المنشور

أزمة البحرين سياسية .. الحل سياسي

قراءة في المشهد السياسي  في بلادنا، حيث  الوضع السياسي  الحالي أصبح أكثر تعقيداً  بسبب الحالة الأمنية السائدة والتي تؤدي  إلى حالة( مايعرف بالرقيب الداخلي ) حيث الجمود  والتوجس والحذر في أوساط الناشطين في العمل الحزبي والسياسي المنظم ( الجمعيات السياسية ) والغير منظم  ( الشخصيات الوطنية والسياسية المستقلة ) ، وأيضاً العاملين في مجال حقوق الإنسان، أضف لذلك منظمات المجتمع المدني بمختلف تنوعاتها واهتماماتها، لم تعد تقوم بتلك الأنشطة والفعاليات التي كانت في بدآيات الانفراج السياسي في فبراير من عام 2001 ، حيث كان هناك زخماً وحراكاً سياسياًومدنياً كبيراً ، لم تشهده البحرين من قبل ، وبالأخص بالنسبه للقوى السياسية التي كانت تنشط في ظروف بيئة  العمل السري  لتجد نفسها في وضع آخر غير معتادة عليه ولا تمتلك الخبرة والتجربة في هذا المسار الجديد ، كان بمثابة  تعبير عن المكامن الداخلية المكبوتة على مدار ربع قرن وهي  المتعشطة لأجواء الحرية والتعبير والديمقراطية لكي ينطلق المارد الخارج من عتمة الظلام  إلى فضاءٍ  من  الحرية  والديمقراطية المنشودة ولكي ينشط في المجالات المختلفة ، بعد أن كانت تعيش البلاد  الحقبة السوداء  لقانون أمن الدولة ، جاءت مرحلة ميثاق العمل الوطني  لتخرجنا  من حالة أمنية خانقة تم فيها تكميم أفواه المعارضين والقوى المدنية والشعبية الناشطة في فترة قانون أمن الدولة، إلى حقبة مغايرة تتسم بروح التسامح والتعاطي الإيجابي تجاه الآخر ( المعارضة )  والانفتاح السياسي والديمقراطية الناشئة حيث العمل السياسي العلني وتشكيل الجمعيات السياسية والعديد من منظمات وجمعيات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وفي مرحلة لاحقة تشكيل النقابات العمالية والعطلة الرسمية لعيد العمال العالمي  الأول من أيار( مايو )، بدأت الإشكالية الدستورية  بعد صدور دستور 2002 حيث تباينت الآراء والمواقف حوله ، أهمها حول صلاحيات مجلس  النواب والذي يشاركه في التشريع والرقابة( مجلس الشورى )، بالرغم من مشاركة بعض من أطراف المعارضة في السنوات اللاحقة في انتخابات 2006 و2010، بعد أن قاطعت انتخابات عام 2002 ، لم يتغير شيئاً من صلاحيات مجلس النواب.

 الأسوأ من هذا صدرت العديد من القوانين والمراسيم التي تعيق التحول الديمقراطي في البلاد في ظل وجود  أحد تيارات المعارضة في مجلس النواب،  لم يقدر لمشروع الإصلاح وتحديداً ميثاق العمل الوطني والتي بمثابة وثيقة سياسية تم التصويت عليها بإجماع شعبي بأن تنفذ بالشكل الذي يؤدي إلى تطوير تجربة الانفتاح والإصلاح السياسي باتجاه تحولات ديمقراطية حقيقية تعطي صلاحيات أوسع لمجلس النواب وتتسع هوامش الديمقراطية والحريات العامة وتحترم حقوق الإنسان وتتوقف سياسات التمييز والتجنيس في البلاد، بدلاً من أن يحدث هذا ، جاءت أحداث فبراير/ مارس 2011 والتي لازالت  تداعياتها مستمرة في كل  مناحي الحياة في بلادنا، وأكثرها وجعاً وألماً  الانقسام المجتمعي الواضح، ولن يتعافى لسنين قادمة، تلك الأحداث كانت بالنسبة للبعض حبل النجاة والحياة انبعثت من جديد لهم بعد أن  وقفوا ضد الإصلاح والتغيير في بداية 2001 ، إضافة للقوى( أصحاب المصالح والطائفيين) والتحقت بهم شرائح جديدة بعد أحداث 2011 ، لتشكل تحالف جديد رافضاً التحول الديمقراطي ومؤيداً للإجراءات التعسفية التي قامت بها أجهزة عديدة في الدولة ضد فئات واسعة من المواطنين، ولازالت تلك القوى المأزومة ترقص طرباً وفرحاً على جراح  شركاءٍ لهم في الوطن، ولا تريد أي حوار أو مصالحة وطنية تخرج البلاد من أزمتها السياسية المستمرة منذ خمس سنوات ونيف ، خشيةً وخوفاً  من فقدان المكاسب والمزايا التي حصلت عليها بسبب تلك الأحداث الموجعة.

كما  يتطلب من القوى السياسية وتحديداً المعارضة التي لم تجرِ تقييم أو مراجعة طوال السنوات الخمس والنيف الماضية كلاً على حدٍ أو بشكلٍ مشترك، بأن تتوقف قليلا ًلكي تناقش وبهدوءأين أصابت  وأين  أخفقت ، لكي تستطيع الانطلاق من جديد وبشكل أفضل من الماضي، ربما يقول قائل، لقد فات الأوان لم يعد مقبولًا( التقييم أو المراجعة ) لا من السلطة ولا من اتباع المعارضة، ونشأت أوضاع جديدة واستثنائية في الأشهر الثلاثة الماضية ويجب التفكير في كيفية التعاطي معها ، نعتقد لازال بالإمكان معالجة السلبيات والأخطاء من قوى المعارضة و بروح نقدية واثقة من اجتياز هذا الوضع القائم للولوج نحو المستقبل.

نتساءل: هل الأوضاع ستبقى لفترة غير معروف مداها الزمني  بدون حل سياسي يخرج البلاد من أزمتها نحو آفاق مستقبلية أكثر إشراقاً وانفتاحاً على الآخر ، وأن الوضع الحالي مستقرٌ ومريحٌ للدولة وأن خيارها الأمني  هو  الأهم  من الخيار السياسي في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة في البلاد ، نعتقد بإمكان الدولة الخروج من هذة الأزمة بإعادة الروح من جديد لميثاق العمل الوطني وتفعيل مواده من جديد لكي يمضي الإصلاح السياسي والتغيير  بدفعة قوية نحو بناء الدولة الديمقراطية على شاكلة الممالك الدستورية العريقة وفق ما جاء في ديباجة ميثاق العمل الوطني.

اقرأ المزيد

أزمة وصراع طبقي: من منظور عالمي 2016

المصدر: مجلة In Defence of Marxism مارس 2016

ترجمة: غريب عوض

المقال التالي هو الجزء الأول من مُسوّدة الوثيقة التي سوف يتم مناقشتها في المؤتمر العالمي للمسار الماركسي الدولي في هذا الصيف. إن الهدف الرئيس لهذهِ الوثيقة هو تحديد المسارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم اليوم ووضع تصوّر للصراع الطبقي في الفترة القادمة.

بدأ العام 2016 بهبوط حاد في سوق الأوراق المالية في الصين والذي كان له تأثير في جميع أنحاء العالم، نتج عنه حالة من الذُعر بين المُستَثمرين. ويُعبر هذا الارتباك عن مخاوف البرجوازية بأن العالم يتجه نحو ركود اقتصادي جديد. إن تاريخ الرأسمالية هو تاريخ انتعاش وركود. إن هذهِ الدوّرة سوف تستمر إلى أن تنتهي الرأسمالية، تماماً مثل ما يتنفس المرء شهيقاً وزفير إلى أن يموت. إلا أنهُ بالإضافة إلى هذهِ الحوادث، يمكن للمرء أن يرى فترات أطول، ومنعطفات من النمو والانحطاط. لكلُ فترة ملامح مُختلِفة تتسم بالتأثير المصيري على الصراع الطبقي.

إن البعض من مثل نيكولاي كوندراتييف Kondratiev Nikolai الإقتصادي الروسي المعروف ومُقلديه المُحدَثين، قد حاولوا تفسير هذا بطريقة ميكانيكية. أصبحت أفكار كوندراتييف رائجة هذهِ الأيام، لأنها تفترض مُقدماً بأن كل فترة هبوط ستتبعها حتماً فترة صعود طويلة. إن هذا التفكير يُقدم قليل من الطمأنينة المطلوبة عند اقتصاديي البرجوازية الذين يعصرون أذهانهم في مُحاولة لفهم طبيعة الأزمة وإيجاد مَخّرَج لها.

          إن الوضع العالمي الحالي يتميز بأزمة على كل المستويات: الاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي والدبلوماسي والعسكري. إن السبب الرئيس للأزمة هو عدم مقدرة الرأسمالية تنمية قوى الانتاج على نطاق عالمي. تعتقد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بأنهُ سوف لن يكون هناك نمواً مُهماً لمدة خمسون عاماً على الأقل. سوف تستمر فترات الانتعاش والركود، ولكن المسار العام سوف يكون إلى الانحدار. وهذا معناه أن الشعوب تواجه عقودٌ من الركود أو الهبوط في المستوى المعيشي وأن الوضع سوف يكون أسؤ في الدول المُسماه بالدول النامية. وهذهِ وصفة جاهِزة للصراع الطبقي في كل مكان.

ركود جديد يلوح في الأفق

          يميل استراتيجيو الرأسمالية الأكثر جدية إلى التوصل إلى نفس النتائج التي توصل لها الماركسيون، بالرغم من تأخير مُعيّن، ومن وجهة نظرهم الطبقية. ويظهر تفاؤل اقتصاديي البرجوازية في توقعاتهم لفترة من “الركود الاقتصادي العالمي”. يُشير صندوق النقد الدولي إلى أن الأزمة المالية العالمية كانت أسوء من الحلاقات السابقة للهيجان ويُحذّر بأن يجب على مُعظم الاقتصاديات الكُبرى أن تستعد لفترة طويلة من معدلات النمو المنخفضة.

          إن تقارير صندوق النقد الدولي يكتنِفُها التشاؤم. لقد خفضت توقعاتها بشكل مُتكرر. بالنسبة إلى توقعات عام 2012، قام صندوق النقد الدولي بمراجعة تقديراته لمستوى الناتج المحلي الإجمالي GDP للولايات المتحدة الأمريكية لعام 2020 انخفاضاً بنسبة 6%؛ وأوروبا بنسبة 3%؛ والصين بنسبة 14%؛ والأسواق الناهِضة بنسبة 10%، ونسبة 6% للعالَم بمجموعهِ. إن النمو في الدول الصناعية لم يتجاوز 2% على مدى الأربعُ سنوات المُنصَرِمة.

          يُقدر صندوق النقد الدولي معدل النمو طويل الأمد في الدول الغنية بنسبة 1.6% سنوياً فقط من عام 2015 إلى 2020، مُقارنة بـ 2.2% من عام 2001 إلى 2007. وبالطبع إن هذا يفترض بأن سوف لن يكون هناك ركود، ولكن ذلك بالضبط الذي لا يمكن افتراضه. كُلُ شيء يُشير إلى ركود عميق جديد على نطاق العالَم.

          بكلمات كرستين لاغارد Christine Lagarde المدير العام لصندوق النقد الدولي، ”وكذلك أصبحت توقعات النمو على المدى المتوسط أكثر ضُعفاً. إن ’الوضع الهزيل الجديد‘ الذي حذّرتُ منه مُنذُ عام واحد بالضبط – مغبة النمو المنخفض لفترة طويلة – أصبح وشيكاً … فالديون الكبيرة، وانخفاض في الاستثمار، والبنوك الضعيفة لاتزال تُثقلُ كاهل بعض الاقتصادات القوية، خاصةً في أوروبا؛ وتستمر الكثير من الاقتصادات الناهِضة في مواجهة التعديلات بعد أزمتها المالية الفائِتة وانتعاش استثماراتها“

          وحذّرتْ لاغارد Lagarde بأن تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين سيكون لهُ تأثيرات مُتداعية على الدول التي تعتمد بشدة على طلب الصين للمواد الخام التي لديها. وقالت، كانت هناك إمكانية لفترة مُطوّلة لأسعار سِلع مُنخفضة، خاصةً في الكميات الكبيرة من تصدير السِلع. واشتكت من انخفاض الانتاج الذي يحدُ من النمو. ولكن هذا هو التوضيح الذي لا يوضحُ شيئاً.

          وتُحذر لاغارد Lagarde، “إن المخاطرُ تتفاقم”. “نحنُ في حاجة لوصفة جديدة.” ولسوء الحظ هي لا تُرشِدونا إلى هذهِ الوصفة الجديدة. ولكن صندوق النقد الدولي ترك كتاب الطبخ لدية مفتوحاً على الصفحة التي كُتِبَت فيها وصفة قديمة جداً، وهي: استدعاء الشخصيات السياسية في “دول الأسواق الناهِضة” لتنفيذ الاصلاحات الهيكلية،” وهي أن تفتح أسواقها لنهب الرأسماليين الأجانب ولعقار الدولة الخاص، وأن تجعل أسواق العمل أكثر ”مرونة“ بمعنى، أن تتخذ الإجراءات التي سوف تُفضي إلى مزيد من الهجمات على الوظائف والأجور وظروف العمل.

          في قلب الأزمة الحقيقة التي تُشير إلى أن الاستثمار المُنتِج – الأساس لأي انتعاش – هو في حالة انهيار. إن الإنفاق على الاستثمار من المُتوقع أن يبقى أدني من مستويات ما قبل الأزمة حتى وإن استمر الانتعاش الاقتصادي البطيء الراهن. وهذا يعني أن النظام الرأسمالي قد بلغ حدوده على المقياس العالمي بل هو في الحقيقة ذهب إلى ما وراءه. إن هذهِ الحقيقة تجد التعبير عنها في جبال الديون المُتراكِمة التي وَرَثها النظام من الفترة الماضية. لقد كانت الشركات المُتعددة الجنسيات على مدى سنين عديدة تستثمر بكثافة في “الاقتصادات الناهِضة”، ولكن هذا قد تباطأ الآن إذا أخذنا بعين الاعتبار الإسراف في الانتاج (”الطاقة ألزائدة) الذي يؤثر في اقتصاداتها.

          لقد فقد الرأسماليون ثقتهم في النظام. وهم يجلسون على كوّم من مليارات الدولارات. ما الفائدة من الاستثمار من أجل زيادة الانتاج وهم لا يستطيعون استخدام الطاقة الانتاجية التي بين أيديهم؟ وانخفاض الاستثمار معناه أيضاً كساد في إنتاجية العمل. إن الانتاجية تنمو في الولايات المتحدة بنسبة بائسة تبلغ (6.0% في السنة. إن الرأسماليون لا يستثمرون إلا من أجل الرِبح، ولكن ذلك يفترض مُسبقاً بأن هناك أسواق يُباع فيها إنتاجهم. إن السبب الأساسي لعدم قدرتهم على الاستثمار بنجاح من أجل تنمية الانتاجية هو أن هناك أزمة إسراف في الإنتاج على نطاق العالم كُله.

          وبدلاً من أن يستثمروا في مصانع وآلات وتكنولوجيا جديدة، تراهم يحاولون زيادة الانتاج عن طريق تخفيض الأجور الحقيقية في سباق إلى القاع في كل مكان. ولكن هذا لا يفيد إلا في تفاقم التناقض بواسطة تخفيض الطلب، والذي بدورهِ يُفضي إلى مزيد من التدهور في الاستثمار.

          إن النمو في إنتاج مُحتمل في الدول الرأسمالية المتطورة يُقدّر بـ 6.1% في السنة بين عامي 2015 و2020، وفقاً توقعات صندوق النقد الدولي IMF. إن هذا أعلى بقليل من معدل التوسع في السنوات السبع الماضية، ولكنهُ أقل بكثير من مُعدلات النمو قبل الانهيار، حينما توسع الناتج المُحتمل إلى نسبة 25.2% في السنة. وحتى ذلك الرقم كان بائساً حين مقارنتهِ بالإمكانية الضخمة للصناعة والعِلم والتكنولوجيا الحديثة. غير إن، الآن الإقتصاد جاثماً على رُكبتيه يحبو، ومع هذهِ الحال فإن ذلك التقدير غير مؤكد.

          إن انخفاض الأسعار ومعدلات الاستثمار المنخفضة، التي عادةً تكون أخبار سارّة، أصبحت الآن خطرٌ مُهلِك. إنها مرآة عاكسة للركود الاقتصادي ولإنخفاض الطلب. إن مُعدلات الاستثمار مستمرة بالانخفاض على مدى العقد الماضي. لقد بلغت أدنى مستوياتها، حتى أنها أصبحت سلبية. ووفقاً أندي هالدين Andy Haldane الخبير الاقتصادي لمصرف إنجلترا، هذهِ أدنى المُعدلات منذ خمسة أعوام.

          الانخفاض في النمو والانخفاض في التضخم وغياب معدلات الاستثمار أضاف إلى ما أسماه خُبراء البرجوازية الاقتصاديين بالركود العالمي. إن المُحرِك الاقتصادي للإقتصادات الصناعية يكاد يتوقف عن العمل. ولا يمكن المحافظة على هذا الوضع لفترة أطول. ووفقاً لخُبراء الرأسمالية الاستراتيجيين، إن المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي أكثر شِدة من أي وقت مضى مُنذُ إفلاس شركة الأخوة ليمان Lehman Brothers في عام 2008.

          تَمَثّلَ خير تعبير عن مخاوف البرجوازية في كلِمة ألقاها أندي هالدين Andy Haldane في سبتمبر/أيلول 2015. لقد حَذّرَ: ”تُشكل الحوادث الأخيرة الجزء الأخير من ما يمكن أن يُطلق عليه أسم ثُلاثية أزمة الثلاث – أجزاء. كان الجزء الأول من تلك الثُلاثية هو أزمة ’الأنجلو ساكسون‘ لعام 2008-2009. وكان الجزء الثاني هو أزمة ’المنطقة الأوروبية‘ لعام 2011-2012. وربما نحن ندخل المراحل المُبَكِرة للجزء الثالث من الثُلاثية، وهي أزمة ’السوق الناهِضة‘ لعام 2015 وصاعداً.“

          إن المشكلة للبرجوازية هي أنها استنفدت الآليات التي تحتاجها للخروج من الركود أو للتخفيف من تأثيره. وحينما يحدث الركود التالي (وهي مسألة حينما، وليست مسألة إذا) ستنقصها الأدوات كي تستجيب. وتظل معدلات الاستثمار منخفضة جداً والمستويات العالية المُستمرة للديّن تستبعد دفع المزيد من أموال الدولة. ”إن الأدوات اللازمة لمثل هذا الظرف ليست في مُتناول اليد الآن،“ حسب تعبير الاقتصادي مارتن وولف كويلي Martin Wolf coyly.

الديّن العالمي والدول الخمس الناهِضة أل BRICS

          مُنذُ أن بدأت الأزمة والديْن العالمي حقيقةً يزداد. إن أمل التعافي المالي قد حدثَ ولكن في أجزاء قليلة متفرقة فقط من الاقتصاد العالمي. إن مستوى الديْن بلغ مقياساً غير مسبوق. لقد وصل الديْن الحكومي في زمن الحرب إلى المستويات الراهِنة، ولكن لم يصل إلى هذهِ المستويات قط في زمن السِلم، ولم تبلغ ديون الأسرة والمؤسسة من قبل قط إلى مثل هذهِ المُستويات. كان الديْن قبل الأزمة يرتفع في كل مكان. ففي الولايات المتحدة بلغ 160% من الناتج المحلي الإجمالي GDP في عام 2007 وفي بريطانيا بلغ ما يُقارب 200%. وفي البرتُقال بلغ مثل هذا الديْن 226.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2009. وفي عام 2013 كان لا يزال بنسبة 220.4%. وتبلغ نسبة مجموع الديْن في الولايات المتحدة الآن 269% من الناتج المحلي الإجمالي. ولم يبلغ مثل هذا المستوى من قبل إلا مرة واحدة في التاريخ. كان ذلك في عام 1933 عندما بلغ 258%، وبعدها انخفض سريعاً إلى 180%.

          كان القصد من نظام التقشُف هو خفض حجم الديْن، وبشكل خاص ديْن الدولة. ولكن الأرقام تُظهِر بأن هذا ليس هي القضية. في تقرير معهد مكنزي الدولي في فبراير/شباط 2015، وجدنا أن الديْن العالمي قد أزداد بنسبة 57 مليار دولار مُنذُ عام 2007، أو من 269% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 286%. وهذا يحدث في كل قطاع من الاقتصاد العالمي، ولكن مع الديْن الحكومي بشكل خاص، والذي يرتفع بنسبة 9.3% سنوياً. إن هذا الارتفاع في مستويات الديْن يحدث أيضاً بشكل خاص في كل دولة. بعض الدول فقط التي تعتمد على الصين أو على أسعار النفط كانت تُخفض مستويات الديْن لديها، ولكن هذا وصل إلى نهاية فجائية خلال السنتين الماضيتين. إن هذا الجبل الضخم من الديون يعمل كعبء ثقيل على الاقتصاد العالمي، حيثُ أنهُ يكتم الطالب ويُبطأ الانتاج.

          إن جميع الاقتصادات التي تُسمى البركس BRICS هي في أزمة: فدول مثل البررازيل والهند وروسيا تمر في ظروف صعبة. بل أن البرازيل وروسيا تُعانيان من الكساد. وأن التباطؤ في ما تُسمى الأسواق الناهِضة بدأ حتى أشد حِدةً من ما هو عليه في الدول الرأسمالية المتقدمة. يتوقع صندوق النقد الدولي بأن انتاجها المُحتمل، الذي استمر في التوسع تجاه الأزمة، محتم أن يتراجع من 6.5% في السنة بين عام 2008 و 2014 إلى 5.2% في الخمس سنوات القادمة.

          كان النمو في هذهِ الاقتصادات واحداً من العوامل الرئيسة التي منعت أزمة عام 2008 من أن تتطوّر إلى ركود عميق في الاقتصاد العالمي. قُدِرَ نصيب ما تُسمى الأسواق الناهِضة بـ 80% من النمو العالمي على مدى الخمس سنوات الماضية. إن هذهِ الأسواق، خاصةً الصين، لعِبت دور المُحرِك للإقتصاد العالمي قبل الركود وبعده. كانت مجالاً مُهِماً للاستثمار سابقاً، عندما كانت المَخْرَجات المُربِحَة نادرة في الغرب.

          ولكن ذلك الآن انقلب إلى عكسهِ. من كونها العامل الذي أنقذ الرأسمالية العالمية أصبحت الآن الخطر الرئيس الذي يُهدد بإنهيار كامل الاقتصاد العالمي. إن ارتفاع الديْن على نحوٍ مثير لم يقتصر على الاقتصاديات النامية تقليدياً. بل أن ديون ما تُسمى الأسواق الناهِضة قد ارتفعت إلى أبعاد غير مسبوقة. تُبين دراسة ماكنزي أن مجموع ديْن ”السوق الناهض“ ارتفع إلى 49 مليار دولار في نهاية عام 2013، بنسبة 47% من النمو في الديْن العالمي مُنذُ عام 2007. وذلك أكثر من ضعفي نصيبه من نمو الديْن بين عامي 2000 و 2007.

          وفقاً لصندوق النقد الدولي، عانت مجموع مدخرات العملة الاجنبية التي تمتلكها ”الأسواق الناهِضة“ في عام 2014 (مؤشر مهم لتدفق رأس المال) أول تراجع سنوي مُنذُ أن بدأت السِجلات عام 1995. إن هذهِ التدفقات لرأس المال تشبه تدفق الدم إلى شخص في حاجة إلى نقل دم. وبدون التدفق المستمر لرأس المال سوف لن تحصل ما تُسمى الاقتصادات الناهِضة على المال لتُسدد ديونها وتموّل عُجوزاتها وهي تستثمر في البُنية التحتية وفي التوسع في الانتاج. وتنقل محطة البي بي سي BBC أرقام من المركز الدولي للدراسات النقدية والمصرفية (ICMBS):

”مُنذُ عام [2008] حين ذاك، إنه العالم النامي، خاصة الصين الذي دفع بزيادة الديْن. بالنسبة للصين، يوضح التقرير الزيادة في الديْن ك ”رئيسي.“ مُستثنياً الشركات المالية لديها زيادة بنسبة 70 بالمائة تُشير إلى مستوى أعلى بكثير من أي اقتصاد ناهض آخر. يقول التقرير أن هناك زيادات واضحة في تركيا والأرجنتين وتايلند.

          إن ”الاقتصادات الناهِضة“ تُقلق بشكل خاص مُعدي التقرير: ”قد يكونوا في مركز زلزال الأزمة القادمة. على الرغم من أن مستوى الرفع أعلى في الأسواق المُتطوّرة، إلا أن سرعة عملية الرفع الأخيرة في الاقتصادات الناهِضة، خاصةً في آسيا، هي بالفعل قلق مُتزايد.“

          إن بعض تدفقات رأس المال البارِزة تصدر من الدول التي تُراكِم الديون بشكل سريع. كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، شَهِدَت ديْنها لنسبة الناتج المحلي الاجمالي إلى زياد في الديْن بنسبة 45 بالمائة نقطة بين عامي 2007 و 2013، في حين أن الصين وماليزيا وتايلند وتايون تعرضت لفورة ديْن بنسب 83، 49، 43، و 16 بالمئة نقطة على التوالي.

          إن هذهِ الاقتصادات هي في تباطؤ أيضاً أو هي في ركود، تُعدُ لركود عالمي عميق في الفترة القادمة.

مشكة في الصين

          إن أكثر القضايا خطورة هي أن الاقتصاد الصيني يَمُرُ بتباطؤ حاد. إن التباطؤ في ”الاقتصادات الناهِضة“ هو بسبب الركود المُطوّل على الطلب في الاقتصادات الرأسمالية المُتقدمة من ناحية، وبسبب تراجع الصين من ناحية أخرى. إن هذا المشهد يجب أن يُترْجَم إلى تجارة عالمية ضعيفة على نحوٍ ظاهر. ومن الناحية الجدلية، كل شي في تواصل بيني، حتى يُفضي الطلب والأسواق الضعيفة إلى انتاج واستثمار ضعيفين. ويُفضي الاستثمار الضعيف إلى انتعاش ضعيف، والذي بدوره يُفضي إلى طلب ضعيف.

          يمكن النظر إلى النمو الهائل للتصنيع في الصين من الإحصائيات حيث أنهُ ما بين عام 2010 و 2013، سكبت الصين مواد مُصنعة في الأسواق أكثر مما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين بكاملِه. ولكن الطاقة الانتاجية الهائلة للمصانع الصينية لا يُعادلها نمو مُتبادل في الطلب العالمي. والنتيجة الحتمية هي أزمة زيادة الانتاج على الطلب.

          وفي الفترة حتى عام 2007، كان الأئْتمان وتعمير الداخل هما المُحرِك للطلب العالمي، خاصةً في الولايات المتحدة وأسبانيا. لقد أخذت الصين هذا الانهيار والطلب، حيثُ كانت تسكب المليارات في البنية التحتية والقروض المصرفية. تم استثمار ما يزيد على 40% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي راكم قوى الانتاج والطلب على المواد الخام. كما أنهُ راكم طاقة زائدة هائلة.

          إن انفجار الفُقاعة في الغرب الذي بدأ في عام 2008 أفضي إلى قيام الحكومة الصينية بضخ كميات هائلة من المال في الاقتصاد. وهذا بدورة قد أفضى إلى فقاعة تخمينية هائلة وإلى تراكم هائل للديْن على جميع المستويات من الاقتصاد الصيني. إن هذهِ الفُقاعة في طريقها للإنفجار، بنتائج بعيدة الأثر على مستوى العالم. إن الصين سالكة نفس الطريق مثل اليابان، إنهُ طريق الركود المُطوّل. إن التباطؤ بدورهِ في الصين معناه إنهيار أسعار السِلع، والذي أصاب ”الاقتصادات الناهِضة“ إصابة مُوجِعة. والشيء الأكثر أهمية هو أن الصين تُمثل 16% من الانتاج العالمي و 30% من النمو العالمي. عندما تتباطأ الصين يتباطأ العالم.

          إن زيادة الانتاج على الطلب في الصين يؤثر على الحديد الصلب وعلى سِلع مُصنعة أخرى. هناك تراكم هائل للديْن، وهناك مخاوف من انهيار سوق العقار شديدة السخونة. أكثر من الف منجم للحديد الخام على حافة الافلاس المالي. وتتوقع مجلة الفايننشل تايمز: ”إن الصين بشكل خاص قد تشهد تقلص حاد في نمو الانتاج المُحتمل، حين تحاول إعادة توازن اقتصادها بعيداً عن الاستثمار ونحو الاستهلاك.“ وقد قال رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ لسفير الولايات المتحدة بإنهُ يعتمد على ثلاث أشياء ليحكم على النمو الاقتصادي: استهلاك الكهرباء وحجم حمولة السكة الحديد وتسليف البنوك. على هذا الأساس صنف خُبراء الاقتصاد في مؤسسة فاثوم ”مؤشر القوة الدافعة الصينية“ من ثلاث مجمعات من الأرقام. يُبيّن المؤشر أن السرعة الفعلية للنمو قد تكون منخفضة إلى حد 2.4%. إن حجم حمولة السكة الحديد منخفضة بشكل حاد والاستهلاك الكهربائي منخفض جداً. ونتيجة لانخفاض النمو خفضت الصين معدل الاستثمار ست مرات في الإثناء عشر شهراً الأخيرة. كما أنها عوّمت عُملتها لتُنعش صادراتها، الأمر الذي صعد الخلاف مع الولايات المتحدة مما أدى إلى عدم استقرار هائل في كل مكان.

          لقد أثر تراجع النمو في الصين على الدول التي تُسمى ”الاقتصادات الناهِضة“، خاصة تلك التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الصين. إن مخاوف التباطؤ الصيني استشعرها الخبراء الصينيون أنفسهم، خاصة في انخفاضات سوق الاوراق المالية. وتدخلت السُلُطات بضخ 200 مليار دولار لتُعيد التوازن للسوق، ولكنها استسلمت في النهاية. واستحكم الذُعر بالمستثمرين. يقول، تاو ران Tao Ran إستاذ الاقتصاد في جامعة بيجينغ ”إن لم نقوم بعملية إصلاح، فإن الاقتصاد الصيني قد يتباطأ إلى درج الانهيار.“ ”إن كل ما أنجزناه في العشرون أو الثلاثون سنة الماضية سوف يذهب سُدًى.“ إن قسم الأبحاث لثاني أكبر بيت للسمسرة في اليابان، دياوا Daiwa، قام بعمل لم يسبق أن قام بهِ أحد من قبل وقدم تقريراً وضع بهِ ”إنهياراً“ مالياً عالمياً سريع، ذلك الإنهيار الذي لم يكن سِوى نتيجة لكارثة اقتصادية صينية، من أفضل مَشاهد قضاياه. وأضاف بأن أثر هذهِ الكارِثة العالمية ستكون ”أسؤ ما شهِده العالَم قط.“

التجارة العالمية

          إن أكثر التهديدات خطورة على الاقتصاد العالمي هو عوْدة الميول الحمائية. إن نمو التجارة الدولية في العقود السابقة وزيادة التقسيم الدولي للعمل (”العولَمة“) قاما بمقام القوة المُحرِكة الرئيسة للإقتصاد العالمي. بهذهِ الوسائل تمكنت البرجوازية جزيئاً ولفترة مؤقتة من التغلب على محدودية الدولة الوطنية. ولكن الآن كلُ هذا تحول إلى ضدهِ.

          والمِثال المُثير لهذا هو الاتحاد الأوروبي، الذي حاولت البرجوازية الأوروبية (بقيادة فرنسا وألمانيا، والآن بقيادة ألمانيا لوحدها) أن تتوحد في سوق واحدة وبعُملة نقدية واحدة، اليورو euro. توقع الماركسيون بأن هذا العمل مصيره الفشل وبأن أول أزمة اقتصادية حادة ستفضي إلى عودة جميع الانقسامات القومية والمتنافسين القدماء، والتي كانت مُختبِئة ولكنها لم تضمحل نتيجة للسوق الواحدة.

          إن أزمة اليورو euro الذي هبط فجأة مُقابل الدولار dollar، تعكس مدى خطورة الأزمة الاقتصادية. فأزمة اليونان ما هي إلا التعبير الأكثر وضوحاً للأزمة التي قد تفضي إلى إنهيار اليورو euro وربما إلى تفكك الاتحاد الاوروبي في حد ذاتهِ. إن مثل هذا الحدث سيكون له أخطر النتائج على الاقتصاد العالمي بكامله. لهذا السبب يحث الرئيس الأمريكي السيد أوباما Obama الأوروبيين على الاسراع في حل الأزمة اليونانية بأي ثمن. إنهُ يُدرِك أن إنهيار الاتحاد الأوروبي سيُفضي إلى أزمة في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

          يُسجل العام 2015 السنة الخامسة على التوالي أن النمو الاعتيادي في ”الاقتصادات الناهِضة“ قد تراجع، وخطف معهُ في تراجعهِ النمو العالمي. قبل عام 2008 نمى حجم التجارة الدولية بنسبة 6% سنوياً، وفقاً لبيانات منظمة التجارة الدولية. ولقد تباطأ حجم نمو التجارة الدولية بنسبة 2.4% على مدى الثلاث سنوات الماضية. وعانى في الست شهور الأولى لعام 2015 من أسؤ أدائه مُنذُ عام 2009.

          كانت التجارة في الماضي عامل رئيس يُحرك الإنتاج، ولكن لم تعُد كذلك الآن. مُنذُ عام 2013 كل 1% من النمو العالمي أنتج ارتفاعاً في التجارة بنسبة 0.7% فقط. في الولايات المتحدة الأمريكية لم ترتفع الواردات المُصنعة قط كنصيب من الناتج المحلي الاجمالي مُنذُ عام 2000. وفي العقد قبل ذاك تضاعف حجمها تقريباً.

          لا مفر من المُحصلة النهائية: العولمة في تباطؤ. ومُحرِك النمو الاقتصادي، التجارة الدولية، تتلكأ. في شهر أيار/مايو (2015) هبط حجم التجارة الدولية بنسبة 1.2%. هبط إلى 4 من الخمس شهور الأولى من عام 2015. إن دورة مُحادثات العاصمة القطرية الدوحة مُستمرة على مدى 14 عام وقد تم في الواقع إهمالها. فالولايات المتحدة الأمريكية عوضاً عن ذلك، تُحاول إيجاد شُركاء لحرية تجارة اقليمية من أجل مصالحها الإمبريالية الخاصة.لقد ناقشوا مؤخراً شراكة عبر الباسفيكي Trans-Pacific Partnership، التي بإمكانها تغطية 40% من الاقتصاد العالمي، ولكنها مليئة بالتناقضات. تحتاج أن يُصادق عليها حشد كبير الدول، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي هي ليست مُتأكدة بأي حال من الأحوال. فالرئيس أوباما Obama يواجه برلماناً عدائياً وقد لا يتمكن من التصديق عليها قبل نهاية فترة حُكْمِهِ.

التفاوت – عدم المساواة

          إن تَرَكّز رأس المال الذي تنبأ بهِ ماركس Marx بلغ مستويات لم تخطر على بال أحد. لقد أوجد مستويات من التفاوت غير مسبوقة. سُلطة هائلة تتركز في أيادي أقلية صغيرة من الأثرياء رجال ونساء الذين هم في الحقيقة يتحكمون في حياة ومصير شعوب العالم.

          كما أن الشباب والنساء والأقليات العرقية يعانون أيضاً على نحوٍ غير متناسب من الأزمة. وهم أول من يُفصل من عمله، وهم هؤلاء الذين يتعرضون لأكبر جزء من تخفيض الأجور. وتفاقم الأزمة من تأثيرات عدم المساواة والتمييز بين الرجل والمرأة وكذلك تُغذي أمزجة العُنصرية وكُره الأجانب وعدم التسامُح تجاه الأقليات مابين الطبقات المُتخلِفة من السُكان.

          إن الشباب هم أكثر من يعاني من التوقع الاقتصادي الحالك على مدى عدة أجيال. ويعترف بذلك جميع الخبراء الاقتصاديون للبرجوازية. لقد شهِدَ الشباب أكبر انخفاض في الدخل والبطالة. فهم يعانون من الهجوم المستمر على جميع مستويات التعليم، الذي يتم تقطيعه وخصخصتهِ دون هوادة لصالح رأس المال المالي. فالجامعات أصبحت بشكل متزايد للأقلية المُترَفة.

          حُرِم أغلب الشباب من الفُرَص التي كانت في السابق أمر مُسلم بهِ بالنسبة لهم. إن هذا سبب رئيس لعد الاستقرار ويُهدد بوقوع ثورات اجتماعية. كان عاملاً رئيس في ما سُمي بالربيع العربي، وهناك ثورات مُماثِلة يُحضّر لها في كل مكان.

          في كل مكان أصبح الفُقراء أكثر فقراً والأثرياء أكثر ثراءً. أصدرت مؤسسة أوكسفام Oxfam الخيرية تقريراً يُبين أن نصيب الثروة العالمية التي يمتلكها الأثرياء ازدادت بنسبة 1% من 44% في عام 2009 إلى 48% في عام 2014، في حين أن نسبة الفقراء 80% يملكون الآن نسبة 5.5% فقط. وبنهاية عام 2015 فإن نسبة 1% لأثرياء العالم يملكون ثروة (50.4%) أكبر من ما يملكه بقية 99% مجتمعين.

          تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أن معلوماتها تُثير أسئلة اجتماعية وسياسية بالإضافة إلى الأسئلة الاقتصادية. قالت السيدة ويني بيانيما Winnie Byanima المدير التنفيذي لمؤسسة أوكسفام الدولية الخيرية Oxfam إن التَرَكُّز المُتزايد للثروة المُلاحظ مُنذُ فترة الركود العميق لعام 2008 -9 كان ”خطيراً وفي حاجة إلى تغيير.“

          لقد أجبرت الإصلاحات الحقيقية زُعماء العالم على التصدي لمشاكل التفاوت والتمييز والإقصاء الاجتماعي، إلى جانب التغيير المناخي وغيرها من القضايا المُلِحة التي تواجه الإنسانية. ولكن كيف يمكن تحقيق هذهِ المُعجزات في ظل النظام الرأسمالي، لم يتطرق إلى هذا أحد. فالمؤتمرات واللقاءات تأتي وتذهب. والخُطب تُلقى. وتُرفع التوصيات. ولا شيء يتغيّر.

تقشف دائم

          إن المنظور هو فترة طويلة الأمد يتم خلالها تعطيل فترات الركود الاقتصادي عن طريق فترات من النمو الاقتصادي البطيء مع مصاعب اقتصادية مُتزايدة: بتعبير آخر، تقشف دائم. وهذا مشهد جديد، يختلف كلياً عن ذلك الذي كان موجوداً في الدول الرأسمالية المتقدمة لفترة تزيد على خمسين عاماً بعد الحرب العالمية الثانية. ولهذا، فإن العواقب السياسية سوف تكون أيضاً مختلفة جداً.

          لقد وضحنا مرات عديدة بأن كُلُ محاولة للبرجوازية لإعادة التوازن الاقتصادي سوف تُدمر التوازن الاجتماعي والسياسي. وهذا ما يحدث الآن تماماً على النطاق العالمي. إن الركود الاقتصادي طويل الأمد يخلق المصاعب الاقتصادية ويُخرب التوازنات القديمة. لقد اختفت التأكيدات القديمة وهناك شك عالمي في الوضع الراهن، في قيمهِ وأيديولوجياتهِ.

          مُنذُ بداية الأزمة المالية العالمية في عام 2008 خسرت الشعوب 61 مليون وظيفة. فوفقاً لتقديرات مُنظمة العمل الدولية (ILO) إن عدد العاطلين عن العمل سوف يستمر في الازدياد على مدى الخمس سنوات القادمة، ليصل إلى أكثر من 212 مليون بحلول عام 2019. وتُعلن، المنظمة، بأن ”الاقتصاد العالمي قد دخل فترة جديدة تتضمن النمو البطيء وتفشي التفاوت والأضطراب.“ وإذا أضفنا العدد الهائل من الناس الذين لديهم وظائف هامشية فيما يُسمى القطاع غير الرسمي، فإن العدد الحقيقي للبطالة في العالم سوف لن يكون أقل من 850 مليون عاطل. إن هذا العدد بمفردة يكفي لإثبات أن الرأسمالية قد أصبحت عائقٌ لا يُحتمل أمام التقدم.

          تُحاول الحكومات في الدول الرأسمالية المتقدمة تخفيض مستويات الديْن الذي تراكم أثناء الأزمة عن طريق تخفيض الأجور ومعاشات التقاعُد. ولكن سياسة التقشف قد خفضت بشكل حاد مستويات المعيشة دون أن يكون هناك تأثير خطير على تراكم الديْن. لقد فشلت جميع التضحيات التي فُرِضت على الجماهير الكادحة على مدى السبع سنوات الماضية في إيجاد حل للأزمة؛ بل على النقيض من ذلك، فقد زادت الطين بَلة.

          ليس لدى أصحاب نظرية كنزي الاقتصادية ولا أصحاب النظرية النقدية المُحافظون أي حلول ليُقدِموها. وتستمر مستويات الديْن القاسية في النمو بِعِناد، وكأنها عبء ثقيل على النمو. تحاول الحكومات والشركات بإلقاء العبء على أكتاف الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة لكي تُخَفِف من مستويات الديْن لديها. إن لهذا تأثيرات عميقة على العلاقات الاجتماعية وعلى مشاعر ووعي جميع الطبقات.

اقرأ المزيد

أين نحن من العدالة الاجتماعية؟

لإرساء أسس للعدالة الاجتماعية لا بد من توفير الحماية للناس من سن الطفولة حتى الشيخوخة تحت سلطة القضاء النزيه الذي من خلاله تطبق القوانين على الجميع لتطال الجميع: الفقراء والأغنياء والعمال وأرباب العمل وكل المسؤولين ومنهم النافذين، ومن خلال هذا المنهج لتطبيق العدالة الاجتماعية حتماً سوف يسود المجتمع الأمن والاستقرار الحقيقيين

ولابد من مشاركة المجتمع المدني في أمور الحياة السياسية والاقتصادية، وفي صنع القرار السياسي، وأن تكون الرقابة الشعبية فاعلة من خلال مؤسسات المجتمع المدني على أموال الشعب وتسمى الأموال العامة لحفظها من صنوف التلاعب، وتوقيف مكينة الفساد المالي والإداري وإلغاء البيروقراطية المتسببة في ذلك، والابتعاد كلياً عن سياسات الاقصاء والتهميش والتمييز بين المواطنين على أسس الدين أوالعرق أو اللون.

وإذا أسقطنا ذلك على واقعنا الحالي في البحرين، هل نحن نعيش تحت مظلة العدالة الاجتماعية، نجد أن الكثيرين لا يقرون بذلك بحكم ما يجري من بث للنعرات الطائفية والتمييز بين المواطنين على شكل مذهب أو مناطقي، نحن نرى أن الفقر والعوز والبطالة ظاهرة منتشرة في وسط المجتمع وأيضاً الفساد آخذ في التراكم، ولدينا مطالب سياسية في تطوير العملية الديمقراطية لإعطاء المواطنين دوراً في عملية المراقبة والتشريع، كما ان هناك سياسات قائمة لتهميش المجتمع المدني من خلال ممارسات شتّى من الضغوط على مؤسساته، وكأننا متأثرين كثيراً بما يحصل من أوضاع سياسة مدمرة على مستوى الوطن العربي.

 عندما يخسر المواطن فرص الحصول على عمل أو وظيفة وأيضاً يخسر الرعاية الطبية وعندما تزداد عليه صعوبة الحياة المعيشية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار خصوصاً للمواد الغذائية والكمالية والعقارية، في ظل الزيادة الملحوظة للمزيد في تحميل المواطن أعباء الضرائب لتوفير السيولة بدلاً من الإخفاق في رفع أسعار النفط الذي تتلاعب به الشركات الأجنبية، خصوصاً في ظل خصخصة المؤسسات الاقتصادية الحيوية ومنها التعليمية والطبية والاسكانية والخدماتية مثل الكهرباء والماء، ناهيك عن اغراق المجتمعات الخليجية بالملايين من العمالة الوافدة وترك مسألة البطالة في تفاقم بدون ضوابط أو مراعاة لطالبي العمل والوظيفة.

وعلى سبيل المثال نحن في البحرين، حيث وصل عدد العمالة الوافدة  إلى أكثر من 500 ألف عامل، وهذا مؤشر خطير جداً على حياة المواطنين خصوصاً في ظل سياسات التجنيس السياسي الذي يراد به تخريب وتشويه المجتمع البحريني وخلق بيئة غير متجانسة بين أفراد المجتمع، هنا يمكن أن نتساءل  أين نحن من العدالة الاجتماعية؟

اقرأ المزيد

الوَحدة الوطنية وآفاقها

هناك مفاهيم مختلفة للوحدة الوطنية، وتعريفات بعض متباين عن بعض، وبعضها مختلف عن بعض، وربما يصل حد الاختلاف إلى وجود بونٌ شاسع بين تعريف وتعريف، ولكنها في النهاية لها مؤشرات متقاربة إلى حد كبير.

فالوطني في رأي عادل محمد صادق، هو من عاش في الوطن، وتفاعل معه اجتماعياً واقتصادياً، وفيه اختيار للوطن عن طيب خاطر، وفيه طول المُكث الذي ينمّي العلائق التاريخية مع المحيط. والوَحدة في بعض آراء الباحثين هي أيضاً تقارب واتفاق اختياري بين المجموعات التي تعيش في الإقليم ذاته، ينطبق على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي تدرك بوعيها الظاهر أو الباطن، أن هذه المجموعات والأفراد مترابطون، ولا يمكنهم النهوض والنماء إلا بالحفاظ على تماسكهم جميعاً.

والوحدة الوطنية عند البعض هو التعايش بين الطوائف والأعراق، وعند بعض العلماء هي الالتفاف حول الراية الوطنية، كما أن (لوك) يراها تتم في قيام سلطة عامة يقبل بها جميع أفراد الشعب وفق إراداتهم الحرّة، فتكون السيادة للشعب، ويجب أن يأتي الحكام من الشعب، لتتطابق المصالح والإرادات معاً.

وإذ يرى البعض أن الوحدة الوطنية عبارة عن بوتقة تنصهر فيها المصالح الضيقة والفئوية في النطاق الوطني الأعلى؛ فإن إنجل يعتبر الوحدة الوطنية تكاملٌ تفاعلي مستمد من علاقات التأثير والتأثر المتبادل بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، ثم بين الجماعات بعضها ببعض، بما يزيد ويدعم تضامنهم الداخلي.

ويذهب الباحث الكندي غلين ويكشفن إلى التحديد أكثر بقوله إن الوحدة الوطنية هي الأثر الذي يحدث نتيجة أسباب معينة في المجتمع، حيث تقود هذه الأسباب إلى ترابط الشعب مع بعضه البعض، وهذا الترابط من شأنه أن يمنع دعوات الانفصال.

وإن لإدامة هذه الوحدة الوطنية، لا بد من معرفة الأسباب التي تؤدي إلى تدميرها مثل: انعدام الأمن، وتأكيد المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والتمييز بين المواطنين من قبل الحكومة، ووجود محسوبية في أجهزة الدولة.. ويرى الباحث الكندي أن زيادة الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية ليس حلاً لتحقيق الوحدة الوطنية، بل إن أفضل الحلول (من وجهة نظره) تأكيد الحريات الفردية للمواطنين.

وحتى لا أدخل في استعراضات مطوّلة لما قاله الباحثون والعلماء في القرون الماضية إلى الحاضر في شأن الوحدة الوطنية، منذ أن تكونت الدولة الحديثة؛ فإننا ندرك – ولا شك – بالحسّ المجرّد ما الذي يجعل أن بلد ما تثور حميّتهم تجاه أي قدح وذمّ موجه إليهم، سواء بالحق أو بالباطل. بل ويحدثني أحد الأخوة أنه على الرغم من أن عدداً من أقربائه كان مسجوناً في أحداث التسعينات، فإنه لم يجد نفسه إلا مدافعاً على كل ما يخص البحرين، ورجالات الحكم فيها، إزاء تعريض واحد من غير البحرينيين بهم… إنها حميّة محمودة إلى حد كبير، والإبقاء عليها اليوم بات من الأمور الصعبة جداً، والمحزنة جداً في الوقت نفسه.

هذه الحميّة هي التي تجعل الكثير ممن نعرف من أبناء الوطن العربي يتبرّمون، ويجأرون بمرّ الشكوى، من أوضاع بلادهم، ومما تعانيه، ومن أناس بأعينهم، وأنظمة، وسياسات، ولكنها أبداً لا تقبل معشار هذا الكلام إن جرى على لسان الغير، وهذا ما أعتقد أننا مررنا به جميعاً ولو ادّعى بعضنا التجرّد والعقلانية والاعتدال.

الاختلافات والتباينات بين التعريفات كثيرة جداً، وهذا شأن جميع الأمور غير المحسوسة، أو غير المادية، كتعريف الحب مثلاً، أو الصداقة، أو العلاقات الأسرية، ففيها جوانب نفسية ولاشك، وفيها جوانب مادية أيضاً، ولكننا لا نعرف بالتحديد أين تقف الأولى من الثانية، وما العوامل الأكثر أهمية، وما الذي يسبق ماذا، وما هي الفطرة وما هي الماديات في هذا كله، كل ما نعرفه أننا ننتمي إلى وطن، ولا نعرف لماذا نحبه، ولماذا نفديه، ولماذا نغار عليه، ولماذا نذود عنه، مع أن هذا الوطن (أي وطن كان في الدنيا) ليس هو الأجمل، ولا الأكمل، وفيه من المعايب ما فيه.. ولكنه يستحق من المواطنين أن يكونوا له فداء.

الوضع في البحرين:

تعالوا لنتساءل: هل كان البحرينيون في وحدة وطنية ذات يوم؟

غالباً ما نتفاخر بالماضي حينما كان الناس يعيشون في وئام، وبروح الأسرة الواحدة، والتعاون بين الأطراف، والتزاور في المناسبات الدينية والاجتماعية.. ولكنني أختلف مع هذا الطرح الطوباوي. فلو كان الناس ملتئمين إلى هذا الحد، لما وقعت احتكاكات سجلها التاريخ المعاصر، وراح ضحيتها أشخاص.

ولو ألقينا باللائمة على الاستعمار وعملائه، فإن الأمور لا تنجح إلا إن كانت هناك أرضيات قابلة لانفجار الأوضاع، وانقلابها إلى الأسوأ.

وأيضاً لما حدث الحادث الذي أدى إلى التوتر الشديد والذي كاد أن يفضي إلى مواجهات طائفية، لولا نفر من الوطنيين ذوي الرؤية الثاقبة التي كانت تعمل منذ سنوات على لمّ الشمل وتوحيد الجهود ضد المستعمر، فرأوا في هذه الحادثة خير بداية حقيقية لحركتهم.

ومما يؤسف له أيضاً، أن الإسفين الذي شقّ التماسك بين قيادات الهيئة أيضاً دُق على أسس غير وطنية، وإنما دينية وطائفية.

ويمكننا تذكر الماضي القريب عندما كان اليسار يتراجع مع صعود التيارات الإسلامية كيف انقسم الناس إلى طائفتين كبيرتين مع الثورة الإيرانية وما أعقبها من حرب ضروس استمرت ثماني سنوات.

والماضي الأقرب كان في أحداث 2011، حيث زاد الانقسام حدة، وعاد أكثر الناس إلى منابعهم الإثنية والمذهبية، حتى وإن كابروا، فهذا التراجع والتمترس ما كان ليخفى على أحد، وعلى الرغم من الكثير من السلبيات التي حاقت بالحراك في ذلك الحين، إلا أنه كما يقول الشاعر:

جزى الله الشدائد كل خير      عرفتُ بها صديقي من عدوّي

وإذ ليس بيننا عدو، وإنما هي وجهات نظر متباينة، فإن الوضع الحاد الذي كانت عليه البحرين، أفرز بدوره مواقف حادة جداً، وفي بعض الأحيان مرعبة… ولكنها واحدة أيضاً من تجليات الوحدة الوطنية لدينا، ومدى هشاشتها.

والغريب في الأمر أن الحنين إلى الماضي يلازمنا في كل ما تقدم، فما أن يمر بنا موقف حتى تمنينا لو أن نعود إلى ما كنا عليه قبلاً، وهكذا الوضع حتى في العام 2011، صرنا نفضل لو أننا مجتمعياً لا نزال في 13 فبراير من ذلك العام… على الرغم من أن ما حدث بعد ذلك يقول أن الأرضية التي كنا نقف عليها من الرخاوة والرقة لكي يأتي حدث مثل هذا ويشققها من تحت أرجلنا، ويجعل الكم الأكبر من الناس هنا يتخبطون في بحر لجّي قذر من التعاطي مع الأمور بشكل طائفي.. بعضنا كان قريباً من الساحل فما كان منه إلا نجا بنفسه… ومنا من بقي في اللج، لا يريد أن يصل إلى شاطئ النجاة، بل ويريد أن يجرّ الآخرين إلى حيث هو… بعضهم استمتع بهذه التجربة، أو استفاد أو لمع نجمه، فلا يريد لها أن تنتهي، وبعضهم ثاب إلى رشده… وقلة قليلة جداً لم تتسخ بهذا الذي وقع، إلا برشاتٍ من هذا الماء الآسن.

كيف الخروج؟

إننا إذا ما أردنا الخروج من هذا الذي ولجنا فيه، والذي ولج فيه الذين سبقونا من قبل؛ علينا فتح قنوات شعبية أكثر للحوار بين مكونات هذا المجتمع.

على المخلصين منا للوحدة الوطنية أن يتحمّلوا نزق الطرح الأحادي، كما أن عليهم أن يدركوا أن هناك من هو مدفوع (سواء من قبل الآخرين أم من قبل نفسه… سواء كان ذلك بأجر أو وعد بأجر… أم أنه إيمان منه بفضل الغشاوة التي تكون أحيانا على العيون) لتفخيخ أي حوار.. وتسميم أي مبادرة، وهنا يأتي دور الوعي لتفويت الفرصة على أمثال هؤلاء.. والتاريخ يحفل بالكثير من هذه القصص التي ينجح فيها مثيرو الفتن.. وهذا يعتمد على صلابة المبادرات والقائمين عليها، ومدى قدرتهم على التصدي لمثل هذه المحاولات.

آفاق الوحدة الوطنية ستجد في البحرين صعوبة أساسية لا فكاك منها…

لأنها لا تبنى على شيخ شيعي يقابله شيخ سني.. ولا على جمعية وجمعية أخرى مما استشرى وأفسد المشهد السياسي برمّته في البحرين.. إنما يقوم على النفر من المواطنين الذين في الغالب ليست لهم معارك سياسية إبّان الأزمة الأخيرة… ولا أحد يمكنه أن يحسب عليه موقفاً يميل إلى هذا الاتجاه أو ذاك… ولكن من أين يمكن لأشخاص غير فاعلين,… وغير متفاعلين في الأزمات أن يخلقوا اليوم توازناً في المجتمع ويكونوا مقبولين؟؟ كم سيحتاجون من القوة والصبر والتحمل ليخترقوا المؤسسات الدينية والمجالس الأهلية، ويتحملوا كل الكيل والاتهامات والمطالبة باعتذار الآخر، والتراجع عن مواقفه… من ذا الذي يمكنه التصدي لمثل هذا العمل العظيم الجليل من دون أن توضع في عجلاته العصي لتعطيل مسيرته؟!

هذه إشكالية أطرحها علينا جميعاً لنخرج منها.. أرجو أن نخرج منها بما يمكن أن يشكل تياراً جديداً حتى لو استدعى الأمر أن ننتحي جانباً إكراماً لعيون هذا الوطن وندع آخرين يخيطوا ما انفتق.

اقرأ المزيد

وحدتنا الوطنية خيار الحاضر والمستقبل

خلال الأسابيع القليلة الماضية، نظم المنبر التقدمي سلسلة من الفعاليات المتتالية ضمن ملتقى التقدمي الأسبوعي، تمحورت جلها حول اهمية وبواعث وانعكاسات ومرامي الوحدة الوطنية، يأتي ذلك ضمن برنامج مدروس ومعد بعناية من قبل قيادة التقدمي للتعاطي مع هذه القضية واعادة الاعتبار لها  باعتبارها حجر الزاوية في أي عمل وطني  اتجهت او تتجه القوى الوطنية والسياسية نحوه، مستفيدين من تجربتنا الطويلة كتنظيم طالما اهتم وبجدية بأهمية هذا المنحى الوطني الهام على مجمل الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، نظرا لما لها من تجليات وانعكاسات على طبيعة المطالب السياسية والمعيشية وسبل تحقيقها.

 ولأنها قضية تحتل مكانا مهما  ليس بالنسبة فقط لطبيعة وقوة المطالب والشعارات المرفوعة والمحقة التي خبرها شعبنا جيدا منذ مطلع العشرينات على الأقل وصولا لما نعايشه من واقع سياسي واجتماعي يبعث على القلق، بل هي قضية في حقيقة الأمر تفرض علينا الانتباه جيدا لجملة مؤشرات ومفاهيم، ربما نهملها احيانا دون قصد في زحمة العمل السياسي اليومي، حين تتداخل القضايا والملفات ومعها ارتدادات ما يحدث في الاقليم المضطرب من حولنا، خاصة وأن التعاطي مع الشأن العام  في بلد صغير كالبحرين تتضاءل فيه حرية التعبير وتغيب فيه مساءل جوهرية تتصل بحياة الناس الأساسية وحقوقهم وكرامتهم ومستقبل ابناءهم، هذا الوضع بكل تأكيد  لا يوفر مساحة او فرصا حقيقية امام المشتغلين بالسياسة والطامحين بحق في الاسهام والمشاركة بمسؤلية بجهودهم الوطنية في صنع القرار وبناء مستقبل افضل لأبناء شعبهم ضمن سيرورة التطور المنشودة، وهم الذين تفاءلوا يوما  بالخروج من عنق الزجاجة بعد أن كابدوا مرارة وشظف العيش وقسوة الظروف وسطوة قانون تدابيرأمن الدولة سيء الصيت منذ مطلع السبعينات بعد ان عطلت الحياة النيابية، لتستمر حالة المكابدة هذه لأكثر من ربع قرن ضاعت فيها مقدرات شعب وممتلكات وأموال وحقوق وتوقف الزمن وتراجعت الثقافة والأدب والفن وحتى الأخلاق والقيم، مما سمح ببروز قوى واتجاهات  متطرفة او انتهازية  متهافتة ومتسلقة مستفيدة من حالة المخاض والخوف التي ارهقت بلادنا طيلة تلك السنوات العجاف ولا زالت، وهي قوى تتعاطى مع الوطن  باعتباره نهبا، واذ هي كذلك فانها باتت تصيغ تحالفاتها على هذا الأساس ويستفاد منها في نشر كل هذا التشوه وتعطيل عجلة الزمن، حتى اضحت قوى تبتز الحاضر وتغتال المستقبل بعد ان دمرت الماضي الجميل الذي كنا نفاخر به ردحا من الزمن وقد بناه الآباء الأوائل بعرق وتعب السنين وتضحيات الأجيال، لذلك تجدها في سباق محموم مع الزمن للانتهاء من مهمتها المسخ تلك، لأنها تعرف يقينا انها لا تملك مشروعا قابلا للبقاء والبناء والاستدامة.

 نحن في البحرين هذا البلد الصغير شعبا ومساحة،  والذي لا شك انه  يحتل موقعا مهما ضمن المعادلة الاقليمية على الأقل، انطلاقا من موقعه الجغرافي المتميز في منطقة هي محور للصراع  والمصالح والتجاذبات الاقليمية والدولية، وبالتالي نحن في بؤرة المخاطر المتربصة بالمنطقة بأسرها، يجب ان نعطى الحق كاملا في ان نقول كلمتنا في الحفاظ على مستقبل ومقدرات بلادنا  ضمن قرار وطني تاريخي جريء يجب ان يتحلى بمسؤليتة الوطنية والتاريخية، ويتسع صدره ليحتضن الجميع  دون اقصاء او تهميش من احد، ولا يراهن على رهانات خاسرة لم تزد واقعنا الا تشوها واثبتت التجربة انها رهانات مدمرة فعلا، فهذا الوطن لن يرتقي الا بارادة ابناءه  وجميع قواه الحية دون استثناء، وهو امر يجب ان لا يسمح بعد الآن ان تعترضه لوبيات المصالح والنفوذ، وعلينان ان نعي ان استمرار حالة المراوحة انتظارا لحلول نحن فعلا نجهل طبيعتها وانعكاساتها على الجميع،  وقد تأتي وقد لا تأتي وقد تتأخر كثيرا انتظارا لاطفاء  جملة الحرائق المشتعلة من حولنا،  بل ما هو مغزى ومسوغ الانتظار؟ طالما كنا نجاهر بأننا نمتلك الارادة السياسية والشعبية القادرة على خلق المستحيل كما فعل شعبنا ابان فترة ميثاق العمل الوطني.

  وحدتنا الوطنية هي خيارنا للحاضر والمستقبل وهي قضية لن نمل من تكرارها  وقد لا يعجب ذلك من يعتاشون  بضجر واسفاف على آلام الوطن والناس، لكنها املنا الباقي  الذي علينا ان نتمسك به ونجتهد لتحقيقه دون كلل او يأس فمسؤليتنا عظيمة تجاه الحاضر والمستقبل والتاريخ لن يرحم احدا فلنعتبر من التاريخ.

اقرأ المزيد

معاناة أهالي الدراز

تتواصل ومنذ شهور اجراءات اغلاق غالبية المنافذ المؤدية إلى قرية الدراز، ويخضع الداخلون إلى القرية من القاطنين فيها إلى اجراءات تدقيق تؤدي إلى تأخرهم في بعض الحالات لعدة ساعات قبل وصولهم إلى بيوتهم، خاصة وإن عدد ساكني القرية يقدر بالآلاف، ناهيك عن أقربائهم وذويهم المتحدرين منها والذين انتقلوا للسكن في مناطق جديدة، ولكنهم ليسوا في غنى عن التواصل مع أهاليهم فيها كما هو شأن أبناء البحرين جميعا، في التواصل اليومي  أو شبه اليومي بين أفراد العائلات حتى ولو كانوا في مناطق سكنية مختلفة.

وكلما طال أمد هذا الاغلاق ازددات تبعاته والمعاناة الناجمة منه على أبناء القرية من مختلف الأعمار، وقد برز ذلك منذ بدء العام الدراسي، حيث لم يعد بوسع الحافلات التي تنقل التلاميذ والتلميذات من أبناء القرية إلى مدارسهم الواقعة خارجها، في الوقت المحدد، ما جعلهم يقطعون المسافات مشياً على الأقدام محملين بحقائبهم الدراسية الثقيلة وفي جو حار ورطب في ذروة النهار حيث تبلغ الحرارة درجات عالية.

إن ثمة جانباً انسانياً في الأمر لا بد من مراعاته، فلا يصح أن يعاقب الناس جماعياً تحت أي سبب أو حجة، خاصة وأن هذا العقاب مستمر ولا يزال منذ شهور، دون أن تظهر في الأفق بوادر للعودة عنه، وتمكين أهالي القرية ومحيطها، فضلاً عن أهاليهم وذويهم خارجها من ممارسة حياتهم العادية وحقهم في حرية التنقل والزيارة، كما هو الوضع الطبيعي في مختلف مناطق البحرين.

واجراءات من هذا القبيل، بما تنطوي عليه من تعسف، تخلق مرارات في النفوس، وتزيد من حال الاحتقان التي تعاني منها البلد، والتي ما انفكت القوى الوطنية المخلصة للوطن وأمنه واستقراره وتطوره الديمقراطي تطالب بتجاوزها عبر حلول متوافق عليها، تنقلنا إلى وضع أفضل وتحمي وطننا من كافة الأخطار، التي تجتاح المنطقة.

اقرأ المزيد

عبدالرحمن عثمان

كلما تتوغل في شخصيته تدرك ان شجرة وطنيته راسخة الجذور في اعماق الأرض.. في معارك الحياة لم يساوم على الوطن ولم يتراجع عن الدفاع عنه.
يوم كان يتجرع الألم في الزنازن المظلمة نسج قصائد الحرية، ورقص على اشعار بابلونيرودا.
عبدالرحمن عثمان المسكون بالصدق والشفافية احد اولئك الذين تفيض ارواحهم بالحداثة والتقدمية والانسانية، كل شيء في حياته يهون الا الوطن والحرية والمساواة.. كل شيء فيه يضج بالمعرفة المستنيرة، وحب الحياة، والشغيله، والمرأة، ومن اجل ذلك كان ولا يزال مدافعا شرسا ضد اعداء الوطن والحرية.. وضد الجهل وقوى الظلام.
هناك، في الزنازن الضيقة الرطبة المطلة على البحر والصخور الجبلية الوعرة واغصان الاشجار اليابسة المتدلية، كان حلمه ان تملئ البطون الجائعة، وان ينام الصغار في الاحياء الفقيرة دون ألم وقلق ومرض، وان تمضي حفلات السمر ابتهاجا بالعدالة والغد المشرق.
هناك، في تلك الجزيرة البعيدة الضاجة بسجناء الرأي وآخرون متورطون في قضايا جنائية مختلفة اطلق عليه لقب الاستاذ.. كان استاذا للغة الانجليزية.. كانوا يعجبون به وهو يوقد لهم شموع المعرفة ليزيح عنهم ستار الامية.
كانت مقالاته السياسية والاجتماعية النقدية جريئة، ولكن وعلى اثر ارتفاع الضغط في عينيه ضعف بصره.. كم تمنينا له الشفاء العاجل وان يعود لحياته الطبيعية ويعود قلمه التنويري إلى سابق عهده وهو يدعو إلى التقدم والعدالة الاجتماعية.
حقا كانت كتاباته تتصدى للطائفية والطائفيين والفساد، كانت واقعية تلامس هموم الناس، لا تهادن العنف والارهاب وقوى الظلام التكفيرية واستبداد الانظمة، ومن اجل هذا كان صوته يرتفع في ثقة واصرار ضد اضطهاد الانسان للانسان.
هكذا معنى الحياة عند عبدالرحمن لم تشوهه اغراءات الحياة، ولم يتلون في سبيل منافع شخصية ضيقة!
ان ايقاع اسلوبه في الكتابة يعبر عن تحديات وهموم العقل، ومن اجل انتصار العقل، راح يدافع عن اليسار، والفكر العلمي، وقضايا العمال والمرأة، والديمقراطية وقضايا التحرر والاستقلال الوطني، كتب في احدى الصحف المحلية تحت عنوان «الديمقراطية وحدة متكاملة وكل لا يتجرأ» نشر في 13 ديسمبر 2001 «المطالبة بالقضاء على ظاهرة الفصل التعسفي، والغاء عقود العمل المؤقتة، وفرض عقوبات على المؤسسات المخالفة هي مطالبة وطنية تبعث على فخر واعتزاز المواطن البحريني بشكل عام، والطبقة العاملة البحرينية بشكل خاص».
وفي مقابل ذلك يقول «لا يمكن ان يتمتع الانسان«بالحريات السياسية»في الوقت الذي يشد فيه الحزام على بطنه.. كما لا يعقل ان يتمتع هذا المواطن«بالعدالة الاجتماعية» وعملية التوزيع العادل للثروة بينما يخضع ويقع تحت طائلة الترهيب والتخويف وتكميم الافواه ومصادرة الحريات السياسية والمدنية في ظل غياب الديمقراطية.. من هنا جاءت مواد الدستور ومبادئ الميثاق الوطني لتؤكد انصهار مفاهيم الديمقراطية في بوتقة الوحدة الشاملة غير القابلة للتجزئة».
ومن هنا راح يغوص في كيفية القضاء على الفصل التعسفي التي في نظره لن تتحقق مهماتها ما لم يتم ادخال تعديلات جذرية على المادة (110) من قانون العمل بحيث تتماشى وصالح العمالة البحرينية.
وبالاضافة إلى ذلك ليس ثمة حلول ناجعة للعمالة البحرينية في صون حقوقها المشروعة سوى خروج العقليات الإدارية من مظاهر الجمود والبيروقراطية.
في حين لم يتردد في الدفاع عن المرأة اينما كانت.
يقول في مقال له «نوال السعداوي في مواجهة الافكار المتشددة»: تتعرض الدكتورة نوال السعداوي منذ أمد بعيد لعملية المضايقات من قبل بعض التيارات السياسية الدينية، ولعل الحملات الاعلامية مؤخرا ضد افكار السعداوي ومواقفها قد ازدادت شراسة من خلال التشهير بها واتهامها من البعض بالكفر والالحاد ما يعني على وجه التحديد انزال الحدود بحقها.. ولكن على الرغم من اساليب التهديد والترهيب والتشهير من قبل القوى المتشددة الموجهة اليها، التي فرضت عليها في بعض الاحيان ترك وطنها وسفرها إلى بلجيكا بصورة مؤقتة، فانها ابت نفسها الخنوع ورفضت كرامتها الركوع والخضوع.
ويقول ايضا: ان ما حدث للسعداوي من هجوم فكري هو ليس اول وآخر هجوم، وانما هو مسلسل منظم من الاحداث المترابطة من الترهيب ودعوى الحسبة والتشهير والتفكير بالمناضلين والمفكرين الشرفاء والمستنيرين والتقدميين الذين يختلفون مع افكار الاسلام السياسي بكافة اطيافه.. انه بدلا من تكريم السعداوي، وصون حريتها والدفاع عنها درء خطر التيارات المتشددة فان ذلك لم يحدث!!.
هكذا كان عبدالرحمن عثمان ومايزال حرا ومحبا لهذه الأرض الطيبة، وللعقل والحرية والفكر المستنير الذي يفيض بالعطاء والتقدم.

اقرأ المزيد

هيئة الاتحاد و الوحدة الوطنية

قلم: الرفيقة زهراء عبدالله علي عضو المنبر التقدمي

نحن اليوم بصدد مناقشة واحد من أهم المواضيع التي تشغل فئة واسعة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام في البلاد ألا وهو موضوع (الوحدة الوطنية)، كقضية تمس حاضر ومستقبل هذا الوطن، فهي ليست شعاراً  يرفع في مؤتمر أو عنوان لمقال، فالمجتمع منقسم منذ أحداث فبراير/ مارس 2011، وازداد الوضع تعقيدا وتأزيماً منذ رمضان الفائت، حيث تصاعدت وتيرة الطرح الطائفي وبرز  وبشكل واسع خطاب الكراهية المقيت خاصةً في وسائل التواصل الاجتماعي و المنابر الدينية.

السؤال هنا هو: من يتصدى لهذا الوباء الخبيث الذي يفتك بالمجتمع لكي يتعافى جسد الوطن منه؟

أجزم بأنها مهمة ليست سهلة، ولكن هناك تجارب في محطات عدة، جرى خلالها انقاذ  الوحدة الوطنية، لهذا سوف أتوقف أمام أهم هذه المحطات المضيئة من تاريخ حركتنا الوطنيه والديمقراطية، وهي مرحلة هيئة الاتحاد الوطني.

ففي أعوام 1954-1956 ، أطفأت هيئة الاتحاد الوطني  النار التي كادت أن تشتعل  في البلاد بسبب الفتنة المدبرة من قبل المستعمر البريطاني وأعوانه في محرم من عام 1953، يقول القائد الوطني الراحل عبدالرحمن الباكر في كتابه من (من البحرين إلى سانت هيلانة) عن فتنة محرم عام 1953، “من المؤسف انه انساق وراء تلك الفتنة العمياء كثيرون من الشباب نسوا  واجبهم الوطني  وتخلوا  عن مبادئهم  انسياقا  وراء العاطفة الهوجاء” ويواصل  وقد “أسفت غاية الاسف  حينما علمت بأن منهم من كان يدعي  أنه فوق  الطائفية والإقليمية  وقد انجرف وراء هذا التيار  وحمل راية التعصب الأعمى”.

ويضيف الباكر قائلاً: “لقد كانت مسؤوليتي كبيرة فبدأت اطفئ أوزار تلك النار التي انتشرت في كل بيت في البحرين  لاسيما  وقد شاهدت بنفسي كيف كان الإنجليز  يعملون ذلك في مومباي  حينما كانوا يشعلون الفتنة  بين الطائفتين الإسلامية والهندوسية”.

بذل الباكر والشملان ورفاقهما  جهوداً كبيرة لتوحيد الطرفين من خلال اللقاءات والاجتماعات التي كانوا  يقوموا بها في المنامة والمحرق. واستطاع الباكر ورفاقه تأسيس هيئة الاتحاد الوطني، التي كانت الحدث الأهم في تلك الفترة التاريخية،  في الاجتماع الذي تم في حسينية أحمد بن خميس بسنابس، ففي الثالث عشر من أكتوبر عام 1954، الذي ضم ممثلين عن السنة والشيعة من مختلف قرى ومدن البحرين ، وانبثقت منه هيئة تنفيذية عليا قوامها مائة وعشرون ولجنة تنفيذية مشكلة من ثمانية.

أنجزت الوحدة الوطنية وعلى أثرها تم رفع أهم المطالب الوطنية  للشعب وهي.

  • تأسيس مجلس تشريعي
  • وضع قانون عام للبلاد جنائي و مدني.
  • السماح بتأليف نقابة للعمال.
  • .تأسيس محكمة عليا للنقض  والابرام.

لم ترق لسلطات المستعمر البريطاني وأعوانها وحدة الشعب، والتفافه حول قيادته الوطنية، فتم الإجهاز على هيئة الاتحاد الوطني واعتقال ونفي قيادتها وكوادرها، فانتهت محطة عامة من نضال وكفاح شعب البحرين.

وفي خضم نضال هيئة الاتحاد الوطني برزت القوى الديمقراطيةكجبهة التحرير الوطني البحرانية ، تأسس حزب البعث فرع البحرين، وحركة القوميين العرب فرع البحرين. وما يميز هذه الأحزاب السياسية انخراط المناضلين في صفوفها من كل المذاهب والأعراق  والقوميات.

والتي سوف يبرز دورها الكفاحي والنضالي في انتفاضة مارس المجيدة عام 1965 و البهات الشعبية التالية في تاريخ شعبنا المناضل.

ان مفهوم الانتماء الوطني أو الوحدة الوطنية يعتبر أحد المفاهيم المركزية التي تحدد طبيعة علاقة الفرد وارتباطه بوطنه وجماعته وولائه له ويكشف عن الآلية النفسية التي تتحكم في هذه العلاقات، وبخاصة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وكذلك بالقيم والمعايير والاعراف التي توجه سلوك الافراد نحو هوية وطنية واحدة.

يتميز المجتمع البحريني بالتعدد والتنوع الاثني والديني والقبلي والطائفي واللغوي. ، وان هذا التعدد والتنوع والاختلاف يجب أن يسوده التآلف والتعايش والتسامح واذا حدثت بعض الاختلافات والصراعات بين فئة وأخرى، فان مساحة التسامح قد تتسع أو تضيق أحيانا، ولكنها في الأخير تكون صمّام الامان يحافظ على الوحدة والتماسك بين هذه المكونات ويساعد على التعايش والتكامل الاجتماعي، و نتمنى أن لا يصل الامر بين هذه المكونات الاجتماعية الى خلاف يؤدى الى إلغاء الآخر ونفيه.

وليس من الغريب ان يجد المرء وهو يتجول في المنامة ، كنيسة بجانب مسجد وحسينية بجانب معبد هندوسي او يهودي وأن يتجاور العرب و العجم مع الشيعي والسني وأن يتعايشوا بعضهم مع بعض تحت خيمة هوية وطنية واحدة.

ان هذا التعدد والتنوع في مكونات المجتمع البحريني، هو ظاهرة صحية من الممكن أن تكون عنصر غنى وابداع ثقافي وروحي واجتماعي إذا ما توحدت في إطار وحدة وهوية وطنية واحدة.

إلا أن وحدتنا الوطنية ليست متماسكة ، و للأسف متشضية والسبب :-

  • تعدد وتنوع واختلاف المكونات الاجتماعية والثقافية التي تبدأ بالقومية والدين واللغة وتنتهي بالقبيلة والطائفة.
  • تعدد الولاءات والانتماءات، التي تستقطب كل واحدة منها مشاعر الولاء الاجتماعي حولها.
  • النزعة الابوية التي تسيطر على البنية الفكرية والاجتماعية والثقافية، التي تقوم عليها علاقات القرابة وصلة الدم وما يرتبط بها من قيم وأعراف وعصبيات عائلية تغالبية ما زالت تمارس تأثيرها على طرائق التفكير والعمل والسلوك وعلى منظومة القيم والمعايير وقواعد السلوك وشبكة العلاقات الاجتماعية، ويولدان آليات دفاع ذاتي للحفاظ على الهوية.

ولذلك فان “أزمة الوحدة الوطنية” إن جاز التعبير هي ليست من داخلها، بقدر ما هي من خارجها، أي من التحديات التي تجابهها فتجعل كل جماعة فرعية تستقطب مشاعر الولاء لهويتها الفرعية على حساب الهوية الوطنية ، وهو ما يؤدي الى “أزمة “، وهي حالة من التوتر والتمزق الوجداني، الذي ينمي التمركز على الذات ويدفع الى التعصب والتمييز العرقي أو الديني أو الطائفي ويقلل بالتالي من فرص التسامح والتفاهم والحوار.

والحال ان أزمة الهوية الوطنية في البحرين هي قبل كل شيء أزمة حرية وأزمة وعي بها وأزمة تفاهم وحوار مع الآخر، بمعنى آخر هي أزمة مواطنة لم تتبلور ، وأزمة نظام سياسي يتجاوز على حقوق المواطن.

ان الوجود الحقيقي للانسان المدني مرهون بوجود هويته الوطنية، وعندما يتحقق له ذلك يشعر انه بمأمن من كل شرور، فوجود الهوية الوطنية يعني الكثير، وفي ظلها تعيش الهويات الاخرى بأمان وخير وسلام، ولكنها حين تغيب تنتعش وتنشط كل الهويات الثانوية الآخرى التي تلقي بالانسان في احضان الموت.

وارى انه حين يحضر الشعور والمسؤولية المشتركة بالمصير والروابط والتاريخ والاهداف المشتركة بين ابناء هذا البلد تحضر حينها الهوية الوطنية على اتم وجه وتختفي الهوية الطائفية والهويات الفرعية، وتعيش هذه الهويات بأمان واستقرار، لان الهوية الوطنية حين تسود وتنتشر بقوة تحافظ على باقي الهويات، اما حين تكون الهوية الطائفية والهويات الاخرى هي البارزة والمسيطرة في بلد ما فبديهي جداً ان تكون الهوية الوطنية ضعيفة ومائلة الى السقوط والانهيار والى دمار البلد وخسران جميع ثرواته وطاقاته، البشرية والطبيعة والتاريخية والثقافية.

وموجز القول : ان الدولة التي تعمل على تمزيق شعبها تفقد شروط أمنها واستقرارها.

اقرأ المزيد