ما الذي حققه حرق إطارات طائشة ، تلوث المناخ وتلوث سمعة أصحابها سياسيا ؟ ما قيمة حرق الخيمة في سترة غير الأضرار الاجتماعية وحالة تدمير الذات ، بدلا من انتزاع أصحابها مكاسب ملموسة ، فيما يذهب غضب الناس وسكان سترة إلى ابعد مدى مما يتخيل أصحاب مشروع التخريب السياسي وحرق الأمكنة والممتلكات ، التي عمل الناس طويلا من اجل تحقيقها ؟ ما الذي كان مفيدا لمن حرقوا سيارة ناس دون معنى وكادت أن تقتل آخر وتيتم أطفاله وتترك خلفه عائلة مشتتة بدون عائل ؟ هل يا ترى اكتسبت تلك الأعمال تصفيقا جماهيريا يملأ فضاء بلادنا وفضاء عالم بعيد يشعر بخيبة الأمل في معركة يخسرها كل يوم بهدوء ، فقطار التنمية وبحث الناس عن الجديد وتطلعات الجيل الجديد باتت مختلفة عن مجموعة متعثرة ومرتبكة ومشتتة هي جماعات الحرق والتخريب ، جماعات عاطلة سياسيا بكل جدارة ، ولا تنفذ إلا أجندة فاشلة ومشلولة عن التفكير المنطقي السليم ، والذي لا يستقيم مع حقائق الأمور في الوطن ، فمعركة سياسية وسائلها عنيفة لن تجد من يطيعها ولن تقبل بتخريب الخطوات المتقدمة في الوطن ، حتى وان حاول الآخرين تعليمنا الدرس البليد في السياسة ، فما مرت به البحرين خلال عقود كثيرة أكسبتها المقارنة والمقاربات واكتشاف النهج الأكثر واقعية ونفعا للتعاطي والتعامل مع المعوقات والمشاكل القديمة منها والجديدة فما يمكن فعله من خلال الحركة المطلبية السلمية المستمرة يعلمنا إن النتائج قد تكون أكثر فائدة من تلك الأعمال لصبيانية الموتورة ، التي بحماقتها تسبب وتتسبب في أضرار من السهل معالجتها من الحكومة والناس ، ولكن ما قيمة أن نقتل وندمر ونخرب واقع الحال دون فائدة ، لمجرد إن هناك في البلاد اليوم استعدادا حقيقيا للفورمولا أو غيرها ، متوهما أولئك المخربون » الصغار « المحركون والمتحركون ، إن وجود عدسة الصحافة وحضورها ستقوم بنقل كل ما يدور في أزقة البلاد وشوارعها ، متناسين إن تلك الأعمال من الشغب باتت تصنف على إنها أعمال تخريب وفوضى وليس حركة سياسية محتجة ولديها قنواتها السياسية والمجتمعية وجمعياتها وحراكها المتعدد ، أما الانتقال للحرق وبلبلة الشارع عنوة ، فقد ملته كل الطائفة وكل الشعب ، إلا ذلك النفر الصغير من المحتجين من خلال لغة العنف ، والتي لا نشعر فيها حتى نفسا سياسيا ناضجا بمشروع حقيقي ، فحركة الريح اليوم تتجه نحو الانتخابات ، واستعداد الناس للتصويت ولمواصلة النهج الديمقراطي وتكملة المشروع الإصلاحي إلى أبعاد أخرى ، ودفع حركة التغيير نحو الأفضل .
قد نصاب بخيبة أمل ما في مشروع متعثر أو فئة معطلة ، قد نرى أنفسنا لم ننجز كل الأشياء كما نريد ، وقد تنتكس راية مناهضة الفساد والتعذيب والحريات ، وقد يحدث شرخا في الجدار الواسع للمشروع أو تحاول عجلات التعطيل من كل الأطراف ، لأسباب كثيرة قابلة للحوار والمعارضة بشتى الطرق إلا طريقا واحدا صار مرفوضا هو طريق العنف السياسي ، فالبحرين قررت بشعبها إن الطريق الأكثر استقرارا للمجتمع ومشاريعه التنموية أن تنطلق بروح ديمقراطية قابلة للحياة والتمدد ، وبتوسيع للمؤسسات وممارساتها ، وبفتح بوابات جديدة للتعبير والحريات وبترسيخ كل ما جاء به الدستور والميثاق .
حرائقنا الاجتماعية والسياسية أكثر سخطا من حرائق أصحاب الإطارات في قرى البلاد ، فهناك استحقاقات قادمة في الانتخابات وهناك النفس الطائفي والكريه ، الذي يعتبر اكبر حريق للجزيرة الباحثة عن مستقبلها في عالم جديد ومختلف. لقد بات زمن البندقية تحفة في بيوت المقاتلين في كل العالم ، وظلت هناك أقلية تقاتل من اجل تحرير أرضها من المستعمرين والدخلاء ، فيما راحت كل البلدان دون استثناء نحو السلم الأهلي والمجتمع المدني ، الذي يرى في ديمقراطيته وتجربته ، مدخلا للتقدم والتغيير بدلا من الهياج والصراخ وحرق بشر بسياراتهم ، هم أنفسهم لا يفهمون لماذا يحدث ذلك ؟ ولماذا يلجأ هؤلاء الناس للعبة الخطرة ، التي لن تنفعهم أبدا ، متى ما تحول القانون مستقبلا إلى أداة ضغط حقيقة في مجتمع يحترم القانون ودولة القانون ، وكل من يحاول مصادرة حقوق الناس بوسائله العنيفة ويبرهن على حضوره عبر الدخان المتطاير الأسود ، في وقت يبحث فيه الناس عن سماء زرقاء . العقل ثم العقل ، ثم العقل ، هو الذي سيجعلنا نعرف طريق الخلاص في منطقة النور، أما المنطقة المظلمة منه ، بل والمفقودة فيه تلك الإشعاعات فلن تقودنا إلا إلى الأفق المسدود ، فحرية تنمو وتتنوع ومناخ يتسع بالربيع أفضل بكثير من حرائق ودخان يلوث بيئتنا السياسية قبل بيئتنا الطبيعية ، وينشر خريفا دائما على حياة الناس .
صحيفة الايام
28 مارس 2010