المنشور

الأشياء بأسمائها..!

  • الأشياء بأسمائها..!

اذا كان الاتجاه سيمضي حقا الى المدى الذي طال انتظار الناس له في هذا البلد فيما يخص تحريك المتابعات القضائية في كم هائل من ملفات «الهم العام».. اي قضايا التجاوزات والمخالفات والانحرافات المالية والادارية وشبهات الفساد التي عهدناها طيلة السنوات التي مضت وبقدرة قادر تركن فوق الرفوف، ربما من منطلق اذا «ابتليتم فاستتروا»..! نقول.. اذا كان هذا الاتجاه سيمضي حقا الى المدى الذي طال انتظار الناس له وبالمستوى الذي يشفي غليلهم، فان هذا امر يستحق ان يستقبل بحفاوة كبيرة واهتمام وتركيز خاصة من جانب اولئك الذين يتمتعون بموهبة التقاط الاشارات وهي طائرة كما يقال وهم كثر، ومعهم اولئك الذين يتجنبون الافراط في التفاؤل في انتظار ما ستحمله الايام المقبلة وهذا لب الكلام وجوهر التساؤلات..!! مبلغ رجائنا نحن المواطنين العاديين النائمين على حرير الوعود والذين تابعنا طيلة ايام قريبة مضت الكلام المرتفع المنسوب عن الفساد وعن المساعي المبذولة نحو ما نظنه -رغم ان بعض الظن اثم- احياء لقيمة المساءلة والمحاسبة المكسورة الخاطر والجناح والتي عانت غيابا وتغييبا وعبثا بمفرداتها ومقوماتها، نقول مبلغ رجائنا رغم كل الهواجس والشكوك المزروعة في النفوس، بان يكون هذا الكلام يعني نية الذهاب الى الضروري والملحّ بتعقيداته المفهومة او المجهولة.. اي تفعيل تلك القيمة، والاقتناع بان المحاسبة الحاسمة هي عنوان الدولة القوية القادرة على تصحيح الاخطاء.. واي حركة في هذا الاتجاه بركة.. وهي حركة مهمة، انما النتيجة هي الاهم.. لذلك تبقى خطوة ايجابية لا ريب احالة شبهات فساد الى ادارة مكافحة الفساد والامن الاقتصادي تمهيدا لتحويلها الى النيابة العامة، واعلان تقرير «وزارة المتابعة» حول تقرير الرقابة المالية والادارية عن 462 «ملاحظة» حول تجاوزات مالية وادارية في وزارات واجهزة رسمية، منها 20 شبهة فساد ستحال الى الادارة المذكورة، و38 ملاحظة ستحال الى لجان تحقيق داخلية و404 ملاحظات اجرائية سيتم اتخاذ الاجراءات المناسبة حول قضايا فساد احيلت الى تلك الادارة قبل تحويلها الى النيابة العامة، والحبل على الجرار ومن ثم اعلان المحامي العام الاول عن تسلم النيابة العامة 5 قضايا فساد بشأن تجاوزات وقعت من بعض مسؤولين حكوميين، وبعد ذلك جاء المؤتمر الصحفي لوزير الدولة لشؤون المتابعة حول اعمال اللجنة التنسيقية التي تناولت المخالفات والتجاوزات المرصودة بتقرير ديوان الرقابة والذي قيل فيه كلام لافت نحسب بانه حمل ظاهرا عناوين بالوجهة التي يراد لها ان تمضي نحو تفعيل قيمة المساءلة بعيدا عن «هوى النفس».. في هذا المؤتمر جرى التأكيد على انه لن يكون هناك اكباش فداء للمخالفات.. وان التحقيقات ستظهر الاسماء والاعداد.. وان هناك التزاما بمنهجية الحزم، وانه سيكون هناك جدول زمني لانجاز مخرجات ملموسة.. وفوق ذلك تم التأكيد على انه لن تكون هناك خطوط حمراء وانه لن يفلت اي مرتكب خطأ من خطئه، ولن يكونوا محصنين من المساءلة.. كلام من هذا النوع يجعل الناس يأملون ان تكون هذه ارهاصات تنبئ عن عمل مضن عنوانه نقطة البداية لوضع الاصبع على الجرح الذي ينال من الصحة والذي لا بد ان نتفق على تسميته بانه فساد، هذا اذا اردنا ان نسمي الاشياء باسمائها حتى لا تمضي مجريات الامور الى خط مجهول السير.. ومجهول الغايات. ارهاصات من ذلك النوع الذي تابعناه والتي لم يتح ان تخرج سابقا الى العلن هي ارهاصات مريحة.. ونحن المواطنين العاديين الذين نتابع اخبار ومجريات عمل اللجنة التنسيقية التي يرأسها سمو ولي العهد، ونرصد مخرجات هذا العمل.. يهمنا قبل كل شيء ان تزال المتاريس التي عطلت وعرقلت تفعيل تلك القيمة -قيمة المساءلة والمحاسبة- وان يمضي هذا الاتجاه بهمة لا تفتر ولا تعرف الكلل وبخطوات اكبر واسرع ولا تقتصر فقط على ما يكشف عنه تقرير ديوان الرقابة، كي نزرع روحا جديدة تتصدى بحزم وحسم للامراض الخبيثة التي سرت في جسم هذا الوطن ونالت من عافيته بعد ان اصبح الفساد يمتلك قوة وله اظافر وانياب وشعارات تحميه..!. يحق لنا استطرادا نحن المواطنين العاديين ان نأمل الا يكون ذلك بمثابة حلول موضعية مؤقتة والا تطول ساعة الحساب العسير تجاه من لم يحملوا امانة المسؤولية كما يجب واعتبروها مجرد مغانم ومحسوبيات واسلاب.. وخرجوا على مقتضيات ما يستوجب المواجهة والحسم والردع وتطبيق القانون، خاصة واننا في وقت يكثر فيه الحديث عن سيادة القانون ذلك مهم بقدر ما هو مهم ان لا يقف سقف المساءلة عند حد معين.. او يظل هذا السقف لا يتجاوز حدود مدراء ومن في حكمهم ومن دونهم من صغار الموظفين، وبمعنى ادق فان الوزراء ليسوا معفيين تماما من المسؤولية عن هذا الذي جرى ويجري في وزاراتهم طالما هناك من اساء استخدام السلطة العامة لاهداف غير مشروعة او مكاسب شخصية، والا فان بطاقة العلاج في هذه الحالة تكون منقوصة، والامر من بدايته الى نهايته يمس كفاءة هؤلاء الوزراء وجدراتهم بالاستمرار في مواقعهم، خاصة ان ما نقرأه في تقارير ديوان الرقابة هي تهم صريحة ازاء مخالفات مرتكبة وعلى مدى سنوات. يبقى اكثر من سؤال مهم واكثر من ملاحظة مهمة: أليست هذه المخالفات والتجاوزات حتى وان سميتموها «ملاحظات» والتي رصدت على مدى سنوات عشر؟ أليست كافية وكفيلة باحداث اصلاح اداري حقيقي.. لا يجوز في اي حال حرمان البلاد منه بحجة ان الوقت قد تأخر للقيام به، او ان الوقت لم يحن بعد للمبادرة اليه..؟ ثم أليس من الخطأ الفادح ان نظل نحصر التركيز والاهتمام والرصد والمتابعة وتسليط الضوء فقط على ما يكشف عنه ديوان الرقابة في تقاريره.. فيما الحاجة ملحة ايضا لان نلمس نفس الاصرار والحزم في رصد ومتابعة ومواجهة منافذ فساد في مواقع اخرى من مواقع المسؤولية العامة قد تكون اشد انكارا واكثر فسادا. ثم ألم نستشعر الحاجة بعد الى منظومة من الاليات القانونية والرقابية الضامنة لعدم الافلات من العقاب.. عقاب من يستحقون العقاب.. والتي توفر بوجه عام مناخا يكفل بجعل محاربة الفساد على درجة عالية من الجدية والوضوح، بدءا من تفعيل قانون الذمة المالية للمسؤولين الحكوميين ومن هم في الخدمة العامة، وتعزيز اجراءات ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتبني تشريع يحمي المبلغين عن قضايا فساد وجعل المعلومات المتعلقة بالفساد اكثر شفافية، وان نعمل على انشاء لجنة وطنية مستقلة للنزاهة ومحاربة الفساد وان نعزز دور المجتمع المدني في محاربة الفساد دون ان ننسى ان كل ذلك من مقتضيات الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد التي صادقت عليها البحرين. اذا كان هناك من دروس يراد الاستفادة منها .. فان الدرس الاول هو حق الناس في ان تعرف الحقيقة.. والتعامل مع هذا الحق كقيمة اجتماعية وسياسية ثابتة، وان ندرك ان المصلحة العامة والامانة الحقيقية يقتضيان ان يحاط المواطنون بكل الحقائق وان تسمى الاشياء باسمائها وليس العكس كما يتصور البعض، اما الدرس الثاني فهو ضرورة الاخذ بالمسؤولية الادبية والسياسية، وهو امر يفترض ان ينتهي باستقالة اي وزير او مسؤول او تنحيته طالما تحفل سجلاته بالكثير من اوجه الخلل والقصور وسوء الاداء والادارة مما يثير استمرار بقائه الكثير من الدهشة والاستغراب. نحن اليوم بحاجة الى ترجمة تنفيذية لازالة العصى في دواليب عجلة «المحاسبة».. ومحاربة فعلية للفساد.. لعلنا بذلك ننقل جرعة الثقة والاطمئنان الى الناس في هذا البلد ليكونوا اكثر تفاؤلا بالمستقبل.