المنشور

في ذكرى الميثاق والحراك الشعبي …. الواقع الراهن وتطلعات المستقبل

بعد أكثر من ربع قرن على  حل المجلس الوطني في أغسطس من عام 1975 لأول تجربة نيابية في البحرين، والتي لم تستمر سوى عشرين شهراً، دخلت البلاد في حقبة قانون أمن الدولة  ومحكمة أمن الدولة، و قدمت الحركة الوطنية والشعبية تضحيات كبيرة  من أجل إعادة الحياة النيابية وأشاعه الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة في البحرين، حتى مجيء  فترة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك بالتصويت على ميثاق العمل الوطني في الرابع عشر والخامس عشر من فبراير من عام 2001، والذي نحن بصدد إحياء  ذكراه هذا المساء، لما له من أهمية حيث أخرج البلاد من حقبة قانون أمن الدولة السيئة الذكر، إلى مرحلة الانفراج السياسي الذي كان أبرز سماتها  إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين والغاء قانون أمن الدولة  وتدابير محكمة أمن الدولة، وفي مرحلة لاحقة السماح بتشكيل الجمعيات السياسية والنقابات العمالية والعديد من منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان، والسماح للعديد من المعارضين بالكتابة في الصحافة المحلية وإصدار العديد من الجرائد الجديدة، في حراك سياسي ومدني ومجتمعي نشط لم تشهده البحرين من قبل.
لو قدر لهذ التغيير الجنيني أن ينمو في حالة طبيعة تسودها الثقة المتبادلة بين  مؤسسة الحكم  والأطراف السياسية في البلاد  لسارت الأمور بشكل أخر وتطورت  نحو المزيد من الحريات والديمقراطية وتعزز التحول الديمقراطي الناشئ في البلاد، مما كان يؤسس لتراكمات تؤدي إلى تحولات نوعية نحو ترسيخ مقومات الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد، ولكنها توقفت في بداية الطريق.
حدث ذلك مع صدور دستور مملكة البحرين عام 2002، بعد مرور عام على التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، مما ادى إلى ارباك كبير في الحراك السياسي في البحرين، وبرز التباين والاختلاف في صفوف القوى السياسية وتحديداً المعارضة من الدستور، وعندما جرت انتخابات 2002، برزت ثنائية المشاركة والمقاطعة من قبل القوى السياسية المعارضة، كما برز المؤتمر الدستوري، والذي انتهى دوره بمشاركة أطراف من المعارضة في مجلس النواب 2006/2010.
منذ فبراير 2001 حتى فبراير 2018 ، سبعة عشر عاماً مضت على صدور ميثاق العمل الوطني و جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ولكن الحدث الأهم ما جرى من أحداث في فبراير/ مارس 2011 والتي جاءت مع الهبات والتحركات الشعبية في أكثر من بلد عربي، فيما أطلق عليه الربيع العربي، ولا نعرف هل كان حقاً ربيعاً أما هو خريف عربي وبالأخص بعد أن أتضحت  التدخلات الأجنبية واندلعت الصراعات والحروب الدموية  في العديد من البلدان العربية وبعضها لازالت في أتونها حتى اليوم.
في بلادنا سارت  الأحداث و التحركات  باتجاه معاكس لإرادة القوى الوطنية، مما أحدث شرخاً كبيراً في جسد الوطن لن يتعافى منه لسنوات قادمة، حيث إنقسم الشعب وازدادت الفرقة في المجتمع،  وترسخت في الوطن العديد من المفاهيم الخاطئة التي تسيء للإنسان البحريني، وطغت النوازع والعصبيات الطائفية والعرقية بشكل لا مثيل لها في السابق، ولم تعد الوحدة الوطنية هاجساً لأطراف عديدة في الوطن والبعض لازال يعمل على تعميق الانقسام  في الوطن خوفاً من فقدان المنافع والمزايا التي تحققت له منذ أحداث 2011، فالوطن أصبح بالنسبة لهذا البعض(غنائماً ومكاسب)، وهذا ما يكشف عنه بوضوح ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام والأسابيع الماضية لمعرفة ذلك الواقع .
 حدثت أخطاء كبيرة في أحداث فبراير/ مارس 2011 كانت يتطلب معالجتها في وقتها، لم تحدث مراجعة تقييمية ونقدية من قبل قوى الجمعيات السياسية سواء من خلال تنظيم الورش والحلقات والحوارات ومناقشة كل الأحداث والقضايا بروح نقدية هادفة، لكي تستطيع التقدم نحو المستقبل برؤى أكثر وضوحاً وواقعية.
صدرت الوثيقة النقدية الوحيدة من قبل المنبر التقدمي، بعد الأحداث مباشرة كطرف من أطراف المعارضة، كان بالإمكان الاستفادة منها كمدخل لتنظيم وإقامة الحوارات بين الجمعيات السياسية المعارضة، قبل أن تتطور الأمور وتصل إلى حل جمعيتين من قوى المعارضة (الوفاق ووعد) لتتعقد وتتعمق الأزمة السياسية في البلاد، ويصبح الخيار السياسي غير وارد في أجندة الدولة ويترسخ الخيار الأمني بتكاليفه الباهظة على الدولة والشعب.
وإلى جانب الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد تبرز لنا اليوم الأزمة المعيشية والمالية. ليزداد الوضع سوءاً في البلاد، خاصة مع السعي لتحميل المواطنين أعباء هذه الأزمة، وهم غير مسؤولين عنها من خلال فرض مزيد من الرسوم و الضرائب، والأكثر من هذا أخذ أموال صندوق أجيال المستقبل أكثر من  (650 مليون دينار) لتغطية العجز في الميزانية، و كذلك أموال صندوق التعطل عن العمل التي يتم استقطاعها شهرياً  من رواتب الموظفين البحرينيين بدلاً من الاستفادة منها في إيجاد مشاريع منتجة يتم من خلالها توظيف العاطلين من الخريجين والباحثين عن العمل، بعد العجز الاكتواري القديم الجديد لهيئة العامة للتأمين الاجتماعي.
هذه نتائج السياسات الاقتصادية الفاشلة والمتبعة في السابق ولازالت من قبل الحكومة في ظل غياب التخطيط الاستراتيجي القائم على البحث العلمي والمعرفي ليواكب التطور والتقدم الحادث في العلوم الإنسانية وفي  ثورة المعلومات والتكنولوجيا المتطورة، بدلاً من الاستعانة بخبرات ووصفات فاشلة (مكنزي مثال على ذلك).
تراجع أسعار النفط (البترول) ليس سبباً وحيداً لذلك، فالتخبط  والفشل في العديد من المشاريع والشركات التي كلفت ميزانية الدولة خسائر كبيرة بملايين الدنانير، وسوء الإدارة المناطة بها بتفيذ تلك المشاريع والبرامج الحكومية، وغياب الشفافية والمحاسبة والمساءلة القانونية  للمسؤولين عن تلك الاخفاقات والأخطاء، كما تفصح عن ذلك تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية الصادرة خلال تلك السنوات الماضية لمعرفة حجم الفساد والفاسدين، هذا ايضا  نتيجة للضعف والأداء السيء لأعضاء مجلس النواب الذين  بدلاً من القيام بواجبهم الرقابي والتشريعي ينصرفون لمناقشة قضايا تافهة.
أما الحراك السياسي الحالي فينتابه الضعف والوهن والركود لأسباب عديدة، في ظل انسداد الأفق نحو الحل السياسي الشامل  للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ أحداث عام 2011، وتوقف الحوار الوطني الثاني في عام 2014، بين السلطة والقوى السياسية بالأخص منها المعارضة، وخلال الأربع سنوات الماضية جرت أحداث كبيرة وخطيرة في البلاد، لهذا كان الخيار الأمني هو الخيار الذي سلكت دربه الدولة مبتعدة عن الخيار السياسي.
 في الأسابيع الماضية تسربت أخبار عن لقاءات بين رموز في الدولة وشخصيات دينية وعامة في البلاد، أكدتها تلك الرموز في مجالسها، إضافة إلى بعض الأفكار التي طرحتها تلك الشخصيات، ويمكن لهذه أن تكون مؤشرات لبداية فتح حوار سياسي إذا ما توفرت الرغبة والإرادة، لبدء حوار وطني شامل للخروج من الأزمة وايجاد حالة توافقية تعيد الزخم من جديد لميثاق العمل الوطني، وبالأخص أن البلاد مقدمة على استحقاقات انتخابية في أكتوبر القادم، مما يتطلب تهيئة الأجواء السياسية بالتخفيف من التوجهات الأمنية وتوسيع  هوامش الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، والعمل على إصدار قانون يجرم التمييز والكراهية في المجتمع.
 ومن أجل إيجاد حلول للأزمة المعيشية المتفاقمة، يتطلب التصدي لظاهرة الفساد والفاسدين ومحاسبة المتورطين فيها، ورفض نصائح البنك الدولي الكارثية لكي لا تتراكم الديون المالية على الدولة ويزداد الدين العام.
فهل نأمل ونحن نحيي  ذكرى التصويت على ميثاق العمل الوطني السابعة عشر في إنطلاق مبادرة وطنية جديدة تخرج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية ؟؟؟.
12 فبراير 2018