المنشور

سلمان زيمان.. القليل جداً.. الكثير جداً

قبل أعوام، اتفقنا نحن الثلاثة على أن نلتقي في منزل الموسيقار خليفة زيمان، في أحد أحياء منطقة قلالي بالبحرين، وذلك بغرض عرض أعمال مشروع مجموعة “غناتي القطيف” ومناقشة سُبل تسجيلها وتوزيعها.

وصلتُ وشكري عاشور إلى منزل خليفة أولاً. بعد أن استقبلنا خليفة وتوجهنا مباشرة إلى الغرفة المخصصة للأعمال، وما هي إلا دقائق حتى التحق بنا سلمان.

كانت المرة الأولى التي ألتقيه، كان كما هو في الإعلام، متأنقاً ببساطة، ذاك التأنق الذي يستلزم المرء أعواماً طوالاً حتى يتقنه، فائضاً بالحيوية والحماسة. سلم علينا كمن عرفنا منذ سنين بعيدة، واستمع إلى كلمات أخيه خليفة التعريفية بالمشروع، ومع كل كلمة لخليفة كان يهزّ رأسه ويومئ بعينين تطلب الاستزادة والاسترسال.

بعدما تحدث شكري عن أهداف المشروع، لم يخامرني شك في حقيقة شعور سلمان عندما عبّر عن إعجابه بالمشروع، لم يكن من أولئك الذين يقولون ما لا يضمرون، كان صادقاً ولم يكن في حاجة لادعاء الصدق.

استمع إلى جميع أعمال المشروع، بصوت شكري، مع تعليقات قصيرة بين المقطع والآخر من أخيه خليفة، استمع بكل ذائقته، بكل فنه، استمع بكل تاريخه لكل كلمة ونغمة وفاصلة، في لحظات، كان يُشتتُ هذا التاريخ، كان يهدّ جدران السنين بتعليق يخرج من فم يافع مؤمن بفنه وبموسيقاه وبرسالته، وبنظرةٍ تبرق من عينيْ طفل للتو بدأ يستكشف صوته وآلته، للتو بدأ يقلب بين يديه خياراته في الحياة.

بعد أن انتهى شكري من عزف جميع أغنيات المشروع، بادر سلمان بتحيتنا، تحية كبير لكبيرين، كان من أولئك النبلاء الذين إن حدّثوك قاسموك النبل والكبر، وخاطبوا فيك المستقبل الذي يرونه أو يأملونه.

التفت إلى كل شيء في أعمالنا، بدءاً من الكلمة حتى مقترحات التوزيع التي اقترحها أخوه خليفة، وأشار إلى كل جميل في أعمالنا. استوعب الأعمال برغم جدّتها كمن شربها وتنفسها. حينها أدركت كيف أن النيّرين يجيدون إشعال الجمال في كال ما تطاله أيديهم.

انسحب من اللقاء قبل نهايته، بقينا الثلاثة نناقش بعض النقاط المتفرقة. انسحب قبل أن نكتفي منه، ودون أن نشعر بخسارته!

مثلُ سلمان، يهبُك كلّ شيء دفعة واحدة. في لحظة واحدة يندفع إليك كنهر، يهزُ غصونه بعنف كي تتساقط عليك كل ثماره، يُمطر بكل ما فيه مطر.

بعد هذا اللقاء، التقيته آحاد مرات، بعضها كان خاطفاً، وبعضها امتد لساعات، وفي كل مرة كان يأتي بالتأنق ذاته، وبالحيوية والحماسة. يلتقيك كأنك صديق قديم فارقك دون وداعٍ شافٍ.. تمامًا كما انسحب من هذه الحياة!

• كاتب من السعودية، نقلاً عن الموقع الإليكتروني: صحيفة صبرة

اقرأ المزيد

سلمان زيمان

لم يتخذ الأغنية وسيلة للكسب أو للاستعراض “للشو” كما يفعل بعض الفنانين والفنانات الذين دخلوا عالم الفن عنوة للكسب والارتزاق على حساب الذوق الفني الرفيع من كلمة والحان وموسيقى.. كان لونه الفني أكثر ارتباطا بالواقع الاجتماعي وبالتالي كان بارزا في ذاكرة الوطن والفقراء وسائر المثقفين الوطنيين .. كان يصرخ في الأمسيات الصيفية الحارة والشتاءات الممطرة تضامنا مع الشعوب المضطهدة التواقة للحرية والديمقراطية دون انحناء او استعباد.. كان حضوره الفني الوطني كبيرا لا تهمه إغراءات الحياة.. تنوعت القصائد الوطنية والأشعار وتناغمت مع مشاعره الإنسانية الفياضة..
عندما تشكلت فرقة أجراس بعناصرها الموسيقية الموهوبة التي قدمت لوحات فنية جميلة معبرة عن الربيع والحياة والمستقبل لمع حضوره مغنيا وعازفا ألوان الحروب الطاحنة في كل مكان والبؤس والشقاء بأسلوب فني واقعي أبعاده الأمل والغد الأفضل.. نعم كان عاشقا لأجراس وهي تعلن بكوادرها الموسيقية عن ميلاد جديد للأغنية الوطنية في زمن كانت صفحات الوطن ودفاتره تحكي حكايات نضالات اجبرت المستعمر على الرحيل.. حكايات ارتبطت بالارض والتحرر والبحر والنخيل والسمر على انغام اليامال والهولو واناشيد قطف الثمار في زمن لم يعرف الوطن فيه الطائفية والكراهية بين مكونات هذا الشعب ولم يعرف تاريخه الوطني قوي الارهاب والتشدد والغلو وكل الطارئين عبيد الماضي والكهوف والعصور الحجرية وفتاوى التكفير والتأثيم والتخوين بل عرف أناس عملوا في صمود شامخ على تحقيق مطامحه وخلاصه من القمع ومخلفات المستعمر.
قبل ثلاثين سنة تفجرت موهبته إبداعا وحينما نريد ان نتحدث عن هذه الموهبة لابد ان نتحدث عن تلك البدايات التي تشكلت عندما اطلق العنان لصوته وهو يغني بانفعال يسوده الواجب والوفاء لدم الشهيد سعيد العويناتي:
دمع الدفاتر حبر او مرن اطيوفك
صبر المنابر شعر من تشتهي اشوفك
يالعابر الظلمة الجبين هلال
بالسيف چفك فتح مستقبل العمال
بعدها انطلق محلقا في عالم الأغنية اليمنية ذات الجمل الموسيقية الغنية بالجمال والمشاعر الصادقة والحب والاحساس الإنساني الرفيع ومن بين تلك الاغنيات التي اطربت الجمهور البحريني والخليجي في عقد السبعينيات احلى الليالي، اقبل العيد، انت مرادي. ولم يقف عند هذا اللون بل راح يغوص في اعماق الاغنية الوطنية وفي ذلك الوقت الذي اصبح فيه هذا النوع من الغناء اكثر تعبيرا عن الهموم والمعاناة راح ينشد:
يابو الفعايل يا ولد
اطرح ثمر لون الغضب
راواني العجب راوني العجب
علم نجايل هالنخل اشلون تروى من البحر.
ولا يقف اهتمامه عند شجون الوطن بل امتد الى خارجه ليعبر حدود اوطان كثيرة تريد الخلاص من الاستبداد. وعندما نعود الى هذه الفرقة الفنية الرائعة بعد ثلاثين عاما يتبين ان غيابها ترك فراغا كبيرا. هكذا كانت رحلته الفنية دون أن يتخلى لحظة واحدة عن لونه الفني المرتبط بالواقع الاجتماعي في الزمن الصعب.. هكذا كان ولا يزال بوسلام البسيط المبدع المتفائل العاشق للحياة وللمقطوعات الوطنية ولكل الناس في القاع الاجتماعي.

اقرأ المزيد

في قلوب الناس باقٍ أشعل ذاكرة لن تنطفىْ أبداً

في صيف العام 1976، أتيتُ بغداد كثاني محطة من محطات الغربة، وضمن من التقيت من أصدقاء ورفاق لم أكن أعرف الكثيرين منهم من قبل، سلمان زيمان، الذي كان يدرس يومها الهندسة في جامعة التكنولوجيا، وهو التخصص الذي لم يتح له التخرج فيه، لأنه حين عاد إلى البحرين في الإجازة الصيفية، منع من السفر كي لا يعود لدراسته، شأنه شأن العشرات من الطلبة والطالبات البحرينيين الدارسين في الجامعات العربية والأجنبية يومذاك، والناشطين في فروع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين. ومنذ ذلك الحين كان سلمان محطّ محبة زملائه، فمعدنه الإنساني الطيب يشفّ عن نفسه بكل تلقائية وعفوية.
الوطن والموسيقى توأمان
مذ عرفته عرفتُ فيه تعلقه بالموسيقى. كان الجيتار يلازمه في الشقة التي شاركتهم العيش فيها لفترة في منطقة الأعظمية ببغداد، عليه يعزف ويغني الأغاني الوطنية، والأغاني اليمنية التي تعلٌق بها، وقدّم فيما بعد مجموعة منها في ألبوماته بصوته العذب الحنون، مضفياً عليها روحه، فأحبّها الناس، الذين عرفوا الكثير منها، لأول مرة، بحنجرته.
بعد شهور قليلة أتانا، خلال أقل من اسبوعين، ونحن في بغداد، الخبران الفاجعان باستشهاد كل من محمد غلوم والشاعر سعيد العويناتي تحت التعذيب، في واحدة من موجات الإرهاب الأسود ضد الحركة الوطنية البحرينية.
في أحد أعداد جريدة “طريق الشعب” التي كان يصدرها، يومياً، الحزب الشيوعي العراقي، طالعتنا قصيدة في منتهى الرّقة والشجن والأمل للشاعر العراقي كاظم الرويعي، مهداة إلى ذكرى الشهيد سعيد العويناتي. سحرت كلمات الأغنية المكتوبة باللهجة العراقية الجميلة التي نحبّ الشاب سلمان زيمان، ولا انسى الأوقات التي كان يقضيها وهو يعمل على تلحينها، بدندات على جيتاره وتمارين على صوته، وهكذا ظهرت أغنيته التي ذاع صيتها في حينه: “دمع الدفاتر حبر”.
بعد الصيف التالي لم يعد سلمان إلى بغداد، وأخذتني المصائر إلى ديار أخرى. لكن أخبار سلمان، وتالياً “فرقة “أجراس” وأغانيها التي كانت تصلنا على الكاسيتات ظلت حاضرة معنا. حتى قبل أن تؤسس “أجراس” لحّن سلمان أناشيد وأغان ثورية سجلت سراً ووزعت، وكانت، حين نسمعها، تزيدنا حماساً وأملاً وثقة في صحة خياراتنا في الحياة.
“أجراس” ذاكرة مضيئة
نجح سلمان زيمان ورفاقه في “أجراس” وبينهم أشقاء وشقيقات له، والتي تأسست في مطالع الثمانينات، ولم تنقطع فعالياتها حتى مطالع هذه الألفية، في أن يجعل من الفرقة علامة فنية ونضالية فرضت نفسها في البحرين وخارجها، وباتت جزءاً من ذاكرة مضيئة في الحياة الفنية والوطنية في بلدنا والخليج، وكان لها شأن كبير في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، يذكرنا بالدور والمكانة اللذين كانا لفرقة “ناس الغيوان” في المغرب، مع اختلاف التفاصيل، حيث كانت القاعات التي تحيي فيها حفلاتها تكتظّ بالجمهور من البحرين والبلدان الخليجية المجاورة.
نشأت «أجراس» واستمرت قريبة من مشاعر الناس وتوقهم وفرحهم وشجنهم، ووسط محيط من الإسفاف والفن الاستهلاكي، وحافظت على تميزها وعلى صدقيتها الفنية في تقديم موسيقى وأغان معبرة عن الوجدان الشعبي، وقاومت المحيط المُحبط والقيود الكثيرة التي فرضت عليها، لذلك استحقت محبة الناس وتقديرهم.
بعد خروجه من المعتقل في العام 1986، الذي دخله مع عشرات من مناضلي جبهة التحرير الوطني، في حملة إرهابية جديدة، انضمّ فيها المناضل الدكتور هاشم العلوي إلى قافلة شهداء الحركة الوطنية الذين قتلوا تحت التعذيب، أضطر سلمان لمغادرة البحرين، وبعد حين استقرّ في دولة الكويت الشقيقة، التي عاش فيها عدة سنوات، فكان له هناك أيضاً حضوره الغنائي والموسيقى الواسع، وأصبح وجهاً وفنياً معروفاً فيهأ وكان محل تقدير واحترام كبيرين في الأوساط الوطنية والفنية والثقافية فيها، التي تذكرته بحزن بعد رحيله المباغت.
البحريني – الفلسطيني
بعد سنوات الإقامة في الكويت عاد سلمان زيمان إلى البحرين، ليواصل عطاءه مع فرقة أجراس التي لم يتوقف نشاطها فترة غيابه، وأقامت عدة مهرجانات. ولم يقتصرسلمان في انتقاءه لكلمات أغانيه على النصّ البحريني وحده، وإنما اختار نصوصاً عربية، الجزء الأكبر منها لأبرز شعراء فلسطين المعاصرين، وفي مقدمتهم محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، حتى أصبح له ولفرقة “أجراس” تراث غنائي وموسيقي تضامناً مع القضية الفلسطينية يبلغ عشرات الأغاني، بشكل جعل البحرين في مقدمة الدول العربية التي غنت لفلسطين.
ومن كلمات الشعراء الفلسطينين ذاعت لسلمان و”أجراس أغنية “ولي في ربوع الشمال غرام”، و”أم الجدائل” من أشعار توفيق زياد، وغيرهما الكثير، كما كتب هو نفسه كلمات بعض الأغاني التي لحنها وغناها.
في قلوب الناس باقٍ
الرحيل السريع لسلمان زيمان الذي باغت المشاعر المطمئنة لكل رفاقه وأصدقائه ومحبيه، أشعل ذاكرة لم تنطفأ أبداً عن سلمان الفنان الذي يظل فنه حاضراً معنا ومع الأجيال القديمة، فالإبداع الصادق والحقيقي حي لا يموت. الزيف والتفاهة والابتذال هي التي إلى زوال، أما إبداع كالذي خلّفه الراحل بأفقه الإنساني الرحب وإنحيازه للإنسان فسيظل شاهداً على مرحلة هي من أخصب مراحل الإبداع في تاريخ وطننا.
آخر مرة ظهر فيها سلمان أمام الجمهور، كانت في منتصف فبراير الماضي، في احتفالية أقامها المنبر التقدمي في مقره، وبحضور ضيوف منتداه الفكري السنوي من الدول الخليجية الشقيقة، بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس جبهة التحرير الوطني، حيث أدى، رغم مرضه، أغنيته الأشهر: “يابو الفعايل”. كأنه بهذه الإطلالة الأخيرة كان يُلّوح لنا، بابتسامته الصافية التي لا تغادر محياه، مودعاً.
في قلوب الناس لن تبقى فقط ذكرى سلمان زيمان الفنان، وإنما، أيضاً، ذكرى الإنسان الرائع، الحنون، المتواضع، صاحب الخلق الرفيع، المحبوب من الجميع، والقريب من الجميع، سلمان الوطني الملتزم، النزيه، المتفاني الذي تفخر حركتنا الوطنية التقدمية أنه كان أحد أجمل وجوهها المشرقة، الذي لم يكتف فقط بدوره الفني، فاهتمّ، ضمن أعمال كثيرة اهتمّ بها، بذاكرة الحركة الوطنية، من خلال ما سجله من مقابلات مع بعض رموزها ومن بينهم الراحلين أحمد الذوادي والفنان مجيد مرهون الذي ظلّ سلمان لصيقاً به منذ خروج مجيد من السجن، ولازمه في مرضه، حتى وفاته.

اقرأ المزيد

صناديق التقاعد.. أي اصلاحات نريد؟!

على مدى أكثر من سبعة عشر عاماً بقيت قضية التأمينات الاجتماعية محل سجال مجتمعي متواصل، ولازالت القضية مرشحة للمزيد، ولذلك بطبيعة الحال أسباب عدة، لعل من بينها أن المعالجات التي تمّ الحديث عنها طيلة الفترة الماضية خضعت بطريقة او بأخرى، إما لابتسار متعمد، أو في أحسن الأحوال لتجاهل تام من قبل المعنيين، حتى أصبحت هذه القضية المحورية ككرة الثلج المتدحرجة، ونأمل ان لا يكون لها وقعاً موجعاً في نهاية المطاف، فهي قضية تحتاج الى تعاط جدي يتجاوز المصالح الضيقة والتعيينات والتنفيع والقرارات العابرة التي طبعت واقع الهيئة إدارياَ واستثمارياً بشبهات لا زالت بكل أسف تحوم، ملقية بحممها على كاهل البسطاء الفقراء من العمال والمتقاعدين الذين افنوا زهرة شبابهم في بناء هذا الوطن.
في هذه العجالة، يصبح صعباً الإقرار بجملة من الأرقام والنسب والعوائد والإيرادات والفساد والتجاوزات والقرارات الاداية والاستثمارية الخاطئة، فهي كثيرة ومتشعبة بعضها حقيقي والآخر لا يمكن تصديقه والتسليم به، لذلك يصعب علينا أن نقرأ مشهد أوضاع التأمينات الاجتماعية في البحرين من زاوية المطمئنين بكل تلك الحيثيات التي ربما ساهمت طيلة الفترة الماضية في اضفاء مزيد من الغموض على مشهد التأمينات الغامض اصلا!!
لكن ما يمكن ان يقال وقد اصبح جليا بالفعل، هو ان صناديق التأمينات الاجتماعية، وبشكل خاص صندوقي التقاعد في القطاع العام والخاص، والتي سبق ان تنبأ الخبيرالأكتواري السابق للهيئة ان افلاسهما سيبدأ فعليا نهاية العام 2022 فان الحقيقة الماثلة امامنا الآن تقول ان هذا الافلاس قد بدأ فعليا منذ العام 2016 اي قبل اوانه باكثر من ست سنوات. كثيرة هي المعطيات والتي سبق ان قلنا انه من الصعب تصديقها او حتى تكذيها احيانا فانعدام الشفافية والوضوح لا تعطي فسحة للحديث الجاد عن حلول يمكن ان يصدقها الشارع، وحتى نستذكر بعضا من الحقائق التي لامستها لجنة التحقيق البرلمانية الأولى التي شكلت في العام 2003 فأن صرخة الاستغاثة التي اطلقها الرئيس التنفيذي الأسبق في احدى جلسات مجلس نواب 2002-2006 كانت كفيلة لتداعي ثلة من اعضاء مجلس النواب لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في دواعي افلاس وأوضاع التأمينات الاجتماعية، استمر عملها لثمانية اشهر متواصلة خرجت بعدها بتوصيات استدعت اتهام وزيرين هما وزير المالية ووزير العمل السابقين والتي حالت تركيبة كتل المجلس الأسبق من اسقاط الثقة عن كليهما. ما يهمنا هنا ان التوصيات التي تم التوافق على رفعها للحكومة كانت محل اجماع نواب المجلس السابق، وتعهدت الحكومة بتنفيذها، الا ان ذلك لم يتم حتى بعد مرور كل هذا الوقت، وحيث تغيرت معطيات كثيرة على الأرض وأصبحت مسألة الاصلاح تتطلب اكثر من المناداة بالدمج واكثر من توحيد المزايا وأكثر من ضبط ادارة وموارد واستثمارات الهيئة وغيرها من التوصيات، فنحن الآن امام مشهد معقد بالفعل يحتاج اصلاحه الى اكثر من ترقيعات عابرة كتلك التي رفعها مجلس ادارة الهيئة مؤخرا وبشكل متسرع بغية اصلاح ما افسدته سنوات من الضياع وسوء الادارة والفساد والمحسوبية ووجوه عديدة من استنزاف صناديق التأمينات دون حسيب او رقيب.
بكل بساطة مسألة اصلاح اوضاع الصناديق التقاعدية لا يمكن القبول بتحميل اعباءها على كاهل المواطنين الفقراء وفئات المشتركين والمتقاعدين، وهناك امور لا يريد مجلس ادارة الهيئة الحديث حولها، لكنها في اعتقادي كفيلة بتحقيق اصلاحات جذرية واعدة اذا ما تم الاهتداء بها، ولعل اهمها يكمن في اهمية ايجاد مجلس ادارة وادارة تنفيذية قادرة ومحترفة ومتخصصة في ادارة احد اهم الصناديق السيادية في البحرين، ويكفي كل هذا التخبط الذي اوصل صناديقنا الى ان تكون قاعا صفصفا، هناك مسألة حيوية ترتبط بضرورة اعادة هيكلة سوق العمل البحريني بحيث تمثل العمالة الوطنية نسبة وازنة من اصحاب الاشتراكات، فأرقام التأمينات الاجتماعية الراهنة تقول ان هناك اكثر من 600 الف اجنبي في سوق العمل البحريني مقابل اقل من 120 الف بحريني، وفي المقابل هناك اكثر من 95 الف متقاعد يستلمون معاشاتهم التقاعدية وغالبيتهم في اعمار تعتبر نسبيا صغيرة مقارنة بمعدل عمر الانسان البحريني الذي يتجاوز قليلا ال 74 عاما!!
اذا نحن امام اشكاليات عديدة تغذيها ارقام وحقائق لا يمكن دحضها لعل من بينها غياب الحد الأدنى للأجور، وغياب الحد الأدنى للفقر، وحقائق اخرى اكثر مرارة تتمثل في ان سياسات الخصخصة وبرامج التقاعد المبكر ومن بعده الاختياري وماصرف عليها من تعويضات بعشرات الملايين دفعت من اموال الصناديق وليس من ميزانية الوزارات والجهات، المعنية التي كان همها فقط التخلص من عمالتها الوطنية لصالح نزعات الجشع التي اغرقت اسواقنا بعمالة وافدة لأكثر من 57 جنسية في سوق صغيرة لا تحتمل كل تلك الفوضى غير الخلاقة التي كانت نتيجتها ان يطلق الخبير الاكتواري رصاصته الأخيرة معلنا ان صندوق التقاعد الحكومي سيستنفذ بحلول العام 2024 فيما سيقاوم صندوق القطاع الخاص متعكزا حتى العام 2033!!
هنا نتوقف لنسأل اسئلتنا المعتادة التي ستظل تبحث عن اجابات لا تأتي في الغالب.. لماذا تأخر اصلاح الصناديق؟! واين هي استثمارات الهيئة وكيف تدار وما هي آليات تنميتها وهل هي بالفعل مجدية؟، ولماذا تأخر الحديث عن زيادة الاشتراكات والدمج وتوحيد المزايا منذ 2004 حتى الآن ولماذا يجد مجلس الادارة ضالته فقط في استهداف الزيادة السنوية المعادلة للتضخم البالغة 3% والتي لا تمثل في مجموعها اكثر من 15 مليون دينار سنويا، بعكس ما ذكره رئيس مجلس ادارة الهيئة حيين اجاب على تساؤلاتنا من ان ذلك يكلف اكثر من 6 مليارات دينار.. اي عقل يمكن ان يصدق هذا التلاعب الفظ بالأرقام والنسب والمعطيات؟!! والأهم من ذلك لماذا لا تريد الهيئة الحديث عن اعادة ادخال الأجانب للتأمينات وقد اخرجو منها بقرار اداري منذ اكثر من 43 عاما..اسئلة لا اعتقد اننا سنجد لها اجابات وافية طالما بقي الحديث عن اصلاحات شكلية لا ترقى لطموحات اصحاب الاشتراكات والمتقاعدين الذين تركو لوحدهم يعيشون اوضاع مقلقة، نتمنى ان لا تستمر كثيرا حفاظا على استقرارنا الاجتماعي الذي يجب ان لا يكون مرتهنا لأجندات مفروضة يرسمها صندوق النقد عبر مشاريعه المشبوهة حول العالم!

اقرأ المزيد

حق الموظف في نقد السياسات

انتقدت خمس جمعيات سياسية هي: المنبرالتقدمي، التجمع القومي، التجمع الوحدوي، الوسط العربي الإسلامي والصف الإسلامي، في بيان مشترك صادر عنها ما وصفته ب”تهديد موظفي الدولة بجزاءات إن مارسوا حق التعبير عن الرأي، وكأن الحكومة مصانة وفوق مستوى النقد، وهو أمر يمكن أن يخضع لكثير من التأويلات والشكوك حول بواعث الحجر على هذا الحق الذي يعتبر بحسب كل المعاهدات والأعراف الدولية حقاً مقدسًا لا يمكن مصادرته، أو التضييق عليه”.
بيان الجمعيات جاء على خلفية صدور القرار رقم 20 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، والذي تضمّن، ضمن ما تضّمن، إضافة بند على المادة رقم 34 في اللائحة، تحت الرقم 10 ينصّ على أنه “يجوز للموظف طوال شغله لوظيفته نشر وجهة نظره بكافة الوسائل، شريطة ألا يتناول ما يثير الخلافات في المجتمع أو يؤثر على الوحدة الوطنية، أو يوجه النقد لسياسات الحكومة وقراراتها باي وسيلة من الوسائل”.
فهذا البند، على الأقل في الجزء المتعلق بمنع الموظف من توجيه النقد لسياسة الحكومة وقراراتها، بصرف النظر عن طبيعة هذه القرارات، مخالف للنصوص الدستورية التي تكفل للمواطنين، ومن ضمنهم الموظفين الحكوميين بطبيعة الحال، حرية التعبير وإبداء الرأي في الشؤون العامة للوطن والمجتمع، بما في ذلك سياسات الدولة.
وكان من الطبيعي أن تنصرف الأنظار حول توقيت صدور هذا التعديل، حيث لفت بيان الجمعيات المشارإليه الأنظار إلى أنه “يأتي في وقت بدأت فيه الدولة تعمل على تنفيذ خطط واجراءات على صعيد إعادة هيكلة الجهاز الإداري الحكومي، وإذا كانت هناك بعض الآمال العريضة المعلقة على هذه الخطوة من منطلق أنها تخدم مرامٍ وأهداف تصب باتجاه هدف الإصلاح الإداري المنشود، إلا أن الحجر على حرية الرأي والتعبير في أوساط موظفي الحكومة خطوة لا تخدم هذا الهدف وستجعل تلك الآمال مجرد آمال تنتظر وقتها”.
أثار هذا التعديل انتقادات واسعة في المجتمع ومؤسسات المدني، في السياق الذي عبرت عنه الجمعيات في بيانها، معبرة عن استغرابها من “الموقف الجامد أو الصامت من جانب معظم أعضاء مجلس النواب إزاء إجراءات تخالف الدستور والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تكفل وتصون حرية الرأي والتعبير، تشدد على ضرورة حماية هذا الحق الذي كفله الدستور من عوارض المساس بهذا الحق، وعدم خلق هوّة بين مقتضيات هذا الحق مع ما نصت عليه هذه التعديلات على اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية”.

اقرأ المزيد

تضامن مع الشعب والحزب الشيوعي اللبناني

الرفيق حنا غريب – أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني
الرفاق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني

يعزي المنبر التقدمي ممثلاً في أمينه العام الرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني والشعب اللبناني في العموم، على ما ألم بلبنان من كارثة أودت بحياة العشرات وإصابة المئات.

لبنان كان ولايزال وسيبقى أيقونة الشعوب العربية ومنارة الثقافة وعروس الشرق وملاذ المناضلين المهجرين والمطاردين السياسيين العرب، جميعنا نشعر أن لبنان جزء من ذاكرتنا ومخزوننا الفكري والعاطفي. إن هذه الحادثة الموجعة تركت فينا جميعاً أثراً لن يُمحى.

يعرب التقدمي عن تضامنه مع شعب لبنان ومن ضمنهم الرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني، ويدعو الجهات الرسمية في لبنان إلى الشفافية وفتح تحقيق موسع للوقوف على الجهة المسئولة عن هذا الحادث الأليم، كما يناشد الشعب اللبناني بكافة انتماءاته وفصائله وطوائفه تفويت الفرصة بالمتربصين وتجار الحروب، والوقوف صفاً واحداً ضد الأصوات النشاز وعدم توجيه الاتهامات الجزافية قبل كشف الحقائق. وسنظل في مملكة البحرين داعمين ومساندين لكل ما فيه خير ومصلحة واستقرار لبنان وشعبه الشقيق.

٥ اغسطس ٢٠٢٠

​​​​​​​​خليل يوسف رضي
الأميـــن العـام المنبر التقدمــي

​​​​​​​​​​​​​​​​
​​​​​​​

اقرأ المزيد