المنشور

الغلاء ومبادرة رئيس الوزراء .. وحماية المستهلك

ليست المسألة التي باتت تواجه شعوب الخليج كافة هي «موجة الغلاء« المنفلتة من عقالها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات على نحو غير مسبوق منذ استقلالها وقيام الدولة الوطنية الحديثة بل المسألة هي موجات متعاقبة متدفقة من ارتفاع الاسعار لمختلف المواد والسلع الاساسية الغذائية والمعيشية وغير الغذائية والمعيشية. وهكذا فثمة فرق كبير بين ما اصطلحنا على تسميته منذ عقود بـ «موجة غلاء« تهب بين الحين والآخر لتطاول هذه السلعة أو تلك السلعة أو على الادق مجموعة من السلع وبين «موجات« متدفقة متتالية لارتفاع اسعار السلع ذاتها ارتفاعا جنونيا متعاقبا موصولا لا ضابط له ولا تفسير ودونما حسيب أو رقيب فكأنما هي «لعبة« أو «موضة« استهوت كثرة من التجار المتحكمين في قوت هذه الشعوب. ولماذا لا تفعل ذلك طالما هي بلا رقيب أو حسيب؟ وكأننا نعيش في عصر جديد من عصور الاحتكار والمضاربة في قوت الناس. يزيد من خطورة الوضع المعيشي والاقتصادي لهؤلاء الناس ان المسكنات الوقتية كرفع الاجور نسبيا أو دعم السلع لمعالجة هذا التدهور باتت أعجز من ان تواجه هذه «الموجات« المتعاقبة سريعا لغلاء السلع والمواد الاساسية. فإذا كانت هذه المسكنات هي اعجز من ان تواجه أو تحد من غلواء «موجة غلاء« موسمية واحدة، فما بالك وهي يراد لها ان تواجه موجات متعاقبة لا ضابط لها ولا فرملة في مواجهة اندفاعتها الجنونية غير المسبوقة؟ وما بالنا أيضا وان زيادة الاجور لمواجهة ارتفاع الاسعار هي زيادات ذات نسب متدنية لا تكاد تذكر، ولاسيما في افقر هذه البلدان الخليجية، كالبحرين وعمان، واللتين هما أكثر بلدان المنطقة اكتواء ومنكوبية بموجات الغلاء المتدفقة؟ لا أحد ينكر ان ثمة عوامل وقوانين اقتصادية موضوعية عالمية ومحلية لعبت وتلعب دورا في ارتفاع اسعار السلع وهو ارتفاع غير منقطع ويحدث بين الفينة والاخرى وفق موجات موسمية او مفاجئة في كثير من الاحيان.. لكن من ينكر في المقابل اننا بتنا أمام موجات منفلتة من رفع الاسعار لا نجد لها تفسيرا معقولا ولا تصمد أمامها الحجج الروتينية ذات الاسطوانة «المشروخة« المبتذلة بأن السبب «بلد المنشأ«، وان الغلاء «ظاهرة عالمية«، و«ان كل شيء تم رفع سعره فكيف يستطيع التاجر أو البائع المتخصص في بيع سلعة أو عدة سلع معينة الايفاء بربحه من دون خسارة في ظل موجة الغلاء في الأسعار الاخرى وفي ظل ارتفاع الايجارات ومواد البناء والكهرباء والماء؟«.. الخ من هذه المعزوفة السمجة التي بات جميع التجار يكررونها، لكن والقليل منهم يكررها عن وجه حق، فيما الغالبية منهم هي بمثابة كلام حق في ألسنتهم يلوكونه أمام زبائنهم «الغلابة« لستر وتبرير «الباطل« المتمثل في الغلاء الفاحش الذي يمارسونه بأقصى الحرية وبحسب المزاج والاهواء. بهذا المعنى فاننا إذ نشيد ونقدر عاليا مبادرة الحكومة برئاسة صاحب السمو رئيس الوزراء بتخصيص 40 مليون دينار لمواجهة الغلاء.. فاننا نرى انه بات من الأهمية بمكان ليكون لمنحة دعم السلع الغذائية اثرها الملموس، ولو بالحد الادنى، لإعانة السواد الاعظم من الفقراء وفئات ذوي الدخل المحدود على مواجهة هذا التدهور المتفاقم في اوضاعهم المعيشية، تفعيل أولا وقبل كل شيء الشق الثاني المتعلق بتأكيد سموه لدى لقائه مؤخرا مجموعة من النواب في ديوانه تفعيل دور إدارة حماية المستهلك ولجنة مراقبة الاسعار، والتسريع بتجهيز مشروع قانون حماية المستهلك لإحالته على البرلمان واقراره في اقرب فرصة ممكنة. فمن دون تفعيل آليات المراقبة والضبط لمواجهة موجات ارتفاع الاسعار المتلاحقة لن يكون لمخصصات دعم السلع مفعول يذكر، إذ سرعان ما ستلتهمها تلك الموجات المتتالية المنفلتة من ارتفاع الاسعار، ولاسيما في ظل بقاء الاجور على حالها والتي لا تتحلحل الا بشق الانفس أو بمعجزة بعد اللتيا والتي، هذا إذا تم رفعها اصلا.. وهذا إذا ما كان الرفع يصل بالكاد الى نسبة الحد الادنى المعقولة لرفع الاجور فهو غالبا لا يقارب هذا الحد الادنى المطلوب. والأهم من ذلك، وكما اكد سموه عن حق، فان دعم السلع ينبغي ان يتم من خلال الآليات المناسبة التي تكفل وصول الدعم حقا إلى مستحقيه، لا ليستفيد منه من لا تتأثر دخولهم بارتفاع الاسعار بل تزداد مع زيادة الاسعار. ان مملكة البحرين هي في طليعة بلدان الخليج العربي في امتلاك الخبرات الادارية والفنية بأجهزة الرقابة والتفتيش المختلفة والتي من بينها تلك المختصة بمراقبة السلع لدى استيرادها من حيث الجودة أو من حيث سلامتها الصحية إذا ما كانت غذائية خاصة ان جهاز التفتيش بوزارة الصحة من اكفأ الاجهزة التفتيشية الخليجية في مراقبة المواد والسلع الغذائية عند نقاط الاستيراد وفي الاسواق وفي المطاعم والفنادق.. الخ. ونعتقد جازمين ان جهازي حماية المستهلك ولجنة مراقبة الاسعار بوزارة الصناعة والتجارة ليسا أقل خبرة وعراقة وكفاءة من أجهزة الرقابة والتفتيش المختلفة الاخرى بالوزارات الحكومية التي لطالما سجل مفتشوها مواقف نزيهة في اداء مهامهم الرقابية نشرتها صحافتنا المحلية بأحرف من نور. ومن ثم فقد آن الاوان لهذين الجهازين ان يشمرا عن ساعديهما لتفعيل دورهما المهني والوطني في هذه اللحظات الحاسمة الحرجة التي يمر بها السواد الاعظم من الشعب البحريني بالنظر لأوضاعه المعيشية المتدهورة مسنودين في ذلك بدعم القيادة السياسية كما تجلت في توجيهات سمو رئيس الوزراء الآنفة الذكر. لقد آن الأوان لضبط المتلاعبين بالأسعار والذين يعمدون الى رفع اسعار السلع بين حين وآخر دونما اسباب وجيهة، وكذلك ضبط الذين يعمدون الى رفعها بنسب عالية من دون وجه حق، هذا ان يكن اصلا لديهم ادنى تبرير معقول للرفع، كما آن الاوان لعدم التستر عليهم طويلا بل التشهير بهم ليكونوا عبرة لمن لا يعتبر. ولنا فيما اقدمت عليه امانة مدينة الرياض السعودية مؤخرا بتطبيق لائحة الجزاءات والغرامات البلدية الصادرة بقرار من الحكومة السعودية على غير المتقيدين بأسعار السلع أو عدم وضع تسعيرة على تلك البضائع، ومن هذه الجزاءات اغلاق المحل عند تكرار المخالفة.. نقول: لنا في هذا الاجراء السعودي خير قدوة في هذه اللحظات الحاسمة الحرجة التي يواجه فيها مجتمعنا تحديات دقيقة.

صحيفة اخبار الخليج