهة بين الرغبة واللارغبة من تلك التجربة الرائدة لتصنع المستقبل والخبز والفرح والكرامة لشعوبها؟!
 
صحيفة الايام
28 مارس 2010

اقرأ المزيد