المنشور

من أجل تعزيز وحدة التقدمي وصون خطه الكفاحي


 
     مهما قيل عن نتائج إنتخاب اللجنة المركزية لمنبرنا التقدمي من وجود قوائم سعت لإنتخاب عدد من بين المرشحين التسعة والثلاثون ، عدد قد يقل عن العدد المطلوب وبتأثير من هذه القائمة  أو تلك ، فأن هذه النتائج تعكس إرادة أعضاءالجمعية العمومية التي يتكون منها التقدمي ويتعين على الجميع احترامها سواء من أولئك الرفاق الذين لم يحالفهم الحظ في الوصول إلى اللجنة المركزية أو أولئك اللذين كانوا يأملون الحصول على أصوات أكثر ،بل يتعين على كل من حضر من الرفاق أو تعذر حضوره للمؤتمر العام أن يدرك أن وجود مثل هذه القوائم فرضته ثقافة خاطئة منذ التأسيس ومارست طوال المؤتمرات العامة وساهم في وجودها عوامل متعددة ، ومع ذلك فأن اللجنة المركزية المنتخبة جاءت متوازنة ومعقولة شملت رفاق يملكون من الخبرة التنظيمية ، ورفاق شباب من بينهم من يدخلون اللجنة المركزية لأول مرة ، و رفاق من قطاعات وتخصصات مختلفة ، غير أن المهم الآن بدلا من ضياع الوقت في التفكير أو العتب على نتائج الانتخابات أن تشخص ابصارنا للدعوة التي دعا إليها رفيقنا الدكتور حسن مدن في كلمته أمام المؤتمرحين قال ( دعوتي لكم جميعا بالحفاظ على وحدة منبرنا التقدمي وصون خطه الكفاحي، فهما ضمانة أن يبقى دوره حاضراً في الحياة السياسية في هذا الوطن الغالي، وفاء لتضحيات أجيال من المناضلين ضحوا من أجل وطن حر وشعب سعيد ) .
 
    ولتحقيق وحدة المنبر وصون خطه الكفاحي في الواقع فإن مهام وقضايا داخلية عديدة على جميع هيئات التقدمي القيادية والقاعدية تقوم بها يساندها في ذلك جميع الرفاق أعضاء المنبر التقدمي ونحسب أن ابرزها هي:
 
ترسيخ ثقافة الاحتكام للمبادئ التنظيمية للمنبر
 
    أن تتعدد الاراء والمواقف لدى هيئات المنبر التقدمي القيادية والقاعدية من مختلف القضايا الداخلية ومن الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو وضع طبيعي مسلم به ، ليس في حزبنا فحسب بل في مختلف الاحزاب السياسية التي تضج بالحركة والحيوية ، إذ على التنظيم كما ورد  في كلمة الدكتور حسن مدن أمام المؤتمر العام ( أن يستوعب مختلف الآراء والتوجهات، وأن يجعل من تنوع هذه الآراء مصدراً لقوته، وليس العكس. ) وحتى تصل هيئات المنبر إلى هذه القناعة فان تعدد الاراء والتوجهات يجب ان تكون في اطار الاهداف والاسس التي نص عليها البرنامج السياسي وأن إقرارها والتوافق عليها يتعين ان تكون طبقا للقواعد والمبادئ التنظيمية التي نص عليها النظام الاساسي في ترسيخ مبدأ المركزية الديمقراطية حسب نص المادة (4 ) من هذا النظام على أسس أهمها :

ينفذ جميع أعضاء الهيئة القرارات التي تتخذ بالإجماع أو بالأكثرية، ويحق للمعترض أو للأقلية طلب بحث الموضوع مجدداً في نفس الهيئة أو في هيئة أعلى .

ممارسة النقد والنقد الذاتي وتشجيع حرية التعبير والنقاش حول كل ما يهم المنبر في اجتماعات الهيئات والمؤتمر العام والمناقشات العامة وأثناء تحضير الوثائق ونشر مختلف الآراء من خلال مطبوعات المنبر.

التقيد بالنظام الأساسي وبالسياسة العامة للمنبر المقرة في مؤتمره العام واجتماعات لجنته المركزية، ونبذ الشللية وتجسيد وحدة الإرادة والعمل.

اعتماد مبدأ التنوع في إطار الوحدة وتكريس حرية التفكير والاجتهاد والاحترام المتبادل للآراء، وحفظ حق الأعضاء بإيصال وجهات نظرهم في المنبر .
 
ولعل اللجنة المركزية بصفتها السلطة العليا في المنبر في الفترة ما بين المؤتمرين الدوريين ، والمكتب السياسي بصفته قائد العمل التنظيمي والسياسي ويمارس الإشراف على العمل التنظيمي لجميع هيئات المنبر القاعدية ومراقبة نشاطها ومحاسبتها وتوجيه أعمالها وتزويدها بالإرشادات اللازمة وتعبئة قواها من أجل انجاز برنامج المنبر وخططه النضالية ، هما أول الهيئتان اللتان يتعين عليهما ترسيخ ثقافة الاحتكام للمبادئ التنظيمية للمنبر في اتخاذ القرارات وفي ذلك تحتاج جميع هيئات المنبرإلى :
 




فن ادارة الاجتماع :

تعد الادارة واحدة من أهم المسائل التي يتعين وضعها بعين الإعتبار وهي منوطة برئيس الهيئة أو اللجنة ، فكلما كانت الادارة حسنة بحيث تتم مناقشة مختلف القضايا المعروضة على جدول الأعمال بحرية وفي وقت محدد دون انتقاص من حرية هذا الرفيق وذاك في ابداء رأيه ، ودون تكرار أو استرسال ، كلما كانت القرارات المتخذة فاعلة ، وكان الاجتماع قد انتهى  في وقته المحدد منتجا .
 
في كتابة محضر الاجتماع :

 كتابة المحضر واحدة من المسائل الاجراءية المهمة ، وقد كشفت تجربتنا السابقة عن صعوبات نسبية في كتابته بل يستغرق أحيانا وقتا لإقراره ، وتحشيا لمثل ذلك فإنه ليس من داع أن يشتمل التقرير كل تفاصيل أراء وأقوال الرفاق بألاسم بل يكفي تدوين مثلا ( أن اللجنة المركزية قد ناقشت البند رقم (  ) المدرج على جدول الاعمال بشأن …….. ، وقررت بالاجماع أو بالتوافق أو بالاغلبية القيام بكذا …….. ) .
 
في توزيع المسئوليات :

تتعدد وتتنوع التخصصات في أعضاء اللجنة المركزية في دورتها السابعة ، ولعل من المهم للغاية أن تحدد مسئولية هذا الرفيق أو ذاك ، وفقا لتخصصه وخبرته ورغبته ، إذ كشفت التجربة السابقة عن عدم قدرة بعض الرفاق في قيادة اللجنة أو القطاع المسئول عنه بسبب يعود إلى أن المسئولية قد فرضت عليه فرضا وفوق رغبته لعدم وجود البديل كما هو الحال في لجان المحافظات خلال الدورة السابقة .
  
في جدول الأعمال ومتابعة تنفيذ القرارات :
لا قيمة للقرار إذا لم يتم متابعة تنفيذه ، ولا معنى لنشاط اللجان والهيئات القاعدية إذا لم يدرك الرفيق المسئول أن نشاطه سيكون تحت بصر ورقابة ومحاسبة اللجنة المركزية أو المكتب السياسي ، وهو الأمر الذي يستوجب أن يكون ضمن جدول الأعمال بشكل ثابت في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، القرارات المتخذة وتنفيذها ، وعمل ونشاط اللجان والهيئات القاعدية .
 
في بعض المهام الهامة :
 

عودة من ابتعد عن نشاط المنبر لاي سبب كان سواء بإستقالته بسبب الأحداث التي مرت بها البحرين أو لظروف خاصة ، أو لاي سبب أخر ، سيعزز من وحدة المنبر الداخلية ، وهي مهمة ضرورية تقع على عاتق اللجنة المركزية والمكتب السياسي ، إذ دللت انتخاب اللجنة المركزية في المؤتمر العام الأخير رغم ما وجد من تحالفات أو قوائم ، أن من يحظ بشرف الوجود في اللجنة المركزية هو الموجود المتفاعل مع انشطة وفعاليات التقدمي وان أختلف أو كان له رأي في قرارات الهيئات القيادية  .


تعديل النظام الاساسي : كشف التطبيق العملي لمواد النظام الأساسي منذ إقراره عن عيوب عديدة ، وهو الامر الذي يتطلب تشكيل لجنة مؤقته يرأسها عضو من المكتب السياسي أو اللجنة المركزية مهمتها رصد هذه العيوب ووضع الحلول لها ، والتحضير لعقد مؤتمر استثنائي لإقرار هذه التعديلات .


تطوير الموقع الالكتروني : في ظل غياب نشرة التقدمي ، يشكل الموقع الالكتروني وسيلة مهمة ليس لتواصل الاعضاء ، بل لمؤسات المجتمع المدني والقوى السياسية في البحرين وخارجها ، لذلك من المهم جدا تطوير الموقع بحيث يرأس مسئوليته من هو متخصص في هذا المجال من أحد الشباب  في اللجنة المركزية أو المكتب السياسي .


ترسيخ ثقافة البرنامج السياسي :  يحدد ويحلل البرنامج السياسي الاهداف والاسس التي يناضل التقدمي من أجل تحقيقها ، ومنها يحدد رأيه وموقفه ونهجه من مختلف القضايا التي مرت وستمر بها البحرين ، ومن ثم يتعين أن تكون هذه الاهداف حاضرة متوقدة ليس عند الرفاق في الهيئات القيادية بل عند جميع الرفاق ، الأمر الذي يتطلب ترسيخ ثقافة البرنامج السياسي باقامة دورات أو ورش تدريبية لجميع أعضاء التقدمي لترسيخ هذه الثقافة .
 
4 مايو 2012
 
 

اقرأ المزيد

قصة قصيرة


تجلس في حديقة المنزل الصغيرة تستمع لأصوات الطلقات القريبة، هناك اشتباكات في مدخل القرية، وروائح الغاز المسيلة للدموع تجبرك على الدخول للمنزل وإحكام غلق جميع النوافذ لكي لا يتسرب الغاز لداخل المنزل، ولكن الحمد لله فابني قد عاد منذ قليل إلى المنزل وهاهو الآن يأخذ حماماً ساخناً، قبل أن يهيأ حاجياته للمدرسة ليوم الغد.

إذاً لا داعي للخوف من أن تصيبه طلقة مطاطية أو أن تخترق جسده الصغير طلقات «الشوزن».

منذ شهرين تقريباً اتصل بي هاتفياً عند السابعة مساء وكنت على وشك الرجوع من العمل، كان يبكي بحرقة، لم أفهم ما حدث بالضبط، ولكنه قال «لقد استشهد صديقي، تم إطلاق النار عليه، واخترق رصاص «الشوزن» جميع أعضاء جسده». أحسست بألم وحزن وغضب لم أشعر به من قبل، حتى الآن لم أجد فاجعة تضاهي فقد طفل، مهما كانت الأسباب.

يالله، كيف يتم التعامل مع أطفال لم يبلغوا الحلم بعد بهذه الطريقة، وكيف يمكن أن يشكل الأطفال تهديداً حقيقياً للنظام، حتى الآن لم أستوعب ما يحدث حقاً، حتى الآن سقط أكثر من سبعة أطفال خلال المواجهات، ولم يُعرف المتسبب بقتلهم، وليس من المتوقع أن يُعرف من قام بذلك إلا يوم الحساب.

لم يكن من المتوقع إلا أن تخرج القرية بجميع رجالها وأطفالها ونسائها، للتعبير عن احتجاجهم وحزنهم لهذا الحدث المؤلم، ولكن بعد عدة أيام وبعد أن تجفّ أعواد المشموم التي نثرت على قبر الطفل، وبعد أن تجف دموع أمه وأبيه، سيعود الوضع إلى ما كان عليه سابقاً.

مع الساعة الواحدة صباحاً خفت أصوات الطلقات على القرية، يبدو أن الجميع قد عاد لمنزله بعد أن تعب، أو ربما أرضى ضميره بأن ما قام به من مناوشات مع رجال الأمن يكفي ليوم واحد، الحمد لله لقد اطمأنت اليوم الأمهات على أبنائهن, وهدأت مخاوف الآباء، فلا أخبار عن سقوط ضحايا بين المحتجين.

مساء أمس عندما كنت عائداً من العمل، لم أستطع الدخول إلى القرية، فلقد تم إغلاق جميع الشوارع والمنافذ المؤدية للمنزل، شاهدت بعض الصبية الصغار وهم يجمعون كل ما تطاله أيديهم لغلق المنافذ، يبدو أنهم من أصدقاء القتيل الذي سقط بين أيديهم منذ عدة أيام، لم أستطع مجادلتهم أو إقناعهم بأنه لا يمكنني الذهاب إلى المنزل ما لم يفتحوا لي الطريق, قالوا، اتخذ طريقاً آخر، وهكذا فعلت.

اليوم قرأت في الصحيفة أنه تم الاعتداء للمرة السابعة والخمسين على أحد المحلات التجارية من قبل بعض الصبية والأشخاص المجهولين، الخبر يشير إلى تحطيم المحل وسرقة ما يمكن سرقته من أموال وبضائع، وفي اليوم نفسه وصلتني «وصلة» على الهاتف النقال تظهر المعتدين وهم يحطمون المحل وينهبون الأموال والسجائر وأكياس«الچبس» و«السنيكرز» في حين يشير لهم أحد رجال الأمن إلى كاميرا المراقبة في المحل ليحطموها.

ربِّ احمِ أطفال وطني.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 04 مايو 2012م
 

اقرأ المزيد

الاسلاميون في الحكم بين اليوتوبيا والواقع


كما السياسة في تعرجاتها وعدم مستقرها، كذلك هو مسار الحوادث التاريخية في تقلباتها وصعودها وهبوطها. ومع ذلك، وباختلاف الظروف والمعطيات ونوعية التحديات، فان بعض صور الحوادث التاريخية الواقعة في أزمان وأماكن مختلفة تحمل على قسماتها، وتطاول أحيانا مضامينها، بعض الشبه الذي ربما كان مبعث ذلكم الاعتقاد السائد والقائل بأن التاريخ يعيد نفسه.
 
نقول هذا الكلام وفي ظننا ان الصعود المفاجىء والدرامي لحركات الاسلام السياسي في غير بلد عربي يشبه الى حد ما صعود الحركات والتنظيمات الراديكالية الى السلطة في العديد من الأمصار في العصر الحديث. حيث جاءت تلك الحركات الى السلطة وهي محملة بأحلام وطروحات مغرقة في مثاليتها لحد اليوتوبيا الافلاطونية، فحاولت بشتى السبل اقناع المجتمعات التي ساستها بنقاء سريرتها وبفضيلة وفضائل مبادئها وعدالة خياراتها التعميرية، قبل ان يتحول الاقناع الى فرض والتوجيه والارشاد الى استبداد زعامي، سواءً أكان فرديا أو نخبويا حزبيا. فكان أن انتهى بها المآل الى الاخفاق تلو الاخفاق قبل أن تتنبه الى مثالياتها وغلوها الايدولوجي المنعكس سلبا، بالضرورة، على الأداء الاداري السياسي الكلي، ولكن بعد أن كان الأوان قد فات وأصبح التغيير، وليس الترقيع، حتميا.
 
فمن مصر الى تونس اندفع الاسلاميون وتحديدا الاخوان المسلمون في محاولات لحوحة لاستكمال اطباقهم على السلطة وتطبيق رؤاهم الاحادية بسرعة اثارت الرأي العام ووضعتهم في مواجهة مباشرة مع قطاعات واسعة من النخب والشارع. ففي مصر أطبقو بصورة شبه كاملة على اللجنة التأسيسية المختصة بصياغة ووضع دستور مصري جديد، أي الوثيقة التي ستعيد رسم خريطة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصرية على الاقل للأعوام العشرين المقبلة (قبل ان يصار الى تعديل أو تغيير الدستور).
 
وفي تونس سارع حزب النهضة (اخوان) الذي بات يسيطر على البرلمان ويقود الحكومة التونسية، هو الآخر، لاثارة الجدل مبكرا حول الدين والدولة في محاولة لقلب الاساس الذي شكل هوية الدولة التونسية الحديثة وكرَّسها الفصل الأول من الدستور التونسي لعام 1959. كما أدت نزعة الهيمنة المبكرة التي أظهرها حزب النهضة الى التصادم المباشر مع قطاعات واسعة من الشعب التونسي التي أسهمت في اطلاق الشرارة الأولى للثورة وانجاحها (في مؤتمر صحفي عقده مساء الثلاثاء 17 نيسان/أبريل 2012 اتهم الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري التونسي محمد الكيلاني حركة “النهضة” الاسلامية “بتحويل تونس الى دولة فاشية، وان التوجه الذي اتخذته حركة النهضة بصورة تدريجية يتمثل في تكثيف عملية العنف تجاه المجتمع، وانها تقوم، منذ وصولها الى سدة الحكم بطريقة شرعية، بعملية الاستيلاء على السلطة وفرض ارادتها على المجتمع بواسطة مممارسة عنف الدولة”).
 
وهنا كان بروز أول امتحان للاسلاميين في الحكم..الاختيار بين اليوتوبيا الايديولوجية وبين التعامل بواقعية شديدة مع قضايا العصر العربي الراهن، الكليات منها والفرعيات، وفي مقدمة كلياتها الامتناع عن انشاء آليات لتأميم الحكم والاستئثار به واعادة الاعتبار للمؤسسة بتفكيل قواعد حكم الفرد المطلق، وفي فرعياتها اعلاء قيمة الانسان وكرامته وحقوقه وعدم التعدي على حقوق وخصوصيات المكونات المجتمعية، الاثنية والدينية والثقافية المختلفة، وقبل هذا وذاك احترام مصالح وطموحات وتوجهات الشباب الذين باتوا يشكلون النسبة العظمى للبلدان التي سيطر فيها الاسلاميون على السلطة والذين يعود لهم الفضل الأكبر ليس فقط في اطلاق موجات الاحتجاجات والثورات، بل وفي وصول الاسلاميين، ترتيبا، الى السلطة.
 
وبهذا المعنى لعلنا نحسب ان حركة النهضة الاسلامية التونسية التي تقود الحكومة التونسية منذ فوزها الكاسح في أول انتخابات تُجرى في تونس بعد اطاحة الرئيس زين العابدين بن علي، ربما ادركت بحسها البراغماتي هذه الحقيقة، حيث تراجعت عن سعيها لتغيير الدستور بما يتوافق وتوجهها لتحويل تونس الى دولة دينية، وأعلنت على لسان عضو مكتبها التنفيذي نجيب الغربي ان حركة النهضة “قررت الاحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959 باعتباره محل اجماع المحتمع التونسي الذي ينص على ان “تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الاسلام دينها والعربية لغتها، والجمهورية نظامها”. جاء ذلك القرار – بحسب الغربي – في اعقاب “نقاشات معمقة ومطولة خلال اجتماع الهيئة التأسيسية لحركة النهضة الذي تواصل يومي 24 و25 آذار/مارس الماضي برئاسة الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة وفتحي العيادي رئيس الهيئة التأسيسية للحركة”.
 
وبهذا القرار الحصيف تكون حركة النهضة التونسية قد غلَّبت الواقعية السياسية على اليوتوبيا الايديولوجية وأبعدت تونس عن مخاطر وأهوال عمليات الاستقطاب السياسي الحادة التي كانت ستدخلها لو تغلب بريق واغراءات السلطة ومثالية النظرات الايديولوجية الراديكالية “الكاسحة” على الواقعية السياسية.
 
في مصر جرت الأمور بصورة مغايرة، فلم يشأ اخوان مصر السير على خطى “اخوانهم” في تونس، وانما اختاروا الاستئثار بقرار صياغة الدستور المصري الجديد بالاستحواذ التام على الجمعية التأسيسية المشكلة لصياغة الدستور، ما دفع كافة ممثلي الكتل والتيارات السياسية الليبرالية للانسحاب من الجمعية.
 
ماذا يعني هذا؟..هل يعني ان اخوان مصر أقل براغماتية وأكثر راديكالية وطوباوية من اخوان تونس؟..هذا هو الأرجح، فالايديولوجية الواحدة لا تعد سببا كافيا للتماثل السياسي، ومن الواضح ان الفرد بخواصه التكوينية – الثقافية قبل الايديولوجية – وقوة تأثير شخصيته القيادية، له دور فاصل ومقرر في التحاجج والقول الفصل، خصوصا في القضايا الرئيسية الحاسمة. ففي تونس هناك شخصية راشد الغنوشي المفكر الاسلامي المتواصل، خصوصا من منفاه الانجليزي، مع عديد التيارات الفكرية والسياسية، تقابله في مصر شخصية خيرت الشاطر الذي “قدمته” قيادة الاخوان المسلمين المصرية للرأي العام المصري كمرشح رئاسي انقاذي، مُخفية في ذات الوقت حقيقة شخصيته الغامضة التي جهد الاعلام المصري للملمة بعثرات وشتات صورتها قبل الخروج باستنتاج مفاده ان الشاطر هو في التحليل الاخير نسخة أخرى من شخصية أحمد عزالدين عز أمين التنظيم وعضو لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل الذي كان يرأسه الرئيس المخلوع حسني مبارك. أما وجه المقارنة بين الرجلين فيتمثل في ثرائهما الفاحش ونفوذ كل منهما الطاغي داخل “جماعته” الحزبية. وقد تكون هذه المقارنة، بعشوائيتها، متعسفة وظالمة لخيرت الشاطر، من حيث انه لم يختبر على الصعيد المجتمعي الكلي، انما تهافت وهرولة الاخوان على مواقع السلطة في مصر يكشف عن ثقافة مختلفة غير مريحة قياسا بخطوة اخوان تونس المتمهلة والحاذفة على ما نزعم.
 
ولعل المرء المتابع يخلص مما تقدم الى ما يلي:
·        هنالك تحالفات واسعة لنشر اليأس، تبدأ من الوسائط الاعلامية التي تعمل ليل نهار على تنفير الناس من التغيير واخافتهم من مغبته ولا تنتهي بها.
·        في حال الاضطرار سيتم الاعتماد على “الخفافيش” للسيطرة على المؤسسات التشريعية والمرافق الحيوية الادارية الحاكمة.
·        لقد قامت الثورات من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم تحركها خلفيات ايدولوجية من أي نوع، ولذلك كان التمثيل المجتمعي فيها واسعا. فلسوف يَصعُب، بالتالي، مراوغة هذه الثوابت مهما تغيرت وتعددت اللبوس.
 

اقرأ المزيد

من الأندلس إلى الكاريبي


تم اكتشاف العالم الجديد على يد كولومبس في ذات العام الذي سقطت فيه الأندلس في يد الإسبان، حيث جرى ترحيل العرب وكذلك اليهود منها، وأجبر من قرر منهم البقاء على التنصير القسري. حين احتفل الغرب بمرور خمسمائة عام على اكتشاف أمريكا، لم يقل أحد يومها أن ذلك تم مباشرة بعد سقوط الحكم العربي في الأندلس، وجرى النظر إلى الحدثين كما لو كانا حدثين منفصلين، مع أنهما تما عملياً على الأرض ذاتها.
 
فالإسبان الذين أنهوا بالقوة سلطة العرب هم الذين شنوا الحملة البحرية التي أدت في ما بعد إلى اكتشاف أمريكا. يُقال أن كولومبس كتب إلى كرسي الملك في إسبانيا: «لقد أنجز جلالتكم الحرب على المتمردين بعد أن طرد المسلمين وكل اليهود.. وأرسلني إلى مناطق الهند البعيدة لأهدي أهلها إلى إيماننا المقدس».
 
ترى «إيله سوحاط» أن الحرب الإسبانية المسيحية ضد المسلمين وضد اليهود كانت مرتبطة سياسياً واقتصادياً وأيديولوجياً بذات المؤسسة التي سمحت برحلة سفن كولومبس الشراعية التي اصطدمت بجزر الكاريبي، بل أن إسبانيا، لتمويل هذه الرحلة، استثمرت ثروة طائلة، كان بينها الأموال التي صودرت من العرب واليهود بعد طردهم. وبشيء يشبه ما يفعله الصهاينة اليوم في فلسطين، فإن السياسة الإسبانية في الأندلس تضمنت توطين مسيحيين في مناطق أخذت لتوها من المسلمين، وبوسعنا نذكر ذلك الوصف المرعب الذي قدمه الباكستاني طارق علي في روايته «تحت ظلال الرمان» وهو ينقل لنا عنف وبشاعة التصفية الدموية للعرب في الأندلس في لحظات سقوطها الأخيرة.
 
هذا السياسات هيأت في ما بعد الأرضية التي انطلق منها الإسبان لمباشرة فتح ما وراء المحيط من أراضٍ، وإلى هناك حملوا الروح ذاتها التي تعاطوا بها مع العرب لحظة إسقاط الأندلس، فقد نظروا إلى السكان الأصليين في العالم المكتشف بوصفهم سحرة، يتعين إبادتهم وصولاً إلى تحقيق التطهر الأوروبي الذي يضمن نقاء الدم، موظفين في ذلك الطقوس والشعائر الدينية ومستظلين بسلطة الكنيسة.
 
سيقف محمود درويش أمام تلك البشاعة مخاطباً الغزاة البيض على لسان الهنود الحمر لحظة الإبادة: «ألا تحفظون قليلاً من الشّعر كي توقفوا المذبحة؟ ألم تولدوا من نساء؟ ألم ترضعوا مثلنا حليب الحنين إلى أمّهات؟ ألم ترتدوا مثلنا أجنحة لتلتحقوا بالسّنونو وكنّا نبشّركم بالرّبيع، فلا تشهروا الأسلحة»!
 
3 مايو 2012
 
 

اقرأ المزيد

اليوم العالمي للعمال وتقرير بسيوني


يحل الأول من مايو «عيد العمال العالمي» والذي تحتفل فيه شعوب العالم أجمع بالطبقة العاملة كونها الطبقة الأكثر عطاءً وتضحيةً في المجتمع، في ظل أوضاع صعبة عاشتها ومازالت تعيشها الطبقة العاملة البحرينية، نتيجة الفترة «المكارثية البحرينية» التي تم فيها استهداف أبناء الوطن من طائفة معينة ومورست فيها جميع أشكال العنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان.
 
أكثر من 4400 عامل وموظف من جميع القطاعات تم فصلهم من أعمالهم وبصورةٍ لم يسبق لها مثيل في جميع أنحاء العالم، لمجرد ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم. بعضهم أرجع إلى عمله بعد أن وقفت جميع المنظمات الحقوقية والعمالية، بما فيها منظمة العمل الدولية ضد هذا الإجراء الظالم وضغطت بكل الوسائل من أجل إعادتهم، والبعض الآخر مازال ينتظر حتى الآن قراراً سياسياً لإرجاعه لعمله.
 
الفصل والإيقاف عن العمل لم يكن إلا جزءًا مما عاناه العمال والموظفون خلال السنة الماضية، نتيجة لما يورده تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في الفقرة (1446) والذي يقول بالحرف الواحد «هيأ مختلف المسئولين الحكوميين الذين أدانوا المظاهرات علناً، أجواء الانتقام من الأفراد الذين شاركوا في المظاهرات، والإضرابات، وبالإضافة إلى ذلك، تلقت اللجنة أدلة وروايات تفيد أن مسئولين حكوميين، صدر منهم تشجيع مباشر للشركات على فصل الموظفين الذين اشتبه في أنهم ضالعون في أحداث فبراير، ومارس 2011».
 
كما يؤكد التقرير نفسه في فقرته رقم (1450) أن الادعاء بأن الفصل كان نتيجة التغيّب عن العمل لم يكن صحيحاً أبداً، حيث تشير الفقرة بوضوح إلى هذه النقطة بالقول: «أفادت أقوال أدلى بها للجنة ممثلون لهيئات حكومية وشركات ضالعة في عمليات الفصل التي زعم أنها تستند إلى التغيب عن العمل كان الدافع إليها في حقيقة الأمر الانتقام من الموظفين الذين اشتبه في ضلوعهم في المظاهرات، وهذا كان واضحاً للغاية في حالات الفصل من وزارة التربية والتعليم وشركة بتلكو وشركة طيران الخليج».
 
الآلاف من العمال تم التحقيق معهم في لجان التحقيق، وحتى وإن لم تثبت عليهم تهمة الاشتراك في المظاهرات تم تهديدهم وإهانتهم وإيقافهم عن العمل. وذلك يبدو واضحاً من خلال الفقرة (1451) التي تذكر أنه «في أحوال كثيرة كان أرباب العمل في كل من القطاع العام والقطاع الخاص يحيلون أو يهدّدون بإحالة الموظفين للتحقيقات الجنائية على أساس الاشتباه في قيامهم بأدوار نشطة في المظاهرات، وفي بعض الحالات كما حدث في شركة طيران الخليج سمح أرباب العمل لضباط أمن بتفتيش واستجواب موظفين في مقار العمل ما نتج عنه في بعض الأحيان سوء معاملة في شكل تجاوزات بدنية وشفهية».
 
هذا بعضٌ مما عانته طبقتنا العاملة خلال السنة الماضية… فلها في يومها العالمي وفي جميع الأيام التحية والشكر والتقدير.
 

صحيفة الوسط البحرينية – 01 مايو 2012م
 

اقرأ المزيد

مهام العمال في عيدهم


اليوم، الأول من مايو، عيد العمال العالمي، وعيد الطبقة العاملة في البحرين التي ناضلت طوال عقود، مقدمة التضحيات، في سبيل الاعتراف بهذا اليوم، واعتباره عطلة رسمية، وهو الأمر الذي تحقق منذ عشر سنوات.
 
في هذا العام تغيب عن شوارع العاصمة، كما غابت في السنة الماضية، المسيرات الاحتفالية بهذه المناسبة، كتعبير عن الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد، والتي دفعت الطبقة العاملة والحركة النقابية حصة كبيرة من عواقبها السلبية، ووجدت أبلغ تجلياتها في الأعداد الكبيرة من العمال الذين فصلوا من أعمالهم، وهو الملف الذي بذلت جهود كبيرة من أجل إغلاقه، سواء من قبل الحركة النقابية نفسها أو من قبل وزارة العمل وكذلك من قبل اللجنة الوطنية لمتابعة تنفيذ توصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، ومازالت هناك أعداد من المفصولين لم تسوَ أوضاعها حتى الآن.
 
ليست معالجة الآثار السلبية على الطبقة العاملة في البحرين هي الموضوع الوحيد الجدير بالوقوف أمامه في هذه المناسبة، فهناك قضايا عديدة تتصل بأوضاع عمال البحرين والعمالة الوافدة بحاجة إلى معالجة، بينها قضايا الاجورالمتدنية والتعطل عن العمل، وحول هذه القضية الأخيرة بالذات علينا إثارة سؤال كبير عن مصير الاقتطاعات من رواتب الموظفين لحساب صندوق التعطل، في الوقت الذي تشكو فيه أعداد كبيرة من العاطلين عن التلكؤ وحتى الإحجام عن صرف الإعانات لهم، وعن آلية بيروقراطية معقدة تحكم عمل الصندوق تفقده الغاية التي تأسس من أجلها، وكان من بين من عانوا من ذلك من فقدوا أو فُصلوا من وظائفهم في السنة المنقضية.

وفي وقت يغلب فيه الطابع السياسي على كافة مظاهر الحياة في البحرين، فان البعد الاجتماعي، من حيث هو في جوهرها، حقوق معيشية واجتماعية، لا ينال ما هو جدير به من اهتمام، وعلى الحركة النقابية، كما على القوى السياسية أن تولي اهتمامها بهذا الموضوع، ونتفق مع الأمين العام لاتحاد نقابات العمال فيما ذهب إليه بهذا الخصوص في كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام السادس للمنبر التقدمي.
 
وستواجه الحركة العمالية والنقابية في البحرين في الأفق القريب تحديات ومهام جديدة بسبب ما أقر من تشريعات ذات صلة بالجانبين العمالي والنقابي، حيث ينتظر أن يصدر قريباً قانون العمل الجديد، الذي لم يأخذ بالكثير من المطالب والمقترحات التي طرحتها الحركة العمالية والسياسية لتطويره، كما ستكون الحركة العمالية أمام استحقاق التعددية النقابية، التي ستغدو، بعد التشريع لها أمراً واقعاً، وكان المنبر التقدمي قد دعا في أكثر من مناسبة إلى إعادة بناء هياكل الاتحاد العام لنقابات العمال، لتوسيع الصفة التمثيلية للاتحاد، بحيث تتسع لكافة أطراف وأطياف الحركة العمالية في البلاد، بما يخدم وحدة الطبقة العاملة في البحرين، ونرى أن هذه الدعوة مازالت تحتفظ براهنيتها وأهميتها.
 
إن الفكرة الأساس التي انبنت عليها مناسبة الأول من مايو باقية، فمظاهر الغبن والعسف والظلم، حتى وان تغيرت أشكالها فإنها لا تتغير من حيث الجوهر، مما يجعل من المغزى الكفاحي لهذا اليوم حاضراً وبقوة أكثر على الصعيد الدولي العام وعلى صعيد كل بلد على حدة.

اقرأ المزيد