المنشور

توجه تيار الإسلام السياسي لحبس الصحفيين

في خضم النضالات والمطالبات والفعاليات التي تقودها مؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي دعما لجمعية الصحفيين البحرينية من أجل تشريع قانون متقدم للصحافة والطباعة والنشر يخلو من عقوبة السجن للصحفيين يخرج أحد قادة تيار الإسلام السياسي وهو رئيس جمعية الشورى الإسلامية بدعوة يطالب من خلالها بإصرار شديد عبر الصحافة المحلية وبين أروقة مجلس الشورى وتحت قبته بحبس الصحفيين.. ولعل ما أثار استياء المجتمع البحريني وامتعاض الصحفيين والكتاب والمثقفين هو ما جسده أيضا مجلس إدارة جمعية الشورى من الاستبداد بحيث تجاوزا طائلة العقاب الحديدي ألا وهو التشجيع المطلق والدعم الكامل لفتوى رئيس مجلس جمعيتهم.. فهكذا جمعيات إسلامية تحاول تغييب العقول بمحاربتها حرية الصحافة وتهميش الصحفيين، فإنها في واقع الأمر تحارب الكلمة المستنيرة الشريفة، وتلاحق حاملي الأقلام الحرة مثلما ترسخ مقص الرقيب في حجب المعلومات والتستر على مظاهر الفساد وتداعيات وحقائق هدر المال العام بقدر هدر حرية الفكر والرأي والقلم.. ولكن ليس ما يثير الدهشة والغرابة أن يجد المواطن دعوة جمعية الشورى الإسلامية بحبس الصحفيين أصبحت مستهلكة باجترار وتكرار يثيران الغثيان.. طالما جاءت هذه الدعوة المستهلكة امتدادا لدعوة نواب تيار الإسلام السياسي الذين دأبوا خلال طوال الفصل التشريعي الأول بفتاواهم ووصاياهم بحبس الصحفيين، حينما وقفوا خلال جلسات البرلمان في شهر إبريل وما قبله وقفة التيار المتصلب المتشدد تحت قبلة البرلمان ضد حرية الصحافة بتقييدها بأقفال صدئة، والسعي إلى حبس الصحفيين في ايداعهم وراء قضبان السجون بأجندة الخطاب الديني ومحاولة تكميم أفواههم بكسر أقلامهم واستلاب كرامتهم في انتهاك حقوقهم ومصادرة حرياتهم بفتاوى ووصايا تيار الإسلام السياسي. ولعل القول يبقى صحيحا بأن تأكيد جمعية الشورى الإسلامية بالقول «لم تؤيد تمييز الصحفي على بقية المواطنين وضرورة مساواة جميع المواطنين أمام القانون« هو ترسيخ لما أدلى به نواب تيار الإسلام السياسي «الأصالة والمنبر الإسلامي« في الفصل التشريعي الأول بتصريحاتهم بالقول «يجب أن يعامل الصحفي أسوة بباقي الناس فإذا أخطأ يطبق عليه القانون سواء بالغرامة أو الحبس«.. وللتدليل على ذلك هو سعي نواب تيار الإسلام السياسي تحت قبة البرلمان آنذاك من خلال لجنة الخدمات التي يشرفون عليها بمجلس النواب وزجهم (المادة 69) في تقرير اللجنة التي تقضي بموجبها بحبس الصحفيين.. بقدر اعتمادهم أيضا لما جاء في قانون العقوبات وانسحابه على قانون الصحافة والطباعة والنشر.. من هذا المنطلق يبقى القول صحيحا إنه ليس بمستغرب أن تتبنى جمعية الشورى الإسلامية أم الجمعيات الأخرى من تيار الإسلام السياسي دعواتها بحبس الصحفيين.. طالما تظل هذه التيارات الإسلامية المتشددة خارجة عن التاريخ تسبح في الاتجاه المعاكس لأماني وتطلعات الشعب وما ينشده من نسمات الحرية والديمقراطية بقدر ما يكشف هذا التيار الإسلامي عن دعواته العدائية الاستعدائية لمفاهيم الديمقراطية ومبدأ التعددية التي تصفها بالدخيلة على المجتمع وعلى التقاليد والأعراف غريبة على الدين الإسلامي وتعدها حراما موصومة بالنجاسة وعدم العفة والنزاهة بل تحسبها تجاوزا للشريعة والعقيدة ولعل هذا ما صرح به قادة جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية في عقد التسعينيات من القرن المنصرم (عباس مدني وعلي بلحاج) وغيرهما، بحيث طالبوا بعد فوزهم في الانتخابات بعودة المرأة إلى البيت مع مناداتهم وتصريحاتهم بأن الديمقراطية حرام ودخيلة على المجتمع الجزائري. إن من الأهمية بمكان القول إنه بقدر ما جاءت دعوة جمعية الشورى الإسلامية بحبس الصحفيين تتويجا لدعوات الجمعيات الدينية لتيار الإسلام السياسي من ضمنه النواب الإسلاميون فإن هذه الدعوات في الوقت ذاته جاءت لتدفن في مهدها بجرأة الوقفة الوطنية لجماهير الشعب البحريني بمؤسساته المدنية ورموزه الوطنية المستنيرة ومعارضته السياسية والديمقراطية والتقدمية.. وبقدر ما سعى تيار الإسلام السياسي ويسعى دائما وأبدا إلى محاربة الصحافة والصحفيين والكتاب وأصحاب الرأي والضمير فإن الصحافة التي تمثل السلطة الرابعة بجسامة مهماتها التنويرية وقدسية رسالتها التوعوية ومسئولياتها الرقابية على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية قد انتصرت هذه الصحافة على الدعوات الإسلامية والأقلام الجريئة على حملات تيار الإسلام السياسي الترهيبية من التجييش والتكفير والتجريح والتشهير بمن اختلف معهم في الرأي والفكر والمعتقد خلال خطابهم الديني الذي حمل في أجندته «النص والحاكمية والحقيقة المطلقة« لقد انتصرت الكلمة الشجاعة كلمة النقد البناءة التي هي أساس تطوير المجتمع الديمقراطي وترسيخ عملية الإصلاحات العامة بحيث تمثلت تلك الانتصارات في تلك النضالات وتلك المطالبات من قبل مؤسسات المجتمع المستنيرة وفي مقدمتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي وجمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد« وجمعية الصحفيين البحرينية وذلك من أجل تشريع قانون للصحافة متطور ومتقدم بطابع من العصرنة والحداثة والمفاهيم الحضارية والمستنيرة.. بحيث يصون كلمة النقد البناءة ويذود عن الأقلام الحرة وإلغاء وخلو كل ما ينص على حبس الكلمة أو عقوبة السجن للصحفيين بحسب ما يكون هذا القانون المدافع الأول عن الصحافة بمهامتها ومسئولياتها الصحفية والوطنية والأدبية والشعبية وبمكانتها الكبيرة في تمثيلها السلطة الرابعة.

صحيفة اخبار الخليج