المنشور

ورشة التيار الوطني الديمقراطي | ورقة أ. محمد المرباطي



 




معالجات لبعض
مظاهر ازمة اليسار






1- الطائفية




:




               

بعد احداث 14 فبراير 2011 شهدت
جمعيات التيار الوطني الديمقراطي شكل من التصدع في العلاقات الداخلية تبلورت
خلالها بعض مظاهر الأزمة التي تجلت في بعض المظاهر السيئة مثل الإصفافات الطائفية
والعودة للجذور ، مما جعل من قوى وشخصيات التيار الوطني الديمقراطي تجد نفسها في
مؤخرة الحدث وتطوراته اللاحقة ، وقد قابل هذه الضعف قوة التيار الإسلامي وجعل قوى اليسار
في المؤخرة وهنا لا نعالج الخلفيات الطائفية او الإنتماءات التقليدية فالطائفية لا
تعني ان تكون سنياً او شيعياً او مسيحياً او يهودياً او من اي دين او عقيدة اخرى
بقدر كونها مشاريع سياسية ، فالمذاهب والأديان والعقائد عندما تستغل لمشاريع
سياسية تحمل بصماتها وابعادها الطائفية الخطيرة والبغيضة ، حينها من الحماقة
التحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وللطائفية اوجه متنوعة اخطرها الطائفية
المبطنة تلك التي باطنها الحقد والكره ، وظاهرها الحب والمودة ، فالطائفية الظاهرة
يمكن القضاء عليها ومحاربتها بشكل اسهل من الطائفية الباطنة ، التي تنخر جسد
المجتمع وتقوم على تدميره وتفتيت اوصاله من الداخل ، فمن يضمر الحقد اسوأ ممن
يجاهر به ، هكذا اصيب اليسار بعدوى الطائفية المبطنة ، وفعل فعله في تمزيق
اوصاله  .


       
لقد
اتصف اليسار بالتقدمية،

ووصفت القوى الأخرى
بالرجعية والتخلف وما شئت من المسميات التي
تحط من شأنها ، وتضعها في خانة المسؤولية التاريخية عن التخلف والإرهاب والجهل
والمرض ، وإعاقة التطور والمدنية … مقابل اليسار التقدمي الذي يعمل ابدا ليل
نهار من اجل التقدم والاشتراكية والعدالة الاجتماعية ، والرفاه الاجتماعي ، ومحاربة
العنصرية والطائفية ، ولكن هذه الشعارات البراقة كانت تخفي وراءها واقعا سيئاً
ينبئ عن الأسباب الحقيقية لإنحراف بعض شخصيات

اليسار في بلادنا.


 



 2- الخلل البنوي في
العلاقات  التاريخية  :



        


                لقد قام
اليسار على خلفية  اساسها مرجعية الأفراد









)









القيادات الكاريزمية









(









بعبارة اخرى الشخصيات الملهمة ، التي تقوم على الهيمنة الحزبية ،
من واقع ا

لإعتقاد بالقدرات الخارقة للقيادة او للزعيم ، وهي حالة
سلبية تميز بها الواقع السياسي العربي ، حيث تشترك الأحزاب والجماعات والأنظمة
السياسية والدينية واليسارية العربية بهذه الخاصية ،

وفي هذه الحالة اختلطت الهوية الحزبية بشخص
الزعيم القائد

، الذي ادخل هذه الأحزاب والجماعات في  انماط سلطة الهيمنة الحزبية ، عندما اخذت
بالزعامة الملهمة









)









الكارزمية









(









التي تقترب في طبيعتها
وهيمنتها مع مفهوم القيادة التقليدية ، التي تقوم على الإعتقاد بشرعيتها الدائمة ،
من هنا كانت البداية لإنحراف اليسار الرجعي ، عندما غلب الجانب التقليدي على طبيعة
قياداتها الملهمة









 )

الكارزمية









(









، ونتيجة لهذا اصبحت الجمعية او الحزب
مختزلاً في القيادة ، في  اطار المركزية
الحزبية المشوهة ، تحت شعار المركزية الديمقراطية التي نادى بها لينين في سلسلة
مقالاته في صحيفة









 

الإيسكرا (الشرارة) ، يشرح فيها
الشروط التي يتوجب توفرها في المنظمة الحزبية

، وقد جمعت في كتاب









 )

ما العمل) الذي
يتذكره اليساريون ، ولكن لينين عالج الظروف والأوضاع السياسية للواقع الروسي في
اواخر القرن الثامن عشر ، وفي فترة نفيه


إلى


سيبيريا


في ديسمبر 1895،
وقد تكون تعقيدات الأوضاع الروسية جعلته يبتعد قليلاً عن الماركسية التي تبتعد عن
المركزية كما جاء بها لينين ، فالماركسية تقوم على فلسفة جدلية التاريخ (



المادية التاريخية والمادية الجدلية ) التي تتعارض مع منطق الشمولية
والثوابت اومركزية البناء المؤسسي سواء كان اجتماعياً اوحزبياً ، لذا فالمركزية
الديمقراطية ليست من الأدبيات الماركسية .




 





3- التراجع الفكري لليسار التقدمي :



 

                    
مما سبق
نستدل على بعض جوانب الخلل في فكر اليسار ، الذي تخلى منذ البدء عن البعد الفلسفي
للمنهج الماركسي ، واخذ بالجوانب العملية لشروط الثورة الروسية ، وعندما

  نعود لتجربة الجبهة الشعبية
نجدها استنساخاً اعمى للتجربة اللينينية بمسمياتها ، حتى في تسمية النشرة  الحزبية

 
الإيسكرا (الشرارة)
، وبالتالي
لم تؤسس حركة اليسار قواعد فكرية واعية تنطلق من واقعنا ، مما تسبب في خلق هجين
حزبي يقوم على الطاعة الحزبية الغير مبنية على قناعات وإرادة الفرد ، بقدر ما هو
تنفيذ وامتثال أعمى لإرادة القيادة .  

 


                 إن هذه
المعادلة انقلبت بشكل عجيب في بلادنا 
والبلاد العربية الأخرى ، عندما انبعثت 
الروائح الدفينة في العقل الباطن ، الذي فعل فعله في استحضار الإنحيازات
الرجعية ، والميول الطائفية لشخصيات وقوي لا دينية ، في اسطفافات مموهة بأبعادها
السياسية وبخلفياتها الطائفية ، وقد عملت العجائب بعد ان انشطر اليسار على خلفية
مذهبية طائفية ، وصار مطبوعاً بالرجعية ، لأن اليسار التقدمي من الصعب ان ينزلق
نحو هاوية الطائفية والمذهبية ، او ان يأخذ بقيم التعصب العرقي الى غير ذلك من
عوامل التخلف ، ومواقفه هذه هي التي اضفت عليه صفة التقدمية خلال العقود الماضية



                    
إن هذا المنطق
العدمي قد الغى مصداقية اليسار بعد ان تخلى عن ادبياته ومناهجه الفكرية

، حتى تلك المعايير البسيط التي
قامت عليه تحليلاته السياسية ، فلم يعد لليسار مفهوماً عقائدياً بحجة الواقعية
السياسية لتبرير عقلية التحول من إطار او حزب تقدمي له مآثره التاريخية التي لا
يستطيع احدا إنكارها ، وله الكثير من الشواهد في بلادنا ، فمن يستطيع نكران ان
عددا من المؤسسات العلمية والمؤسسات الإجتماعية والمدنية قامت بجهود الأحزاب
اليسارية التقدمية ، والكثير من الشخصيات 
الفكرية والمثقفة والعلمية من اطباء ومهندسين ومحامين واساتذة جامعات كانت
بفعل القوى اليسارية ، والآن وقد تحول اليسار الى حركة أقل ما يقال عنها كتلة صماء
تراوح في مكانها ، تحت شعارات سياسية عامة ، وهنا لا بد من التأكيد  ان الشعار لا يشكل برنامجاً سياسياً والبرمانج
لا يشكل منهجاً فكرياً ، فمن السهل صياغة الشعارات والبرامج ، ولكنه من الصعب
الإستدلال العلمي الذي يعيد اليسار لمناهجه العلمية  ولحيويته التي تخرجه من خانة المهمشين .


 




4- التراجع المنهجي الفكري لليسار التقدمي : 



 

        لقد نشأ هذا التراجع مع مغادرة اليسار لمناهجه الفكرية ، والأخذ بالعموميات
التي ادخلته في متاهات الهوية وما رافقها من

تداعيات فكرية ومنهجية  ، ابرزها التخلي الكامل عن الفكر اليساري (
الماركسي ) تحت شعار ( تعويم الأيدلوجيا ) وهو

مصطلح
كان يهدف الى تدمير البنى
الهيكلية والإيدلوجية لليسار البحريني والتي نعيش تداعياتها اليوم ، وقد برز هذا
التوجه مع قيام الثورة الإيرانية ، حينها شهد اليسار خاصة اليسار المتطرف تصدعاً
ايدلوجياً وبنيوياً ، حسم حينها في اجتماع موسع بإستفتاء كوادر هذا اليسار الذي
تمثل في الجبهة الشعبية ، وكان اول انقسام بين تيارين ، تيار اخذ ببعض الخصوصيات
الدينية متأثرا بكتابات الدكتور محمد عابد الجابري مثل (



ثلاثية نقد العقل العربي
)

التي تعالج


تكوين العقل العربي
، وبنية العقل العربي، والعقل السياسي العربي

وغيرها ، وقد احدثت حالة فكرية
بين تيارين ، تيار في حركة اليسار العربي التقدمي ، الذي واجه افكار واطروحات
الجابري بإنتقادات شديدة منها كتاب ( نقد نقد العقل العربي ) للمفكر السوري جورج
طرابيشي ، وفي السياق ذاته انتقد المفكر التونسي

فتحي التريكي ما ذهب
اليه الجابري حول وجود عقل عربي وآخر غربي،

كذلك انتشرت بين بعض  قوى اليسار كتب
المفكر الجزائري محمد
اركون ، خاصة كتابه ( العلمنة والدين 

) ، لذلك نجد اليسار في حالته
الراهنة هو نتيجة لهذه التراكمات الطويلة ، ليس بإتجاه التفاعل الفكري بقدر
الإنحطاط الثقافي ، وابرز تجلياته الاصطفافات الطائفية المبطنة الراهنة ، والذي
يضعنا امام سؤال : ماذا يعني ان يكون اليساري نصيرا للطائفية بل ويكون طائفيا في
مجال الفكر والممارسة ، لذا اصبح اليسار الرجعى لا يقاس بإنحيازه نحو مثاليات
الواقع الإجتماعي وافرازاته ، وانما مغادرته النهائية لفلسفته المادية التي تقوم
في موضع التحليل السياسي بأن الواقع الإقتصادي يفسر الحياة السياسية ، ولأن
السياسة هي نتاج للحياة الإقتصادية ، وهي الأساس الموضوعي

للمنهج اليساري في
( ا

لمادية
التاريخية)



















.


 




5- حتى لا يكون اليسارعبئاً من الماضي :




 


             
      جميعنا يرى في هذا الواقع العيوب ، ولكن قد
لا نرى بأننا مصابون بها ، لأننا فصلنا مناهجنا العلمية عن الواقع وعن الممارسة ،

فهناك
الكثير من حالات النسيان للتاريخ واحداثه وشخوصه ، ولربما اصبح عبئاً من الماضي
بعد ان صار اليسار ليس يسارا وغدا يسارا رجعياً 
،  يتحرك وفق اهواء ونزعات قاع
المجتمع ، والموروث التاريخي ، فهذا ليس بذاك اليسار التقدمي الذي طبع بصماته على
وجوه مئات الأطباء والمهندسين والنقابيين والمعلمين ، والكتاب واصحاب الفكر والقلم
في هذا البلد الصغير ، واسس لمقدمات الحداثة المطبوعة بالجمعيات الحقوقية
والإجتماعية والنقابية والنسائية ، فذاك اليسار التقدمي الذي لم يتصف اطلاقاً بعفن
المجتمع ، صار اغنية نستحضرها  في بعض
مناسباته للذكرى ،

بعد
ان تخلى عن مبادئه وتحول لمجرد ظل  لا وزن
له في الحراك السياسي ، لهذا أدارت قواعد وجماهير اليسار ظهرها وغادرت مواقعها ،
واقتربت اكثر واكثر للميل نحو الجذور الطائفية ظناً منها انه الواقع الذي يمثل
مصالحها في معادلة الصراع السياسي ، لذا كان من الطبيعي أن نشهد هذه التحولات ،
خاصة في هذه المرحلة الإستثنائية  ، وهنا
يصح القول العامي لأي مواطن عادي يتساءل عن الأسباب التي تجعله ينحاز لليسار بعد
ان تماهى في خصوصيات القوى والتيارات الأخرى .










       لقد تمكنت بعض الشخصيات اليسارية من قمع
وتشويه وعزل الذين يفكرون بطريقة اخرى ،

وتجلت هذه
الممارسات في جذور تلك الصراعات التي مزقت

مكونات اليسار في بلادنا ، بعد ان
انحرفت
بوصلة افكاره نحو الهاوية ،

ولم يعد من السهل ان نتعرف على انفسنا وسط هذا الضياع والغموض
الذي
انتهى وللأسف الشديد الى الإصطفاف الطائفي المبطن ، من خلال منظومة الأفكار
العامية للمجتمع وإنصهارها في اللآوعي ممزوجة بجملة من الأفكار المثالية المترسبة
في اعماق عقلنا الباطن

.    


     
     السؤال المطروح ما الذي حدث حتى غرق اليسار
في  خلافات اتسمت بأبعادها الطائفية
المخالفة لكل القيم والمقاييس الإنسانية ، هل هي نتيجة لتطورات متلاحقة فرضت
واقعاً جديداً من الإصطفافات لقوى جديدة اكثر قوة وحيوية وإمتدادات شعبية جعلت
اليسار يتماهى في محيطها ، ام ان السبب الحقيقي لتراجع اليسار هو تخليه عن دوره
التنويري  ، او أنه لم يعد بمقدور بعض
عناصر هذا اليسار الابتعاد عن الجذور الطائفية أو الوقوف على الحياد .         


             للإجابة على هذا السؤال
علينا ان نعود للوراء عندما كان
اليسار مشروعاً حضارياً ، حينها كان اليسار اكثر وضوحاً في مناهجه السياسية
والفكرية ، وكان اكثر جاذبية وشعبية في طروحاته ، كان يملك زمام المبادرة لإبراز
القضايا ، حينها لم  يكن العمل السياسي في
محيط اليسار مضيعة للوقت وللذات مثلما هي الآن .




6- لم يقدم اليسار البديل التقدمي :











 

                لقد انحدر اليسار لأحط مراحله ، نتيجة
لعجزه امام بروز القوى الدينية التي اكتسحت ساحات اليسار التقليدية ( العمالية
والطلابية والبرجوازية الصغيرة والمتوسطة ) 
ولكن اليسار لم يدرك هذه الحقائق بعد ان تخلى عن ادواته العلمية في تحليل
حركة التاريخ وتحولاته ، واخذ

يطبق سياسات اجتماعية مضللة
  ، لذا نجده قد فشل في تقديم البديل ألإيجابي
لمواجهة التيارات الطائفية والقوى الرجعية 
، وابرز تجلياتها الإصطفافات الطائفية في محيطه عندما مست مفاصله الداخلية
وشملت امتداداته في اهم جمعيات المجتمع المدني مثل المحامين والأطباء والأدباء
وغيرها ، وعند  الحديث عن الطائفية لا نعني
بها السنة والشيعة كطرق وعقائد دينية مذهبية ، ولكن الخطورة تكمن عندما تتحول هذه المذاهب
والعقائد من حالة تعبد واعتقاد الى مشاريع سياسية يعمل اصحابها على فرضها كواقع
سياسي واجتماعي في الحياة العامة ،

حينها يصبح التعايش الإجتماعي ضرباً
من المستحيل ما لم تعزز الروح الوطنية وتغلب على المصالح الذاتية الضيقة ، من هنا
تتضح لنا مخاطر تخلى اليسار عن افكاره ومناهجه ، وقد اثبت التاريخ بأنه مع تخلى
اليسار عن صيرورته الفكرية بدأت معها الوطنية تتلاشى ، وبدأت مراجع الفكر التنويري
تضمحل ، ونتيجتها كان هذا التدهور السياسي – الإجتماعي – الفكري -  مقابل انتعاش الإصطفاف الطائفي  

.


 
     إن ما تبقى من اليسار التقدمي هم اؤلئك
الذين انحنت ظهورهم  ، وأصبحوا في سن
الشيخوخة وما يرافقها من أمراض الوداع الأخير، لذا فقد صار ضرورياً تسمية الأشياء
بمسمياتها ،

ما دام
هناك متسعاً من الزمن ، فما يحدث في اليسار لا يمكن تصنيفة بحرية الرأي او التعبير
، او نوع من تعدد الآراء فالتعدد السياسي وإن تستر بالهوية الوطنية
الديمقراطية  ، لم يعد بالإمكان انكار
تصنيفاته تبعا للهوية الطائفية وانحيازاتها المبطنة ، ويخطئ من يظن انها دعوة
لإثارتها ،  فما حدث من تصادم في مفاصل
اليسار لم يعد بالإمكان  تجاهله ، فقد
اصبحت حالة مزرية ان ينصر اليسار الرجعي بعضه البعض حسب مكونه المذهبي ، إنه من
العار ان يوصف اليسار بالطائفية او الرجعية ولكنها الحقيقة ، وتجاهلها ادت
لإستفحال ظاهرة انعاش الهوية الطائفية التي طغت على الهوية الوطنية ، وقد اصبح من
السهولة تهييج النزعة الطائفية ، ولكن من الصعوبة معالجتها لأسباب الآثار النفسية
التي راكمتها ، وفي هذا الصدد لا يختلف احدنا ان بعض عناصر اليسار قد نجحت

 في تحويل الصراع الإجتماعي الى تطاحن ذاتي ، في
عملية تدميرية لمكوناته الفكرية والمنهجية التاريخية ، التي افرزت بدورها تلك
المواقف المبطنة في الإنحيازات الطائفية التي تعكس طبيعة الصراع الذي يقوم على

استعارة
الماضي ذا الخلفيات الطائفية تجاه كافة المواقف

، علماً بأنه لا يمكن إطلاقًا أن تكون
تقدمياً وعلمانياً وفي الوقت ذاته تبطن فكرا طائفياً شوفينياً يعادي مسلمات الواقع
.




 




7- اليسار لم
يملك مشروعه السياسي :




                  
إن احد ألأسباب
الهامة لتراجع اليسار انه لم يعد يملك مشروعه السياسي

، والرأي النقدي
الواضح لطبيعة القوى السياسية الأخرى ، وممارساتها

في إطار علاقتها
بمجمل قضايا الصراع ، وكان على اليسار ان يميز بين الأديان كعقائد وبين المشاريع
السياسية سواء كانت بعناوين دينية او علمانية ، فهي تعبر عن مصالح فئات اجتماعية ،
وعلى هذا فمن الخطأ الحديث عن مشروع سياسي واحد، لأننا لو فعلنا ذلك لأغفلنا
المصالح الاجتماعية المتناقضة، والتي تحدد رؤيتنا وفهمنا لطبيعة القوى السياسية
الأخرى من حيث طبيعتها وانحيازها، وعلى هذا الأساس تقوم جميع التحالفات كمواقف
تكتيكية بين فصائل سياسية متناقضة تعبر عن قوى اجتماعية متنوعة

 ،
عند هذه الجزئية نجد اسباب انهيار الثقة بين اليسار وبين
محيطه الشعبي ، في حين نجد  جميع القوى
السياسية من يسارية وقومية واسلامية  تحمل
ذات الشعارات الإصلاحية ، ولكنها لا تحمل ذات الطبيعة السياسية مع اختلاف ابعادها
العقائدية التي استقطبت من خلالها حشودها وتأييدها الشعبي ، فجميع القوى ذات
الإمتدادات الشعبية الواسعة استغلت العقيدة في عملها وتعبئتها ، حيث طغى البعد
العقائدي على شعاراتها السياسية ، ولهذا فاليسار قد اخفق عندما تخلى عن طبيعته
الأيدلوجية ( العقائدية ) واخذ ببعض الشعارات السياسية الفاقعة التي تظهره على
السطح كفقاعات سرعان ما تتبخر ، لتترك المجال للقوى العقائدية التي نجدها تسيطر
على الساحات العربية كنتائج لثورات شعبية عارمة ( الربيع العربي ) مثال مصر وتونس
التي سيطر فيها الجماعات الدينية ( اخوان المسلمين والسلف )، وفشل اليسار في
تقديم  نفسه كقوة تغيير إيجابية مع عدم
إمتلاكه اية اجوبة مقنعة عن طبيعته السياسية والعقائدية ، فهو يذوب في مزيج من
الديمقراطية والشمولية ، فنجده في ليبيا ليبرالياً ، وفي العراق والبحرين طائفياً
، وفي تونس حداثياً ، وفي سوريا شمولياً ، وفي مصر متذيلا من عبدالناصر إلى مبارك
، وهي النتيجة الطبيعية لحالة الصراعات الداخلية حول تفاصيل السياسية والأيدلوجيا
، والتي بدورها اوجدت الحالة الموضوعية للحالة الراهنة التي تشخص اليسار في نطاق
الجماعات المتشرذمة في محيطها الضيق ، ولا يجمع هؤلاء سوى الخلافات ، لأسباب عدم
إمتلاك اليسار لمشروعه ولمنهجه الواقعي الذي يحقق 
وحدته في اطار حركة ديمقراطية تقدمية ، بقدر هاجس السلطة والهم السياسي
الذي طغى على جميع القوى السياسية ، ومنها التيار اليساري الذي غابت ملامحه في
الحراك السياسي العام، في حين كان اليسار بحاجة لتعزيز قواه  الثقافية الاجتماعية للتغيير الثقافي
الإجتماعي  التي تخلى عنها خلال العقدين
الماضيين.

اقرأ المزيد

ورشة التيار الوطني الديمقراطي | ورقة أ. شوقي العلوي



آفاق تحالفات
التيار الوطني الديمقراطي مع القوى السياسية



 


إختار لي الأخوة
الأعزاء أصحاب هذه الدعوة الكريمة التحدث في المحور الأخير من هذه الندوة، وهو
عنوان مهم لتعلقة ليس بالمستقبل كما يوحي العنوان “آفاق”، ولكنه عنوان
يتعلق بالعقد الماضي بأكمله وبالحاضر الوطني وبالمستقبل، أي فيما يتعقلق بكل
تحالفات التيار الوطني الديمقراطي مع القوى السياسية فيما مضى وفي حاضرنا الوطني وفي
المستقبل.


لا أدعي أنني قادر
بجدارة على تناول هذا العنوان الكبير في تواجد هذا الجمع الكريم، فهناك من هم أقدر
مني بكثير، وهناك من يزاول هذا الهم بشكل يومي من قادة تنظيمات التيار الوطني الديمقراطي
والمنتمين له، فهم يعرفون ما لا يعرفه من يراقب ما جرى وما يجري على الساحة
الوطنية عن بعد إلى حدٍ ما، أرجو اعتبار هذه المشاركة مني مساهمة متواضعة في هم نتشارك
فيه جميعا.


باعتقادي المتواضع
أنه لا يمكن الحديث عن آفاق تحالفات التيار الوطني الديمقراطي مع القوى السياسية
إلا بعد فهم الواقع الوطني القائم وخريطة قواه السياسية، وكذلك تحديد قوى التيار
الديمقراطي وفهم العلاقات البينية القائمة بين قوى هذا التيار المنظمة في جمعياته
السياسية والمجتمعية وشخصياته التي هي خارج هذه التجمعات المنظمة.


أعتقد أن هناك
سؤالا جوهريا ومهما يتعلق بهذا التيار، وهو هل العلاقات بين قوى هذا التيار هي
علاقات سوية تساهم في قوة هذا التيار وعطائه؟ أرى أن العلاقات البينية بين قوى هذا
التيار طوال العقد الماضي لم تكن بالمستوى المطلوب، فإذا كانت العلاقة بين قوى هذا
التيار ليست بالمستوى المطلوب والمنتظر، فلا يمكن رسم علاقة صحيحة وصحية مع القوى
السياسية الأخرى. المطلوب إصلاح البيت الداخلي لنا، فلن تعطينا القوى السياسية الأخرى
الاعتبار الذي نستحقه ما لم نكن مميزين ومتميزين. مع احترامي للقوى السياسية
الأخرى فلا هي ولا النظام سيعطونا وزنا إلا من باب رؤيتهم وبرامجهم وليس من باب
رؤيتنا وبرامجنا، لذا نبدو بأننا إن لم نكن ممزوجين بأحدهم فنحن على الهامش منهم.
بالتأكيد سيختلف معى البعض عندما أقول لا القوى السياسية الأخرى تريدني أن أكون
قويا ومتميزا ولا النظام يريد لي ذلك، وهذا حق للقوى السياسية الأخرى وللنظام
كذلك، من باب المنافسة السياسية على الأقل، فأي مساحة يأخذه التيار الديمقراطي
ستكون في جزء منها على حساب القوى السياسية الأخرى أو على حساب مساحة مستحوذ عليها
من قبل السلطة، لذا فإن أي تحالف في جزء كبير منه يخلق نمطا من العلاقات
الانتهازية بين أطراف العمل السياسي، وهذا ظاهر و واضح للعيان.


لذا بالنسبة لي
أملك أن أسأل أكثر من أن أملك إجابات في هذا المحور، أسأل من هو منخرط من قادة
جمعيات التيار الديمقراطي والمنتمين لهذه الجمعيات: هل قمتم بما هو مطلوب منكم في
تعزيز وحدتكم وقوتكم وتميزكم، حيث أنه بدون هذا التعزيز والتميز لايمكنكم الحديث
عن تحالفات، فأنتم تبدون أمام من يريد أن يسىء لهذا التيار و يتصيد في الماء العكر
أنكم تابعون للآخر، وقد تعززت هذه الإساءات بالذات خلال 14 فبراير 2011 وحتى هذه
اللحظة. أقول رأيي بصراحة قد تبدو قاسية، فقوى هذا التيار خلال العقد الماضي
وبالذات وبشكل واضح خلال فترة 14 فبرير 2011 وحتى الآن هي ليست صانعة حدث، وإنما
هي تجري خلف الحدث عبر علاقاتها مع قوى الاسلام السياسي الشيعي، وأنا هنا لا أدعي
لفصم هذه العلاقة، ولكنني أقول إن المطلوب من قوى التيار الديمقراطي أن تعمل على
خلق حالة وطنية، وهو ما فشلت فيه بامتياز وبالذات في الأزمة الراهنة التي انشق
فيها المجتمع عموديا، بل وسرى هذا الانشقاق حتى إلى صفوفنا، فالساحة الوطنية ليست
ساحة طائفة قبالة طائفة، وهو ما نجحت فيه السلطة وفشلنا نحن فيه؟ كان المطلوب من
قوى التيار الديمقراطي أن تكون واعية لهذه اللحظة التي كانت بادية قبل حالة
الانفراج التي تمت في بدايات العمل السياسي العلني وأصبحت أكثر وضوحا مع بدايات 14
فبراير 2014 وما بعده.


فالسؤال الموجه
لقوى هذا التيار، هل أدارت هذه القوى تحالفاتها بالشكل الصحيح خلال العقد الماضي
وبالذات خلال الأزمة الراهنة؟ ولماذا هي عاجزة في مثل هذا الوضع الذي يمر به الوطن
عن تكوين حالة وطنية جامعة، خاصة وأننا عابرون للطوائف كما نقول باستمرار؟


أقول بكل أسف وألم
وصراحة أن قوى التيار الوطني الديمقراطي أصبحت تبدو أنها جزء من حالة الانشقاق
المجتمعي عموديا، ساعد في ذلك الاسلام السياسي وتكويناته ببنية ترتكز على المنتمين
لطائفة دون الأخرى في ظل حراك معارض يرتكز على طائفة تنتمي لمذهب بعينه.


بالتأكيد أنني
ابتعدت عن عنوان المحور الذي طلب مني الحديث فيه، حيث أنه لا يمكن حسب تصوري
الحديث في هذا المحور دون معالجة أوضاعنا الداخلية وأداء أدوارنا بشكل متميز ومميز
نعمل من خلاله على خلق حالة وطنية.


وحتى لا أظلم
عنوان المحور الذي طلب مني الحديث فيه، فإنه في ظل الواقع القائم، فإن القوى
السياسية المقصود الحديث عن آفاق التحالف معها هي قوى الإسلام السياسي الشيعي
بالدرجة الأولى. هنا أرى أن هذه القوى ليست في بوتقة واحدة، هناك تباينات بينها،
لكن السلطة استطاعت بممارساتها أن تضعهم جميعا في بوتقة واحدة، بل واستطاعت وضع
قوى التيار الديمقراطى معهم في نفس البوتقة، وهي بوتقة التطرف والعنف، لذا يجب على
قوى التيار الديمقراطي أن تكون أكثر تميزا وأن تكون حساباتها غير حسابات حلفائها
من قوى الإسلام السياسي الشيعي. بالتأكيد أن هناك قوى في الإسلام السياسي الشيعي
تتبنى خطابا وممارسات أضرت وتضر بالعمل الوطني، ربما لا يستطيع الحلفاء من الإسلام
السياسي الشيعي مواجهتم بوضوح تام ولا يتم رفضهم وعزلهم، ربما تحت مبرر وحدة
الشارع الشيعي المعارض، فخلال فترة الدوار وما بعده في ظل الأزمة القائمة برزت
ممارسات وخطابات لم يتم رفضها وإدانتها بشكل واضح، مما أوجد حالة من الالتباس
استفادت منها السلطة ولا زالت تستفيد.


جميعنا يعرف أن جل
المطالب المطروحة على الساحة هي مطالب مشروعة وتستحق التحالف بشأنها، لكن يجب أن
نكون واضحين ومميزين ومتميزين في أي تحالف قائم أو تحالف مستقبلي، مع التأكيد أن
التحالفات القائمة أو المستقبلية منها في ظل انشقاق عمودي للمجتمع ستكون عديمة
الجدوى إن لم نستطع خلق حالة وطنية تنتشل الوطن من هذا الانقسام. للأسف أقول إن
هذه المطالب ومع مشروعيتها لن تتحقق في ظل هذا الانقسام ما لم يتم خلق حالة وطنية
جامعة.


بصراحة نحن أسرى
للحالة القائمة القاتمة، ربما أرى أنا ذلك وقد أكون مخطئا، ويرى غيري غير ذلك،
وبالذات من هو منغمس في الحدث ولديه علاقات مباشرة مع الفاعلين والمؤثرين.


أرى أنه يجب علينا
أن نكون واعين ومدركين من هو المقصود بالتحالفات معه عندما نشير إلى تحالفات
التيار الديمقراطي مع القوى السياسية، فالواضح أن المقصود بهذه التحالفات هي قوى
الاسلام السياسي الشيعي، لابأس من التحالف معها في ملفات معينة بشروط واضحة، فلسنا
نحن من أوجد قوى سياسية ذات بنية ترتكز على مكون من طائفة، لكن الواقع يجبرني على
التعامل معها، وقد تكون هناك تحالفات مع قوى سياسية أخرى في ملفات معينة وبشروط
واضحة قد تكون قوى الاسلام السياسي الشيعي في تضاد معها، وقد تتحالف قوى سياسية في
مرحلة ما وفي ملفات معينة حتى مع السلطة، هذا هو العمل السياسي، فيجب على التيار
الديمقراطي أن لا يكون مرهونا في تحالفاته مع قوى معينة دون غيرها.


بالتأكيد هذه
الفعالية ترسم مؤشرا قد يكون إيجابيا أو قد يكون سلبيا، إيجابيا إذا استطعنا ايجاد
حالة من الاستمرار للتشاور وإبداء الرأي وقدرتنا على الاستماع لبعضنا البعض
وتفهمنا لبعضنا البعض، أما خلاف ذلك فإن المؤشر سيكون سلبيا.


أنتهز هذه الفرصة
لأدعو أولا من ابتعد بل واستقال من جمعيته بسبب تباينات في الرأي أن يعود لمكانه
الصحيح، فمساحة الاتفاق هي الأكبر والأوسع من هذه التباينات.


شكرا لكم جميعا


 


شوقي العلوي


 


 



 

اقرأ المزيد

وحدة التيار الديمقراطي خيار أم ضرورة (1)

يوم السبت الماضي نظمت جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي ورشة عمل عن
وحدة التيار الديمقراطي تحت عنوان: «وحدة التيار الديمقراطي… ضرورة
ملحة»، حضرتها إلى جانب المنبر التقدمي، جمعية العمل الوطني الديمقراطي
(وعد) وجمعية التجمع القومي، وعدد من الشخصيات الديمقراطية والتقدمية.

الورشة كانت تهدف بشكل أساسي إلى إعادة طرح مشروع تكوين تكتل ديمقراطي تقدمي، وبناء تحالف أكثر صلابة بين الجمعيات التقدمية الثلاث.

هذا
المشروع ليس جديداً حيث كانت هناك محاولات سابقة منذ تأسيس الجمعيات
السياسية في البحرين بشكل علني، بعد سنوات قضتها في العمل السري، وعلى رغم
صدق النوايا، فإن تشكيل هذا التكتل لم يكتب له أن يرى النور حتى الآن؛
للعديد من الأسباب، سواء المتصلة بالخلافات الأيديولوجية أو أساليب العمل
أو حتى الخلافات الشخصية.

القائمون على تنظيم الورشة أكدوا أن مثل
هذا التكتل تفرضه الأجواء السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلاد في
الوقت الراهن، وخصوصاً مع انقسام المجتمع بشكل عمودي بين طائفتين، ويرون أن
القوى الديمقراطية «العابرة للطوائف» هي الوحيدة القادرة على طرح برنامج
تصالحي يعيد اللحمة الوطنية إلى سابق عهدها. كما يؤكدون أن هذا التكتل لن
يكون في مقابل أو في مواجهة تحالفات قائمة في الوقت الراهن، وخصوصاً تحالف
القوى الديمقراطية مع جمعية الوفاق الإسلامية.

لا يخفى على أحد ما
يلاقيه تحالف القوى الوطنية الديمقراطية مع «الوفاق» من انتقادات شتى حتى
وصل الأمر إلى قول البعض إن هذا التحالف مبني على انتهازية فظة سواء من
«الوفاق» أو الجمعيات الديمقراطية، وذلك ما خلف عدداً من الاستقالات بين
صفوف هذه الجمعيات، ومع ذلك يمكن القول إن القيادات السياسية في الجمعيات
الديمقراطية ترى في هذا التحالف في الوقت الراهن ضرورة تاريخية لا يمكن
المساومة عليه، وخصوصاً أنه من أجل تحقيق مطالب شعبية تجمع عليها الأغلبية
السياسية في البلد.

جمعية المنبر التقدمي بدأت من خلال هذه الورشة
بخطوة صحيحة، وتم الاتفاق على أن تستمر مثل هذه اللقاءات، سواءً على مستوى
قيادات الجمعيات الثلاث أو على مستوى كوادر كل جمعية على حدة، أو على مستوى
المستقلين من الشخصيات الديمقراطية والتقدمية واليسارية الذين يهمهم أن
يروا على الساحة تياراً تقدميّاً فاعلاً يمتلك من الإمكانيات الفكرية
والبشرية ما يجعله رقماً صعباً في المعادلة السياسية لا يمكن لا للسلطة أو
القوى الوطنية المعارضة تجاهله أو التقليل من شأنه.

بالطبع هناك
العديد من التحديات التي يواجهها تشكيل مثل هذا التيار وخصوصاً في الظروف
الحالية، لكن هذه الظروف هي نفسها التي تجعل من وحدة التيار التقدمي ضرورة
ملحة، فلا خيار آخر غير المزيد من التفتت والضعف.

جميل المحاري

اقرأ المزيد

نواب الخيبة..!

عن أداء النواب نواصل الحديث.. لامناص من ذلك.. والمجال يتسع لكلام كثير ومرير..
حسبنا بادئ ذي بدء ان نذكر مجددا – لعل الذكرى تنفع – بان المتبقي من عمر البرلمان الحالي لاتتعدى شهرين، نحسب ان هذا وحده كاف لنواصل الحديث عن اداء النواب .. لعلنا نمضي وغيرنا على طريق تقييم التجربة البرلمانية.
نعلم بان الاداء البرلماني ظل مدعاة للكآبة، والغيظ والأسى.. ولكن ان يصل رصيد استفزاز النواب الى ما وصل اليه والى الحد الذي لايرون فيه بأن هناك رأي عام من الواجب ان يحترم، فذلك يدلل بما فيه الكفاية ان العمل البرلماني، بهذا الشكل، وهذا المستوى، وهذا الاداء، وهذه المخرجات هو في أبسط تحليل عمل عقيم..!، واذا كان هناك من يحسن الظن بالنواب او يعوّل عليهم في شيء خاصة وهم في النزع الاخير، فليتفضل ليشرح لنا ولغيرنا هذا الذي ليس بمقدور النفي ان ينفيه.. مما يحتاج الى شجاعة.. شجاعة الاعتراف بالخلل.. وشجاعة الاقرار بان الناس في هذا البلد يتحملون بصبر ومشقة تبعات هذا التهريج في المسرح البرلماني.. !! 
نعم.. انه تهريج.. هذا الذي يمارسه بامتياز نواب كثر.. هل فكرتم في معنى «التهريج» في قواميس اللغة انه يعني فكاهة.. ويعني تشويش واضطراب وقول مايضحك.. انه ايضا يعني خلط وتجاوز وتجاهل للحدود.. والمهرج أيا كان هو الذي يضحك الناس.. يقوم بحركات لاتعبر عن شيئ.. المهم ان يسلي الناس ويضحكهم ويزيل الغم والهم والكدر عنهم..
نوابنا يفعلون ذلك بامتياز، ودون تورية وجدناهم وفي العلن وبفجاجة لايتورعون عن شيء في سبيل ذلك، وبدأ بعضهم لا يدخر جهدا ولاطاقة من اجل امتاعنا خاصة حين ظهر لنا معظمهم وكأنهم لايفكرون إلا بأمر، ولايعترضون او يؤيدون إلا بأمر، و»لايبصمون» او يوقعون على بيانات إلا بأمر، ولايتخذون موقفا إلا بأمر، ولايعلنون عن استجواب إلا بأمر، ولايسحبون مشروع استجواب إلا بأمر، ولايعرقلون مشروعا الا بأمر.. هل تذكرون..
الاستجوابات.. او على وجه الدقة والتحديد مشاريع الاستجوابات والتي أذهلنا فيها ذلك الكم من مظاهر «الجعجعة» وكل مايعد «كارثة» في سياقات العمل البرلماني و»اغتيالا» لقيمة الاستجوابات وكأن هناك من دبر وخطط لالحاق الأذى بهذه القيمة والاستهتار بمقامها وبالمجلس.. 
النواب العباقرة، جميعا قديمهم وجديدهم.. كتلا ومستقلين.. وجدناهم في اكثر من مرة وبنبرة عالية وهم يشعلون الساحات بالخطابات الرنانة مهددين متوعدين بانهم سيمارسون دورهم الرقابي»كممثلين للشعب»..!!، مستمرين في اجترار الكلام عن استجواب هذا الوزير وتلك الوزيرة.. يكفي ان نتابع تلك الضجة حول مسرحية استجواب وزير المالية، وقبله مشروع استجواب وزير البلديات وقبله وزير المواصلات، وقبله وقبله وما آل اليه وضع مشاريع الاستجوابات هذه لكي نعرف ان نوابنا ومن دون تجن او تعسف على الوقائع كانوا ولازالوا في دائرة الكلام الهراء والسياسات الهراء.. والممارسات البرلمانية المفجعة، هذا اقل مايمكن ان يقال عن تلك الاطلالات التي فاجئنا بها النواب حول الاستجوابات التي بات واضحا انها اخضعت لوجبات دسمة من «الثرثرات» التي لاتسمن ولاتغني من جوع ولنيات مبيتة ومآرب تضمر شيئا واشياء وحسابات.
مثير حقا ان يحاول بعض النواب استصغار عقول الناس الى الدرجة التي ارادوا ان يظهروا لنا بان تلك «الجعجعة» انتصارات، وان الربح الخاص انجازات عامة، وان العبارات الجوفاء والجلبة والضوضاء دفاع عن الشعب، تمعنوا جيدا فيما قاله احد النواب حين تم سحب استجواب وزير المواصلات في الوقت الذي كان فيه اصحاب النواب يستعدون للضغط على زر التصويت.. قال: «ان المستجوبين وبكل امانة وثقة قرروا استرداد الاستجواب ليس خوفا ولاضعفا بل قوة وعزيمة لتعديل بعض محاوره..» ولاينسى النائب ان يلفت انتباهنا بقوله: «انهم اي النواب، رأو الالتفات لبعض القضايا الهامة والملحة وبان الرسالة التي يريدون ايصالها الى الحكومة قد وصلت».. ويضيف:»ان النواب لاينسون ان يؤكدوا احتفاظهم بحقهم في استخدام الاداة الرقابية في اي وقت يجدون فيه تقاعسا او تجاوزا في عمل الحكومة..»!
أيعقل هذا الكلام الذي يحتمي بالمصطلحات وعناوين من نوع احقاق الحق والقوة والعزيمة والمصلحة العامة والتمسك بالدور الرقابي وبان لامساومة عليه ولامجال للاجتهاد فيه، هذا الكلام لم يكن مقنعا، بقدر ما ليس بمقنع مسرحية استجواب وزير البلديات.. وهي المسرحية التي اظهرت وكأن الفشل فضيلة.. حين كشف بان هناك من النواب من يعرقل استجواب الوزير لاغراض انتخابية.. وبالتحديد بسبب مخافة دخول هؤلاء النواب مع صراعات مع وزير مسؤول عن وزارة خدمية مما يخشى معه ان تعطل طلباتهم ومشاريع دوائرهم ومن ثم لا يعاد انتخابهم.. وجاءت الطامة الكبرى في الجلسة التي عقدت في 25 مارس والتي نظرت في طلب الحكومة بالاحتكام الى هيئة الافتاء والتشريع القانوني لحسم شبهة عدم قانونية التصويت على استجواب وزير المالية والتي شهدنا فيها كيف أوغل نواب كثر في التخليط والهرج الامر الذي كان من نتيجته هذه النقائص والرذائل والشطط في الاداء البرلماني والعراقيل المفتعلة والعصى التي وضعت في دواليب الاستجواب.. مسرحية الاستجواب بدأت في جلسة سابقة عقدت في 11 مارس وهي الجلسة التي بدأت بسرقة طلب الاستجواب.. ثم تراجع نواب بعينهم عن الاستجواب، ثم تلكؤ كتل برلمانية بعينها عن استكمال متطلبات الاستجواب.. ثم اعلان بعض النواب عن توافق، ثم تهديدات مبطنة واخرى مباشرة من بعضهم، تم اعلان اصرار البعض المضي في مشروع الاستجواب.. ثم افتعال اللغط حول سرية او علنية الاستجواب.. ثم الحديث عن جدية الاستجواب.. ثم السعي لاسقاط فكرة الاستجواب من الاساس.. وتلى ذلك محاولات تفكيك الاستجواب تمهيدا لوأده في ظل ماقيل بانه تحالف حكومي نيابي.. وتتوالى «الهرجلات» التي زادت من عبثية المشهد البرلماني ومايشين التجربة البرلمانية برمتها.. 
الجلسة اياها كانت حافلة ومليئة بالغمز واللمز وتبادل الاتهامات بين مقدمي ومؤيدي طلب الاستجواب.. وظهر ان خلاصة هذه الجلسة هو احالة مشروع الاستجواب الى مثواه الاخير.. بعد ان اسقط النواب بعضهم البعض وظهروا وكأنهم سحبوا اختصاص رقابتهم وفوضوها الى جهاز حكومي، وبلغ الامر بان يصرخ نائب بان هيبة المجلس ضاعت بلا رجعة، وآخر الى القول: كيف للنائب المقصر ان يحاسب المسؤولين عن تقصيرهم..؟، وثالث قال: «ماحصل لايحسب للمجلس»، وكأن هذا وحده الذي لايحسب للمجلس، وذهب احدهم «النائب احمد قراطة» الى حد ان يدعو الله ان يعذب المنافقين والمنافقات من النواب والنائبات..!!
لاحظوا التبريرات لهذه «العبثية».. هناك من قال ان مرد ذلك هو محدودية صلاحيات النواب.. وهناك من خرج علينا بالقول ان الخلافات بين الكتل البرلمانية هي السبب، وهناك من رأى ان غلبة المصالح الشخصية على حساب مصالح المواطنين وعلى حساب الوضع الرقابي هو السبب.. وهناك من عزا السبب الى هذه المزايدات والمناقصات ومواقف النواب الفلكلورية التي ألغت الاحساس بالمسؤولية البرلمانية.. 
وهناك من رأى سببا آخر يتمثل في غياب القيم البرلمانية التي تحول دون استغلال البرلماني لصفته النيابية وعدم التدخل في اعمال السلطة التنفيذية ومنها كمثال اختطاف المناصب والترقيات والتنقلات لمن هم محسوبون على النائب او على هذه الكتلة او تلك واسقاطهم للمعايير ودهسها بالاقدام، وهناك من يرى ان وجود بعض النواب مما يشكلون النفي المطلق لفكرة العمل البرلماني السليم وعوض ان يكون النائب ممثلا للشعب نراه يصبح ممثلا لمنطقة او طائفة.
كل تلك التبريرات وغيرها – حيث دائما المخفى اعظم – وسواء تم استجواب وزير المالية ام لا.. الا ان بات العمل البرلماني عبثيا وبائسا بامتياز ومفتقرا للصدقية.
نعود ونقول.. ربنا لاتؤاخذنا بما فعل «النواب»..!

اقرأ المزيد

«خطاب الكراهية» ينشر وباء «الوحشية»

استذكرت راوندا أمس (الاثنين 7 أبريل/ نيسان 2014) ذكرى مرور عشرين
عاماً على الإبادة الجماعية والتي بدأت من خلال «خطاب الكراهية» الذي تبنته
جهة حكومية في تلك البلاد، وبسبب ذلك قُتل أكثر من 800 ألف إنسان خلال 100
يوم من الذبح المتواصل. تلك الفاجعة هزت العالم، واستذكارها اليوم يهمنا
لأننا نمر في منطقتنا بحرب طائفية يغذيها خطاب الكراهية الذي تتبناه جهات
حكومية وأخرى أهلية.

الصراع السياسي يجري في بلداننا على أساس طائفي
وقبلي وعرقي ومناطقي، ولم يعد هناك من يتحدث عن الوطن، اللهم إلا ضمن
عبارات ملغومة تهدف إلى اتهام أهل البلد الذين ينتمون إلى فئة غير مرغوبة
بأنهم مرتبطون بجهات أو دول أجنبية، وذلك من أجل تبرير سياسات وإجراءات
وخطاب الكراهية التي أصبحت نهجاً معتمداً من دون خجل.

الإبادة
الجماعية في راوندا بدأت بعد إسقاط طائرة تقل رئيس البلاد آنذاك والذي كان
ينتمي إلى قبيلة «الهوتو»، وعلى الفور أقيمت حواجز على الطريق، وبدأ
الانتقام من المنتمين إلى قبيلة «التوتسي»، واستُخدمت الإذاعة الرسمية
لتوجيه عمليات القتل والانتقام، ولذا فقد أحرقت الكنائس بمن فيها من
المصلين، وهوجمت المنازل، واستُخدمت البنادق والقنابل اليدوية والسواطير من
دون رحمة لقتل الأطفال الرضّع والنساء والرجال والكهول، وفي غفلة عالمية
تمكنت القسوة المروّعة لبعض بني البشر من ارتكاب أبشع المذابح.

وباء
الوحشية الذي أدهش العالم قبل عشرين عاماً ينتشر في بلداننا، ونحن نرى ما
يحدث في مناطق ليست بعيدة عنا من قتل على أساس الهوية الطائفية، ونرى كيف
أن «خطاب الكراهية» انتشر في البحرين بشكل أصبح يمثل حالة طبيعية بالنسبة
إلى البعض. ولقد نبّه المشاركون في ندوة «الوسط» حول خطاب الكراهية التي
نُشر نصها يوم الأحد الماضي، أن «خطاب الكراهية لم يأت في يوم وليلة، بل
كان نتاج فترة طويلة، وأن هناك توظيفاً للكراهية من قبل قوى سياسية
ودينية».

إن انتشار وباء «الوحشية» في التعامل بين الإنسان وأخيه
الإنسان يمثل التهديد الأكبر للأمن الداخلي والإقليمي والعالمي، وهو وباء
يحتاج إلى معالجة سياسية وحضارية تبتعد عن استعراض العضلات على الناس،
وتبديد الثروات على التحالفات والاتفاقيات والقبضات الأمنية والعسكرية.

منصور الجمري

اقرأ المزيد

علاقات روسيا مع الغرب

يكاد
الغضب يعمي بصر قادة أمريكا وأوروبا جراء ردة الفعل الروسية على إطاحة
الرئيس الأوكراني فيكتور ياناكوفيتش على أيدي القوميين الأوكرانيين بمساعدة
الغرب . فهذا يتوعد موسكو بطريق مسدود، وذاك يهدد باستبعادها من مجموعة
الثماني الكبرى، وثالث يهددها بالعزلة الدولية . وامتدت تعبيرات الغضب
لتتجسد في عقوبات منتقاة واتصالات هاتفية وتداع لعقد اجتماعات تنسيقية
لتدارس والاتفاق على حدود ونوعية الردود


 الانتقامية المزمع اتخاذها ضد
موسكو . وفي حمأة ذلكم الصراخ الغاضب والتهديدات المرسلة، اختفت من المشهد
فجأة صورة الاتفاق الذي كانت توصلت إليه المعارضة الأوكرانية مع الرئيس
ياناكوفيتش بوساطة الاتحاد الأوروبي، لتشكيل حكومة وحدة وطنية، والذي لم ير
النور بسبب إقدام متطرفي المعارضة على اقتحام القصر الرئاسي والمقار
الحكومية بتشجيع ودعم الأوروبيين والأمريكيين .


إنهم يلعبون مع روسيا
ومع رئيسها فلاديمير بوتين، وهو بالمقابل يبادلهم اللعب، مع الفارق أن
اللعب يجري حتى الآن في الملاعب الروسية . في الثامن من أغسطس/آب عام ،2008
حين كانت أنظار العالم كله موجهة صوب ملعب عش الطائر في بكين، حيث كانت
ستنطلق احتفالات الدورة الأولمبية، حرَّض الأمريكيون والأوروبيون الرئيس
الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الموالي لهم لاستغلال الظرف والانقضاض على
جمهورية أوسيتيا الجنوبية القفقازية المجاورة لجورجيا، وهو ما حدث فعلاً،
فكان رد موسكو قوياً وخاطفاً . هذه المرة أيضاً ظنوا أن انشغال روسيا
بالألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي (7-23 فبراير 2014)، يعد ظرفاً مغرياً
لتحريك العناصر المتطرفة في أوكرانيا للاستيلاء على السلطة بالقوة . وهو
ما حدث أيضاً فكان الرد الروسي أيضاً قوياً وسريعاً، حيث استعاد الجيش
الروسي في حادثة تحريض ساكاشفيلي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا معاً وهدد
تبيليسي العاصمة الجورجية لولا اشتغال خطوط الهاتف الساخنة . ولم يسعف
ساكاشفيلي لا فرق حمايته “الإسرائيلية” التي فرت من مطار المدينة باتجاه
“تل أبيب” ولا أولئك الذين حرضوه على تنفيذ مغامرته .


ومن غير المرجح أن يحظى حكام كييف الجدد بمعاملة تفضيلية أحسن مما حظي به ساكاشفيلي، ممن دفعوهم لارتكاب مغامرتهم .


يعتقد
حكام كييف الجدد أن ارتماءهم الكلي والبائس في أحضان الغرب يمكن أن يجلب
لبلادهم خيرات أوروبا وأمريكا وبركاتهما . وهذه مجازفة سياسية غير حصيفة،
من حيث إن الأوروبيين والأمريكيين ليسوا في وضع مالي مريح يؤهلهم لإسعاف
أوكرانيا وإنقاذها من شبح الإفلاس . الغربيون يريدون أوكرانيا لتكون إحدى
القواعد العسكرية المتقدمة لحلفهم شمالي الأطلسي (ناتو) . كما حصل مع
بولندا الجارة اللصيقة لأوكرانيا التي ما انفكت تحرض قوميي ما وراء جبال
الكربات الأوكرانيين على الانفصال . فقد تم قبولها عضواً في الاتحاد
الأوروبي وفي حلف الناتو، ولكن عضويتها في الناتو هي الأهم، إذ إن المطلوب
منها هو القبول بتحويل أراضيها إلى قواعد عسكرية للحلف الأطلسي، فيما توفر
لها عضويتها في الاتحاد الأوروبي فرصة الحصول على بعض العطايا (ليس من
بينها العطاء المالي السخي) مثل استخدام نفوذ بلدان الاتحاد لدى سكرتارية
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ لكي تحظى بولندا بشرف استضافة
مؤتمر أطراف الاتفاقية لدورتين متواليتين لا يفصل الأولى عن الثانية سوى 4
سنوات، مع أن عدد الدول الأعضاء في الاتفاقية يبلغ 195 دولة كثير منها
يتوق الى مثل هذه الاستضافة (مؤتمر الأطراف الرابع عشر الذي عُقد في بوزنان
في عام 2008 ومؤتمر الأطراف التاسع عشر الذي عُقد في وارسو عام 2013)، مع
ما تنطوي عليه مثل هذه الاستضافة لأكبر تجمّع عالمي من رواج فندقي
واستهلاكي لمدة أسبوعين يساعدها على إنعاش اقتصادها .


ولذلك، فإن مغامرة
الغرب بأخذ أوكرانيا في أحضانه، لن تشكل للأوروبيين إضافة اقتصادية ذات
قيمة، على الأقل في المديين القريب والمتوسط، بقدر ما تشكل إضافة
جيواستراتيجية على المدى الأبعد . فالبلاد على حافة الإفلاس، ولسوف تحتاج
إلى إسعاف مالي سريع لتمكينها خلال خمس سنوات، على الأقل، من استعادة
تماسكها المالي والاقتصادي . ذلك أن من غير المرجح أن يتم التعامل معها كما
تعاملت ألمانيا الغربية مع ألمانيا الشرقية بعد إعادة توحيدهما إثر سقوط
النظم الاشتراكية في شرقي ووسط أوروبا .


ويبقى أن بيت القصيد في هذه
المعركة الجيواستراتيجية بين الغرب وروسيا، يتمثل في سيف العقوبات الذي
أعاد الغرب إشهاره ضد روسيا، باعتباره وسيلة الضغط المناسبة لإدارة صراع من
جنس صراعات الحرب الباردة التقليدية، أي حرب العقوبات التي بقيت حتى
اللحظة في حدود اللكمات المتبادلة غير المتناسبة بالمطلق مع حدة التصريحات
والتهديدات والحرب الإعلامية، ولم تصل إلى المستوى الذي يمكن أن يهدد
ماكينة الاقتصاد لدى الطرفين . فروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي السابق
الذي لم تكن مساهمته في إجمالي الصادرات العالمية لتزيد على 10% . روسيا
اليوم تملك علاقات اقتصادية متشابكة المصالح مع الغرب، خصوصاً مع أوروبا،
فضلاً عن الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة بمئات مليارات الدولارات لدى
الجانبين . وقبل هذا وذاك، فإن روسيا هي أكبر مُصَدِّر للنفط والغاز إلى
الاتحاد الأوروبي، فهي تضطلع بحصة تفوق 33% من واردات بلدان الاتحاد
الأوروبي من النفط ونحو 40% من وارداتها من الغاز . وهو ما ينطبق بقدر أكبر
على روسيا نفسها، ذلك أن مبيعاتها من النفط والغاز تشكل نصف إيرادات
الموازنة الروسية .


وعلى ذلك، فإن من غير المتصور أن يغامر الجانبان
بتصعيد مواجهتهما على جبهة العقوبات الاقتصادية والعقوبات المضادة . إذ إن
واقع شبكة العلاقات الاقتصادية القائمة بينهما، يُفترض أن يقيد طموحات
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجيواستراتيجية ويحول دون مقامرته بها،
مثلما تفترض امتناع الاتحاد الأوروبي خاصةً عن إيصال حرب العقوبات إلى
مستوى الأزمة المستعصية .


تبدو حتى الآن أوكرانيا الخاسر الأكبر والوحيد
تقريباً من هذه الجولة الجديدة المتجددة من الحرب الباردة بين روسيا
والغرب . ويمكن في حال تطور الأمر أن تطال الخسائر جميع الشركاء الذين
يتقاسمون العلاقات والمتوزعين على ضفتي الطرفين المتجابهين . والصراع بهذا
المعنى لن يكون لا في مصلحة روسيا ولا في مصلحة أوروبا خصوصاً، لاسيما
ألمانيا عنوان أوروبا ورافعتها الاقتصادية .



د . محمد الصياد 

اقرأ المزيد

مواطن ابن …!

بقلم: عبدالهادي الجميل*


يتفاخر الناس في الخليج
بكل ما يقع بين أيديهم وتحت أعينهم، فنجد من يتباهى بسيارته الفارهة، ومن
يتفاخر بنسبه، ومن يتفاخر بتجارته، ونجد أيضا من يتفاخر بتديّنه!!


هذا الأمر يبدو مفهوما وطبيعيا في دولنا التي تفتقر للمنجزات الحضارية الحقيقية التي تستحق التفاخر والتباهي.


فلن تجد خليجيا واحدا يفتخر
بأن جدّه كان مساعدا لإلكس فليمنج عندما اكتشف البنسلين، أو أن جدّته
اخترعت الغسّالة الكهربائية. أو أن أحد أعمام أمّه أو أخوال أبيه كان من
ضمن الفريق الذي اكتشف ظاهرة الاحتباس الحراري وأثرها المدمّر على الحياة
في كوكب الأرض.


هذا الأمر لا يعيب الشعوب
بقدر ما يعيب الأنظمة الحاكمة التي انشغلت بالحكم والمال بدلا عن تطوير
وتنمية شعوبها بشكل صحيح. وفي سبيل ذلك تحالفت هذه الأنظمة مع رأس المال
والمؤسسة الدينية، وهذا المثلث أصبح قوي جدا وثري ومستمر منذ عشرات السنين
بفضل التوارث الذي أصبح سببا للتفاخر الزائف!


الشيخ أحمد الفهد خرج في
إحدى القنوات الفضائية وقال وهو يرسم بسبابته اليمنى دوائر هوائية متسلسلة
ترتفع إلى السماء: أنا شيخ ابن شيخ ابن شيخ ابن شيخ إلخ إلخ. رد عليه
غريمه، سابقا، السيد مرزوق الغانم في قناة فضائية أخرى ليكرر نفس الحركة
الهوائية قائلا: أنا تاجر ولد تاجر ولد تاجر ولد تاجر إلخ إلخ. أمّا في
السعودية فقد غرّد محمد آل الشيخ قريب المفتي وحفيد محمد بن عبدالوهاب أو
الشيخ المجدّد( كما يوصف)، مخاطبا إحدى المغردات: “اسكتي بس، ترى لولا جدّي
ولّا كان انتي الحين في بيت شعر تغزلين، ولّا ترعين غنم، منتي طبيبة على
وشك التخرج” ثم تقمّصته روح جدّه وقال مهددا ومنذرا ” إعقلي”!


جدّه ظهر في نجد وصنع( كما
يقول الحفيد) من فتيات السعودية طبيبات بدلا من أن يلاقين مصير جدّاتهن
اللاتي أضعن أعمارهن في رعي الغنم في وغزل القطن في الصحاري والقرى، ولكن
ماذا عن طبيبات وعالمات ورائدات الفضاء الأمريكيات والأوربيات؟! هل أنقذهن
الشيخ المجدّد من رعي الأبقار وزراعة القطن والعنب!!


لم يقتصر التوريث في الخليج
على الحكم والتجارة والدين، بل وصل إلى المهن، فالوزير أصبح وزير بن وزير
بن وزير، والسفير أصبح سفير بن سفير بن سفير، والقاضي أصبح قاضي بن قاضي بن
قاضي، والضابط أصبح ضابط بن ضابط بن ضابط، وهلمّجرّا.


لم يذكر التاريخ وضعا مماثلا
لهذا، إلّا في الفترة التي سبقت ثورة الباستيل في 1789م، عندما كانت فرنسا
تختنق بالأمراء والنبلاء والقساوسة. فالأمير كان يفتخر على عامة الشعب
الفرنسي بأنه أمير بن أمير بن أمير، والقسيس كذلك والبارون وأيضا الدوق.
وعندما ضاق المواطن الفرنسي البسيط بكل هذا الهراء، هبّ ليصنع ما جعله
يفتخر بأنه مواطن بن مواطن بن مواطن وما حدث معروف ومدوّن في التاريخ،
وأبسط نتائجه هو اختفاء النبلاء والأمراء والقساوسة.


ليس لدى المواطن الخليجي ما
يفخر به إذا استبعدنا الإنجازات الوهمية التي يتغنّى بها المطربون
والمطربات في الأغاني “الوطنية”، وإذا لم نحسب الغاز والبترول لأنهما السبب
الأول في افتخار الشيخ والتاجر وحفيد شيخ الدين بأنفسهم وتاريخ أجدادهم،
أمّا المواطن البسيط فليس لديه سوى صورة باهتة جدا لمفهوم المواطنة، ولو
أراد أن يفتخر بها على طريقة الشيوخ والتجار والمطاوعة ليقول: انا مواطن
ابن….


لتكالب عليه هؤلاء وقاطعوه قائلين بصوت واحد: انت مواطن ابن ستين(……)!

 _________________________________

*عضو في التيار التقدمي الكويتي

اقرأ المزيد

الوجه الآخر «للاتفاقية الثلاثية»

ثمة خطأ شائع بيننا حينما نتصور بأن «الاتفاقية الثلاثية» هي المحطة
الأخيرة في ملف المفصولين، والصحيح أنها خطوة أولى مشكورة تحتاج إلى خطوات
أخرى محاذية لطيّ هذا الملف المؤلم المعقد.

تفاصيل كثيرة اختفت وراء
جبل التهليل الإعلامي الذي رافق توقيع الاتفاقية، وإن كانت ليست خافيةً
بالطبع على المسئولين في وزارة العمل ولا على أمناء الاتحاد العام لنقابات
البحرين، لكنها على أية حال ستبقى تثير تخوّفات الفئات المتضررة من عمليات
الفصل والتي سقطت أسماؤها من قائمة الـ165 المنشورة مؤخراً للمفصولين
المقرّر عودتهم إلى العمل بموجب الاتفافية.

ما حدث هو أن الاتفاقية
ضيَّقت كثيراً من معايير انتقائها للمفصولين الذين ستحمل أسماءهم نصاً،
لإلزام جهات العمل بإعادتهم، فكان عصارة ذلك 165 إسماً فقط من أصل أكثر من
400 مفصول مسجلين في قوائم الاتحاد العام للنقابات.

فحتى تقبل
الاتفاقية أن تحمل المفصول معها في القائمة، اشترطت 4 شروط أساسية هي: أن
يكون العامل قد فصل من عمله في العام 2011، وأن يكون فصله تم بسبب الأحداث
بشكل واضح لا يختمره أدنى شك، وألا يكون لدى المفصول سجل تجاري باسمه،
والأخير: ألا يكون المفصول قد التحق بعمل آخر خلال فترة فصله. وأي مفصول لا
تنطبق عليه الشروط السابقة فأمره مرجو إلى المتابعة الداخلية لدى اللجنة
الثلاثية التي تضم في عضويتها الوزارة والاتحاد والغرفة، إما يتوافقوا على
إعادته للعمل أو يحيلوا أمره إلى القضاء.

وحتى الآن فإن الأجواء
الإعلامية ومقال وزير العمل الأخير يصوّر للداخل والخارج، أن ما جرى إنجازٌ
تم من خلاله وأد ملف المفصولين إلى الأبد، دون أن يتطرق بشكل مباشر وصريح
إلى حالات الفصل الأخرى والطريقة التي سيتم التعامل معها. وهذا ما يفتح
الباب أمام تخوفات جمة لدى المفصولين بأن يتم استغلال هذه الأجواء
الاحتفالية لإسدال الستار على قضيتهم في الإعلام والحديث الرسمي، ومن ثم
تبقى حالاتهم مضيعةً في أتون تجاذبات اللجنة الثلاثية التي عانت كثيراً من
قبل دون قدرتها على الوصول إلى اتفاقيات ملزمة تكفل للمفصولين العودة
لأعمالهم.

في ملف المفصولين، فإن الأمر لا يتوقف عند إعادتهم
لأعمالهم فقط، لأن هنالك قضايا كثيرة تنتظر الإنصاف، وأبرزها قضايا العمال
المرجعين إلى غير وظائفهم وبمستويات دنيا، كالذي حدث عندما نقل العاملون في
إدارة تنقية المعلومات إلى العمل في المسبك والمصهر بإحدى الشركات الكبرى؛
أو الذين عادوا دون وظيفة حقيقية ولا صلاحيات، كما حصل لنحو ثلث موظفي
الموارد البشرية بوزارة الصحة، حيث تم توزيعهم على المراكز الصحية
والإدارات الأخرى دون أن تسند إليهم أية وظائف تلائم مؤهلاتهم الأكاديمية
وخبراتهم العملية.

والأكثر خطورةً، إن الوزارات والشركات أفقدت
المرجعين الاستقرار الوظيفي وأوقفت تطورهم المهني بعد أن أبعدتهم عن
مناصبهم الأولية، على الرغم من أن كثيراً منهم سيبقى يعمل لأكثر من 20 سنة
مقبلة، وهو ما يطرح السؤال الكبير: إنه متى ستفكر الحكومة والشركات في
إعادة العمال المرجعين إلى وظائفهم التي تم إقصاؤهم عنها؟ وذلك هو الوجه
الآخر لملف المفصولين.

محمود الجزيري

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4225 – الأربعاء 02 أبريل 2014م الموافق 02 جمادى الآخرة 1435هـ

اقرأ المزيد