المنشور

بمناسبة اليوم العالمي للعيش فى سلام – الجمعيات السياسية تؤكد: نرفض كل من يريد لنا التباعد فى الأهداف والتقاطع فى الطرق نحو أهدافنا الوطنية دعوة الى إرساء دعائم السلام وقيم التسامح وحقوق الإنسان ونبذ التعصب والتمييز والكراهية

يصادف اليوم السبت 16 مايو مناسبة اليوم الدولي للتعايش فى سلام، وهى المناسبة التى يحتفل بها العالم كل عام من أجل تعبئة جهود المجتمع الدولي لتعزيز السلام والتسامح والتضامن، وتعزيز ثقافة السلام واللاعنف، والقضاء على كل أشكال العنصرية والتمييز والتعصب، كما أن هذه المناسبة تشكل فرصة لحث مختلف الدول للعمل معاً من أجل تجاوز الانزلاقات التى تمس قيم التسامح والوئام والمصالحة، وكذلك القيم الإنسانية وحقوق الإنسان بأية صورة كانت، كما تمثل هذه المناسبة دعوة مشتركة من أجل عالم ينعم بالسلام والأمان والأمن المجتمعي.

إن مناسبة هذا العام تأتى فى ظل تحدٍ استثنائي غير مسبوق يواجه البشرية جمعاء، وهو التحدى الذى ذكّر المجتمع الدولي فى هذا الظرف الراهن بأن تحقيق تلك الأهداف مسؤولية مشتركة لا تفريط فيها تحت أي ظرف، بعد أن بات جلياً بأن التهديدات والتحديات تطال الجميع، وأن الاستهانة بتلك الأهداف أو التفريط فيها بأي شكل من الأشكال ليس فى صالح من يقوم بذلك، وأن حكومات وشعوب العالم اليوم أمام منعطف يفرض على الجميع الدفع بكل ما يهيئ تجاوز أى ممارسات أو تشريعات أو إجراءات تعيق تلك الأهداف أو تشوهها، أو تعرقل دعائم السلام والديمقراطية وكل المعانى التى تحملها وتتبناها هذه المناسبة التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أكتوبر 1999، انطلاقاً من هدف ثقافة السلام واللاعنف، وعلى ما أكدته الأمم المتحدة من “أن السلام لا يتوقف على غياب أي صراع وحسب، بل هو عملية دينامية وإيجابية وتشاركية، حيث تشجع على الحوارات وحل النزاعات بروح التفاهم والتعاون المتبادل بما يفيد البشرية” ، داعية فى هذا السياق إلى “القضاء على كل أشكال التمييز والتعصب، وفى المقدمة من ذلك التمييز القائم على العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو التوجه أو الاختلاف السياسي أو الحالة المالية أو القدرة الجسدية وغيرها”.

إن الجمعيات السياسية وبمناسبة اليوم الدولي للتعايش فى سلام وبأهداف هذه المناسبة الأممية، ترى أن ما كشفت عنه جائحة كورونا يثبت مدى حاجة المجتمع الدولي لتطوير منظومة العمل الجماعي الدولي والمسارعة فى إنهاء الصراعات الإقليمية والدولية التى استنزفت الكثير من مقدرات الدول والشعوب، والعمل من أجل سلام عادل ينعم به الجميع، ومن منطلق رؤيتنا وقناعتنا الثابتة نؤكد مجدداً دعوتنا بضرورة إرساء القيم والمبادئ الرامية إلى تحقيق الشراكة والمواطنة بكل تجلياتها، وبما يعبر عن الإيمان الفعلي بكل مبادئ حقوق الإنسان والالتزام بكل موجباتها، وما يحقق عيش المواطن بكرامة. كما ندعوا إلى إرساء كل القيم التى تتقبل ثقافة الاختلاف، وثقافة السلام واللاعنف، ورفض كل أشكال التمييز والتعصب والكراهية، وتحقيق كامل الاحترام لمقتضيات حقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل أفراد المجتمع، ونشدد على ضرورة قطع الطريق على كل من يريد لنا أن نتباعد فى أهدافنا، ونتقاطع فى الطرق الرامية إلى بلورة أهدافنا وأولوياتنا الوطنية، خاصة لمرحلة ما بعد جائحة كورونا وبأفق يستفيد من دروس هذه الجائحة و يستشرف المستقبل بوعى والتزام وطنى.

كما نؤكد فى هذه المناسبة على أهمية دعم وتشجيع القوى الوطنية والسياسية والمجتمعية وكذلك مؤسسات مجتمعنا الوطنى كل فى مجاله من أجل العمل الجاد والهادف لتحقيق كل تلك الأهداف والقيم وتعبئة جهود المجتمع البحرينى للقيام بدورها المفترض الذى يمكن أن يتكامل مع دور الدولة المطلوب، خاصة فيما بعد مرحلة كورونا والوقفة الوطنية المشهودة التى أظهرتها، وبالذات على صعيد التضامن والمصالحة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، وتعزيز حقوق الإنسان، والالتزام بكل المعايير المتطورة فى كل تلك المجالات، والعمل على ما يعزز قيم العدل والتسامح ونبذ العنصرية والكراهية والطائفية، والوقوف بمنتهى الجدية والحزم حيال أي ممارسات تعرقل أي جهد يَصْب فى خدمة هذا الهدف من قبل أي كان من أجل حق الوطن والناس والمستقبل.

16 مايو 2020

الجمعيات السياسية الموقعة على البيان:
المنبر التقدمي ​​​التجمع القومى الديمقراطي​الوسط العربي الإسلامي
التجمع الوطني الدستوري ​الصف الإسلامي​​ التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي

اقرأ المزيد

بمناسبة الذكرى الـ 72 للنكبة التقدمي يرفض محاولات التسويق للتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية

تطل علينا الذكرى الثانية والسبعون للنكبة بوجهها القبيح في ظل غياب رؤية عربية وموقف عربي موحد من القضية الفلسطينية. بل تمر هذه الذكرى في ظل تواطئ سياسي مع القوى الإمبريالية تستهدف شرعنة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية خلافاً لكل القرارات والمواثيق الدولية وأولها القرار رقم 242 الذي يقضي بحل الدولتين وانسحاب الكيان المحتل إلى الحدود ما قبل 67 والقرار رقم 194 الذي يكفل حق العودة للمهجرين واللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948.

في هذه الذكرى الأليمة يقف المنبر التقدمي مع كافة القوى الوطنية والتقدمية في البحرين والمنطقة العربية ليجدد موقفه الثابت تجاه حق الشعب العربي الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ويؤكد حقه في المقاومة من أجل نيل حقوقه المشروعة والتحرر من هيمنة وحصار الاحتلال الجائر.

طوال عشرات السنين سطّر الشعب الفلسطيني أسطورة لا مثيل لها في مقاومة الاحتلال وقدم آلاف الشهداء من المقاومين والمناضلين والأطفال والنساء وظل محافظاً على هويته وموقفه الوطني. ويقف اليوم الشعب الفلسطيني أمام ما يسمى بصفقة القرن موحداً كل قواه السياسية والمدنية من أجل إفشال هذا المشروع الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتبديد الحلم الفلسطيني في عودة المهجّرين وإقامة الدولة الفلسطينية.

يجدّد التقدمي موقفه الداعي لوقوف كل القوى الوطنية ضد محاولات التطبيع التي يتم التسويق لها بأشكال شتى وتسخير الماكينة الإعلامية من أجل بلورة ثقافة انهزامية ترى في الاحتلال والتطبيع معه أمراً واقعاً ومصلحة وطنية، كما يستهجن ويستنكر كافة المواقف التي تصب في مجرى التطبيع ومن ضمنها وقف ندوة إلكترونية مؤخراًحول مخاطر التطبيع مع العدو الصهيوني. مؤكداً بأن الشعب البحريني كان وسيظل دائماً مع القضية الفلسطينية والتي ستبقى قضية العرب الأولى.

إن القضية الفلسطينية مستقرة في وجدان الشعب البحريني وضميره ومكون مهم في موروثه الثقافي والفكري وهي جزء من آماله وتطلعاته نحو غد مشرق، كما أنها ستظل تشكل عنواناً رئيسياً لكل قوى المجتمع المدني في البحرين.

المجد والخلود لكل الشهداء الذين سقطوا على مذبح الحرية للشعب الفلسطيني، والخزي والعار للمحتل الصهيوني.

المنبر التقدمي – البحرين
15/5/2020

اقرأ المزيد

بمناسبة يوم التمريض العالمى 2020 – المنبر التقدمى نثمن عالياً جهود الطواقم التمريضية البحرينية التى تصدرت الصفوف بمواجهة كورونا

أعرب المنبر التقدمي بمناسبة يوم التمريض العالمى 2020 الذى يصادف اليوم 12 مايو بخالص تقديره واعتزازه لجهود وعطاءات الكوادر التمريضية فى مملكة البحرين وفى كل أرجاء المعمورة، وأشاد بالجهود والإسهامات الكبيرة التى بذلتها ولازالت تبذلها الطواقم العاملة فى التمريض وتقديم كل أوجه الرعاية الصحية.

إن منظمة الصحة العامة التى قررت اعتبار هذا العام “عام التمريض والقبالة” تقديراً لإسهامات كل العاملين فى هذا المجال وهم وفقاً للمنظمة يشكلون نحو 50% من القوى الصحية عالمياً، وذلك امتناناً لهم ولكل معانى التضحية والرحمة التى تتوارد عند الحديث عن الممرضين والممرضات ورسالتهم الإنسانية التى يؤدونها.

وننتهز هذه المناسبة لنثمن عالياً جهود وعطاءات وتضحيات الكوادر التمريضية البحرينية الذين يخوضون تحديات كبيرة بمواجهة جائحة كورونا، وتصدرهم الصفوف الأولى فى هذه المواجهة جنباً إلى جنب مع الطواقم الطبية والإدارية والعاملين فى مختلف المجالات، والذين يؤدون المسؤوليات والواجبات المهنية الإنسانية بجد وتفانٍ، وبروح وطنية عالية، خاصة وأنهم فى الظروف الاستثنائية الراهنة يشكلون دروعاً وقائية لحماية المواطنين والمقيمين، ورعاية المرضى والمصابين فى ظل التعاطي مع تداعيات ومستجدات وباء كورونا.

إن المنبر التقدمى وهو يجدد كامل تقديره واعتزازه بالطواقم التمريضية الوطنية ليأمل خاصة بعد تجاوز جائحة كورونا بمراجعة جادة لواقع مهنة التمريض فى المملكة وتوفير كل ما ينهض بهذا الواقع ويدفعه به نحو آفاق جديدة فى مجالات تطوير وتحسين جودة خدمات الرعاية التمريضية وتطوير أوضاع العاملين فى التمريض.

المنبر التقدمي – البحرين
12 مايو 2020

اقرأ المزيد

جدد التحية لعمال البحرين واستنكر تصريحات قائد القوات البحرية الإيراني التقدمي يدعو إلى مراجعات جادة في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة

عقد المكتب السياسي للمنبر التقدمي اجتماعاً يوم السبت الماضي بحث فيه التطورات على مختلف الأصعدة وأثر جائحة كورونا على الجوانب الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، وتوقف مطولاً لمناقشة الأثر الفاضح الذي كشفت عنه الأزمة الصحية في السياسة النيوليبرالية التي طالما روجت لها الأنظمة الرأسمالية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ليتبيّن للعالم حقيقة وواقع هذه الأنظمة بعد أن انكشف غطاء الشعارات الرأسمالية المدعوم بالماكينة الإعلامية لتصبح هذه الأنظمة النموذج الأكثر مثالاً لفشل هذه السياسات الاقتصادية.

وفي هذا السياق دعا المكتب السياسي إلى مزيد من التباحث في آلية العمل مع فصائل ومنظمات المجتمع الأهلية والسياسية التي من خلالها يمكن له تشكيل أداة مؤثرة تدفع إلى قيام مراكز القرار الرسمي باتخاذ خطوات عملية تعكس الحاجة الفعلية والماسة لمراجعة التوجه الرسمي في مملكتنا في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة في مجملها، التي تسير نحو سياسة اقتصادية على نموذج السياسة الأمريكية والأوربية كما يراد، ويقف خلفها ويدعمها منظمات دولية تابعة لها وفي المقدمة منها البنك وصندوق النقد الدوليين، وخاصة فيما يخص بيع الضمانات الاجتماعة مثل الصحة والتعليم وقطاع المحروقات إلى القطاع الخاص، الذي له مصالح منفصلة عن المصالح العامة وغير منقادة إلى القيود التي تتطلبها الوظيفة الاجتماعية للقطاع العام وقد تجلى هذا بوضوح في تنصل معظم شركات التأمين الصحي عن دورها الاجتماعي في الدول التي انتهجت المسار المنفتح والخصخصة.

وفي هذا السياق جدد المكتب السياسي بمناسبة ذكرى الأول من مايو – عيد العمال العالمي – تقديره إلى الطبقة العاملة في البحرين والأبطال الذين يتصدرون الصفوف الأمامية في الأزمة الراهنة من أطباء وممرضين وفنيين ومسعفين ومتطوعين وعمال في كل مواقع العمل والانتاج التي لم تتوقف، ومن جهة أخرى أشاد بالكيفية التي أحيا فيها قطاع النقابات العمالية والمهنية في المنبر التقدمي الاحتفال بهذه الذكرى بمعية الرفاق من الحركة التقدمية في الكويت عبر وسائط الميديا ومشاركة الرفاق من الحزب الشيوعي العراقي.

كما بحث المكتب السياسي الوضع المأساوي للعمالة الوافدة، إذ كشفت أزمة كورونا عن مدى الجشع والأنانية التي يتصف بها الكثير من أرباب العمل حين اتضح خلو مساكن العمال الوافدين من أبسط الشروط الإنسانية الواجب الإلتزام بها، مما ساهم في سرعة انتشار الوباء بينها مهددة حياة المئات منها. وجدد المكتب السياسي رفض التقدمي لكل أشكال العنصرية والتي حاول البعض ترويجها اتجاه العمالة الوافدة.

ومن جهة أخرى عبر المكتب السياسي عن استنكاره الشديد للتصريحات التي أطلقها قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني رضا تنغسيري، الذي ساق الأكاذيب بادعاءه تبعية مملكة البحرين لإيران، مؤكداً أن هذا النهج الذي يسير عليه الحرس الثوري الإيراني، يتلاقى مع نهج الكيان الصهيوني في النزعة لاغتصاب أراض الشعوب الأخرى وتزوير التاريخ لتمرير سياساتها التوسعية وهيمنتها على شعوب المنطقة.

كما بحث المكتب السياسي الوضع السياسي في العموم والعلاقات مع المنظمات والأحزاب السياسية، واستعرض البيانات التي شارك فيها ووقّع عليها مع العديد من الأحزاب السياسية في العالم، وتوقف في الشأن الداخلي عند حرية الرأي وأهمية الدفع المستمر نحو مساحة أرحب توفر الضمانات الكفيلة بصون حرية النقد والتعبير كضرورة وشرط أساسيين لتعبيد الطريق نحو بيئة تنموية قادرة على محاربة الفساد والمحسوبية وقادرة أن تحفظ الكرامة الإنسانية للمواطنين والمقيمين على اختلاف تجذرهم التاريخي واعتقادهم الفكري وانتماءهم الطبقي.

المكتب السياسي للمنبر التقدمي – البحرين
3 مايو 2020

اقرأ المزيد

الأطباء الحفاة

عاد صراع الرأسمالية العالمية مع النظام الاشتراكي الذي كان قائماً في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية بعوائد إيجابية على الأولى، لجهة أنها وجدت نفسها مضطرة لتطوير أدائها، وتوسيع دائرة الحماية الاجتماعية للمواطنين لتشمل فئات واسعة من العمال ومحدودي الدخل والفئات الوسطى، حدّ محاكاة بعض أوجه أنظمة الرعاية المتبعة في البلدان الاشتراكية.
كانت الغاية هي إضعاف مطالبات الأحزاب اليسارية والنقابات والحركة العمالية عامة التي كان لها صوت مسموع ومؤثر في الدول الرأسمالية، بالأخذ بالاشتراكية نظاماً في إدارة الدولة.
وهكذا نشأ ما كان يطلق عليه دولة الرفاه الاجتماعي، التي طبعت المرحلة المتقدمة للرأسمالية، بعد تجاوز دمار الحرب العالمية الثانية. ومع تجذّر مظاهر هذا الرفاه، الذي وجدنا له تجليات أكثر وضوحاً في البلدان الإسكندنافية خاصة، أصبح لدى الرأسمالية وضع أفضل إزاء الصعوبات التي عانتها الدول الاشتراكية جراء الكلفة الباهظة للحرب الباردة وسباق التسلح والعزلة المفروضة عليها من الدول الغربية، فضلاً عن بعض مظاهر البيروقراطية والترهل، ما عجل بتحقيق الرأسمالية لهدفها بإسقاط الأنظمة الاشتراكية.
يومها تنفست الرأسمالية الصعداء، وعادت القهقرى لما كانت قد اضطرت للتراجع عنه من صور التغول والتوحش، وأطلق الثنائي ريجان – تاتشر، يومها، النسخة الجديدة من الرأسمالية، رأسمالية ما بعد الحرب الباردة، التي عرفت بالنيوليبرالية، وتضمنت تدابير صارمة ضيقت مجدداً من مساحة الرعاية الاجتماعية، عبر تدابير من نوع تحويل أنظمة الصحة والتعليم إلى السوق عبر خصخصتها، ورفع سن التقاعد وإفراغ قوانين العمل من محتواها الاجتماعي، وتقليص دور الدولة.
«كوفيد – 19» وضع هذه الليبرالية الجديدة على المحك. لم يعد للرأسمالية المتطورة، في نسختها المعولمة، الكثير كي تتباهى به. ها هي أنظمة الرعاية الصحية في أكثر دولها تقدماً ونفوذاً كأمريكا وبريطانيا عاجزة عن السيطرة على الموقف، فعدد المصابين بالفيروس اليوم تجاوز الثلاثة ملايين إنسان، فيما كان قبل نحو أسبوع لا يتجاوز المليون.
في زمن ماوتسي تونج بالصين أطلقت حملة للرعاية الصحية في الأرياف عرفت ب «الأطباء الحفاة» Barefoot doctors ، حيث جال هؤلاء الأطباء البر الصيني الشاسع لمعالجة القرويين مجاناً في قراهم. كان بعض هؤلاء الأطباء هم أنفسهم من المزارعين الذين تلقوا بعض التدريبات الطبية الأساسية في النظافة والوقاية وتنظيم الأسرة وعلاج الأمراض الشائعة.
هؤلاء «الأطباء الحفاة» الذين كانوا موضع تندر الدول الغربية المتطورة وسخريتها، أحدثوا فرقاً كبيراً في الوعي الصحي لدى مواطنيهم وحموهم من الكثير من الأمراض والأوبئة.
ألا يجدر السؤال عما إذا كان النظام الصحي الذي بنت دعائمه سواعد «الأطباء الحفاة» برهن على أنه أكثر فاعلية من النظام الصحي المحمي من الليبرالية الجديدة؟. أليس الموضوع جديرًا بالتفكر؟

اقرأ المزيد

كل الأشياء مواجهةُ الذاتِ/ الموتُ بالتقسيط

عتبة النص (الغلاف والعنوان)
كما يُقال، فإن الغلافَ يُعتبرُ العتبةُ الأولى لدخولِ النص. فمنه تبدأُ الخطوةُ الأولى لعبورِ عالمِ الرواية، ومنه نستشفُ لمحةً عن مضمونِ أو محتوى الرواية. وللغلافِ دلالاتُهُ التي تمسُّ روحَ العملِ الإبداعي، وإلا فلا أهميةَ له سوى كونِه غطاءً لورقِ الرواية. وغلافُ روايتِنا، كل الأشياء تستدعي الوقوفَ والتأملَ أمامه. إنه غلافٌ جاذب، كولاج، يحملُ صوراً لشخصياتٍ معروفة، وكلُ تلك الشخصياتِ رموزٌ محبوبة، على اختلافِ مكانِها، ومكانتِها، وزمانِها، واهتماماتِها، تمثلُ قدوةً وعلامةً فاعلةً ومؤثرةً في حياتِنا، وهي نفسُ الصور والملصقاتِ الموجودةِ في شقة نايف. بعضُ هذه الرموزِ محلية، كأولِ ما يلامسُنا، كون الروايةِ محلية، تتحدثُ عن حدثٍ مهمٍ ومؤثر، يلامسُ المجتمعَ الكويتي، وهو مسيرةُ كرامةِ وطن، التي بدأت مع ثوراتِ الربيع العربي 2011م، حيث أعلنَ فيها نوابُ المعارضةِ عن قضايا فسادٍ مالية ضد الحكومة والنواب، وتم بعدَها سَجنُ نواب ومغردين وناشطين، واستمرت الأحداثُ في التصاعد 2012/ 2013م، ومن هذه الرموز الكويتية: عبدالله السالم، وفهد العسكر، وعودة المهنا، وسامي محمد وتماثيله، وبعضها رموز عربية؛ كأم كلثوم، وغسان كنفاني، وطلال مداح، محمد الدرة، ناجي العلي، وبعضها عالمية؛ كتشي غيفارا، وإدوارد دو غاليانو، فريدا كاهلو، مارتن لوثر، جورج أورويل، نعوم تشومسكي.
هذه الصورُ والشخصياتُ بعضُها بالأبيض والأسود، وبعضُها بالألوان، في دلالةٍ على البعدِ الزمني بينها. تتسقُ مع عنوانِ الروايةِ كل الأشياء، حيث كلُ هذه الرموزُ المختلفةُ والمتشابهةُ في كل شيء، تغري بالقراءةِ والاقتناء.

تدورُ الروايةُ حولَ حدث مركزي، وهو عودة جاسم من الغربة، بعد وفاة والده عبدالمحسن العظيمي، عبر فكرة مواجهة الذاتِ والآخر، إضافةً للصراعِ بين الأجيالِ حولَ المفاهيمِ السياسية.
ومن خلالِ هذ الحدث الآني، تأخذُنا الكاتبةُ في رحلةٍ بين الحاضر والماضي، عبرَ تِقنيةِ الإرجاعِ الفني لمشاهدَ من الماضي (الفلاش باك)، منذ الصفحاتِ الأولى للرواية. وحسبَ نانسي كريس في كتابها (تقنيات كتابة الرواية)،” فإن حقَ الإرجاعِ الفني يكونُ بعد ذكرِ ما يكفي من الأشياءِ المثيرةِ للاهتمام، لتثبيتِ أقدامِنا في الزمنِ الحاضرِ للرواية، قبل أن تنقُلَنا إلى الماضي. وينبغي ألاّ يُشكلَ الإرجاعُ الفني المشهد الأول، كما أنه يجبُ أن لا يَعقُبَ حاضراً قصيراً وخالياً من الحركة”. وقد علقَ الكاتبُ حسين عبدعلي على هذا الموضوع قائلاً بأن بثينة العيسى اختارتْ أسهلَ الحلولِ لاستخدامِ هذه التقنية في الانتقالِ من زمنٍ إلى آخر، عن طريقِ استخدامِ الأفعال (تذكّر وفكّر) بصيغٍ مختلفةٍ مراتٍ عديدةٍ في روايةٍ ليست بالطويلة جداً.

اللغة في كل الأشياء
اهتمت الكاتبةُ بالسرد، والحوار، وتسجيلِ الأحداث، دون أن تحوِّلَ السردَ إلى أسلوبٍ بلاغي ولغةٍ معقدةٍ ومنمقة، قد تحولُ دون فهمِ الحالةِ النفسيةِ للشخصيات. هذه البساطةُ خدمت الرواية، وأعطت الشخصياتِ مساحةً كبرى للبوحِ بالأفكار، والمشاعر، والتنفيسِ عن حالاتِ الغضبِ والإحباط، والكشفِ عن مكنوناتِ النفسِ بكلِ بساطة. وعلى الرغمِ من عشقي للغة،وإيماني بأهميةِ الموازنة في الكتابةِ الروائية بين عذوبةِ اللغة وبراعةِ السرد، إلا أن بساطةَ اللغةِ في كل الأشياء ساعدتني كثيراً في العملِ على فكرةِ التحليلِ النفسي لشخصياتِ الرواية، والبحثِ فيما يريدُ أن يقولَهُ النصُ الروائي.
وبعيداً عن نقدَ الكتابةَ الفنيةِ المتخصصةِ في تحليلِ الرواية، من خلالِ تقنياتِ الكتابةِ والبناءِ الفني، والاشتغالِ على عناصرِ الرواية، ولإيمانِنا بأن الروايةَ لم تعد مجردَ سردٍ وخيال، بل هي عالمٌ من التقنيات والأشكالِ تُبنى على أسسٍ جماليةٍ ومنطقية، لتواجه التحولاتِ الكبرى التي يمرُ بها هذا العالم، الذي أصبح أكثرَ تعقيداً وانغلاقاً، وأمامَ كلِ ما يحدثُ من غرائبَ وعجائبَ وأسرارٍ تكادُ تأخذُنا أخذاً للجنون، يأتي دورُ الروايةِ وقدرتُها التي يتيحُها لها السرد في الدخولِ إلى مناطقَ عميقةٍ داخلَ النفس الإنسانية لاستخراجِ مالا يُقال، واكتشافِ الوجهِ الآخرَ للإنسان؛ الوجهُ الذي نخفيه حتى عن أنفسِنا، ثم نصطدمُ به ونواجهُه، كمن يواجهُ شخصاً غريباً لا يعرفُه.
ندخل للروايةِ من منظورِ التحليلِ النفسي لشخصيةِ جاسم، وصراعهِ مع نفسه (صراع الذات)، إضافةً لصراعِه مع والدِه، والذي يمثلُ (الصراعَ مع الآخر)، صراعُ الذاتِ بين ما تعتقدُه وما تعيشُه.
بدأ صراعُ جاسم مع نفسِه بعد دخولِه السجن:
“في كلِ مرة يدخلُ فيها الصاجة، كان يغادرُها ناقصاً، كما لو أنه يموتُ بالتقسيط
كأنّ الصاجة هي المكانُ الوحيدُ الذي يقدرُ على استيعابه”.
إن مواجهةَ الذاتِ من أصعبِ الحروبِ التي يخوضُها الإنسان، والتي لا يمكنُ لأي إنسانٍ أن يتعرّفَ على ذاته إلا بالمواجهةِ التي غالباً ما تكونُ مرعبةً ومخيفة، صعبةً ومعقدة، وتتركُ آثاراً عميقةً في النفس؛ أن تكون أنت في مواجهةٍ مع نفسِك.
” فكَّر وهو يعود إلى العنبر تلك الليلة، إن كانت تلك خُطتُه، إن كان هو الخصمُ الجديرُ بالاحترامِ الذي كرَّس نفسَه لإنهاءِ أمره”.
يعتقدُ البعضُ أن هذه المواجهةَ سهلة؛ لمعرفةِ الإنسانِ بنفسِه، لكنْ ما إن يخُضْ المرءُ هذه التجربة حتى يعرفَ تماماً مدى صعوبتِها وقسوتها، بل إنها -بلا مبالغة- محيرةٌ، مرعبةٌ، وصادمة. إنها المعركةُ التي تضعُكَ أمامَ اكتشافاتٍ ونتائجَ مربكةٍ ومتصدعة، تشعرُ باضطرابٍ وأنت تغوصُ داخلَ ذاتِك، تبحثُ فيها عما تؤمنُ به، عما تدافعُ عنهُ دائماً، تمارسُ الغوصَ أكثر، تحاولُ جاهداً أن تكتبَ نفسَكَ بجملةٍ صحيحة، لكنك لا تستطيعُ إلا أن ترى نفسَك مفككاً ومقطعاً ومنقسماً. تقف أمامَ المرآة، مرآةِ النفس، صارخاً أمامَ هذا التدخلِ في الأحاسيسِ، والذكريات، في الأفكارِ، الزمانِ والمكان، يتداخل الخيالُ بالواقع، المعقولُ باللامعقول، الرمزُ بالمباشرة، تختلطُ الأصواتُ واللغات، الذاتُ تصرُخُ وتصرخُ، فتسمعُ أصواتِ الآخر، الحاضرُ، الماضي، حتى يضيعَ صوتُك تماماً، ويختفي كلُ شيء، لا شيءَ سواكَ أنت وذاتِك والخوف، الخوفُ الذي يضعُكَ أمام حقيقتِكَ التي كنتَ تُخفيها بالمثاليات، أنت أمامَ نفسِكَعارياً، إلا من ذاتِكَ والألم. هكذا تماماً؛ أنت تموتُ بالتقسيط، أو تولدُ من جديد، “لذلك غادر جاسم السجنَ كافراً بالرمل، والدم، وبالأرض، والناس، وفوق كلِ الأشياءِ التي كفر بها كان كافراً بنفسه”.. “عرف بأنه ضحية، وليس بطلاً، وأن الهزيمةَ تَنخرُه حتى عظامِه”..” لذا، حين حدثته دانة عن الوطن، حدثَها عن الرحيل، وحدثتُه عن الإيمان، حدثَها عن الشك، وحين حدثته عن النصر، حدثها عن الهزيمة”..كان يؤمن -بعد خروجه من السجن- بأن الخصمَ أكبرُ من أن نتصدى له جميعاً.

العلاقة بين عبدالمحسن العظيمي وجاسم (الصراع مع الآخر)
تقول بثينة العيسى في روايتِها -على لسان جاسم-: نحن نخترعُ العلاقاتِ لكي نصنعَ المعنى، كي لا نعترفَ بأن العالمَ بلا معنى. وعليه، فإن العلاقةَ بين عبدالمحسن العظيمي وابنِهِ جاسم علاقةٌ تنافسية، حيث نرى جاسم يتصرفُ بوعيٍ أو بدون وعي، وبمحاولاتٍ كثيرة، في ظاهرِها يبدو لنا أنه يختلفُ مع والدِه في كلِ شيء، إلا أننا سنرى وبشكلٍ واضحٍ أن جاسم يسعى لأن يكونَ صورةً من أبيه، بل إنه يعملُ جاهداً أن يستولي على القوةِ والسلطةِ والكفاءة التي يتمتعُ بها والدُه. بعبارةٍ أخرى: يريدُ أن يُشبهَهُ ويتخطاه. لذلك، كان ذلك الشجارُ الدائمُ بينهما، ومعارضةُ والدِه في الكثيرِ من الأمور، لاسيما في كلِ ما يتعلقُ بالكتابةِ والسياسة؛ كان يريدُ أن يكونَ صورةً من والدِه الذي ألهبَ قلبَهُ بأخبارِ المظاهراتِ والاعتصامات، واجتماعِهِم كلَ اثنين في الدواوينِ بعد أن عُطِّل البرلمان. في الوقتِ ذاته، كان عبدالمحسن العظيمي يعرفُ ذلك عن ولده، ويريدُ أن يُبعدَه عن هذا الطريق، الطريقِ الذي سلكهُ الأب، وخَبِرَ نتائجَه، وعاش معاناتِه. كان يريدُ أن يجنِّبَ ابنَهُ تلك التجربةِ المريرة، بكلِ ما تحمِلُه من ألمٍ وتعب واستنتاجات. لذا، أخذَ على عاتقِه أن يسفِّه تصرفاتِ ولدِه، ويصغِّرَ من شأنها. يخبرُه بأنه مردم: “كان أبوه يرددُ عليه مراراً أن السياسةَ ليست لأمثالِه، لأنه مردم، ولأن دمَه مسممٌ بالمثاليات، وهذا ما صدم جاسم. فعبدالمحسن العظيمي -بالنسبة له- فكرةٌ أكثرَ من كونه رجلاً. فكان صعباً عليه أن يكتشفَ بأن هذه الفكرةَ التي أحبَها وآمنَ بها إنما هي فكرةٌ زائفة، وهذا ما جعله يصرّ على الدفاعِ عن فكرته، ويخوضُ التجربة، ويعيشُها بكل تفاصيلِها، ويخرجُ منها بنتائجِه الخاصة به. كان معجباً بوالده عبدالمحسن العظيمي، هذه الشخصيةُ التي تلبَّستهُ حد الجنون، لكن الكأسَ المليءَ بالماء انكسر،وانكسرتْ معه كلُ الأشياء، بعد أن وجدَ والدَه في إحدى نقاشاتِه يدافعُ عن السلطة. وجد جاسم أن هذا الكلامَ الذي قاله والدُه هو خيانةٌ للنفس، لدرجةِ أنه طلبَ من دانة أن لا تسمحَ له أن يتحولَ إلى أبيه، إلا أنه -بعد خوضِ تجربةِ السجن والانفرادِ في الصاجة- اكتشفَ هناك، حيث الوِحدةِ والخوفِ والألم ومواجهةِ الذاتِ القاسية، اكتشف بأنهم -كما كان يقول والده- أغبياء سياسياً، وإن أفضلُ واحد فيهم يرتدي حفاظةَ بامبرز. لذلك قررَ أن يكفَ عن المشي، لأنه متأكدٌ بأنه ما مِن وصولٍ على الإطلاق، وأنه -كما رأى في حُلُمه- إنما يمشي في الفراغ، ويواجهُ جداراً أبدياً، زجاجياً، عاكساً، ينادي دونَ أن يُسمعَ صوتُه.

ما بعد السجن:
خرج جاسم من السجن وقد قتلتهُ المِشنقة تماماً، لذا كان لابد أن يهرُب، يهربَ من نفسه، بعد أن اكتشفَ حقيقتَه، ومن والدِه الذي كان يخشى أن يَشمُتَ به، ويذكرَهُ بكلِ ما رفضَ تصديقَه، ومن دانة، دانة التي كانت تُهونُ عليه مرارةَ السجن، لكنه كان يؤجلُ مصارحتَها بالحب حتى يخرجَ من السجن. وحين خرج، كان قد اكتشفَ ضعفَه وجبنَه، وأنه ليس حديداً كما كان يعتقد. لذا، كان الهروبُ هو الحلُ السهلُ والسريعُ لكل ما واجهَهُ في سجنه، ولكلِ ما عرفَه هناك. عرف أن لا بطولةَ في الألم، وأن ما يؤلمنا ليس الماضي، بل المستقبلُ الذي لن يُحدثَ كلَ الاحتمالاتِ المهدرةِ لذلك الشخصِ الذي كان بإمكانِكَ أن تكونَه. أربكتهُ الأسئلةُ عن الوطن: ما هو الوطن؟ ماذا لو كان مجردَ نظامٍ للسيطرةِ عليك؟ دينٌ جديد؛ بآلهةٍ، وأنبياءَ، وطقوسٍ، وأناشيد، وشعائرَ، مؤسساتٍ بأكملِها لمنحِ صكوكِ الولاءِ والخيانة، نظامٌ كاملٌ لامتلاكك، فعّالٌ إلى درجةٍ تدفعُكَ لذرفِ الدموعِ في حالةِ سدد منتخبُك هدفاً في مرمى الآخر. عرفَ بأن هناك من يبُعد إلى بلاده، وأن كلَ البلدانِ بعيدة، وأنه مملوكٌ في النهايةِ من خلالِ ما يسمَحونَ له بامتلاكِه، وأننا لو خُيرنا بين الخبزِ والحريةِ فسنختار كلُنا الخبز. هرب بعيداً ليداري الغريبَ الذي اكتشفَه بداخلِه، ويلملمُ ما تبقّى من كرامتِه بالهجرة.

ما بعد العودة:
” تساءلَ إن كانَ المردم يعودُ إلى قفصِه للمرة الثانية.. هل غادرَ القفصَ أصلاً؟ أيُ قفصٍ منهم؟”.
عاد جاسم للوطن مرغماً لحضورِ جنازةِ والدِه، عاد دون أن يداوي جراحَه، عاد بجراحِهِ المفتوحةِ ليواجهَ كلَ ما هربَ منه وعنه، عاد من غربةٍ عن الوطن ليعيشَ في غربةٍ بوطنه وبين أهله،” وكما يقول الشاعر:
وما غربةُ الإنسانِ في غيرِ دارهِ
ولكنَّها في عيشِ مَنْ لا يُشاكِلُهْ
كان عليه أن يحضُر مراسمَ الدفن، أن يكبِّر أربعَ مراتٍ في صلاةٍ ما عاد يفهمُها، وأن يأخذَ مكانَه في الصفِ الأولِ بين أناسٍ لا يُشبِهونَه ولا يُشبِههُم، أن يستقبلَ المعزينَ الذين نسىي وجوهَهم وأسماءَهم،
عاد ليدفِنَ والدَه، أو ليدفِنَ تلك الفكرةِ التي ما عاد مؤمناً بها، لولا أنه يعرِفُ أن والدَه لايموت. فعبدالمحسن العظيمي هو فكرةٌ أكثرَ منه رجلاً. سيظلُ مشدوداً إلى أبيه دائماً، بذلك الحبلِ السري المجدولِ من خيبةِ أملِه، وليس في وسعِ الموت، أو الحياة، أن يفرِّقا بين اثنينِ تربطُ بينهما علاقةٌ مثلَ هذه.
كان جاسم في تلك الأيام يؤمنُ باجتثاثِ الخطأ، وخلقِ الصواب. لم يكن يؤمنُ بتطويعِ الخطأ لخلق الصواب، أراد حلولا جذرية، صنبوراً غيرَ مكسور، وإمداداتِ ري بالتنقيطِ لنخلةِ الحوش، وحديقةً حقيقية، لكنه عرفَأن هذا غباءٌ سياسي. فوالدُه كان يقولُ له: إنك لا تستطيعُ إسقاطَ نظامٍ قائم، فقط تستطيعُ تطويرَه.
لماذا يتصالحُ الناسُ مع خطاياهُم، في الوقتِ الذي يجبُ عليهم إصلاحُها؟ هل عاد ليدفِن والدَه، أم ليصلحَ ما تركهُ خلفَه من أخطاء؟ هل عادَ ليثأرَ لدانة التي غادرتْ دفاعاً عن مبادئِها في محاربةِ الفساد، وليكفِّرَ عن ذنبه في تركِها وحيدةً تصارعُ الجبناءَ وحدَها؟

النهاية
قد نتوهمُ-للوهلةِ الأولى- أن النهايةَ ضعيفة، فكيفَ يفوتُ بثينة العيسى أن تجعل بطلَها يرُسل مقالتَه التي تكشفُ سببَ مقتلِ دانة بعد مغادرتِه البلاد، ونحن في زمنِ الميديا وسرعةِ وصولِ الرسائل؟لماذا يرسلُها قبلَ المغادرة، ليتمَ القبضُ عليه في المطار، كأيِ مبتدئٍ يتهجَّى ألفَ باءِ السياسة؟ لكنها أرادتْ أن تؤكدَ لنا بأنه مردم -كما قالَ عنهُ والدُه- عصفور، غبي، أثوَل، يتخبَّطُ بالجُدران، ولافتاتِ الشوارع، عصفورٌ أحمق، يصطادُ نفسَه بنفسِه، يدخلُ البيوت، ثم يعجِزُ عن العثورِ على طريقِ الخروج، ويأخذُ في الصراخِ حتى يكتشفَ الجميعُ مكانَه، يأتي صِبيةُ البيتِ للإمساكِ به، يقبِضون عليه، ويُحبسُ في قفص.
نتساءلُ في النهاية، كما تساءل جاسم: هل كان ثائراً حقاً، أم أنه مجردُ عاشق؟!

اقرأ المزيد

لا تخبر الحب ما اسمك أربعة نصوص

1.
أكتبُ في عينيكِ
بلغةٍ لا أعرفها، نصّاً لا أعرفُ كيفَ أوصّفهُ،
نصّاً لا أعرفُ من أينَ يجيءُ، وأين يغادرُ،
نصّاً يُمحى مع أولِ ضربةٍ موجٍ
ويعودُ مع الضربات الأخرى، يتشكّل في مَهَلٍ..
ما شأنُ البحر بعينيكِ؟
ليزرقَّ متى ما أغمضتِ،
ويخضرّ إذا حدّقتِ بعينيَّ.

2.
لا تخبر الحبَ ما اسمك،
كن حذراً معه
قل له.. لم أر اسماً يناسبني قبل أن التقيك
وما دمت جئتَ فما حاجتي الآن لاسمٍ يحاصرني
أنت يا حبُّ عرّفتني.

3.
– سأراكِ.
– لكن كيف؟ أنتَ خيالُ عاشقةٍ سواي،
وما أنا إلا اختبارك.
– سأراكِ.
– كن لي ما أريد؛ أعيد للمنسيِّ فيك هدوءه إذ ينتظر.
– سأراكِ.
– لا تحلم..
– سأوقد ما تبقى من دمي، وأراك في التهويم.
– قلتُ كفى.
– إذن لا تسأليني؛ كي أصدّ عن الإجابة.
– …
– سأراكِ.
– لن تفعل.

ستنسى صورتي وترى خلالي
ستظنني غيري،
وحين أجيء لن يجديك أنك
ما انتبهت إلى سؤالي.
وأنا أراك، أنا التي حقاً رأيتك
ثم قلتُ بصوت عاشقة (تُرى، ماللغريب،
وما لهذا الخفق في روحي، ومالي؟!).

4.
تركتُ على عتبة الحب خوفي من الحب
ثم انزويتُ أراقبه، من يمرّ ويأخذه؟
مرّ وقتٌ طويلٌ عليه، طويلُ ولا ظلّ من خلفه
كان وقتاً كئيباً يقودُ شياه الثواني الصغار
إلى بركة العدم المتلألئ، لم يره
مرّ من جنبه، ومضى، وبكى الخوف في وحشة..
وبكيت على إثره.

ومضى فيه بعض المحبين، تشبك أيديهم الناعماتُ أصابعَ بعضٍ، ويخفق بينهمُ قلب واحدهم،
للمحبين كل المحبين قلب وحيدٌ
وكل محب يكاد يظن الذي بين أضلاعه قلبه.
وما انتبهوا للقيط على عتبة الحب..
كان عمى العشق يأخذهم.. صرخ الخوف، لكنهم رحلوا، تركوا في المكان هواءً، ورائحةً تشبه الطلَّ في آخر الليل.. فالتمعت نجمةٌ وصمتنا معاً، أنا والخوف.

مرّ الظلام على مهله، ساقطاً مثل ريش النهار على الأرض حتى أصاب بمهبطه كل شيءٍ عدا خوفنا الطفل. نور خفيف يشعّ على وجهه، والمحيط ظلام.
وأظن رأى الخوفُ هذا الظلامَ الذي يتقطرّ من حوله نقطة نقطة ثم نام.

فرجعت إليه، وقمطته بالقصائد، هدهدته بين يأسي ويأسي، وعدت به قافلاً نحو خيط الصدى..
يتردد، يهتزّ، حين يرجُّ السكوتُ الكلام.

اقرأ المزيد

معجزة في الزنزانة رقم 7

لا يمكن تجاهل مشاعر الحب الصادق الصادرة عن الآخرين تجاه بعضهم، تجعلنا نتعاطف معها مهما كان وقتها وبصرف النظر عمن كانوا أبطالها، فكيف إذا كانت تلك المشاعر بين طفلة ذات تسعة أعوام وأبيها؟ ولأقل: بين طفلة يتيمة الأم وأبيها المعاق ذهنيا.

هذا ما سيحدث بالطبع حين تشاهد الفيلم التركي “معجزة في الزنزانة رقم 7″، من بطولة أراس بولوت أنيملي الذي مثلّ دور محمد أو ميمو، والطفلة نيسا صوفيا التي أدت دور ابنته أوفا، بالدرجة الأولى. الفيلم استطاع أسر جميع مشاهديه، وإرغامهم على التعاطف مع أبطاله “الأخيار” بكثير من الدموع. ميمو وأوفا والجدة والمعلمة وغيرهم.

تبدأ أحداث الفيلم في العام 2004 لحظة إعلان إلغاء حكم الإعدام في تركيا، حين كانت تستمع إليه شابة تعود بذاكرتها إلى أيام الثمانينيات حين اتهم والدها بجريمة قتل لم يرتكبها. أحداث الفيلم تمزق نياط قلب من يشاهدها، فكيف هو حال من يعيشها، خصوصا حين يكون أبا معاقا ذهنيا وطفلة لا تملك في الحياة غير والدها؟

منذ المشهد الأول يمكن للمشاهد أن يعرف مدى تعلق هذا الأب بابنته برغم اعاقته التي بدت وكأنها السبب في هذا الحب الجمّ وهذا التعلق الكبير بها. تتعاقب الأحداث سريعا في البداية إلى أن تصل إلى اتهام “ميمو” بقتل طفلة كانت ابنة ضابط عسكري له نفوذه، يعلم ببراءته وإعاقته، لكنه يصرّ على اتهامه ظلما؛ كي لا يفقد سطوته. يزج به في السجن مع مجموعة من كبار المجرمين، وبالرغم من ظهور دليل براءته بعد ذلك إلا أنه يواصل محاكمته ليصل إلى وقت تنفيذ حكم الإعدام، بعد أن يقتل الشاهد الوحيد على براءته. في إشارة لمدى طغيان بعض أصحاب السلطة وظلمهم.

الأحداث كثيرة منذ دخول البطل السجن في الزنزانة رقم 7 وحتى لحظة الإعدام وما تلاها، لكن أبرزها هو منعه من رؤيته والدته وابنته بكل الأشكال، وتعذيبه من قبل رفقائه في الزنزانة قبل نيله تعاطفهم معه ومحبتهم الكبيرة له،حتى أنهم يدخلون إليه طفلته تهريبا في مشاهد تدمي الفؤاد، فتموت والدته خوفا على طفلته حين خرجت للمرة الأولى خلسة لرؤية أبيها، ولا يبقى لها غير معلمة عاشت معها وكانت ترأف بها.

لحظة الإعدام كانت أكثر اللحظات التي تثبت أن العفوية في التعامل مع الآخرين ومحبتهم وبياض القلب والصدق يولّدون تعاطفا ومحبة لا حد لها تصل إلى حد التضحية بالروح. مشهد كان كفيلا بذرف دموع كثير من المشاهدين في أداء رائع وإخراج جميل وموسيقى استثنائية. ويؤكد أن الظلم مهما طغى يبقى الخير موجودا في أي مؤسسة عسكرية أو مدنية.

يبقى القول إن البطلان أديا دورهما بشكل جعلهما أكثر صدقا من أي حقيقة وجدت في الفيلم، وجعلت منهما ثنائيا رائعًا، وإن هذا الفيلم مأخوذ من فيلم كوري صدر عام 2013، وحمل الإسم نفسه، وإنه اعتُبر الأكثر مشاهدة في تركيا وحقق أرباحاً بقيمة 15 مليون دولار تقريبًا، ودخل ضمن المراكز العشرة الأولى في “نتفليكس” في دول كثيرة شرقية وغربية، عربية وأجنبية.

اقرأ المزيد

واحة الفكر – اشتراكية الأعمال الخيرية: مقتطفات من كتاب (حول المسألة الاسكانية)

فريدريك انغلز
ترجمة وإعداد: هشام عقيل

أثبت العلم الحديث بأن ما يسمى ب”الأحياء الفقيرة”، حيث تتواجد حشود العمال بكثافة، هي مصدر كل الأوبئة التي تضرب مدننا من حين إلى آخر. الكوليرا، والتايفوس، وحمى التيفوئيد، والجدري، وغيرها من الأوبئة؛ جميعها تنشر جراثيمها في الهواء الملوث والمياه الملوثة في أحياء الطبقة العاملة. في هذه الأحياء، نادراً ما تموت هذه الجراثيم بشكل كلي، وحالما تسمح الظروف، تتطور هذه الجراثيم إلى أوبئة وتنتشر بعيداً من مصدرها نحو المدن الأكثر صحية ذات الهواء النقي، التي يسكنها الرأسماليون. لا يمكن للحكم الرأسمالي أن يسمح لتفشي الوباء ضمن صفوف الطبقة العاملة دون أي فعل رادع، إذ أن آثار هذا الوباء ستصل إلى الرأسماليين وسيهبط ملاك الموت في صفوفهم بلا رحمة، مثلما حصل مع العمال تماماً.

حالما تتأكد هذه الحقيقة العلمية، يبدأ البورجوازيون في الأعمال الخيرية، وتجدهم يتنافسون بكل حماس على الأعمال النبيلة لصحة عمالهم. وحينها، تتشكل الجمعيات الخيرية، وتنشر الكتب، وترفع المقترحات، وتتشرع القوانين، لسد مصدر هذه الأوبئة التي تتفشى بشكل متكرر.

… إن جوهر الاشتراكية البورجوازية يكمن في طموحها في المحافظة على مصدر كل شرور المجتمع الحالي، وفي مثل الوقت تقضي على مظاهر هذه الشرور بحد ذاتها. ولقد أشرنا في (البيان الشيوعي) قديماً، بأن الاشتراكي البورجوازي “يريد تلطيف المشكلات الاجتماعية ليضمن ديمومة المجتمع البورجوازي”، أنه يريد “أن يبقي البورجوازية من دون أي بروليتاريا”.

… كل من يقول بأن نمط الإنتاج الرأسمالي هو غير قابل للتدمير، وفي مثل الوقت يرغب في إلغاء آثاره غير الحميدة، ليس له أي حيلة سوى أن يقدم مواعظ أخلاقية للرأسماليين، مواعظ أخلاقية ذات آثار عاطفية تتبخر حالما تكون أمام المصلحة الذاتية، أو إن كان ضرورياً: أمام التنافس نفسه.

… إن كل ما يسمى بالاصلاحات الاجتماعية التي تهدف لتخفيض أسعار الوسائل المعيشية للعمال، إما ينتهي بها الأمر أن تتعمم وبالتالي يلحق هذا التعميم انخفاض عام في الأجور، وإما تبقى تجارب معزولة، بعد ذلك حقيقة أنها معزولة تثبت بأن تحققها في المجال الأوسع لا يتناسب مع نمط الإنتاج الرأسمالي القائم. لنفترض بأن في منطقة معينة تنجح تعاونية المستهلكين في تخفيض تكلفة المأكولات للعمال على نحو 20%؛ على المدى البعيد، ستنخفض الأجور في هذه المنطقة أيضاً على نحو 20%. إذا كان العامل، على سبيل المثال، يصرف ثلاثة ارباع أجوره الأسبوعية على المأكولات، فإن أجوره ستنخفض بقدر ثلاثة ارباع 20%، ايّ 15%.

… ليس حل المشكلات الاجتماعية هو الذي يصلح المجتمع، بل الحل الاجتماعي، أي تقويض النظام الرأسمالي، هو الذي يجعل من الممكن اصلاح المشكلات الاجتماعية. (…) ولكن في البداية، كل ثورة اجتماعية ستضطر أن تأخذ الأشياء كما تركت لها، وتقوم بأفضل ما لديها لتتخلص من كل الشرور عبر هذه الوسائل المتاحة لها. وكما رأينا، يُمكن حل قضية الشح الإسكاني عبر الإستيلاء مباشرة على المساكن المرفهة التابعة للطبقات المالكة وتسكين العمال في الجزء المتبقي.

… ليست الدولة سوى السلطة الجمعية المنظمة للطبقات المالكة، ملاك الأراضي والرأسماليين ضد الطبقات المستغَلة: العمال والفلاحين. ما لا يريده الرأسمالي (وفي هذه الحالة نذكر الرأسمالي فقط لأن مالك الأرض ايضاً يتصرف كرأسمالي) هو ما لا تريده الدولة.

.. هكذا تحل البورجوازية القضية الإسكانية في حقيقة الأمر. إن المناطق التي تتفشى فيها الأمراض، تلك الحفر سيئة الصيت والسراديب الضيقة التي يلقي فيها الرأسماليون عمالنا ليلة بعد ليلة، باقية ولا تتقوض ولكن يتم نقلها إلى مكان آخر! ومثل الضرورة الاقتصادية التي خلقتها في مكان واحد هنا، ستخلقها مرة اخرى هناك. طالما يبقى نمط الإنتاج الرأسمالي في الوجود، سيكون من الغباء أن نتمنى حلاً معزولاً للقضية الاسكانية أو أي قضية اجتماعية اخرى يعاني منها العمال. الحل الوحيد هو تقويض النظام الرأسمالي والإستيلاء على كل وسائل الحياة والعمل من قِبل الطبقة العاملة نفسها.

اقرأ المزيد

فرصة الحياة

الكرة الأرضية تغصّ بالحركة. وسيمون لم يعرف يوماً الانتظار. مع كل التعب الذي أصاب جسده، فهو يستيقظ كل صباح كي يستقلّ الباص. في طريقه، نجده يمرّ بحي غرنيل، حيث الناس في حركة من غير توقف، ومن ثم شارع فوجيرارد، حتى محطة مونتبرناس، فحديقة لكسمبورغ، للتوقف أخيراً أمام السوربون، حيث سيمون يدرس الفلسفة، و يعدّ لتقديم الامتحانات الوطنية التي ستجعل منه أستاذًا إن نجح. مع الأسف، لم يكن يعرف بأنه في الليلة السابقة للامتحان، سيكتشف بأنه مريض بالسل الرئوي، وبأن والده سينقله لمصحّة حيث ستضيع سنون من حياته وهو قيد الانتظار.
هكذا تقريباً بدأ بول غادن روايته الأولى التي خطّها في ثلاثينات القرن الماضي، حتى تنشر في ١٩٤١. الهدف من الرواية هو أن يقول ما هو عليه، ولم يكن غادن ببعيد عن شخصية سيمون، فهو كذلك كان طالباً في السوربون، حتى أصبح أستاذ مدرسة لمدة عام، ثم مرض بمرض السل الرئوي فنقل لمصحة، وكتب هذه الرواية التي عنّونها “سلوان”، استلهاماً بالإنجيل الذي يذكر بركة سلوان الواقعة جنوب القدس، العين التي يتبرك بها ويستشفي منها كل مريض، ففيها ساعد عيسى ابن مريم في شفاء مريض أعمى. العين هنا ترمز للمصحة التي مكث بها الكاتب وبطل الرواية.
مشكلة غادن العميقة كانت تكمن في فهم واقع الانسان لما أبعد من الأحكام التي نطلقها حوله، ولما يظهر هو من أوجه شخصيته. كان غادن يريد ترجمة ما لا نستطيع فهمه، ومن ثم جعله واضح أمام أعيننا. لذلك ربما، وجد الانسان في أكثر أحواله شفافية عند المرض، حيث الموت أقرب اليه من الحياة.
لعل الحياة أوضح في العزلة. ولعّل في العزلة هداية إلى معنى أخلص للحياة. هكذا كان غادن يرى الأمور، لاسيما وأنه قرأ “الجبل السحري” لتوماس مان، حيث القصة تتكرر مع بطل الحكاية الذي يزور أحد أقاربه في مصحٍ في دافوس على أساس أن يمكث ثلاثة أسابيع فقط، ولكنه يألف المكان، فيمكث ما يقارب السبع سنوات. هانز كاستروب وقع في حب طريقة حياة هؤلاء المرضى الذي يتميز كل واحد منهم بشخصية فريدة من نوعها، ويجمع ما بينهم شيء من وحدة المصير. أحبهم و أحبوه فقرر البقاء.
لم يخرج توماس مان بطله من المصح حتى بداية الحرب العالمية الثانية، لينهي الرواية بترك بطله وسط المعركة من غير مصير معروف.
هناك قصص أخرى تتناول ذات الحبكة، وكأنما لدى الانسان شعور ملازم بالاعتكاف بعيداً عن العالم وضوضائه، وكأنما في العزلة شفاء من الأمراض، واكتشاف للذات نحن بحاجة اليه. لا يعرف الانسان ما قد يصيبه. بالأمس فقط، كان يظنّ بأنه يملك الكرة الأرضية بكل ثرواتها، وحيواناتها، وبأن العالم كله مسخر له، وبأنه يفعل ما يريد وقتما يشاء، لو كان يعرف الحقيقة، لكان توقف للحظة وفكر أن في الراحة شفاء.
بطل بول غادن في رواية سلوان بقي على قيد الحياة، وخرج من المصحة لينضم لعامة الناس، و يشعر بطعم الحياة، على عكس كاتب الرواية، بول غادن، الذي أخذه المرض في العام ١٩٥٦، تاركاً وراءه روايات عديدة تتناول ذات الحبكة، وكأنها تركت بمثابة تذكير لمن لا يعرف. في حين منح غادن بطله فرصة الحياة، حُرم هو منها في سن صغيرة.

اقرأ المزيد