المنشور

درس بليغ في التسامح

عندما كان الفتى في المرحلة الثالثة من المدرسة حلَّ معلم جديد في المدرسة آتٍ من خارجها، وكان هذا الأمر مبعث تعليقات كثيرة بين سكان جماعة محلية مغلقة مكتفية بذاتها.وكان التلاميذ يتشوقون لرؤية المعلم الجديد الذي ذاع نبأ قدومه في صفوفهم، ويتساءلون: كيف سيبدو الضيف الجديد؟ هل سيكون شديداً أم متساهلاً، حاد المزاج أم هادئاً؟ وعندما تحقق الأمر وظهر المعلم في حصته الأولى، انزاح الكثير من الغموض والفضول حوله.

كان المعلم هندوسياً من طائفة الإبراهيميين، وما إن دخل الفصل حتى أجال بصره وتطلع بنظرات خاطفة نحو التلاميذ كانت كافية لإظهار الامتعاض على وجهه لرؤية الملابس المختلفة التي يرتديها التلاميذ المتحدرون من عائلات بديانات مختلفة، ففي البلدة النائية يتجاور الجامع مع الكنيسة مع المعبد الهندوسي، ولم يجد أهاليها في ذلك سبباً لأن يفترقوا أو يختلفوا أو يتعاركوا؛ لأن لكل جماعة منهم ديانتها المختلفة عن الآخرين.

لم يكن بوسع المعلم ذي الذهن المشحون بآثار التعصب أن يدقق في العيون الملتمعة وضحكات الأمل المرسومة على وجوه التلاميذ الأحرار من تلك المنغصات التي في ذهنه.

أول ما وقعت أنظار المعلم كانت على تلميذين هما الأكثر شغفاً بالمعرفة بين أقرانهما، لذلك كانا يحرصان على أن يكونا في المقعد الأمامي.

فهم المعلم من مظهر التلميذ الأول أنه من عائلة مسلمة، كما أوحت عمامة الثاني أنه من عائلة هندوسية، ولم يرق له أن يتجاور الاثنان على مقعد واحد، وبعد أن سأل الأول عن اسمه أمره في لحظة نزق بأن يجمع كراريسه وأقلامه وينتقل إلى مقعد خلفي.

شعر الطفل بالمهانة والحرج والحزن، فيما امتلأت عينا زميله بالدموع للتفريق القسري بينه وبين رفيقه الأقرب والأعز.

لم تنتهِ الحكاية هنا.

نقل التلميذان ما جرى لوالديهما اللذين صادف أن أحدهما هو إمام جامع البلدة، والثاني هو راعي المعبد الهندوسي فيها، ولما سمع الرجلان بالحكاية تحول مزاجاهما الهادئان المسالمان إلى حال من الغضب، وقررا ألا تمر الحادثة.

استدعيا المعلم المعني، وبحضور قس الكنيسة أفهماه وبكلمات قاطعة لا تقبل التأويل أنهما لن يسمحا لكارثة التمييز الديني التي تمزق النسيج الوطني بأن تنمو في هذه البلدة، ولن يسمحا بأن يكون الدين عنصراً لتقسيم البلدة بدل أن يكون عنصر بناء وتكاتف.

أحد التلميذين سيغدو بعد أن كبر أهم علماء الهند في الفيزياء، وبعد حين سيغدو رئيساً للبلاد، هو زين العابدين عبدالكلام، والحكاية وردت في كتابه «رحلتي» الذي تحدثنا عنه، هنا، قبل أيام من ترجمة لطفية الدليمي.